أزياء تشبه تلك التي رأيناها على شاشات التلفاز، وكان يرتديها رواد "الزمن الجميل"، تعود إلينا مرة أخرى، ولكن بلمسات عصرية، وأنامل ميرا عدنان البابا (27 عاماً)، من مدينة غزة جنوب فلسطين.
أحيت البابا أجيال السبعينيات والثمانينيات في تصميماتها العصرية، هذا الزمن الذي ما أن نتذكره حتى يحضر إلى مخيلتنا مباشرةً أبرز نجوم الفن العربي، كعبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وشادية، وسميرة توفيق، وغيرهم.
وكما يقول المثل الشعبي: "الحاجة أم الاختراع"، فقد كان عامل تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، وارتفاع معدلات البطالة بين شباب غزة لأكثر من نصفهم، دافعاً للتوجه نحو هذه المهنة النادرة، تقول ميرا البابا.
"أزياؤنا هويتنا"
حصلت ميرا على درجة البكالوريوس في المحاسبة من جامعة الأزهر في غزة، وماجستير بإدارة الأعمال الدولية من جامعات بريطانية، تقول أنها خلال سنوات دراستها، كرَّست طاقاتها في مجال الأزياء والموضة.
توجهت ميرا في تصميماتها إلى أزياء الماضي، وإعادة تقديمها بطريقة عصرية، توضح في حوار لرصيف22 بأن استلهامها لهذه الفكرة جاء من نظرتها "غير المُحبَّبة" لأزياء النساء في هذا العصر، وخاصة أزياء السيدات الأربعينيات، والأمهات، التي تسبب ضيقاً للواتي يرتدينها، وخاصة في فترات الصيف والحر الشديد، وأيقنت مدى قناعتها بهذه الفكرة من خلال متابعتها للموضة والأزياء في الغرب، وعملها في شركات تسويق الأزياء في ألمانيا بعدما سافرت إليها عام 2015، ثم انطلقت إلى إسطنبول بتركيا لتقوم بتصميم ما تعلمته من خلال عملها في مجال الأزياء لمدة سبع سنوات متتالية في أربع دول مختلفة، بين غزة وإسكتلندا وإنكلترا، ثم ألمانيا.
استلهمت مصممة الأزياء الفلسطينية ميرا البابا الفكرة من نظرتها "غير المُحبَّبة" لملابس النساء المتقدمات في العمر الآن، والتي تضايق أجسادهن، على عكس ما كان في الماضي
" تعد أزياء غزة عاملاً مشتركاً لجميع التصاميم، مع آخر يحمل طابع الزي التراثي الفلسطيني القديم، والمأخوذ فكرته من الشهيدة دلال المغربي"
طوال تلك السنوات، بحثت ميرا عن استقلاليتها من خلال قدرتها على التعبير عن نفسها، عبر زي ترتديه يمثل هوية ودلالة تعريفية لها، ودفعتها طريقتها في التفكير تلك أكثر إلى عالم تصميم الملابس، تقول ميرا: لطالما كانت الأزياء هوية للبعض عبر التاريخ، ومَيَّزتهم عن غيرهم من الأشخاص، كزي البدلة العسكرية والكوفية التي كان يرتديها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والتي جعلته رمزاً لفلسطين، وزي إيريك لاوسون الذي اشتهر بصوره المستخدمة للترويج لسجائر "مالبورو"، وزي معمر القذافي الذي اشتهر بملابسه التي تختلف عن كافة الزعماء العرب، ومنحته هوية تخصّه"، وعلى هذا الأساس تسعى ميرا لتكوين "هوية دالة عليها" من خلال أزياءها المصممة بيديها.
بحثت ميرا البابا عن أمور توصلها للتميز في هذا الجانب، وتجعلها مختلفة عن غيرها في عالم الأزياء، حتى استطاعت أخيراً الحصول على بصمة، وعلامة تجارية خاصة بها، وذلك بالعودة إلى أزياء الماضي.
ملابس أثرياء "الزمن الجميل"
تعيش ميرا حالياً في مدينة إسطنبول التركية (بشكل مؤقت)، حيث تقوم بالترتيبات اللازمة لإيصال رسالتها للعالم أجمع، متخذة من هذه المدينة نقطة انطلاق دولية إلى جانب مدينتها الأم "غزة"، وسيتم عرض أولى تصميماتها وأزيائها في منتصف يناير 2020 خلال أسبوع فلسطين الدولي للسينما، في مدينة دبي بدولة الإمارات، حيث تشارك البابا باسم مجموعة "Clothing collection"، لتقوم بعد ذلك بعرض منتجات من تصميمها على عارضات وعارضي الأزياء في العالم، وكذلك محبي الموضة والمتماشين معها، بحسب حوارها لرصيف22.
أزياء صديقة للبيئة من خلال إمكانية إعادة تدويرها، كما توضح البابا، فهي لا تحتوي على مواد كيماوية إطلاقاً، بل أغلب مصادرها من ألياف نباتية وحيوانية.
تقول ميرا: "كان أثرياء الزمن الجميل يمتازون بتلك الأزياء المصنوعة من الجلد الحيواني الخالص، حتى حقائبهم ومحافظ نقودهم وقبعات الرأس التي تنطبق على كل قطعة من الملابس التي يرتدينها الرجال والنساء، أو بعض الألياف النباتية المستخرجة من الأناناس، وهي أغلى أنواع الألبسة في العالم، وكذلك الحرير والقطن وغيرها".
تضيف ميرا، مدافعة عن اختلافها: "تعد هذه الأزياء القديمة صديقة للبَدَن البشري، فهي لا تسبب أية آثار جانبية على الجلد، كالحساسية والحكة مثلاً، أو حتى التقرّحات والالتهابات الجلدية، كما أنها لا تسبب أية روائح كريهة للجسم، وبعضها تعمل على امتصاص العرق سريعاً، وخاصة الأزياء المصنوعة من صوف وفرو الحيوانات، أو القطن النباتي".
وتقول البابا لرصيف22: "هذه الأزياء التي تميزت بها إطلالات الفنانات وطبقة الأثرياء من جيل السبعينيات والثمانينيات، خاصة في جمهورية مصر العربية، أضفنا عليها لمسة من الموضة المنتشرة في الأراضي الفلسطينية في تلك الحقبة الزمنية أيضاً، وجمعتهما معاً في زي واحد، حيث امتازت أزياء تلك الفترة بالتنانير الطويلة للنساء، مقارنة بالتنانير زاهية اللون والقصيرة في مصر وسوريا، مع الكتّافات في السترات، والأحذية الخريفية لحقبة الثمانينيات، مع بعض تسريحات الشعر المخصصة لكل ملبس، حيث جمعتها في زي واحد حسب المراعاة المتخذة مع المجتمع المحافظ في قطاع غزة".
"أما أزياء الرجال في فترة الثمانينيات"، تقول البابا، "فتشتهر بالقمصان الملاصقة تقريباً للجسم، والتي تجسِّد البدن نوعا ما، وكذلك السراويل الضيقة من منطقة الفخذين، والواسعة من الأسفل، بألوان زاهية ومتعددة، بينما امتازت غزة بذات الألوان، ولكن القمصان والسراويل كانت واسعة وفضفاضة، حيث تم اتخاذ الدراسات اللازمة لجمع هذه الأزياء بموضة زي واحد، حسب التقاليد والعادات المتعارف عليها في بعض البلدان".
وتشدد ميرا على أهمية العنصر الوطني الأصيل في تصميماتها، تقول: "أزياء غزة عاملاً أساسياً ومشتركاً رئيسياً لجميع التصاميم، مع آخر يحمل طابع الزي التراثي الفلسطيني القديم، والمأخوذ فكرته من الشهيدة دلال المغربي، صاحبة أكبر عملية فدائية في تاريخ الشعب الفلسطيني في سبعينيات القرن الماضي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع