تنويعات جنسية بين الإباحي الإيروسي والعنفي
يتنوع حضور الجنس في رواية "حرّاس الهواء"، فمتابعة تنويعات حضور الجنس تكشف لنا عن الجنس الإيروسي (العلاقة بين لمى وإياد)، والجنس العنفي "الاغتصاب" (حكاية اللاجئة السودانية)، والجنس العشقي، والجنس الأخلاقي (العلاقة بين عنات وسعيد مبارك وبيير)، والجنس الوظيفي (العلاقة بين حسن وجميلة).
أما متابعة الحكاية الجنسية للشخصية الرئيسية "عنات" (مترجمة في السفارة الكندية)، فإنها تعطي حكاية امرأة تبحث عن أسئلة العلاقة الجنسية والأخلاق، وتبحث عن اللذة الجنسية، لكن تحت الضغط الأخلاقي كون حبيبها "جواد"، معتقلاً سياسياً. إنها رواية عن سؤال المرأة تجاه جسدها وشهوتها في حالة اعتقال الحبيب أو غيابه، وأسئلتها الأخلاقية، وقلقها العميق، وتجاربها المشحونة.
تعيش "عنات"، في حالة جنسية من النوستالجيا مع حبيبها المعتقل جواد، ويتم تبادل الرسائل بين السجن وخارجه، بين عنات وحبيبها، عبر إخفائها داخل وردة جورية، أو داخل علبة من الشوكولا: "أنا البحار الذي أجوب المحيطات بحثاً عنك. أتذكر أوقاتنا الطويلة في غرفة أتوستراد المزة، شمعتك الأرجوانية تضفي على المكان الصغير والحميم كقلبك مسحةً مثيرةً. غناء أسمهان من كاسيتك يلفّني ويسكرني مع عسل رضابك وأمداء جسدك الدافئ. أحسّ كل شيء الآن تحت يديّ ولساني وهو يجوس تفاصيلك الفاتنة". هذه العلاقة الجنسية عن بعد، ما تلبث أن تفقد تأثيرها، وتنتقل بنا "عنات"، إلى أسئلة الجنس والإخلاص والأخلاق؛ كيف يمكن عيش التجربة الجنسية لامرأة يعيش زوجها وحبيبها في المعتقل؟ أين الموانع الأخلاقية والفردية والنضالية؟ وتجري الحوارات التالية بينها وبين صديقاتها حول ذلك: "كنت أريد الجواب من أجلي أنا في البداية. سؤال راح ينهشني منذ فترة. لم لا يكون هناك رجل آخر؟!
يبدو السؤال الجنسي والسؤال الأخلاقي متلازمين في الأدب الإباحي، فلا يمكن قراءة نصوص الماركيز دو ساد إلا باعتبارها سؤالاً أخلاقياً حول إلى أي مدى يمكن أن تنحرف الشهوات الإنسانية؟ وما الذي يحصل في حال إطلاق العنان لتحقيق فانتاسماتها؟
إنها تذوي يوماً عن يوم. موت بطيء يعرّش على جنبات أوقاتها. هل تستطيع امرأة مثلها أن تقضي العمر دون يدين تدوّران لياليها؟! دون قلب تلقي فيه بقايا روحها؟! أو تلقي فيه كل طزاجتها ودهشتها وغوايتها.
- لا أقدر.
- لماذا؟ لأن الآخرين سيعهّرونك؟
- ممكن... ولأني أحبه أيضاً. ثم أين المبادئ؟ كل ما بقينا سنوات ننادي به نقتله بلحظة من أجل ليلة جنس؟!! هذه خيانة عنات. سأكون خائنة وقتها!
- لكن للجسد حاجات... نحن نقتل أرواحنا بهذه الطريقة!!
- ألبّيها وحدي.
- يعني بالعادة السرّية؟ لا ترتبكي من سؤالي... لنسمّي الأشياء بمسمياتها. ألا تشعرين بأنك صرت أشدّ وحدةً وإهمالاً بعدها؟ ألا تكرهين جسدك أكثر فأكثر؟
راحت ضحى تجهش بأن ما تفعله مياسة حرام. وأنها تحبها بجنون... والله تحبها.
- حرام الذي عملته أنت... تركت زوجك مرمياً في السجن محطّماً مكسور القلب؟!".
الكبت، الذنب، والجنون... سجن الرغبة داخل الجسد
يروي فيلم "الريش" (Quills، 2000، إخراج فيليب هوفمان)، حكاية الأيام السجنية للماركيز دو ساد، في مصحة شارلتون. إننا نرى هوس ماركيز دو ساد، في الكتابة من داخل السجن؛ يكتب بريش دجاج الطعام، ثم يكتب بدمه، وأخيراً يكتب بخرائه. إنها رغبة الجسد في الكتابة هي التي لا يمكن الوقوف أمامها. يكتب ماركيز دو ساد ليسائل الرغبة والانحرافات الجنسية، ويروي:
"عزيزي القارئ، لديّ حكاية صغيرة بذيئة أخبرك بها، مُقتطفة من بين طيات التاريخ، تمّ تزييفها... لتبدو حقيقةً، لكنها بالتأكيد تثير المشاعر، إنها قصّة الآنسة رينارد، وهي فاتنة أرستوقراطية، سحبت غرائزها الجنسية السلسلة من الفتنة إلى الهمجية، من لا يحلم بالانغماس في فورة الرغبة، وإطعام كلّ شهوّة فاسدة؟ وبسبب ولادتها النبيلة، كانت لدى الآنسة رينارد، صلاحيّة كاملة للقيام بذلك تماماً، أن تُصاب بألم ولذّة متعادلين في المتعة، حتى جاء يوم، وجدت الآنسة نفسها، تحت رحمة رجل، كلّ جزء منه يُماثل انحرافها، رجل موهوب في فنّ الألم، تجاوز ما لديها، بلا رجاء، هكذا بسهولة، قارئي العزيز، يتحوّل المرء من مُفترس، إلى فريسة، وكم يُنزع السرور بسهولة من البعض، ويُمنح لآخرين".
السؤال الجنساني والنفساني ذاته، تعيشه "عنات" في رواية "حراس الهواء". إنها تنازع بين رغبتها الجنسية في التجريب، وبين التزامها الأخلاقي تجاه حبيبها، ويرافقها شعور بالذنب عند ممارستها الجنس مع سعيد مبارك.
للجسد والسجن حكاية أخرى في فيلم. إنه حكاية جسد قسيس المصحّة المسجون في موانعه الدينية المسيحية، والفتاة العاملة في المصحة. إنها عاشقة للقسيس الكنسي، وهو يقاوم اندفاعته العاطفية تجاهها. هذه الحالة من الكبت تولد آثاراً عميقةً على العقل والشعور، فحين تموت مادلين (فتاة الدير)، يشعر القسيس بالأسى العميق، إنه يهلوس في أحلامه بممارسة الجنس مع مادلين، ثم يقوده الحرمان من الرغبة الجنسية إلى أن يفقد توازنه العقلي، ويدخل المصحة كما كان الماركيز دو ساد، قسيس المصحة الذي كبت العشق والرغبة الجنسية إلى حد الجنون، فأصبح نزيلها.
السؤال الجنساني والنفساني ذاته، تعيشه "عنات" في رواية "حراس الهواء". إنها تنازع بين رغبتها الجنسية في التجريب، وبين التزامها الأخلاقي تجاه حبيبها، ويرافقها شعور بالذنب عند ممارستها الجنس مع سعيد مبارك:
"تمدّد سعيد بسرعة فوقها، وأولجه مباشرةً دون أية مقدمات. بلغت عنات اللذة بسرعة فيما كان هو يجاهد فوقها للبلوغ. انسلت من تحته فجأةً، وراحت تلبس ثيابها المرمية على الأرض بجانب السرير. كانت تفكر أن أية امرأة أخرى وطبيعية لن تحصل على ذرة متعة مع هذا الأخرق. وأنها لو لم تكن لاهثةً لرائحة رجل لما أحسّت بشيء معه. كان منفّراً، ولا يعرف بحال ماذا يعني جسد المرأة! تلك الليلة فركت جسدها مرات ومرات تحت الدش. رائحة سعيد مبارك لا ترضى أن تفارقها. رائحة تجمع أريج عطر قوي، يليق بعراقي كهل، ورائحة عرق نفاذة وطاغية، وجيفة متعفنة مطمورة في فمه. كانت تشعر بالغثيان فرائحة لعابه ما تزال ملتصقةً بشفتها العليا لا ترضى مفارقتها".
ما تلبث "عنات" في تجاربها الجنسية التالية، أن تتخذ قراراً بعدم الاستسلام للشعور بالذنب بعد ممارساتها الجنسية: "الآن يمسّد بيير، الموظف الكندي الشاب، فخذَي عنات راطناً بعبارات فرنسية لا تتبيّنها جيداً. وجهه المستمتع تحت خصلات شعرها النازل إليه جعلها تزداد شبقاً، ولسانه الذي انطلق يداعب لسانها جعلها تصل إلى ذروتها فوقه للمرة الثالثة. بدايةً كانت عنات تستمتع بفحش الكلمات الإنكليزية. كل ما كانت تخجل من قوله بالعربية راحت تتدلل به بالإنكليزية وهي بين ذراعي بيير. لسبب ما كانت كلمات الشبق العربية مرتبطةً داخلها بالشتائم والعيب والانحطاط. ممارسة الجنس مع بيير تختلف تماماً عن ممارسته مع سعيد مبارك. بما أنها قررت ألا تشعر بالذنب، أن تعيش الحالة بكل أبعادها بلا أية رواسب أخرى، فقد كان هجوعها النهائي مسالماً".
الأسئلة الأخلاقية في المتعة الجنسية
يبدو السؤال الجنسي والسؤال الأخلاقي متلازمين في الأدب الإباحي، فلا يمكن قراءة نصوص الماركيز دو ساد إلا باعتبارها سؤالاً أخلاقياً حول إلى أي مدى يمكن أن تنحرف الشهوات الإنسانية؟ وما الذي يحصل في حال إطلاق العنان لتحقيق فانتاسماتها؟ هذا التأويل الذي قدّمه المخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني، لعمل ساد الأشهر "120 يوماً في سدوم أو مدرسة الخلاعة" (1785)، وذلك في فيلمه "سالو" (1975)، حيث يصوّر مجموعةً من الضباط الفاشيين يحتجزون فتياناً وفتيات في قصر معزول ليمارسوا معهم/ن أكثر الاستيهامات الجنسية جموحاً وتطرفاً، وتنحرف الرغبات الجنسية من التابوهات البسيكولوجية إلى العنف الجنسي الدموي والعنف الجنسي المقزز.
لقد عبّر الماركيز دو ساد، أكثر من مرة، عن دافعه إلى الكتابة لتجريب الاستيهامات والفانتاسمات الجنسية بحدودها القسوى، وقد حمّل أعماله الأدبية أفكاره الفلسفية والتنويرية في ذلك الحين، وساءل العلاقة بين القدر والمصير والبراءة، فروايته "جوستين" (1791)، تحمل عنواناً فرعياً "تعاسة الفضيلة":"قصّتنا تتعلّق بحورية، تُدعى جوستين، وكخادمة عذراء جميلة دوماً، دخلت إلى دير راهبات، ذات قوام مُكتنز ويانع جداً، بدا مؤسفاً أن تودعه إلى الرّب، ذات صباح، وضع الأسقف يده على فخذها، صاحت قائلةً: أبتاه المقدّس جئت لأعترف بذنوبي لا لأرتكبها ثانيةً، ومن دون اكتراث، أدارها الكاهن العجوز على ركبتيه، ورفع تنّورتها إلى أعلى فوق وركيها، فاضحاً اللحم الوردي لمؤخرتها، هناك، بين دوائر أردافها ذات الغمازات، يرقد بُرعم مُحمّر خجلاً... يستجدي أن يُقطف، قبل أن تتمكّن جوستين من مُغالبة قبضته، كان أكثر الرجال كفراً قد أخذ إحدى رقاقات العشاء المقدّس، وهو تمثال جسد سيّدنا يسوع المسيح، ووضعه على فوهة فرج الفتاة، بينما حلّ رجولته من تحت عباءته، تمتّم الأسقف بصلاة لاتينية، وبعد ذلك، مع دفعة هائلة، قاده إلى داخل أحشائها".
الجنس الإيروتيكي بين الأدب والعشق
يحضر أيضاً الجنس الإيروسي في رواية "حراس الهواء"، وذلك عبر حكاية فرعية لعلاقة بين عاشقين لمى وإياد. لمى تبحث عن مراجع وإلهامات جنسية في الأدب الإيروتيكي والإباحي لأجل الاستمتاع بالجنس، لكن إياد يرغب في الممارسة الجنسية الخالصة العاطفية التي تثيره بأشد ما يمكن، وتحضر مراجع من الشيخ النفزاوي في الحوارات بينهما: "خرجت لمى ضاحكةً من غرفة النوم، وهي تراقب إياد يتملّى في الورقة. ثم اقتربت متدللةً لتجلس في حضنه جاعلةً كل ساق من ساقيها على أحد جانبيه.
يحضر أيضاً الجنس الإيروسي في رواية "حراس الهواء"، وذلك عبر حكاية فرعية لعلاقة بين عاشقين لمى وإياد. لمى تبحث عن مراجع وإلهامات جنسية في الأدب الإيروتيكي والإباحي لأجل الاستمتاع بالجنس، لكن إياد يرغب في الممارسة الجنسية الخالصة العاطفية التي تثيره بأشد ما يمكن
- أتعرف حبيبي ما هو المحمود من الرجال عند النساء كما يقول الشيخ النفزاوي؟
ضحك إياد. كانت تبدو مستعدةً لإلقاء أحد دروسها الإيروسية. ولأنه لم يكن يريدها أن تتكلم أطبق بكلتا شفتيه على فمها ليغلقه. تملّصت وأكملت: كبير المتاع، الشديد، القوي، الغليظ، البطيء الهراقة، السريع الإفاقة من الشهوة. كان يتوق لإخبار حبيبته بأن الجسد، حين يكون عاشقاً، لا يحتاج إلى مراجع لشهوته، يستطيع أن يخطّ سفره الخاص المتفرد بهدى عشقه لا غير. أداء جسده العاشق لن يكون الآن حكراً على مجموعة من التعليمات والأبيات المحفوظة. كان يريد أن يقول لها إنه بات يضجر من دروسها الإيروسية المتكررة، وإنه يفضّلها بدون ذاكرتها النظرية تلك. لتدع جسدها الهائل بتفانينه ليعلّمه دون نظريات. كان يريد أن يقول ويقول لكنه أحجم حين صار صوت لمى، بعد دقائق، خافتاً وهي تناجيه وتدعوه متدللةً وعيناها مغمضتان. كانت حنجرتها تصدر أصواتاً مبحوحةً، وساقاها يحتضنان خصره وهو فوقها على السرير، فيما تنغرس أظافرها عميقاً في لحم كتفه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.