شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
النقابات السرّية للنساء الإيرانيات

النقابات السرّية للنساء الإيرانيات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 14 أبريل 202305:35 م

ساهمت المرأة الإيرانية في انتصار الثورة الدستورية في البلاد سنة 1906، التي تم بعدها تحديد صلاحيات الملك ومساهمة الشعب في القرار الحكومي عبر تشكيل البرلمان. لكنهن لم ينلن حصتهن من كعكة الانتصار، وتم تهميشهن كما في السابق، من قبل الثوار.

رفض البرلمان الإيراني منذ ولادته، أن يصادق على تعليم النساء ومشاركتهن الاجتماعية، ورد على مناشدتهن: "التعليم في مجال تربية الأطفال والأمور المنزلية تكفي للنساء. أما المشاركة السياسية والحكم فهما من حق الرجال فقط، ولا يحق للنساء العمل في ذلك".

ردت الناشطات على هذه القيود والرفض العلني لحقوقهن بتشكيل نقابات شبه سرّية، ونظّمن اجتماعات حول كيفية نيل المرأة حقوقها والنضال ضد النظام الأبوي.

يذكر الاقتصادي الأمريكي وليام موركان شوستر، الذي كان أمين صندوق الدولة في إيران سنة 1911، في كتابه "اختناق إيران"، أن "الإيرانيات ومن دون خبرة سياسية واجتماعية طويلة، قد تقدّمن نحو مئة عام بين ليلة وضحاها، وشغلن مناصب كمعلمات وصحافيات وأسّسن نوادي نسائيةً، وناضلن سياسياً، وقد حصلن على إنجازات لم تحصل عليها المرأة الغربية في عقود، وربما في قرن كامل".

البدايات

بدأ حراك المرأة الإيرانية للمساواة بين المرأة والرجل في منتصف القرن التاسع عشر، مع نشاط المناضلة طاهرة قرة العين، وهي أول امرأة خلعت الحجاب عن رأسها في إيران ونالت عقوبة الإعدام. ولكن ما حفز النساء ومنحهن الجرأة على النضال في القرن العشرين، هو انتصار الثورة الروسية 1905، التي أتت بالمساواة في الحقوق بين الجنسين.

وأنشأت الإيرانيات من الطبقة العليا، كالأسرة الحاكمة والوزراء والتجار والحكام المحليين، نقابات متعددةً شبه سرّية، بين سنتَي 1906 و1911.

كانت نقابة "حريت نسوان"، أي حرية النساء، أولى النقابات التي تأسست في كانون الأول/ديسمبر 1906، وكانت بمثابة معهد تعليمي، يقيم اجتماعات في الخفاء في بستان في ضواحي العاصمة مرةً واحدةً كل أسبوعين

يصف الأمريكي شوستر هذه النقابات في طهران، بأنها كانت تنسّق نشاطها مع بعضها البعض عبر لجنة مركزية، وهي الأخرى تضم قسم الدراسات، للرد على استفسارات الفتيات.

كانت نقابة "حريت نسوان"، أي حرية النساء، أولى تلك النقابات التي تأسست في كانون الأول/ديسمبر 1906، وكانت بمثابة معهد تعليمي، يقيم اجتماعات في الخفاء في بستان في ضواحي العاصمة مرةً واحدةً كل أسبوعين. وكان يحق للرجال الحضور في تلك الاجتماعات من دون الخطابة أو إلقاء المحاضرات، لأن الغاية تكمن في تأهيل النساء للحضور في العلن، والخطابة في المجتمع.

كنّ يحاضرن عن الشؤون السياسية والاجتماعية، ويقدّمن الحلول ويستشرن الحاضرات عن ذلك. ولمعت هنا أسماء أصبحت صاحباتها في ما بعد من أشهر الناشطات في تاريخ البلاد المعاصر؛ صديقة دولت آبادي، صفية يزدي، شمس الملوك، وكذلك شاركت الأميرتان افتخار السلطنة وتاج السلطنة، ابنتا الملك ناصر الدين شاه القاجاري، الذي كان قد توفي قبل 11 عاماً وقتذاك.

كما شاركت في الأمر مبشّرات أمريكيات، من أمثال مري بارك جوردن، وآني ستوكينج بويس. وحينما وصلت أخبار النقابة إلى مسامع الناس، هاجموا موقع الاجتماعات، وقبل وصولهم فرّت المشاركات بعد أن أخبرهن شاب أرمني بذلك، وهكذا تعطلت أول نقابة نسائية.

"امنحونا 40 يوماً وسترون العدالة"

أما "اتحاديه غيبي نسوان"، أي اتحاد النساء الخفي، فكانت من أبرز النقابات السياسية التي تأسست عام 1907، وهي مجموعة ثورية متحمسة كانت تقول عن نفسها إنها المتحدثة باسم فقراء المجتمع، إذ تطالب بالاعتراف الرسمي من قبل البرلمان بحقوق المرأة والمساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية.

"فوّضوا شؤون البلاد أربعين يوماً للنساء، من دون أن تعدّوا ذلك عاراً، وسنختار النواب والوزراء والحكام ونصحح القانون، وسنخلع جذور الظلم والاستبداد"؛ هكذا أعلنت النقابة في بيانها الأول الذي نشرته صحيفة نداء الوطن، في تشرين الأول/أكتوبر 1907.

النقابة الأخرى كانت تُسمّى "نسوان" (النساء)، وكانت تعتقد بأن هذه النقابات النسائية يجب أن يصادق عليها البرلمان، وتصبح رسميةً وعلانيةً.

ثم برزت نقابة "مخدَرَات الوطن"، بمشاركة 60 ناشطةً، وأصبحت صديقة دولت آبادي، أمينتها. ودعمت النقابة تحريم البضائع الأجنبية والديون الخارجية، وقامت عضواتها بإنشاء مدرسة للبنات، وصفوف تعليمية للكبار، ودار للأيتام.

وفي إحدى خطابات رئيسة النقابة السيدة أغا بيكُم، ذكّرت الحكومة بوضع النساء في البلدان الأخرى: "كفّوا عداءكم للنساء، وفكروا في مستقبل فتياتكم البريئات، ولا تسمحوا بأن يصل الوضع إلى ما وصلت إليه فتيات مصر والسودان ومنطقة القوقاز، حيث عبيد هنا وهناك".

ويمكن الإشارة إلى أسماء باقي النقابات التي عملت في مطلع القرن العشرين: شركة خواتين إيران الخيرية، ونقابة خواتين إيران، واتحاد النسوان، ونقابة هِمَم الخواتين، وهيئة الخواتين الرئيسية.

تمركزت معظم النقابات في العاصمة طهران، ولكن لم تنسَ سيدات المدن الكبرى حصتهن من هذا النضال المستمر، إذ أعلنت مجلة عالم الإسلام الناطقة باللغة الفرنسية، في شباط/فبراير 1907، أن 150 امرأةً في أذربيجان الإيرانية شمال غرب البلاد، قد شكلن نقابةً ليقفن في وجه التقاليد التي تخلّ في حياتهن.

أما سيدات مدينة أصفهان وسط البلاد، فقد شكّلن "هيئة النسوان"، وأقمن مظاهرات من أجل تحسين وضع المرأة، وقد يُعدّ ذلك عملاً جريئاً بسبب أن المذهب كان يطغى على المدينة.

قدوة في المنطقة

وفي مدينتي قزوين وسنكلج، فخرجت وقفات احتجاجية مطالبة بحقوق المرأة، وكذلك فعلت الإيرانيات المنفيات إلى تركيا، إذ شكّلن "النقابة الخيرية للإيرانيات المقيمات في تركيا"، ومنة هنا جاء تأسّي سيدات مدينة عشق آباد عاصمة تركمانستان في آسيا الوسطى، بنساء طهران في العمل التنظيمي.

بدعم بريطاني، أنذرت روسيا إيران عسكرياً في 1911، بأن تطرد الأمريكي وليام موركان شوستر من البلاد، إذ كان الأخير وبدعم من الديمقراطيين الإيرانيين، يحدّ من التدخلات الروسية في الشؤون الإيرانية.

"لا يتحمل الرجال المتاعب والمصاعب والآلام التي تتحملها المرأة. نحن لسنا أقل شأناً منكم، لماذا تخاطبوننا بالضعيفات والتعيسات؟".

أثار ذلك ضجةً في شوارع طهران وبعض المدن، واحتج السكان على التهديدات الروسية، وخرجت مظاهرات قوامها ما يزيد عن 50 ألف شخص، بينهم آلاف النساء يرتدين الأكفان تعبيراً عن جهوزيتهن للدفاع عن الوطن.

جاء تنظيم عمل النقابات وحضورهن في المظاهرات أمام البرلمان، برعاية نقابة نساء الوطن. وكتبت حينها الناشطة والصحافية بدر الملوك بامداد: "خرجت آلاف النساء للتظاهر وخطبن في الحاضرين وطالبن البرلمان بأن يقف في وجه التهديدات الأجنبية"، كما ألقت الشاعرة ومؤسسة نقابة نساء الوطن زينب أمين، أشعارها الوطنية للمتظاهرين/ات.

ورد في تقرير مجلة تايمز، حول ذلك الحدث النادر: "التظاهرات النسائية من الأمور المهمة والمثيرة للإعجاب في الحركة الوطنية، والتي خلقت مرحلةً جديدةً في النضال النسائي في إيران".

نشرت النقابات النسائية في نهاية كانون الأول/ديسمبر، بياناً يطالب المواطنين بأن يقوموا بخطوة مؤثرة في وجه الروس، ثم ذهبت الناشطات إلى المقاهي وطالبن بحظر استخدام السكّر الأوروبي والعربة الأوروبية وحتى قطار طهران الذي كان بيد الغربيين.

بحلول عام 1910، كانت هناك 50 مدرسةً للفتيات تنشط في العاصمة الإيرانية، وأقامت السيدات أول مؤتمر تعليمي عام. وفي عام 1913، نشرت صحيفة "شكوفه"، التي تدار من قبل النساء، قائمةً تضم أسماء 63 مدرسةً في طهران تدرس فيها 2،500 طالبة

كما نشرن بياناً أعلنّ فيه عن مدّ يد الأخوّة للشعوب الأخرى وطالبن بتلبية حاجتهن إلى دعمهم، وكان في جزء منه موجهاً إلى الناشطات البريطانيات: "الرجال الأوروبيون لا يسمعون صوتنا، أنتن أيتها النساء البريطانيات هل تسرعن في مساندتنا؟".

جاء الرد من الاتحاد السياسي الاجتماعي لسيدات بريطانيا: "للأسف، الحكومة البريطانية تمنعنا من ممارسة حقوقنا السياسية، ولسنا قادرات على أن نقف في وجه أعمالها في ما يتعلق بشؤون إيران. نتضامن مع أخواتنا الإيرانيات بعمق، ونثني على جهودهن الوطنية".

ثمار جهودهن

بحلول عام 1910، كانت هناك 50 مدرسةً للفتيات تنشط في العاصمة الإيرانية، وأقامت السيدات أول مؤتمر تعليمي عام. وفي عام 1913، نشرت صحيفة "شكوفه"، التي تدار من قبل النساء، قائمةً تضم أسماء 63 مدرسةً في طهران تدرس فيها 2،500 طالبة.

لم يحصل ذلك بسلام، فقد تحملت المعلمات، الشتائم والإهانات والضرب في الشوارع، في ظل عزوف الحكومة عن دعمهن، والتي طالبت بإغلاق المدارس كي لا تعمّ الفوضى في البلاد، لكن ثمة نساء خلّدهن التاريخ صارعن من أجل أن تبقى أبواب المدارس مفتوحةً؛ بي بي وزيرُف، وطوبى آزمودة، ودرة المعالي، وصفية يزدي، وماهرُخ كُوهر شناس.

كتبت الناشطة عصمت طهراني، في مقال "رسالة تعليم النساء"، في سنة 1909: "على النساء أن يتحلّين بالفطنة كي لا ينزعجن من سلوك وتصريحات الرجال الذين يروّجون أن السيدات عاجزات وبلا عقل. ليس الرجال والنساء متساوين فحسب، بل المرأة أقوى من الرجل في الكثير من الجهات، وسبقت المرأة الرجل في الذكاء والحكمة. لا يتحمل الرجال المتاعب والمصاعب والآلام التي تتحملها المرأة. نحن لسنا أقل شأناً منكم، لماذا تخاطبوننا بالضعيفات والتعيسات، وتشوّهون صورتنا وتقفون سداً منيعاً أمام حقوقنا الاجتماعية؟".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard