ختان الرجال... ما بين فقدان اللذة الجنسية أو الراحة مقابل الحدّ من الآلام

"اعتقدت أنّ الموضوع نفسي لحين وصل بي الأمر للصراخ أثناء ممارستي للعلاقة الجنسية لأنّني قسوت على نفسي"، هذا ما قاله أمير (اسم مستعار) الذي أجرى عملية الختان في عمر 32 سنة، بعد شعوره بآلام مع كل نشاط جنسي يمارسه.

وصف أمير (38 عاماً) ما حصل معه بـ "المؤلم جداً"، إذ شعر على مدى أسابيع طويلة بأنّ الجلد الذي يحيط بالقضيب يضيق كثيراً إلى درجة لا يمكنه التحكّم به: "كنت أشعر بالألم بمجرّد أن ينتصب القضيب، وحتّى أثناء ممارستي للاستمناء".

وفي الفترة نفسها، كان هذا الشاب يعاني من وضع نفسي سيئ، وبعد يومين من الآلام التي لا تُحتمل، توجّه إلى طبيب مسالك بوليّة شخّص الحالة بـ "الشّبم" أو "Severe Phimosis"، وطلب منه إجراء عملية الختان.

لماذا يتم الختان؟

التضيّق الشديد في القلفة هو حالة تصيب القضيب وتحدث عند بعض الأشخاص غير المختونين، بحيث تكون الفتحة في القلفة صغيرة إلى درجة يصعب فيها سحب القلفة فوق رأس القضيب باتجاه الجسم، مع العلم بأنه عند الولادة تكون القلفة ضيّقة، ولكنها عادةً ما تصبح أكثر مرونة وترتخي لتنفصل عن رأس القضيب خلال السنوات التي تتراوح بين 2 و6.

أما الختان فهي عملية إزالة الجلد الذي يغطي طرف القضيب، وتعتبر من أكثر العمليات الجراحية شيوعاً في العالم.

"اعتقدت أنّ الموضوع نفسي لحين وصل بي الأمر للصراخ أثناء ممارستي للعلاقة الجنسية لأنّني قسوت على نفسي"

في هذا السياق، قال البروفيسور في جراحة المسالك البولية محمد بلبل، لرصيف22، إنّ الختان يجرى لغايات دينية أو تجميلية أو من باب النظافة، منوّهاً بأنه يمكن القيام بهذه العملية في حال ضاقت القلفة على رأس القضيب أو أغلقت المسالك البولية: "تدفع الالتهابات المتكرّرة في الجلد، خصوصاً لدى المصابين بمرض السكري، إلى ضرورة إجراء الختان".

في دراسة أجرتها صحيفة كيوريوس الأميركية للعلوم الطبية في العام 2022، تبيّن أنّ حوالي 38% من سكان العالم مختونين، أمّا في دول الشرق الأوسط، فترتفع نسبة الختان إلى ما يفوق 90%، بخاصة وأنه في الدين الإسلامي مثلاً، يتوجّب على حديثي الولادة إجراء هذه العملية لأسباب عدّة، أبرزها الطّهارة والنظافة.

ماذا بعد الختان؟

في الفترة التي سبقت العملية الجراحية بنحو أسبوعين، ارتبطت كل النشاطات الجنسية لدى أمير بالألم، وبات التصوّر السلبي للجنس عالقاً في ذهنه.

وعن نظرته إلى عضوه الذّكري في هذه الفترة، قال: "بزرزع بدني منّو"، كاشفاً أن كل الخطوات التي سبقت العمليّة كانت صعبة أيضاً، خصوصاً وأنّ الطبيب طلب منه التوقّف عن ممارسة الجنس في هذه الفترة، هذا بالإضافة إلى فحص البول وفحص المستقيم بالإصبع Rectal examination.

في دول الشرق الأوسط، ترتفع نسبة الختان إلى ما يفوق 90%، بخاصة وأنه في الدين الإسلامي مثلاً، يتوجّب على حديثي الولادة إجراء هذه العملية لأسباب عدّة، أبرزها الطّهارة والنظافة

وتحدث أمير عن فترة ما بعد الختان، قائلاً لرصيف22: "كنت أشعر بأنّ جسمي بأكمله تعرّض لصدمة كهربائية"، بخاصة وأنه تمّت إزالة القلفة خلف رأس القضيب باستخدام مقص جراحي، وخياطة حواف الجلد المتبقية باستخدام غرز طبّي قابل للذوبان.

بعد فترة الشفاء التي تحتاج نحو 4 أسابيع، خفّت حدّة الآلام لدى أمير، لكنّ الأخير بقي خائفاً، كما أن شكل القضيب بعد العملية شكل له صدمة: "أشعر إلى حدّ الآن أنّني ألمس شيئاً لأول مرة لأنّ شكله تغيّر كلياً".

هل يؤثر الختان على اللذة والنشاط الجنسي؟

عاد أمير إلى نشاطه الجنسي بعد مرور ثلاثة أشهر، كاشفاً أن التجربة الجنسية كانت مختلفة: "كانت تجربة جديدة، كأنني أمارس العلاقة الجنسية لأول مرة في حياتي".

وعمّا إذا كانت التجربة قد اختلفت بالنسبة إلى شريكته، قال: "انفصلنا بعد فترة قصيرة من العملية، لكنّها قالت إنّها لم تشعر بأي فرق".

في هذا السياق، أوضح البروفيسور محمد بلبل أنّه في الفترة التي تعقب الختان، تنخفض اللذة الجنسية لدى بعض المرضى، ويعود ذلك لانخفاض حساسية رأس القضيب، مشدداً على أنّ الختان غير مسؤول عن العملية الجنسية بحدّ ذاتها، إلّا أنّه قد يساعد في تحسين العلاقة لدى الحالات التي تعاني من مشاكل طبيّة.

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الكثير من الدراسات أظهرت اختلافات في نتائجها، إذ أقرّت بعضها أنّ اللذة الجنسية لدى الرجال الذين خضعوا للختان انخفضت، بينما ارتفعت الرغبة الجنسية لدى آخرين. لذلك، لا يمكن التوصل إلى نتيجة حاسمة حول تأثير الختان على اللذة الجنسية، إنّما أوضح البروفيسور محمد بلبل أنّ الطب لا ينصح بالختان بعد مرحلة الطفولة، إلا لأسباب صحيّة طارئة. والمؤكّد أنّ حالات مثل هذه تختلف من شخص لآخر، وتتطلّب التوجّه إلى طبيب مختصّ، وعدم الاكتفاء بالبحث والعلاج الشخصي، منعاً لأي تفاقمات قد تحدّ من اللذة الجنسية.

و كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت منذ سنوات طويلة أنّ ختان الذكور يمكن الاعتراف به "كخطوة إضافية" للحد من انتشار مرض الإيدز. وهذا كان سبباً واضحاً لتوجّه بعض الذكور نحو الختان في عمر متأخر، إذ يؤدي الختان للحدّ من الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً بنسبة 60%.

الختان لاستعادة النشاط الجنسي

بقي داني (26 عاماً) يعاني طوال سنتين من التهاب الحشفة، وهو التهاب يصيب رأس القضيب (الحشفة)، غالباً ما تكون الاتهابات أو البكتيريا وإصابة القضيب بنوع من الفطريات أو العدوى الجنسيّة أو الإصابة بالسكّري، سبباً في ذلك.

في حديثه مع رصيف22، أكّد داني أنّه يمارس علاقات جنسية متعدّدة، وبمعدل مرة واحدة في الأسبوع: "لا تقتصر العلاقة الجنسية على شريكة واحدة، فأنا لست مرتبطاً بشكل رسميّ بأيّ امرأة أمارس معها الجنس".

في هذه الحالة، لا بد أنّ يتم ممارسة الجنس الآمن باستخدام الواقي الذّكري مثلاً، غير أن داني كشف أن العازل يؤثر سلباً على رغبته الجنسية: "أنا مقتنع باستخدام الواقي، إلّا أنّني وفي نصف العلاقة الجنسية كنت أزيله لأشعر بلذة أكثر".

في الفترة نفسها، كشف داني أنّه اضطرّ للتخفيف من ممارسة الجنس بعد أن أصابه تهيّج وحكّة في رأس القضيب، مترافقاً مع مادة بيضاء تجمّعت تحت القلفة، فلجأ إلى الاستمناء: "قمت بشراء بعض المرطّبات الخاصّة لعلّها تخفّف من انزعاجي، لكنّ مفعولها لم يدم سوى دقائق معدودة".

بعد أن حاول البحث في الإنترنت عن علاجات للتخفيف من أوجاعه، حاول تنظيف المنطقة الحميمة وغسلها مراراً، لكن الاحمرار كان يزداد، والإفرازات تتجمّع بسرعة، فتوجّه لطبيب مسالك بوليّة بعد حوالى أسبوعين، وتبيّن أنّ هناك بعض البكتيريا المتراكمة، فنصحه الطبيب بارتداء الواقي في حال تعدّد العلاقات الجنسية مع أكثر من شريكة في فترة وجيزة، وحدّد له موعداً لإجراء الختان، اختصاراً للوقت، لعلّه يكون الحل النهائي.

أجريت العمليّة بالطريقة المعترف بها، والتزم داني بكل الإجراءات التي طُلبت منه، معاوداً نشاطه الجنسي بعد شهر ونصف: "بعد الختان، شعرت برغبة أكبر في ممارسة الجنس، ربّما لأنّني انقطعت عنه بعد أن كنت معتاداً عليه".

وعن حالته النفسية، كشف أن الموضوع شكّل له أريحية في ممارسة للجنس ولم يشعر بأنّ شكل قضيبه اختلف كثيراً، بل الأهم لديه هو التزامه بالواقي الذكري منعاً لأي مشاكل أخرى: "لم يؤثر الختان على مفهوم الّلذة بقدر ما أعاد لي نشاطي".

الأزمة اللبنانية: فروقات كبيرة بين المستشفيات وانقطاع الأدوية

في مستشفى الحريري الحكومي، لا تتخطى تكلفة عملية الختان 300 دولار أميركي. قبل الأزمة التي تصاعدت وتيرتها بدءاً من العام 2019، تكفّل الضمان الاجتماعي بتغطية تكاليف العملية، أما اليوم، ومع تحول تقديمات هذا الصندوق إلى شكلية لا قيمة لها، على المريض الدّفع من جيبه حصراً. ويضاف إلى هذه التكاليف، أجرة الطبيب التي يزداد سعرها في المستشفيات الخاصة، لتصل عملية الختان فيها إلى ما بين 1000 و1500 دولار.

وهنا، لا بدّ الإشارة إلى أنّ "الدّفع البرّاني" بات فعلاً قائماً في هذه المستشفيات، إذ يسعّر كل طبيب بحسب ما يعتقد أنّه يستحق.

قبل الأزمة التي تصاعدت وتيرتها بدءاً من العام 2019، تكفّل الضمان الاجتماعي بتغطية تكاليف العملية، أما اليوم، ومع تحول تقديمات هذا الصندوق إلى شكلية لا قيمة لها، على المريض الدّفع من جيبه حصراً

كشف طبيب في مستشفى الحريري الحكومي (فضّل عدم ذكر اسمه) أن القسم يضطر أحياناً لاستخدام بعض الأدوات الطبية أكثر من مرة للأشخاص غير القادرين على تحمل التكاليف، فيكون المريض قد سدّد ثمن الأدوات التي احتاجها، وفي الوقت نفسه استخدمها غيره، مشدداً على أنَ ذلك يتم وفقاً لمعايير السلامة الصحية والتنظيفية.

وعن شركات التأمين الصحية، فقد أشار موظّفان في شركتي "Globemed" و""Assurex لرصيف22، إلى أنّ "طالما العملية ليست تجميلية ولغاية صحيَة، فإن الشركة تغطّي تكلفة العملية كاملة".

هذا ما ينطبق على عدد من الشركات الأخرى، إلّا أنّ الكثير من المرضى يتذمّرون من البطء في إرسال الموافقة من جهة، ومن طلب المستشفيات الخاصة مبالغ إضافية من جهة أخرى.

هذا ولا تقل أزمة انقطاع الأدوية التي رافقت لبنان في الفترة الأخيرة "همّاً" عن واقع المستشفيات. فعدد كبير من الأدوية فُقدت من الأسواق، ما أجبر المرضى على اللجوء إلى الأسواق الخارجية أو اعتماد الأدوية البديلة محدودة الفعالية في الكثير من الأعراض الصحية.