"أساعد زوجتي في القيام بأشغال البيت"، و"أساعد طفلتي في الاعتناء بمظهرها وأمشط شعرها"؛ بمثل هاتين العبارتين، أعلنت مجموعة من الشخصيات العامة، من الفنانين والصحافيين، عن انخراطها في حملة "الرجولة الإيجابية" في المغرب، التي أطلقتها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، نهاية آذار/ مارس المنصرم.
إعلانات خاصة بالرجال
اللقاء الذي حضرته مجموعة من الشخصيات العامة، شهد عرض مجموعة من "الكبسولات التحسيسية" (إعلانات توعوية)، حاولت تفنيد بعض التصورات والسلوكيات السائدة في المجتمع المغربي والمرتبطة أساساً بجملة الأعمال المنزلية الموكلة إلى المرأة قسراً. وهدفت هذه الكبسولات إلى تقديم صورة إيجابية للأدوار التي يمكن أن يقوم بها الرجال عبر مساندتهم النساء داخل البيت، أو من خلال التكفل بمواكبة الأطفال أو غيرهما من الأنشطة التي تطبع تفاصيل حياتهما اليومية التي يشتركان فيها.
في تصريحها لوسائل الإعلام، قالت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار، "إن اختيار موضوع الرجولة الإيجابية يأتي من منطلق أن الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، يعني جميع أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، ويمثل هذا اللقاء دعوةً لحث الرجال على الانخراط في مكافحة العنف ضد النساء وتعزيز مفهوم الرجولة الإيجابية لديهم ولدى الفتيان من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وتشجيع الرجال على الإسهام في المجهودات التي تروم الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي وتوعية المجتمع بالأدوار الإيجابية التي يقوم بها الرجال والفتيان لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء".
يتم توظيف مصطلحي "الرجولة الإيجابية" أو "الذكورية الإيجابية"، بالرغم من الاختلاف الذي قد يطال المصطلحين، للدلالة على أن النهوض بوضعية المرأة ومحاربة العنف ضد النساء وتفعيل المساواة بين الجنسين، شأن لا يخص النساء وحدهن، بل يستدعي إشراك الرجل والتركيز على الدور الإيجابي والأساسي الذي ينبغي أن يلعبه في دعم قضايا المرأة، ومساعدتها على التخلص من أشكال العنف والتمييز والاستغلال كافة.
تأييد... و"حبة حمراء"
مواقع التواصل الاجتماعي تصبحُ عند كل قضية، ملعباً كبيراً يواجه فيه الجميع بعضهم. حملة الرجولة الإيجابية التي أعلنت عنها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أثارت سجالاً كبيراً. هناك من أيّد الفكرة عادّاً إياها أول الطريق نحو تصحيح الأفكار السامة التي تنتشر داخل الأسرة، ونحو رفع جزءٍ من العنف الرمزي الذي يُمارَس ضد النساء. من هذه النقطة تحديداً يبني المعارضون رأيهم. جزءٌ كبير من التعليقات ومقاطع الفيديو المتفاعلة مع الحملة كانت معارضةً للأفكار التي جاءت بها.
هناك من أيّد الفكرة عادّاً إياها أول الطريق نحو تصحيح الأفكار السامة التي تنتشر داخل الأسرة
يرى هؤلاء الأشخاص أن قيام المرأة بالأعمال المنزلية أمرٌ طبيعي، بل هو أقرب إلى الفطرة حسب ما يقولون.
مشكلة هذه الفئة إذاً مع الحملة، تتجلى في نظرهم في وجود مساعٍ حثيثة نحو "تأنيث الرجال" وتغيير الأدوار داخل الأسرة، وهو الأمر الذي يشكل بالنسبة لهم خطراً ينبغي التصدّي له.
يتبنى هذا الموقف في صورته الجذرية الشباب المتأثرون بتيار "الريد بيل" أو "الحبة الحمراء"، وهو توجه ظهر في أوساط تقليدية محافظة غربية قبل أن يجد له صدى في العالم العربي، إذ يرون هذه الحملة التي تروم ترسيخ قيم المساواة بين الرجل والمرأة تغولاً للأيديولوجيا النسوية على حساب الرجال، وتكريساً لخطاب المظلومية الذي تتبناه النسويات. روّاد تيار "الحبة الحمراء" يرون أن ذلك كله مؤامرات تحاك ضدهم وضد امتيازات يرونها تندرج ضمن حقوقهم الطبيعية.
فئة أخرى انتقدت حملة الرجولة الإيجابية، بمبررات بعيدة عن القناعات والأفكار، إذ عدّت الخروج بهذه الحملة "رفاهيةً والمجتمع المغربي في غنى عنها في هذه الظرفية بالذات"، التي يعيش فيها المغاربة مشكلات "أكبر وأعقد" وفق تعبيرهم، تتمثل أساساً في موجة غلاء الأسعار غير المسبوقة التي طالت كل شيء.
القضية عادلة و"المحامي فاشل"؟
الحملة التي قادتها وزارة التضامن، وما أثارته من نقاش داخل الفضاء الرقمي، خلّفت في المقابل ردود فعل أخرى موازيةً لكل تلك الآراء، بشكل ساخر وهزلي هذه المرة، عبر تحوير القضية وتحويلها إلى موضوع يغلب عليه طابع السخرية والتهكم من خلال إنتاج "ميمات" ومنشورات ساخرة لاقت انتشاراً واسعاً في جل الصفحات والمجموعات الفيسبوكية النشطة.
في هذا الصدد، يرى الباحث في علم الاجتماع ياسين بوشوار، في حديثه إلى رصيف22، أن "شريحةً كبيرةً من المجتمع المغربي تتفاعل لأول مرة مع هذا المفهوم على نطاق واسع، وأن التفاعل الساخر الذي قابل هذه الحملة في مواقع التواصل الاجتماعي مردّه إلى طبيعة الوصلات التوعوية التي تَعرَّف من خلالها المواطن المغربي على هذا المفهوم، والتي لم تكن موفقةً بتاتاً ولا تنسجم تواصلياً مع طبيعة الثقافة الأسرية المغربية، وهو ما أحدث شرخاً في الاستقبال من لدن المتلقي وأفضى إلى ردود فعل ساخرة ورافضة".
التفاعل الساخر الذي قابل هذه الحملة في مواقع التواصل الاجتماعي مردّه إلى طبيعة الوصلات التوعوية
يرى بوشوار "أن هذه الإعلانات التي رافقت الحملة ارتكزت على تفاصيل غير واقعية، ووظفت لغةً ومفردات بعيدةً كل البعد عن الواقع المغربي".
ويضيف: "صحيح أن المفهوم يحيل إلى نمط أو ممارسة ثقافيه أسرية بالدرجة الأولى، يصبح فيها الرجل مؤمناً بقضايا المساواة بين الرجل والمرأة، إلا أن الخطأ الذي ارتكبته الوزارة هو توظيفها هذا المفهوم بشكل مباشر وصدامي من دون أن يكون هناك وسيط من شأنه أن يسهّل عملية إدماجه في البيئة الثقافية للمجتمع المغربي".
ويشدد الباحث على أهمية مثل هذه البرامج، لا سيما في الجانب المتعلق بالعلاقات الأسرية والتفكير في تقوية العلاقات داخل أعضاء الأسرة الواحدة، بين الرجل والمرأة وبين الأبناء، لا سيما أن الأرقام الرسمية أصبحت صادمةً.
ويخلص إلى أن البرنامج مهم من حيث المبدأ في الجانب المتعلق بالمساواة والحد من العنف الأسري، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى مزيد من الاهتمام في الجانب التواصلي لتحقيق أهداف الحملة بشكل ينسجم مع الذهنية الثقافية والبيئية للمجتمع المغربي.
الإشكالية أعقد؟
بين التأييد والمعارضة والسخرية، هناك ردود فعل موازية كانت مشكلتها الأساسية مع المصطلح في حد ذاته. هناك من المتفاعلين من رأى أن مصطلح "الرجولة" ليس هو المصطلح الأنسب وأن الأمر يتعلق بـ"الذكورية". وعليه، ينبغي في نظرهم الاشتغال على هذا الجانب المتعلق بنحت المفاهيم والمصطلحات الصحيحة لأنها هي من تُحدث الوقع في البداية، والأثر في النهاية. ومن هذا المنطلق، ترى الناشطة النسوية شيماء الميموني، في حديثها إلى رصيف22، أن "الرجولة" كلمة تحمل في طياتها العديد من الصور النمطية، متحفظةً على تسمية الحملة بـ"الرجولة الإيجابية"، عادّةً أن "الذكورية الإيجابية" هي الشعار التي كان ينبغي أن يطبع الحملة.
لا يمكن تغيير العقليات بالاكتفاء فقط بالحملات، والخلل الحقيقي هو خلل بنيوي
وعن مآل الحملة وتأثيرها على أرض الواقع، رأت الناشطة، أنه "في غياب مقاربة تشاركية مع جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وجميع الفعاليات التقدمية، فإن هذه الحملة لن تحقق أي نتيجة"، بل الأخطر من ذلك، على حد تعبيرها، أنها "قد تتسبب في إحداث نتيجة عكسية، وهو ما تابعناه في مواقع التواصل الاجتماعي".
وأكدت الناشطة أنه "لا يمكن تغيير العقليات بالاكتفاء فقط بالحملات، مشيرةً إلى أن الخلل الحقيقي هو خلل بنيوي، خصوصاً في ظل وجود 'مدوّنة أسرة' (قانون)، بهذا الشكل، وفي ظل وجود قانون جنائي يزكّي هذا التمييز والإجحاف في حق النساء والفتيات، بدءاً من عدم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي مروراً بتزويج القاصرات وولاية الأب على الأطفال قبل الطلاق وبعده، وعدم المساواة في الإرث وأحكام قضائية ظالمة في قضايا التحرش الجنسي والاغتصاب".
شددت الميموني، على أن "التغيير الحقيقي ينبغي أن يطال كذلك المقررات الدراسية والبرامج التلفزيونية التي تزيد من تكريس هذه الثقافة المجحفة والتي يفوق تأثيرها تأثير كل الحملات الظرفية، فالحملة وحدها غير كافية لتعزيز المساواة بين الجنسين ومحاربة العقلية الذكورية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع