"لا تسألوا الرجال عن معنى تسلل"، و"لا تسألوا أين محمد صلاح عن كأس العالم؟"، و"لا تقاطعوا مبارياتهم في أثناء اندماجهم في المونديال"
تعليماتٌ صارمةً توجَّه إلى النساء في كل كأس عالم، من قِبل بعض مقدمي البرامج على اعتبار أنهن لا يفقهنَ شيئاً في كرة القدم.
وإذا ما حاولت البحث عبر "غوغل" باللغة العربية، عن موضوعٍ يتعلّق بالنساء وكرة القدم، فإنَّ أول العناوين التي ستظهر لكَ هي عناوين متعلقة بجاذبية المشحعات وجمالهن، مع الكثير من الصور والمقاطع المصورة التي تثبت ذلك، على عكس العناوين التي تظهر حال البحث عن المشجعين الذكور، والتي تصنّفهم وتوزعهم على فئات وتصف التعصّب الكروي والضغط العصبيّ الواقع عليهم في الدقيقة التسعين.
هذه الصور تكاد تفجّر الشبكة العنكبوتية في مناسباتٍ مثل كأس العالم؛ إذ تتسابق العديد من صفحات السوشال ميديا على نشر صور النساء "الجميلات"، وهنَّ يرسمنَ أعلام بلادهنَ على وجوههنَ ويتأنّقن في الملعب، وهو ما يعزز الصورة النمطية في أذهان الرجال بأن النساء لا يعرفنَ شيئاً عن الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص. فهل كرة القدم للرجال؟ في هذا التقرير نجيب عن هذا السؤال بألسنة فتيات اردنيات أحببن كرة القدم وكرّسن أوقاتهنَّ لها.
كرة القدم... لمن؟
"الهجوم من الإناث أكثر من الذكور، كانوا يقولولي ‘حسن صبي’ و ‘كرة القدم للأولاد’"؛ بهذه الكلمات تلخّص رزان الزعبي ما مرّت به، بصفتها فتاةً تتابع كرة القدم وتتحيّز لأنديتها المفضّلة وتتعصّب لفريقها المفضّل، وتملأ صفحاتها عبر السوشال ميديا بالحديث عنه.
نشأت رزان وسط عائلةٍ كرويّةٍ في مدينةٍ الرثما المنغلقةٍ ومحافظة تتزوّج فيها الفتيات في سنّ الخامسة عشر، ويترعرعنَ وسط أحلامهنَّ مع شريك الحياة الذي رسمته أُمهاتهنّ،
وعلى النقيض منهنَّ كانت الزعبي التي اصطحبها والدها في الرابعة من عمرها إلى أحد المقاهي من أجل متابعة إحدى المباريات.
لم يتقبل أحد ولعي بالكرة، حتى أمي أصّرت على أن تكون اهتماماتي مثل سائر البنات
تروي رزان عن تجمّع العائلة الكبيرة في بيت إحدى قريباتها لمتابعة بطولة كأس العالم عام 2006، وهي العادة التي يتّبعونها في كل بطولةٍ من هذا النوع؛ إذ يحملون الطبول ويبدأون بالغناء والهتاف للمنتخبات التي يشجعونها، مشيرةً إلى أنَّ الجوّ العائليّ السائد والسعادة التي يشعرون بها هما الأهم: "إحنا بنحضر عشان ننبسط".
وتنأى بنفسها بعيداً عن نساء العائلة لتجلس مع الرجال وتتابع المباريات برفقتهم في غير بطولات كأس العالم، وهو ما كان يربكها في طفولتها، إلا أنها استطاعت التأقلم، خاصةً مع تقبّل من حولها لرغبتها في التشجيع والمتابعة، الأمر الذي لم يكن مُتاحاً لقريناتها خارج محيط العائلة.
ولا تخفي سعادتها حين يخسر الفريق الخصم، بقولها: "فش أحلى من إنك تجاكر الخصم، إحنا بكرة القدم بنعامل اللاعبين زي كإنهم إلنا: ‘فريقنا’، ‘خسرنا’، و‘مرمانا’... لما فزنا على ريال مدريد ضلّيت 3 أيام أنشر عن الموضوع"، موضحةً أن تعصّبها لكرة القدم منبثقٌ من حبّها لرؤيّة فريقها يتميّز.
اهتمامات البنات
في عيد ميلادها الخامس عشر، أهدتها والدتها حقيبة برشلونة الأصليّة والتي عدّتها أفضل هديةٍ حصلت عليها على الإطلاق، غير أنَّ هذا عرّضها للمضايقات من الفتيات في المدرسة اللواتي أخبرنها بأنها تشبه الأولاد، وأنَّ مشاهدة المباريات لا تناسب الفتيات. تقول: "ما كان إلي صاحبات في المدرسة أنسجم معهن؛ لأنه اهتماماتنا مو مشتركة، ما كان شكلي ولد، كنت بحب البكَل (ربطات الشعر) والرسم، حتى ماما قد ما الناس علّقوا مرّت فترة لم يتقبل أحد ولعي بالكرة، حتي امي أصّرت امي علي ان تكون اهتماماتي مثل باقي البنات، كبرت معي تعليقات إني البنت الوحيدة اللي بتحضر مباريات".
وتطوّعت الزعبي للعمل مع اللجنة الإعلاميّة لنادي الرمثا (أحد الأنديّة الأردنيّة)، وأخبروها في ذلك الوقت بأنها الفتاة الوحيدة في تاريخ نوادي الأردن التي أخذت مثل هذا العمل ورافقتهم لمشاهدة المباريات -على حدّ وصفهم- غير أن الاتحاد الأردنيّ يضم بعض الفتيات في صفوفه الآن. عن تجربة ذهابها إلى الملعب تقول: "جوّ الملعب مذهل، الجمهور ما كان يركز ع الكرة واللي بصير في الملعب ومشغول بالأغاني والهتافات".
وعلى الرغم من ذلك، مرّت رزان بتجارب وضعتها تحت المجهر لدى بعض المشجعين الذكور الذين حاولوا اختبار معلوماتها الكرويّة عبر طرح أسئلة لا يتم توجيهها إلى المشجعين عادةً. تقول: "زمان كنت لما أقابل حد يحكيلي عدّيلي تشكيلة الفريق، بصير يسأل أسئلة بحسسك لازم يمتحنك لأنك بنت بتحضري كرة"، وهو عكس ما يحدث مع الذكور الذين يتم سؤالهم عن فريقهم المفضل، على سبيل المثال.
بالرغم من ذلك، كان هناك رجال تعاملوا معها بناءً على معلوماتها الرياضيّة وحبّها لكرة القدم وسهّل عليهم ذلك بناء صداقاتٍ معها؛ لتشابه اهتماماتهم وسهولة إيجاد مواضيع مشتركة للحديث عنها براحة من آنٍ إلى آخر.
من جهة أُخرى، عانت من رفض المجتمع فكرة عملها في مكان مليء بالرجال، خاصةً أنها الفتاة الوحيدة بينهم، وهو ما أدى إلى رفض العديد من المتقدمين للزواج منها لعملها، وعن ذلك تقول: "بتمنى شريك حياتي يكون عنده اهتمام بالمباريات، ولو ما عنده ع الأقل ما يقلّي هاي اللعبة مش للبنات"، عادّةً أن حضور المباراة في الملعب قد يكون أفضل هديةٍ رومانسيةٍ تُقدمها لشريك حياتها المُحِب لكرة القدم.
حب كرة القدم دفع برزان إلى تعلّم اللغة الإسبانيّة ومحاولة إتقانها لرغبتها في السفر إلى إسبانيا ذات يوم، وحاولت تطوير لغتها خلال الحديث مع أدمن صفحة لاعب الكره الشهير سواريز الذي كان يتواصل معها باللغة الإنكليزيّة وتحاول الردَّ عليه بالإسبانية. تقول: "حتى في المدرسة، لسا الصورة عندي كنت راسمة علم إسبانيا وإني بشجع إسبانيا وبحبها".
لا ترحب المؤسسات الإعلاميّة الاردنية بالخبيرات الرياضيات، وإنما يميلون فقط إلى اختيار مذيعات جميلات يحفظن ما يُكتب لهن
عنصرية لا تنتهي
اصطدمت دُعاء الموسى، عند تخرجها من الجامعة بعد دراسة تخصص الصحافة، بواقع النساء في الإعلام الرياضيّ، إذ رُفضت سيرتها الذاتية، بسبب طبيعة العمل الميدانيّ الموكل إلى المراسلين الرياضيين. تقول دعاء المقيمة بأربد "من وجهة نظرهم ما بزبط لأني بنت".
دعاء التي بدأت بمتابعة الأنشطة الرياضية واهتمت بكرة القدم منذ طفولتها، تعمل الآن منسقةً إعلاميةً ومذيعةً داخليةً في الاتحاد الأردني لكرة القدم، إلا أنَّ وظيفتها هذه جاءت بعد العديد من العقبات التي تحدّتها وحاولت تجاوزها في كل مرةٍ يُخبرها فيها أحد العاملين في المجال بأن "الرياضة مش للبنات".
لم تتوقف الصعوبات عند عتبة وسائل الإعلام، بل تجاوزتها لتصل إلى المسؤولين الذين يرفضون تقبّل التصريح لأنثى تعمل في هذا المجال أو التعامل معها؛ بسبب أنهم يعتقدون بأنه مناسبٌ للذكور أكثر. تتابع الموسى: "بذلت جهدي. شغفي الرياضي كان أكبر من كل شيء".
تلك الصورة النمطية دفعت بها لمضاعفة جهودها في العمل واكتساب الخبرات المعرفية وحضور العديد من الورشات المتعلقة بالرياضة المحليّة والعربيّة، سعياً إلى إثبات خبرتها وكفاءتها في المجال وبناء علاقاتٍ لها عن طريق التسويق لنفسها في المجال.
دعاء تتفق مع رزان في أن كأس العالم يشدّ الجميع نحو متابعته، غير أنَّ غياب المنتخب الإيطالي الذي تشجعه عن هذا المونديال، دفعها إلى تشجيع منتخب السامبا (المنتخب البرازيلي)؛ لما له من تأثيرٍ يضفي على اللعبة متعةً للمشجعين، إلا أنَّها تظل ناقصةً بالنسبة لها لكونها الفتاة الوحيدة من بين 5 أخوات، التي تتابع المباريات: "ما في أجواء تنافسية أو حماسية جوا البيت، لكم أن تتخيّلوا المعاناة".
"عَ المطبخ"
بدأت رندا الشيّاب المقيمة في عمّان مسيرتها في عالم الرياضة عام 2015، في برنامج يُبثّ عبر إحدى الجامعات في محافظة إربد، قدّمت خلاله أخباراً رياضيةً وحديثاً في الرياضة. تقول: "كانت بتوصلني ‘كومنتات’ مثل روحي عَ المطبخ، والناس بحكوا عليّ من قدامي ومن وراي".
لم تلقِ بالاً لتلك التعليقات وركّزت اهتمامها على كرة القدم التي تحوّلت إلى صناعةٍ عام 2010 -بحسب وصفها؛ إذ باتت الأندية أشبه بالشركات التي تختلف في قيمة العقود والرعاية، فبات عقد رعاية التلفزيون لبث الدوري الإنكليزي -مثلًا- يقدّم لصاحب المركز العشرين مكافأةً أكثر من صاحب المركز الأول في الدوري الإيطالي، بالإضافة إلى استقطاب كرة القدم للعديد من الجماهير الشعبيّة.
تروي الشيّاب، صعوبة الحصول على الأخبار في ضوء عدم وجود الإنترنت خلال دراستها المدرسية، لذا لم تتمكن من متابعة ناديها المفضل: "كنت أروح من المدرسة ما بقدر أشتري بطاقة لحضور مباريات، أشتري الجريدة، واقرأ شو صار بالمباراة تاعت مبارح".
لا ترحب المؤسسات الإعلاميّة الاردنية بالخبيرات الرياضيات، وإنما يلجأون إلى اختيار مذيعات جميلات يحفظن ما يُكتب لهن ويقدّمن الرياضة، على ضوء تقبّل وجود النساء في هذا المجال. تقول: "مرة شب بعثلي ع الأذرز أنتن البنات أخذتن فرصنا بالشغل، في شباب بشوفوا إني ماخذة مكانه اللي هو أصلاً مش مهتم فيه"، بالرغم من أنها لا تعمل في مؤسسة إعلامية وتعتمد على برنامجها "الإنستغرامي" الخاص.
نظرة إلى المشجعات
يقول الصحافي المتخصص في تغطية كرة القدم النسائية، خالد حسنين، لرصيف22، إنَّ نظرة المجتمع الذكوريّة إلى المرأة لا ترتبط بكرة القدم وحسب؛ إذ يعتقد البعض أن مكان النساء هو المنزل، غير أن خصوصية الكرة تكمن في كونها لعبةً ذكوريةً يتابعها ويشجعها الرجال: "الشب بشعر إنه أنوثة البنت ما بتخلّيها تنط وتصرّخ وتشجع".
ويضيف أن بعض الفتيات بدأن بمتابعة الكرة من باب "الموضة"، من دون معرفةٍ ثقافيةٍ أو خلفيّاتٍ عن اللاعبين والمباريات، وهو ما يجعل معلومة المذيع الذكر تصل إلى المتابعين الذين يثقون به أكثر من المذيعة الأنثى، مشيراً إلى أننا "تعودنا إنه هذا مش مجال المرأة".
ويلفت حسنين إلى أن طبيعة مجتمعنا المحافظ ترفض فكرة متابعة المرأة لكرة القدم، كما ترفض وجودها كمشجعةٍ في الملعب، ويعزو ذلك إلى الهتافات البذيئة المستخدَمة في المدرجات الأردنية والتي لا تناسب النساء.
وفي تقريرٍ كتبته الصحافية ميلانا كنيزيفيتش، في منصة "Little Atoms"، قالت إنَّ الإنترنت ليس مكاناً آمناً لمشجعات كرة القدم اللواتي يغامرن في أماكن يُهيمن عليها الرجال، ويبدأون بالنقد اللاذع والهجوم و’الميمز’ المنتشرة على نطاقٍ واسع، والمزاح الجنسيّ في كأس العالم.
وعلى الرغم من ذَلك، وفّر الإنترنت إمكانيّة العثور على نساءٍ أُخريات يتابعن كرة القدم ويتحدثن عنها. وتؤكد كينزيفيتش "أنه يضع القوة في أيدي المشجعات لإيجاد مكان لهن في كرة القدم، بشروطهن الخاصة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...