تفتخر اليمينية المتطرفة الإيطالية جورجيا ميلوني، بأنّها امرأة بكل ما أوتي جندرها من قوة ووضوح. هي أم عزبة، ربّتها أمّ عزبة أيضاً، وتدافع عن القيم المسيحية بقوة. جورجيا ضدّ نظريات الجندر، إذ تعدّ أنّ لكل طفل الحق في أسرة مكونة من أب رجل وأم امرأة من دون التعدي على الدور النمطي للاثنين. جورجيا تصرخ بأنّها امرأة بالفعل، ليس لتتحدى الصور التنميطية أو لنشر الفكر النسوي والتشديد على الدور السياسي للمرأة، إنما لتذكّرنا بأن هناك جندرين، وهي تقوم بعملها كامرأة كما يجب وكما قيل لها. تشدد جورجيا على أنّها امرأة، وأم، إيطالية ومسيحية، وترى أنّ اليتامى غير محظوظين، ولهذا يستحقون أسرةً أكثر حظاً، أي مكونةً من أب وأم، وقد أوضحت سابقاً أنّها ليست ضدّ المثلية الجنسية، إنّما هي ضدّ تبنّي المثليين للأطفال.
وكما قَبِل العالم التطرف الإسلامي في إيران، يشهد في المقابل مظاهرات ضدّه سئمت القمع.
لفترة طويلة أخبرنا العالم المغاير جنسياً بأنّ وضع المثليين/ ات أصبح أفضل، لأنّ بابا روما، من خلال تصريحات عديدة، حاول أن يُظهر أنّهم جزء من المجتمع الكاثوليكي، وهذا مؤشر جيّد قد يقلل من نسبة العنف ضدّ المثليين/ ات بالنسبة إلى مروّجي أفكار البابا. إنّ تصريحات البابا حول ما يتعلق بالمثلية كثيرة، وهي توصلنا إلى فكرة واحدة مفادها أنّ المثلي يبقى ابن الكنسية وإن حاول أن يكون من ضمنها، وأن يبحث عن المسيح في داخلها، وأنّ على الأهل احتضان أطفالهم المثليين لأنّ يسوع ما كان ليطردهم. يسجن البابا المثليين بالفكر البطريركي القائم على العائلة والمسيح والله. قد تكون خطوة البابا ذكيةً، فهو يضمّ مجتمعاً بأكمله إلى حضن الكنيسة، فلربما يشفيهم حقاً ويخفف من تأثيرهم. يحبس أصواتهم تحت سقف العائلة، ويحضنهم كي لا تحضنهم الأفكار الحقيقية لمجتمع الميم أو الأشخاص غير المؤمنين به. مع أنّ كثيرين يتكلمون عما يفعله البابا تجاه مجتمع الميم، إلّا أنّ كثيرين أيضاً ينسون الجزء الأهم من هذا المجتمع، أي "عينه" (ميم-عين)، أي أن العابرين والعابرات جنسياً بالنسبة إلى البابا، هم كفّار والعبور الجنسي خطيئة. يرفض البابا، كجورجيا، نظريات الجندر، ويركز على الأسرة المكونة من أب وأم. يحضن العابرين/ ات الراغبين/ ات في الدخول إلى حضن الكنيسة، كما كان المسيح يشفي مرضى الجذام، ويتقبل الزواج المدني للمثليين من دون أن يحوّلوا الأسرة التقليدية إلى أسرة من الجندر نفسه.
خوف جورجيا يأتي مع سخرية واضحة من أنّه لا يوجد جندر ثالث أو أول أو صفر، ويأتي مع رأي سياسي صارم يؤمن بالعائلة ضد الإجهاض وضد مجتمع الميم-عين
خوف جورجيا يأتي مع سخرية واضحة من أنّه لا يوجد جندر ثالث أو أول أو صفر، ويأتي مع رأي سياسي صارم يؤمن بالعائلة ضد الإجهاض وضد مجتمع الميم-عين. جورجيا تكره اللاجئين، ودافعت عن امرأة أوكرانية تعرضت للاغتصاب فقط لأنّ مغتصبها لاجئ، أي أنّها تهتم بضحايا العنف الجنسي للترويج للبروباغندا الخاصة بحزبها الفاشي الجديد. جورجيا ليست نسويةً، بل تستخدم جندرها للترويج لكره اللاجئين، ورفض الإجهاض ونظرية الجندر، وكل ما لا يقع تحت ظل العائلة والمسيحية المثالية. إنّ إيطاليا ليست البلد الأوروبي الأول الذي يقبل اليمين المتطرف، فهذا اليمين نفسه كاد أن يفوز في فرنسا وفاز في السويد وبولونيا والمجر.
الذكورية الهشة مقابل التقاطعية
كنّا نخاف من الذكورية السامة، لكن اليوم نخاف من الذكورية الهشة. إنّ ظهور نظريات في مجتمع الميم-عين، وأصوات تنادي بحرية النساء في التحكم بأجسادهن وغيرها من الأصوات النسوية التقاطعية، جعل الذكورية أكثر هشاشةً، وتخاف من زوال البطريركية وقدرة الرجل، أي ربّ الأسرة، على التحكم، كما يهدد الأسرة، وقد يؤدي إلى اختفاء الرجل من العالم أو دوره السلطوي على الأقل. مع هذا، هناك طرف آخر على النقيض البعيد يقتل نساءه لرغبتهن في خلع الحجاب، ويرمي مثلييه من أسطح الأبنية، ويدعو إلى قتل كل من يخرج عن التعريفات الإسلامية.
جورجيا ليست نسويةً، بل تستخدم جندرها للترويج لكره اللاجئين، ورفض الإجهاض ونظرية الجندر، وكل ما لا يقع تحت ظل العائلة والمسيحية المثالية.
هناك طرف يفوز في العالم ويحمي الذكورية، سواء في اليمين أو في اليسار أو في المسيحية أو الإسلام. وحتى إن فازت النساء، فبعضهن في خدمة أحزابهن والفكر الذكوري. ففوز امرأة ليس انتصاراً للنسوية. هناك حركة جديدة تخاف من الفكر الذي يعارض فكرة الأسرة والتكاثر، وتُشعرنا بأنّ هناك واجباً واحداً علينا، هو أن نكون أفراداً لا يتكاثرون فقط، بل يربّون أطفالهم على قيم الدين. هناك خوف عام نشعر به في أوروبا، ونشعر به في إيران، من أن يتقدم أفراد على الرجال. خدم الدين الرجال طويلاً، وخدمت الأنظمة القائمة الحكم البطريركي والذكورية، وحتى مع تمكين المرأة، ها هي اليوم تجد نفسها في امرأة رأت موسوليني إلهاماً.
لم تكن جورجيا محظوظةً، وحُرمت من والدها، لكن هي ترى أنّ ما حصل لها ليس مجرد حدث عابر، فهدفها ألّا يحصل هذا لأي شخص في العالم، وأن نتربى جميعاً مع أبّ وأمّ، وبدلاً من أن تستثمر عقدتها هذه في تمكين المرأة التي لم تكن محظوظةً بوالدين، وضعت كل طاقتها لكره كلّ ما هو ضدّ قيم المسيحية. قد تُسقط جورجيا عقدة نقص الأب على مجتمع الميم-عين، أو على أسر اللجوء، أو على المرأة التي تريد أن تجهض، وقد يُسقط المرشد الإيراني علي خامنئي عقدة فقدان السلطة على النساء والمهمشين، ومع هذا، وفي الحالتين، الأمر ينبع من الذكورية وسلطة الرجل وهشاشته التي تخاف من أن يسقط.
إنّ ظهور نظريات في مجتمع الميم-عين، وأصوات تنادي بحرية النساء في التحكم بأجسادهن وغيرها من الأصوات النسوية التقاطعية، جعل الذكورية أكثر هشاشةً، وتخاف من زوال البطريركية وقدرة الرجل، أي ربّ الأسرة، على التحكم
في السنوات الأخيرة بدأنا نشعر بأنّ هناك تحسّناً في النشاط النسوي، وبأنّ هناك تياراً تغييرياً لا يخاف، يدعو إلى حقوق النساء كاملةً ويعامل مسائل الجندر والجنسانية خارج الصورة التهميشية. هذا التيار تلقّى صفعته الأولى مع فوز ترامب وحكمه، وصفعته الثانية اليوم مع بوادر قبول الأفكار اليمينية المتطرفة والفاشية الجديدة، وكأنّ البطريركية جلست جانباً لفترة تتفرج على النشاط السياسي التغييري وتشعر بهشاشة مخيفة تهدد الرجل الأب بالزوال، وتعود مجدداً لتؤكد أنّه لن يزول.
مع كل ما يحدث اليوم، نحن أمام فكرة وحيدة، هي أنّ المقاومة الفعالة في وجه الذكورية الهشة تكون بالتقاطعية، أي أنّ المرأة الترانس لا تنفصل عن المرأة السوداء، ولا تنفصل عن المرأة اللاجئة، أو عن المرأة التي تريد أن تجهض، أو حتى عن المرأة "الفقيرة"، وهو ما تفشل فيه التيارات المحافظة المتشددة، والتي خلال محاولتها لأن تحتضن هذا كله، تروّج بالفعل للبروباغندا الخاصة بها، وتتبع الخطاب الشعبي الذي يقنع الناس بأنّ هناك خطراً على التقاليد والقيم. لا يوجد تقاطع في الأفكار المتشددة، فكل قيمها تأتي بهدف حماية سلطة الرجل، وحتى إن كانت الوسائل مختلفةً، مثل الوصول إلى البرلمان أو القتل.
مع كل ما يحدث اليوم، نحن أمام فكرة وحيدة، هي أنّ المقاومة الفعالة في وجه الذكورية الهشة تكون بالتقاطعية، أي أنّ المرأة الترانس لا تنفصل عن المرأة السوداء، ولا تنفصل عن المرأة اللاجئة، أو عن المرأة التي تريد أن تجهض، أو حتى عن المرأة "الفقيرة"
هناك قلق كبير على مجتمع الميم-عين في إيطاليا، وقلق كبير على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، فمثلما هناك قبول لهذا الحزب اليميني المتطرف، هناك من يخافه ويقلق منه. وكما قَبِل العالم التطرف الإسلامي في إيران، يشهد في المقابل مظاهرات ضدّه سئمت القمع. في جميع الأحوال، سواء في اليمين البعيد أو في ما يقابله من تطرف، هناك خطر على النساء وخوف من أي فكرة "تقبع" سلطة الرجل، وتمحو دوره كربّ أسرة ورجل كهف. هناك تجارب في التعامل مع الأفكار التغييرية، منها تجارب مثل تجربة البابا في الاحتضان، وتجارب مثل ولاية الفقيه في القتل والقمع. وفي التجربتين، نصل إلى فكرة واحدة، هي أنّ هناك أغلبيةً ستثور على القمع، وتقف في وجه التطرف، وتطالب بحريتها، أغلبية ليست ذكوريةً سلطويةً، وتريد فقط التحكم بجسدها. سيبقى العالم يتأرجح بين التطرف والمنادين بالحرية، وفي كل زمن نحن أمام هذه المعركة، نظن أنّ التغيير يفوز، لنجد أنفسنا أمام سلطة جديدة تنبعث من الذكورية الهشة وتقاوم التغيير لتحمي ذَكَرها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون