تسعُ نساءٍ، بصفة ملكات جمال، يعدن أبكاراً بعد كلّ ليلة، يُصلِّي الرجل ويصوم ويعبد الله لأجلهن، ناسياً أن الحورية تنتهي بذيل سمكة، ضاربةً بعرض الحائط جميع أحلامه التي ترتسمُ فوق رأسه كغيمة، بعد ممارسته طقوس العبادة. لأجلِ هذا الحلم يُصلّي بعض الرجال، ويصوم بعضهم الآخر، ويمارسون طقوس العبادة متناسين أن الأعمال بالنيات، وأن لكلّ امرئ ما نوى.
"ماذا لو تعبّدت النساء لله طمعاً بالولدان المخلّدين؟!"
مجتمعياً، يتقبل البعض ممن يسلّمون بوجود الحور العين حديثاً عابراً لرجل يقول: "الله يجعلنا من المتّقين ويرزقنا جنات النعيم ويزوجنا بالحور العين"، وقد يتبعه السامع بضحكة، وقول آمين، إذ لا شك في أن العبارة السابقة لن تبدو غريبةً أو مستهجنةً من قبل القارئ أو السامع على حد سواء، لكن ماذا لو قالت امرأة لزوجها: "أرجو أن يعوّضنا الله في الجنة بالولدان المخلدين"، فهل سيكون ذلك أمراً مقبولاً بالنسبة إليه، أو كفكرة عامة هل ستكون مستساغةً للمجتمع؟!
تحدثني إحدى الصديقات في جو يملؤه الهزار والمزاح، قائلةً: "خلّيني قوم صلّي بلكي بفوز بشي واحد من الولدان المخلدين وبكون حليوة وبغيظ فيه الكراش".
تحدثني إحدى الصديقات في جو يملؤه الهزار والمزاح، قائلةً: "خلّيني قوم صلّي بلكي بفوز بشي واحد من الولدان المخلدين وبكون حليوة وبغيظ فيه الكراش".
عبارة من بضع كلمات أثارت اشمئزازي برهةً، ثم جعلتني أتصارع بين متناقضين: لماذا نتقبل الأمر من الرجال دون النساء؟ لماذا يُعدّ أمراً عادياً أن الرجل يصلّي ويصوم ويتقي الله طمعاً بحوريات العين، في حين أنه عيب ولا يجوز الحديث عن الأمر علناً عند النساء لأنه خادش للحياء؟! خاصةً أن الأمر مذكور في سياقات قرآنية عديدة لا تحرّمه بل تظهره على أنه مثوبة وجزاء للمتّقين عموماً من دون تحديدهم، ذكوراً كانوا أم إناثاً.
"هل يكذب المفسرون... وإن صدقوا؟!"
لا يستعرّ بعض الرجال بفكرة العبادة طمعاً بالإفادة. "إذا فلنصلِّ ونصُم ونتصدق ونتّقِ الخالق لعل عسى أن يكون جزاؤنا حوريةً من حوريات الجنة تعوضنا عما نعيشه في الدنيا"؛ هذا ما قاله رجل يُدعى أبو كمال، والسؤال هنا: أيتعامل بعض الرجال مع الله على مبدأ "وحدة بوحدة"؟ وإن كان كذلك ما الذي سوّغ لهم الأمر؟ وما الذي جعل لهم الحوريات العين أمراً مسلماً حتمي الوجود؟! أيعقل أن يكون المفسرون يغنّون على ليلاهم ويعزفون على أوتار راقت لهم أم أن هذا ما هو مقصود فعلاً بقوله تعالى: "إن المتقين في مقام أمين* في جنات وعيون* يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك زوجناهم بحور عين".
ما لا شك فيه، هي عدالة الخالق بين الجنسين، كأمر متفق عليه بين الغالبية العظمى على اختلاف أديانهم، مسيحيين كانوا أم مسلمين، إذ لا ريب عندهم في عدالة خالقهم، لكن بعض التفسيرات للسياقات القرآنية يراها البعض تشويهات أكثر مما هي عليه في سياق تفسيري، فيدفعهم الأمر لطرح التساؤل التالي: إذا كان الخالق عادلاً فلماذا تبدو آيات كتابه متحيزةً للرجال؟ وهل القرآن كتاب ذكوري يتيح للرجال ما هو محظور على النساء، أم هو سوء الفهم والتفسير؟!
لماذا نتقبل الأمر من الرجال دون النساء؟ لماذا يُعدّ أمراً عادياً أن الرجل يصلّي ويصوم ويتقي الله طمعاً بحوريات العين، في حين أنه عيب ولا يجوز الحديث عن الأمر علناً عند النساء لأنه خادش للحياء؟!
"رفع شبهات"
تحدّث الراحل العلامة محمد رمضان البوطي، في إحدى محاضراته، وهو عالم سوري متخصص في العلوم الإسلامية ومن المرجعيات الدينية المهمة على مستوى العالم الإسلامي، عن أن الله وعد عباده المتقين بأنواع كثيرة من النعم من جملتها أنه وعد الرجال بحور عين، فهل وعد النساء بمثل ما وعد به الرجال؟!
يجيب العلامة على ما سبق، بافتراض جدلي مفاده أن هناك رجلاً متزوجاً له من الأولاد ذكور وإناث، أحد الذكور شديد البرّ والطواعية لوالده ويخدمه آناء الليل وأطراف النهار، فلا يجد الأب غضاضةً في أن يعد ولده بتزويجه بأحسن الفتيات وأجملهن وأفضلهن خُلقاً وخَلقاً.
في المقابل، إن لذلك الرجل فتاةً شديدة البرّ له، تماماً كأخيها، فهل له أن يخاطبها كما يخاطب الشاب بأنه سيزوجها شاباً جميلاً تسعد بالسكون إليه وما إلى ذلك؟! ويجيب: بالطبع لا.
قد يختار الأب لابنته رجلاً صالحاً لكن لا يخاطبها به، فالفطرة التي جُبل عليها الرجل، حسب قول العلّامة، أنّه يَطلب، بينما الفتاة فُطرت على أن تُطلَب.
يختم العلاّمة حديثه بأن نعيم الجنة أمر غيبي مُخبّأ إلى يوم القيامة.
لكن بعض التفسيرات للسياقات القرآنية يراها البعض تشويهات أكثر مما هي عليه في سياق تفسيري، فيدفعهم الأمر لطرح التساؤل التالي: إذا كان الخالق عادلاً فلماذا تبدو آيات كتابه متحيزةً للرجال؟
فكرة الغيبية هذه هي التي تثير نوعاً من الشكوك حول التسليم أساساً بوجود حور عين، خاصةً أنه ليس من شخص قط مات وبُعث ورزق بالحور العين، ثم عاد حياً وأخبر عن تفاصيلهن؛ لمن هي؟ وكيف؟ ومتى؟ وتطول التساؤلات.
كما أنه من المعروف أن القرآن عندما نُزّل كان كتاباً غير منقوط، ونُقّط في ما بعد، بفعل بشري، ما يجعل لبعض الآيات تفسيرات مغايرةً لما هي عليه مع النقاط.
فمثلاً، بالرجوع إلى اللغة السريانية، والتي تفسر آية "زوجناهم بحور عين"، من دون النقاط التي وضعها الإنسان عبر الزمن، فتُرد كلمة زوجناهم إلى أصلها، أي روّحناهم، وتعني "رفهنا عنهم"، أما كلمة "بحور" فالباء تعني "بين"، أما "حور" فهي العنب الأبيض، وكلمة "عين" تعني عين ماء أو نبعاً جارياً فيصبح معنى الآية ككل "رفهنا عنهم بين عرائش العنب الأبيض قرب ينابيع الماء"، وهذا تفسير مختلف تماماً عمّا هو متعارف بتزويج المتّقين بإناث شديدات الجمال.
ما سبق يوضح الأصل بعدم تسليم البعض بفكرة وجود حور عين، في الوقت ذاته وفي مكان آخر هناك من يُسلّم بوجودها لأن القرآن أُنزل كتاباً عربياً، لكن لا يُسلّم بفكرة تزويج الحور انطلاقاً من القرآن نفسه، مدللين على ذلك ببعض الصفات التي نُعتت بها الحور العين، فمثلاً بقول: "لم يطمثهن قبلهم لا إنس ولا جان"، أي أن تلك الحور عذراوات بشكل دائم والزواج بهنّ هو زواج روحي معنوي، كما تكشف تأويلات بعض نعوت الحور العين تفسيرات مشابهة لما سبق، فيقول "كواعب أترابا" وبالرجوع إلى اللغة العربية فإن الكواعب هن الإناث اللواتي ليس لديهن نهدان والأتراب هم الأصدقاء، وفي وصف الحور العين بـ "عُرُبا"، فإنها تعني صغيرات السن غير الناضجات للزواج والموجودات للخدمة فقط.
فكرة الغيبية هذه هي التي تثير نوعاً من الشكوك حول التسليم أساساً بوجود حور عين، خاصةً أنه ليس من شخص قط مات وبُعث ورزق بالحور العين، ثم عاد حياً وأخبر عن تفاصيلهن؛ لمن هي؟ وكيف؟ ومتى؟ وتطول التساؤلات
إنّ "الحور العين" هي واحدة من الأمور الموجودة ما وراء الطبيعة، تخلق حولها هالةً من الغموض سواء إذا كان وجودها حتمياً أم لا، وإن كانت للزواج أم للخدمة فقط، وهذا أمر طبيعي، فطالما زُيّن الإنسان بالعقل فلا حرج في أن يتفكر ويبحث ويسأل ويشكّ ويستنكر، لكن ما هو خارج عن الطبيعي، أن تكون الحور طعماً لرجال يقتلون وينتهكون باسم الدين طمعاً بحوريات الجنة التي هي أساساً أمر جدلي، ما يخلق الكثير من إشارات الاستفهام حول طريقة التفكير هذه ومن أدخلها وأقنع الناس بها؟ وكيف لأحدهم أن يُشرّعَ لنفسه قتل بشريٍّ أيّاً كان، ومهما كان موقعه في الحياة، لأجل شيءٍ غيبيٍّ حدثت لأجله الكثير من الاختلافات وكثرت فيه الأقاويل؟!
"الحور العين من نعمة إلى نقمة"
لو فرضنا جدلاً كما يظن البعض، أن الحور العين من النعم المسلم بوجودها، فكيف لنعمة من نعم الجنة أن تصبح نقمةً على بعض أهل الأرض، بفعل تشويهات لا يقبلها العقل ولا الشرع، ولو توقّف الأمر على فكرة العبادة طمعاً بالحور العين، لكنا وكما يُقال "بلعناها"، إلا أن فكرة الجهاد وبذل النفس طمعاً بالحور العين على مبدأ "ليس بيني وبين الحور العين إلا أن أُقاتل فأُقتَل"، باتت فكرةً مرعبةً لمجتمعات بأكملها.
دروس واجتماعات مغلقة وسرية في بعض صفوف الكتائب العسكرية لبعض التنظيمات الإرهابية لا يعلم محتوى ما يُعرض فيها إلا من يحضرها.
يُقال إن في ذلك تحريضاً للشباب لبذل أنفسهم في سبيل اللقاء بحوريات الجنة التي وعد الله بها، فكثيراً ما نسمع عن شبان نفّذوا عمليات انتحاريةً طمعاً بحور الجنة، فتُستغل بذلك الغرائز الجنسية لدى الشباب ويُكرّس الهوس بالحور العين لإقناعهم بالقيام بعمليات العنف. أولئك الشباب اقتنعوا لسبب أو لآخر، عن ملء إرادتهم وليس بالإجبار، بأن ليلة تنفيذهم عمليةً انتحاريةً هي ليلة زفافهم إلى الحوريات اللواتي سيستقبلنهم على أبواب الجنة مهللات بقدومهم كما تهلل المرأة بقدوم من أحبّت إليها.
لو توقّف الأمر على فكرة العبادة طمعاً بالحور العين، لكنا وكما يُقال "بلعناها"، إلا أن فكرة الجهاد وبذل النفس طمعاً بالحور العين على مبدأ "ليس بيني وبين الحور العين إلا أن أُقاتل فأُقتَل"، باتت فكرةً مرعبةً لمجتمعات بأكملها
"كيف يقضي المجاهدون ليلتهم الأخيرة؟"
بعض الأفلام والمسلسلات العربية تطرقت مؤخراً إلى عرض نمط حياة بعض الكتائب المسلحة التي تجنّد الشبان للقيام بالعمليات الانتحارية، كمسلسل "غرابيب سود" مثلاً، ليظهر المجاهد المستعد للعملية الانتحارية كعريس يستعدّ لليلة زفافه، فيستحم ويتطيب ويلبس حلةً جديدةً وينتظر مثواه الأخير. أي مثوى يرتجي من ينفّذ عمليةً انتحاريةً تودي بعشرات الأرواح، هذا إن لم نقل المئات.
ذكرت مقالة تقدّم طرحاً مشابهاً، أن بعض الرجال الذين نفّذوا عمليات انتحاريةً، لاحظ أصدقاؤهم على ملابسهم آثار مني، ما جعلهم يظنون بأنهم أصبحوا بجوار الحور العين، إلا أنه علمياً يسمّي الطب تلك الحالة "بالمظاهر الرمية"، إذ يفرز الجسد كافة السوائل خارجاً بعد الوفاة بفترة زمنية وجيزة.
في النهاية لا يسعنا إلا أن نلخّص ما سبق بقولنا: "من الجهل ما قتل"، فالجهل وعدم التفكير الجدي، والانسياق الأعمى وراء الكثير من الأمور من دون البحث الحثيث وراءها، قد تقود عالماً بأكمله إلى التهلكة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...