أختم في هذه الحلقة نشري لنصّ المعالجة السينمائية الأولية التي قمت بكتابتها مستنداً إلى جلسات متتالية من الذكريات المستفيضة التي حكاها لي النجم عمرو دياب عام 2001 لتكون أساساً أعتمد عليه في كتابة فيلم سينمائي بعنوان "العالمي" مستوحى من قصة حياته، وكان سيخرجه المخرج طارق العريان، لكن المشروع لم ير النور مع الأسف:
أختم في هذه الحلقة نشري لنصّ المعالجة السينمائية الأولية التي قمت بكتابتها مستنداً إلى جلسات متتالية من الذكريات المستفيضة التي حكاها لي النجم عمرو دياب عام 2001
أخذ عمرو وقتاً طويلاً في إعداد شريطه الجديد، ولم يتعجل الوجود في سوق الكاسيت، خصوصاً بعد أن حقق له الغناء في الفنادق أماناً مادياً، ولذلك نجح الشريط المُعدّ بعناية في إظهار تطوره من حيث الشكل والأداء، خصوصاً أنه حين قام بتلحين بعض أغاني الشريط والإشراف على توزيع بعضها الآخر، قرّر أن يستدعي ذكريات العزف على السمسمية في شوارع بور سعيد، وروح الصعلكة القديمة، فنجحت بعض أغاني الشريط و"كسّرت الدنيا" بشكل ملفت، وبدأ يعيش لحظات من النجاح الحقيقي لم يكن يحلم بها، مثل أن يتعرّف عليه أحد وهو يسير في الشارع في سيارته المتواضعة، أو أن يسمع أغنيته تتردّد في كل مكان يذهب إليه، ويجد عمرو من يتحمّس لنجاحه ويساعده على تصوير أول فيديو كليب لأحد أغانيه، مستخدماً فكرة جديدة هي التصوير على متن الموتوسيكلات، وتنجح الفكرة مع جمهور الشباب، لكنها تلاقي هجوماً وسخرية من بعض الأقلام الصحفية.
تستمر حبيبته في مساندته ودعمه، ويعيش معها لحظات لم يكن يتخيلها من الحب والحنان، يقرّر أن يقطع التردّد العاطفي بأن يتقدم لخطبتها بعد أن شجعه ما كان يلقاه من معاملة لطيفة من أهلها، لكنه يتلقى صدمة تزلزله، حين يقول له والدها، وهو من كبار رجال الأعمال، إنه يقبل صداقته بابنته طالما ظلت صداقة لطيفة وبريئة، لأنه يشجّع ابنته على أن تتعرف على الجميع وتصادق أشخاصاً من طبقات اجتماعية مختلفة، لكيلا تنشأ في فقاعة منعزلة عما حولها، لكن حكاية الزواج مستحيلة، ليس لأن الأسرة تخجل من مهنة المغني مثلاً، بالعكس هي تحترمها، لكن المشكلة في عدم التكافؤ الاجتماعي والمالي بينه وبين ابنته، لأنه كأب يعرف أن ابنته بعد فترة من الزواج وحين تواجه الواقع، لن تستطيع تقبل أنها تعيش في مستوى مادي أقل مما كانت تعيش فيه، وعمرو نفسه لن يقبل أن تعيش زوجته على قفا أهلها، ولذلك ستحدث مشكلات ستقضي على هذا الزواج، وبالتالي من الأفضل أن تظل العلاقة كما هي: علاقة صداقة لطيفة ليس إلا.
يتلقى عمرو الصدمة بقوة لأنه وجد أن كلام الأب واقعي وعقلاني، وبعدها مباشرة يدعى لإحياء حفلة فنية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يحضرها عدد من نجوم السينما المصرية الذين يشجعونه خلال غنائه ويتفاعلون معه بشكل لطيف، ويفاجأ وسط الحضور بصديقه القديم زياد، الذي نعرف أنه سافر إلى فرنسا وحقق نجاحاً كبيراً لم يكن يتوقعه أحد، وجاء إلى القاهرة مع منتجين فرنسيين لحضور مهرجان السينما، يمازحه عمرو ويذكره بالجاكيت الذي أخذه منه ولم يرجعه، ويقابله صديقه بجفاء يزعجه، وبعد نهاية وصلته الغنائية التي نالت إعجاب الجميع، يفاجأ عمرو بأنه لم يوضع له كرسي للجلوس عليه لمتابعة الحفل، لأن مهمته في الغناء انتهت، يجرحه ذلك، لكنه مع موقف الأب يكشف له أنه كان مخدوعاً حين ظن أن تحقيق الشهرة والنجاح أمر كافٍ لإثبات وجوده في المجتمع، وأنه حين يدخل عالم الكبار سيدخله لأداء دور محدّد هو الغناء، لكن لن يُسمح له بأن يكون جزءاً من هذا العالم، وأن ذلك لن يتحقق إلا إذا كان لديه نفوذ، وأنه لا يجب أن يكون فقط الأكثر نجاحاً بل أيضاً الأغلى سعراً والأقوى نفوذاً.
قرّر عمرو أن يستدعي ذكريات العزف على السمسمية في شوارع بور سعيد، وروح الصعلكة القديمة، فنجحت بعض أغاني الشريط و"كسّرت الدنيا" بشكل ملفت
بدأ عمرو يركز في كل تفاصيل عمله الغنائي في تلك المرحلة، فبدأ ينسحب شيئاً فشيئاً من الغناء في الأفراح عمّال على بطّال، وبدأ يقلل من حفلاته في الفنادق الكبرى، ويركز على إحياء أفراح علية القوم ويهتم أكثر بالعلاقات الاجتماعية، وبدأ في إدراك خريطة العلاقات بين صفوة المجتمع في مصر، وما اكتسبه من معرفة زاده خبرة ونضوجاً، فكلما اعتقد أن شخصية ما هي الأكبر والأهم في مجالها، يكتشف أن هناك من هو أهم منها، وأحياناً يكون ذلك الشخص الأهم هو الأقل حضوراً وشهرة، وشهد ذات يوم موقفاً أصبح يستشهد به بعد ذلك، حين وجد شخصية مهمة جداً تحمل علبة السجائر لشخصية أخرى اتضح أنها أهم وأكثر نفوذاً، فأصبح يبحث بروح ساخرة عن تفصيلة من يحمل علبة السجائر لمن في كل وسط جديد يدخل فيه ويتعرف على ملامحه وتفاصيله.
خلال توغله في شبكة العلاقات الاجتماعية بين كبارات البلد، قابل عمرو نماذج بشرية مدهشة، من بينها بنت شديدة الجمال كان يتصور أنها لا شك تنتمي إلى أرقى عائلات القاهرة من كثرة ما يراه عليها من مظاهر الثراء والأبهة، قبل أن يكتشف أنها أتفه بكثير مما يظن وأنها تبيع جمالها كمظهر في حفلات الأوساط الراقية، قابل أيضاً رجلاً كان يظن أنه الأكثر احتراماً في الدنيا، فاكتشف أنه يعمل مسؤولاً عن توفير المزاج بأنواعه العادية والغريبة لشخص أكثر نفوذاً منه، وأن هذا الشخص المتنفذ يطلب من "المحترم" أن يلبي أي طلبات مزاج يطلبها عمرو في أي وقت، وحين شكره عمرو لأنه ليس له مزاج سوى الرياضة وشغل الغناء، حرص على أن يؤكد على المحترم أن جميع طلبات عمرو مجابة في أي وقت حين يطلبها، ولم يلمح على ملامح المحترم أي انزعاج حين اتضحت طبيعة مهامه التي كان يظن أنها أخطر بكثير.
يتلقى عمرو صدمة تزلزله، حين يقول له والد حبيبته، إنه يقبل صداقته بابنته طالما ظلت صداقة لطيفة وبريئة، لكن حكاية الزواج مستحيلة.
لم يكتف عمرو بهذه العلاقات التي كان يدرك أنها قد تقويه من الخارج، لكنه سيظل ضعيفاً من الداخل لو انحسر نجاحه كمطرب محبوب وذي شروط خاصة في إحياء الحفلات والأفراح، وحرص في الوقت نفسه على تطوير ما يقدمه من غناء، وبدأ يهتم بفكرة تغيير شكله مع كل شريط غنائي يطلقه، وأدرك أنه حصد ثمرة نجاحه في هذه النقطة، حين دخل ذات يوم ليحيي حفلة فوجد أمامه عدداً هائلاً من الشباب يقلدونه في شكله وملابسه.
وهنا بدأ يدرك أهمية تغيير استراتيجيته، ليهتم بإحياء الحفلات في النوادي والشواطئ في الصيف، لأن هذا لن يتعارض مع قيامه برفع سعره بانتظام في حفلات الأفراح والفنادق الكبرى، مع تقليل عددها، بل بالعكس ستساعده الحفلات التي يحضرها آلاف الشباب على تقوية مكانته الغنائية التي ظلت تزعج كثيراً من الصحفيين، الذين لم يعد ينزعج من هجومهم بعد أن اكتشف أن ما يكتبونه لا يؤثر فيه بالسلب، بل يفيده في كثير من الأحيان، ويكسبه التعاطف من قطاعات كبيرة من جمهوره من الشباب.
برغم اعتراض مدير أعماله، استمر عمرو في رفع أجره بشكل منتظم وبأرقام كبيرة، وفي كل مرة كان يثبت لمن حوله أن اختياره صحيح ولن يكون سبباً في قلة الشغل أو تطفيش من يرغبون في إحيائه لحفلاتهم وأفراحهم، مع الوقت لم يعد يستهويه حضور سهرات الوسط الفني ولا حفلات علية القوم، وأصبح يجد متعة في العزلة في الاستديو للتفكير في أغنية جديدة أو تنفيذها، ثم العودة إلى بيته ليشاهد مسرحية كوميدية لنجمه المفضل محمد نجم، الذي كان يدمن مشاهدة مسرحياته كل ليلة، ويفضل ذلك على حضور سهرة يدعوه إليها بعض من كبارات البلد الذين أصبحوا يتباهون بمعرفته وصداقته.
خلال رحلة الصعود هذه تعرّض عمرو لمنغصات عديدة، أهمها المتاعب الصحية لوالده التي زادت بعد أن تأثرت نفسيته بعد خروجه على المعاش، خصوصاً أن ذلك حدث بعد خلافات عديدة في مجال عمله، كان عمرو في مرحلة سابقة قد تلقى خطاباً من القوى العاملة بتعيينه في هيئة حكومية في بور سعيد، وكان أصدقاؤه يتندرون عليه لأنه رفض الوظيفة ورفس النعمة برجليه، في واقعة أخرى شاهد حبيبته السابقة التي رفضه أبوها تسير مع زوجها الجواهرجي في سيارة فخمة، وأزعجه أن يشعر بأنه لم ينسها كما كان يظن.
ظل عمرو يهيم على وجهه في الشوارع ليلتها في سيارته الفخمة التي اشتراها بعد نجاحه الفني الساحق، وفوجئ خلال سيره بأصوات هتافات أعادت له ذكريات غابت عنه منذ زمن، وهي أصوات هتافات مشجّعي النادي المصري الذين قدموا من بور سعيد الى القاهرة لتشجيع ناديهم، تعيد اليه الأصوات ذكريات تهز وجدانه، يجد نفسه سائقاً خلفهم ليصل الى الاستاد، وعندما يراه الجمهور ينهال عليه بالتشجيع وبالطبع ينهال عليه الجمهور المنافس بالشتائم، ويبدأ في الانفصال عن كل ما حوله، خاصة مع مجيئ اثنين من مسؤولي الأمن يطلبون منه التوجه للمقصورة حرصاً على سلامته، ويرفض وينفصل عن كل ما حوله ليسبح في جو الهتافات والتصفيق، مستوحياً منه لحناً جديداً لا يطلع الصباح حتى يكون قد اكتمل في ذهنه، وينفجر هذا اللحن كقنبلة في مصر والوطن العربي ليزيده شهرة وجماهيرية وسعراً، ويكون ذلك اللحن سبباً في دخوله إلى مرحلة جديدة من النجاح والشهرة.
خلال توغله في شبكة العلاقات الاجتماعية بين كبارات البلد، قابل عمرو رجلاً كان يظن أنه الأكثر احتراماً في الدنيا، فاكتشف أنه يعمل مسؤولاً عن توفير المزاج بأنواعه العادية والغريبة لشخص أكثر نفوذاً منه
تعلم عمرو أن انفصاله عن الضغوط التي تحاصره من كل جهة وتركيزه فيما يجيد عمله، هو أفضل شيء يمكن أن يقوم به على الدوام، وهو ما تكرّر معه مرات كثيرة، من أبرزها حين تم اختياره ليكون من ضمن المرشحين لجائزة عالمية لأكثر الأغنيات نجاحاً وانتشاراً، حدث له ذلك في عز اشتداد الحملة الصحفية الضارية عليه، والتي أصبح يشترك فيها بعض ممن كان يسميهم أصدقاؤه "رموز العهد البائد في الموسيقى"، والذين حاربوه في أيام لجان الاستماع ومنعوا أغانيه من الإذاعة في كل مكان.
يسافر عمرو لاستلام الجائزة، وعندما يقف على المسرح ليرى آلاف البشر الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه يصفقون له ولأغنيته، يرى بعين خياله والده يقف في ركن من أركان المسرح، ينقبض قلبه وعند عودته الى مصر يسال في الطائرة عن جريدة الأهرام، فيقولون له إنها لم تأت اليوم، يشك في اختفائها المفاجئ، يظل يبحث عنها في الطائرة وسط تزاحم الركاب للتعرّف عليه، يجد طفلاً صغيراً يخرجها له من تحت أحد الكراسي، يسرع ليتناولها ويفتح مباشرة على صفحة الوفيات وهو يرى ارتباك المضيفات، يقرأ نعي والده وخبر دفنه في قريته في محافظة الشرقية.
من مطار القاهرة يخرج عمرو مباشرة الى الشرقية ليقرأ الفاتحة على قبر والده الذي لم يتمكن من حضور جنازته، يفاجأ بآلاف البشر يستقبلونه على مدخل القرية، يضطر للذهاب الى المقابر من طريق خلفي متعب ومترب، وهناك يجد والدته واقفة على قبر والده، يحتضنها وينهار في البكاء، وما إن يهم بقراءة الفاتحة حتى يفاجأ بعشرات الأطفال والفتيان يقفون على مقربة من المقابر وهم يغنون أغنياته وأهله يقومون برجمهم بالحجارة، لأنهم لا يسمحون له بالاختلاء بقبر والده في لحظة حزن، ووسط هذا العبث يستخدم مهاراته التي اكتسبها في السنين الماضية، ويستطيع أن ينفصل عن كل ما حوله، فتتلاشى كل هذه الأصوات ولا يبقى منها إلا صوته وهو يقرأ الفاتحة ممتزجاً بصوت والده وهو يقرأ له في أيام الطفولة مقتطفات من سيرة ابن هشام.
تعلم عمرو أن انفصاله عن الضغوط التي تحاصره من كل جهة وتركيزه فيما يجيد عمله، هو أفضل شيء يمكن أن يقوم به على الدوام.
عند هذا الحد بدأت شهية عمرو في الحكي تقل، خصوصاً أنه كان قد أعلن منذ البداية عزمه على عدم تناول أي تفاصيل عن زواجه بالنجمة شيرين رضا التي أنجبت له كبرى بناته، أو زواجه بالسعودية زينة عاشور التي أنجبت باقي أبنائه وبناته، ولذلك انقطعت جلسات الحكي التي بدأت عقب أيام من عيد ميلاد عمرو الأربعين، وبدأ المخرج طارق العريان في حضور جلسات العمل التالية للاتفاق على تفاصيل كتابة السيناريو وشكل الفيلم الذي سيعتمد على الحكايات التي خرجت بها من جلساتي مع عمرو.
مع الأسف، زادت الخلافات حول شكل الفيلم، وهل سيتم تقديم بطله بوصفه عمرو دياب شخصياً، أم سيتم تقديمه بصفته شخص يحاكي رحلة عمرو الفنية، وبعد عدة جلسات مرهقة زاد نفوري من الفيلم، خصوصاً حين تم اقتراح أن تكون هناك بطلة تلعب دور مطربة منافسة لعمرو، وتكرّر الحديث عن أهمية التركيز على مرحلة النجاح الأسطوري التي حققها البطل، وتجسيد تعقيدات الحفاظ على النجاح في ظل احتدام المنافسة في الساحة الغنائية التي وصلت أجور الإعلانات والحفلات فيها إلى أرقام فلكية، وبالتالي أصبح الصراع عليها أكثر شراسة وقوة، وبالتالي شعرت أن الفيلم يدخل في سكة مختلفة عن التي كنت متحمساً لها، لأنني كنت أرى أن الجزء الخاص برحلة الصعود هو الأهم في الفيلم، وهو الذي يجب أن يبدأ وينتهي به الفيلم.
بدأت جلسات العمل في التباعد، فأخذت أستعيد نصائح أصدقائي بالبعد عن مشروع كهذا لن يرى النور، لأن الغناء سيظل دائماً الأولوية الوحيدة لعمرو مهما تحدث عن اهتمامه بالتمثيل، بدليل أنه لم يكمل تجربتين سابقتين على تجربتنا كانتا مع الكاتب الكبير وحيد حامد والدكتور مدحت العدل، وبدأ قلقي يزداد من تحمل مسؤولية عمل ضخم كهذا، وأنا أمتلك في رصيدي فيلماً ناجحاً واحداً، خاصة أنني قبلت عرضاً من المنتج طارق صيام والنجم علاء ولي الدين لكتابة سيناريو كوميدي كان سيخرجه المخرج علي إدريس، ولذلك قوّيت قلبي واعتذرت عن المشروع، دون أن أبالي باتهام الجميع لي بالجنون، وهو الاتهام الذي تضاعف بعدها حين اعتذرت عن مشروع علاء ولي الدين، وقررت ألا أعمل في مشروعات أتحمل فيها مسؤوليات أكبر من طاقتي، وأعتقد أنني كنت موفقاً للغاية في القرارين برغم صعوبتهما الشديدة، خصوصاً حين ظللت لمدة عام ونصف دون عمل، حتى انتهى ذلك بالبدء في تصوير فيلمين هما "الباشا تلميذ" و"صايع بحر".
خلال السنوات التي أعقبت اعتذاري عن مشروع الفيلم، جمعتني بعمرو دياب مكالمات كان يعبر لي فيها عن إعجابه ببعض أفلامي أو مداخلاتي التلفزيونية، لكننا لم نلتق وجهاً لوجه بعد جلسات الحكي تلك، إلا ذات ليلة من ليالي عام 2010، قابلته فيها في جامع الحامدية الشاذلية خلال حضور عزاء شقيق مطربي المفضل محمد منير، وكان عمرو معجباً بمسلسلي "أهل كايرو" الذي لاقى نجاحاً ساحقاً، فدعاني لنسهر في فندق الفور سيزون في جاردن سيتي، وقد حكيت بعض وقائع تلك السهرة في الحلقتين اللتين قدمتهما عنه في برنامج "الموهوبون في الأرض".
من مطار القاهرة يخرج عمرو مباشرة الى الشرقية ليقرأ الفاتحة على قبر والده الذي لم يتمكن من حضور جنازته، يفاجأ بآلاف البشر يستقبلونه على مدخل القرية
حين قال لي عمرو ليلتها إنه متحمس لكي يلعب بطولة مسلسل تلفزيوني أقوم بكتابته ويخرجه المخرج محمد ياسين الذي كان قد حقق نجاحاً ساحقاً في إخراجه للجزء الأول من مسلسل "الجماعة"، ذكرته بجلسات الحكي التي لم تنتج حتى لقائنا ذاك أي نتيجة برغم تعاقب عدد من كبار كتاب السيناريو على المشروع، وقلت له إنني سأبحث عن المعالجة التي كتبتها كحصيلة لتلك الجلسات لأعرف ما إذا كان يمكن استغلالها في مشروع جديد أفضل أن يكون فيلماً سينمائياً، فطلب مني أن أفعل ذلك، وقادنا الحديث في السياسة إلى حديث عن اختياراته الجديدة في الحياة، والتي كان من أبرزها ألا يزيد عمر من يحيطون به عن منتصف العشرينات لكي يظل مرتبطاً دائماً بالجيل الأصغر منه سناً، ولما كنت يومها على مشارف السادسة والثلاثين، فقد بدا لي ذلك إشارة مسبقة إلى مصير المشروع الذي لن ينتج عنه إلا المزيد من إضاعة الوقت والجهد، فلم أعاود الاتصال بعمرو ولم أقم أصلاً بفتح ملف المعالجة السينمائية التي ظلت حبيسة جهاز الكمبيوتر، إلى أن أطلقت سراحها الآن ووضعتها بين يديك.
"أبويا قبل ما يموت على طول قال للدكتور: أنا مش خايف من الموت أنا خايف على ابني، ودي الجملة اللي عمري ما هانساها لحد ما أموت".
في ملف الأوراق الذي قمت بتدوين ذكريات عمرو دياب فيه وجدت بعض العبارات التي قمت بكتابتها وتجميعها تحت عنوان "عبارات مهمة يمكن البناء عليها في تركيبة الشخصية درامياً"، وأعتقد أن قراءتها تصلح أفضل ختام، لأنها ستقول لك الكثير عن عمرو دياب وتجربته المستمرة حتى الآن:
"مع الوقت، اكتشفت أني باتعلّق عاطفياً بسرعة في وقت ما بابقى ضعيف، ولإني كنت طول الوقت في الأول ضعيف فلذلك كنت باتعلق كتير عاطفياً لكني كنت بسرعة باكتشف أن كل حاجة هزؤ. ولذلك لما بقيت قوي ما بقيتش باحب بسرعة، ولا حتى باقول بسهولة كلمات بحبك أو يا حبيبتي، وبقيت أقول كلمات زي ما تقوليش ياشيخة إيه الأخبار يا قمر وحاجات زي كده".
"اكتشفت مع الوقت إني مش لاقي سبب يخليني أسيب أبويا وأمي في الأوقات الصعبة، ما فيش سبب لإني ما أكونش موجود جنب والدي وهو عيّان أو هو بيموت. لغاية دلوقتي ما لقيتش لذة في الحياة توازي لذة سماع أبويا وهو بيقرا لنا أجزاء من القصص اللي في سيرة ابن هشام، وأمي وهي بتعمل الشاي على الباجور، ولا لعبي على البيانو القديم المكسور في بيتنا".
"طول الوقت حاسس إني جاي في زيارة بس الزيارة طولت. حاسس إني على طول قاعد مستني حاجة هتحصل، حاسس إن أنا دايماً على الهولد".
"طول الطريق، خصوصاً في أول المشوار، كان كل واحد عايز ياخدني لاتجاه هو شايفه الصح وهو ده وحده اللي هينجحني، وفي الأخر اللي نجحني شيئ مختلف، اللي نجحني مزيكة الشوارع".
"الصراع بين الطفل الخايف والشاب الناجح هي الحاجة الوحيدة الي خلتني أشتغل أكتر، واكتشفت ان الحاجة الوحيدة اللي حتخلي كفتي أقوى في مواجهة كفة الحياة هي أني أدخل التاريخ وأدخّل اسم أبويا التاريخ، وده سبب نجاحي".
"اللي بيقولوا إن أنا حصلت لي طفرة أغبياء جداً، مش أنا اللي حصلت لي طفرة، أنا بس باشتغل، طول الوقت باشتغل وطول الوقت بيقولوا إنه حصلت لي طفرة".
"عكس ما ناس كتير فاهمة، ساعات ما باعرفش أفكّر بكره فيه إيه، لكن دايماً باعرف ألمّ الأحداث اللي بتحصل حواليا مهما كانت صعبة وتلخبط".
"أبويا قبل ما يموت على طول قال للدكتور: أنا مش خايف من الموت أنا خايف على ابني، ودي الجملة اللي عمري ما هانساها لحد ما أموت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه