لم أستمع بعد إلى ألبوم عمرو دياب الجديد كاملاً، إنما سمحت لي الإذاعات الأردنية التعرّف إلى أغنيتين منه. لكن استوقفني ما يحدث كل مرة عندما يطلق "الهضبة" جديده، وهي "ظاهرة" تعوّدت على ملاحظتها ورصدها وحتى عيشها، منذ أيام "الكاسيت" الذي يحنّ إليه بعضنا.
يحب المصريون إطلاق الألقاب على الفنانين، كلقب الهضبة على عمرو دياب، أو "الملك" على محمد منير، لكن يبدو أن هناك حاجة لإطلاق لقب للحالة أو الظاهرة التي تلي إطلاق ألبومات عمرو دياب، هي حالة قريبة جداً من البهجة، بيد أن لقب "صانع البهجة" منحه المصريون للفنان الراحل يوسف عيد، لا أعلم ما اللقب المناسب لظاهرة ما بعد ألبوم عمرو دياب، لكنني أكيدة أنها يجب أن تفي بشعور محبيه والذي يشبه شهقة الفرح.
نشأ عدد كبير منا، خصوصاً جيل الثمانينيات، على حب عمرو دياب، حفظنا أغانيه ونحن في المدرسة وعرفنا معناها عندما كبرنا.
نشأ عدد كبير منا، خصوصاً جيل الثمانينيات، على حب عمرو دياب، حفظنا أغانيه ونحن في المدرسة وعرفنا معناها عندما كبرنا، مثل ما كنا نحفظ القصائد في الكتب المدرسية، لأجل أن نحفظها باعتبارها واجباً مدرسياً، دون أن نهتم بمعرفة معاني أبيات القصيدة، هكذا كانت علاقتنا، نحن جيل ما بين عصر الكلاسيك وعصر الديجيتال، مع أغاني عمرو دياب.
لكن ومع كل دقة لساعة الحسم بإصدار ألبوم جديد لعمرو دياب، ومنذ أن كنت طالبة في المدرسة وحتى الآن، كنت وما زلت ألاحظ حالة "الهيجان الشعبي" من مختلف الأعمار احتفاء باستقبال المولود الجديد، تشبه بشكل ما حالة الفرح العربي بتأهل منتخب عربي إلى كأس العالم.
سأعود بذاكرتي بضع سنوات، إلى أواخر أيام الكاسيت وأوائل أيام السي دي، أذكر أنني كنت ألاحظ، وللإنصاف هذه ملاحظة شقيقتي دانة أيضاً، وعندما كنا نخرج "لفة" بالسيارة احتفالاً بألبوم عمرو دياب الجديد في شوارع عمّان، كان هناك من يحتفل بالألبوم، وخصوصاً من عشاق الهضبة وأغلبهم من جيل الشباب، من خلال رفع أصوات مسجلات سياراتهم بدعم من "السيستم"، الجهاز الذي كان يتنافس الشباب الأردنيون لشرائه ووضعه في سياراتهم، على وقع أغان قديمة لعمرو دياب وليس الألبوم الجديد.
عندما كنا نخرج "لفة" بالسيارة احتفالاً بألبوم عمرو دياب الجديد في شوارع عمّان، كان هناك من يحتفل بالألبوم، من خلال رفع أصوات مسجلات سياراتهم على وقع أغان قديمة لعمرو دياب وليس الألبوم الجديد
هذه الطريقة الغريبة بعض الشيء في الاحتفاء بجديد المغني، كانت وما تزال تؤثر بي جداً، أجد فيها أكثر من جانب نفسي نبيل، وكأن عشاق عمرو دياب يريدون أن يوصلوا رسالة "للعالم" بأن حبهم له لا يشترط انتظار جديده، بل يشترط الوفاء لقديمه.
فمثلاً، يُصدر عمرو دياب ألبوم "كمل كلامك"، وأثناء قيادتك لسيارتك تسمعين أغانيه من مسجلات السيارات في شوارع عمّان، فجأة بجانبك سيارة يلعب مسجلها أغنية "ما بلاش نتكلم بالماضي" بصوت أعلى من تلك الأصوات.
نشأت كغيري، من جيلي ومن هم أكبر أو أصغر، على حب "الهضبة"، وكنت أشتمّ رائحة الصيف مع كل ألبوم يصدر له، وعشت شعور أنني لا أستسيغ أغانيه عندما أسمعها أول مرة بعد صدور ألبومه، وهذا شعور يشترك به كثر معي، لكن أعتقد أنه أيضاً له بعد نفسي، أحلله وفق رؤيتي الشخصية، أنه له علاقة بأن من يحب عمرو دياب يستهجن فكرة أن يستمع لأغنيه له وهو غير قادر على ترديدها معه، تعودنا ونفضل أن نحفظ أغانيه عن ظهر قلب.
نختلف كثيراً ونتفق أكثر في علاقتنا، نحن محبو عمرو دياب، مع أغانيه، أجزم أننا جميعاً أهدينا أغانيه لمن نحبهم والعكس صحيح، وأقسم أننا نحن الفتيات بكينا جميعاً على أغنية "وهي عاملة إيه دلوقت؟"
نختلف كثيراً ونتفق أكثر في علاقتنا، نحن محبو عمرو دياب، مع أغانيه، أجزم أننا جميعاً أهدينا أغانيه لمن نحبهم والعكس صحيح، وأقسم أننا نحن الفتيات بكينا جميعاً على أغنية "وهي عاملة إيه دلوقت؟"، رغم أنه قال فيها: "أكيد ساكتة ولا بتحكي ولا بتشكي ولا بتبكي"، ومتأكدة أننا وفي ألبومه الجديد، سنقوم، كما اعتدنا القيام به مع ألبوماته القديمة، في البحث عن الأغنية التي تشبهنا وتفي بالتعبير عن الحالة التي نشعر بها الآن.
ما من أغنية مفضلة لدي لعمرو دياب، لكن دائماً أجد أغانيه تفي بالغرض عندما أبحث عما يتناسب مع كل حالة أمر بها، وفي يوم إطلاق ألبومه الجديد "سهران"، شبكت اليوتيوب على مسجل سيارتي واستمعت لكل من أغنية "يا عمرنا" و"اللي بيني وبينك".
لمستني حالة استقبال عشاق "الهضبة" من الأردنيين لألبومه الجديد، مثل ما "عودوني عليه" بأن أتأثر بشعورهم بالابتهاج بألبوماته، وأعجبتني الأغنيتين اللتين تعرفت عليهما من الراديو، وأحببت عبارة: "الغلاوة هي هي والمشاعر متدارية" في أغنية: "زي ما إنتِ"... وأنا على يقين بأنك تذكرتني عندما سمعتها، أو عندما ستسمعها قريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...