رغم انشغال فرنسا والفرنسيين بمشروع إصلاح قانون التقاعد والاضطرابات التي رافقته من إضرابات واحتجاجات، قام التلفزيون الفرنسي بتنظيم أمسية خيرية في شهر آذار/ مارس المنصرم بعنوان "متحدون في مواجهة الزلزال"، قدم الأمسية كل من ليا سلامة وستيفان بيرن وقد بث الحفل مباشرة من مسرح الأولمبيا في باريس. وقد وقع الاختيار على هذين المقدمين لضمان أكبر عدد ممكن من المشاهدات وهما من المقدمين المشهورين فقد قامت ليا سلامة بتقديم المناظرة الرئاسية، فيما يقدم ستيفان بيرن مجموعة برامج تهتم بالتراث الفرنسي وتاريخ فرنسا لعل أشهرها "القرية المفضلة للفرنسيين".
نظم التلفزيون الحكومي الفرنسي أمسية لدعم الناجين المتضررين من الزلزال وشارك فيها عدد كبير من الفنانين ونجوم الغناء الفرنسيين بمشاركة فنانين أتراك وسوريين وعرب
نظم التلفزيون الحكومي الفرنسي الأمسية لدعم الناجين المتضررين من الزلزال وقد شارك فيها عدد كبير من الفنانين ونجوم الغناء الفرنسيين بمشاركة فنانين أتراك وسوريين وعرب، ودعا الحفل المشاهدين للتبرع لجمعية (فونداسيون دو فرانس) التي بدورها ستوزع التبرعات على منظمات إنسانية تعمل في تركيا وسوريا.
افتتحت الامسية بشهادة مؤثرة لرجل تركي نجا من الزلزال وفقد زوجته، ويروي الرجل حكايته من أمام أنقاض منزله فيما يتفحص ما بقي من أغراض البيت. وتلت الشهادة صور لمناطق ومدن دمرها الزلزال ومر التقرير على مشاركة فرق الإنقاذ الفرنسية من خلال مشاهد من عمليات الإنقاذ مع شهادات المنقذين الفرنسيين، ومشاهد من مشفى ميداني أنشأته فرق الدفاع الفرنسية.
بعد التقرير، بدأ الحفل الفني بأغنية غناها نجوم الحفل وكورال من الأطفال، تلاها أغنية غناها كل من باتريك برويل ومنتيسا وإيكار مع المغنية السورية لين أديب. غنت المغنية الشهيرة زاز أغنية سيلين ديون "لو كان يكفي أن نحب" بتوزيع جديد تضمن آلات شرقية وقد كان العود والناي نجما الأمسية. ولم تستطع زاز ضبط مشاعرها المتأثرة ووعدت بأن تلتقي بجمهورها التركي قريباً في حفل في تركيا.
غنى غيمز عن الفقد، وغنت منتيسا ثم غنت لين أديب بمرافقة عازف البيانو أندريه مانوكيان أغنية حب لداليدا باللغتين العربية والفرنسية، وقدمت ليا سلامة لين أديب متحدثة عن عائلتها التي عاشت الزلزال في حلب، فيما أكدت لين أن الكلمات لا تسعف في مواقف مماثلة فالكارثة تفوق الوصف. غنى كلوديو كابيو وشيمن بادي، وغنى لوران فولزي أغنيته الشهيرة (بيل إيل أون مير ماري غالانت)، ثم غنت إيزابيل بوليه وغنى مكسيم فوريستيه برفقة ابنه أرتور أغنية عن تجاوز الحدود لأنها لا تمثل سوى مصادفة بحتة إذ لانختار أين نولد، ياييل نعيم قدمت أغنية هاللويا بمرافقة كورال من شباب وشابات الأوبرا كوميك، عادت زاز للغناء مع إيكار، ثم استقبل المقدمان عازف البيانو التركي فازيل ساي الذي قدم خصيصاً من تركيا للمشاركة في الحفل ووجه ساي رسالة شكر للجمهور الفرنسي لتبرعه وشكر كل الفنانين الفرنسيين
غنت لين أديب بمرافقة عازف البيانو أندريه مانوكيان، وقدمت ليا سلامة لين أديب متحدثة عن عائلتها التي عاشت الزلزال في حلب، فيما أكدت لين أن الكلمات لا تسعفها فالكارثة تفوق الوصف.
المشاركين، ثم غنى سالفاتوري أدامو ومارينا كيه نشيد السلام الشهير (إيماجين) الذي غناه أولاً جون لينون، غنت المغنية المصرية فاطمة سعيد "أعطني الناي وغني" وكانت متأثرة للغاية وأكدت على دور الموسيقى في توحيد البشر ودعمهم وإعطائهم الأمل وشفاء أرواحهم. غنت سوزان بدورها عن الحب، وتلاها كورال الاوبرا كوميك بنشيد فنلندي، وغنت سانتا أغنية الجنة البيضاء، وفي نهاية الحفل غنت المغنية المصرية فرح الديباني بالفرنسية والعربية وقدم آندريه مانوكيان نشيداً برفقة مغنيات بلغاريات ويونانيات وتحدث مانوكيان عن رمزية فتح معابر إنسانية للمساعدات بين أرمينيا وتركيا.
ترافقت كل موسيقى الحفل مع صور لآثار الزلزال المدمر، ولعل أكثر لحظات الحفل تأثيراً كانت عندما انسابت موسيقى البيانو الرقيقة التي عزفها العازف التركي ساي فيما صور الأرض المتشققة والمدن المدمرة تحيطه وكأن البيانو كان لسان حال تلك المدن الحزينة.
شرح كل الفنانين الفرنسيين أهمية المشاركة بالنسبة لهم بل وأشاروا إلى ضرورة المشاركة كواجب تجاه الإنسانية.
خلال الساعة الأولى من الحفل، تم جمع مليون يورو من التبرعات، وتخلل الحفل شهادات الأطباء والمنقدين الفرنسيين الذين حاولوا مساعدة الشعبين التركي والسوري،
خلال الساعة الأولى من الحفل، تم جمع مليون يورو من التبرعات، وتخلل الحفل شهادات الأطباء والمنقذين الفرنسيين الذين حاولوا مساعدة الشعبين التركي والسوري.
وقدموا شهاداتهم عما شاهدوا وعن الآلام التي شهدوها وتقارير تعرض وضع الأطفال المتضررين في كل من سوريا وتركيا وتقارير عن جمع المساعدات وما حاولت فرنسا تقديمه للمتضررين بالإضافة إلى تقرير خاص عن الأضرار التي لحقت بالمباني التاريخية التي تشكل بدورها جزء من التراث الإنساني والثقافي العالمي.
أشار المقدمون أن الجمهور الذي حضر في المسرح ساهم أيضاً بالتبرعات من خلال شراء بطاقات الحضور. في نهاية الحفل تم جمع مبلغ مليونين وثلاثمئة ألف يورو لصالح المتضررين بفضل تبرعات المشاهدين ونهى المقدمان الحفل بتحية للشعبين السوري والتركي وبالتأكيد على التآخي ووحدتنا الإنسانية.
أكدت الأمسية على أهمية قيم الجمهورية الفرنسية التي تتمثل في التكافل والإخاء ولكنها أيضاً تشكل مثالاً ناصعاً على الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام التابع للدولة فيما تشهد فرنسا مؤخراً دعوات لتخفيض الميزانيات المخصصة للإعلام الحكومي، كان آخرها في برنامج ساخر لسيريل أنونا، الذي عبر عن صدمته من أن الدولة تمول الإعلام الحكومي بما يقارب الأربعة مليارات يورو. ورغم تعرض أنونا للانتقاد بسبب هذا المقطع لأنه كان نفسه قد أطلق برنامجه الشهير (توش با أمون بوست) على إحدى قنوات التلفزيون الحكومي قبل أن ينتقل به إلى القطاع الخاص، إلا أن هذه الحملات المستمرة تؤدي تدريجياً إلى تغير الرأي العام المدافع عن أهمية التمويل الحكومي للإعلام. ومن الضروري التنويه أن المليارات الأربعة التي استهولها أنونا تمول حوالي ست وعشرين قناة تلفزيونية وإذاعية بالإضافة إلى منصة سلاش الإلكترونية.
وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حملته الانتخابية أن يقوم بحذف ضريبة المرئي والمسموع، وهي ضريبة يدفعها كل مواطن ليعود ريعها إلى الإعلام المملوك للدولة، وقد تم حذف هذه الضريبة فعلاً بمجرد فوزه بالانتخابات الرئاسية الماضية، وسيؤدي ذلك حكماً إلى تخفيض مماثل لتخفيض ميزانيات هيئة الإذاعة البريطانية التي كان السبب المعلن الذي أعلنته لإغلاق إذاعة بي بي سي عربي ضمن سياسة أطلقها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون. بتخفيض هذه الميزانيات يخسر الجمهور كثيراً، ففي الدولة الديمقراطية تملك الدولة المنابر الإعلامية ولكنها لا تفرض عليها توجهاتها وإنما تفسح المجال لكل التيارات والأفكار بالظهور والتعبير عن نفسها. كما يخسر الإعلاميون كثيراً، إذ توفر المحطات المملوكة من قبل الدولة إمكانية أن يحافظ الصحفيون على استقلالهم دون التبعية المباشرة لرأسمال الممول والشركات التي تمتلك المحطات الخاصة، كما يمكنهم التمويل العام من إنجاز تحقيقات استقصائية طويلة الأمد كما في برنامج (أونفايه سبيسيال) الذي يقوم بتغطية الملفات الساخنة فرنسياً كما تغطي حلقاته موضوعات سياسية حول العالم كما تسمح بتنظيم أمسيات خيرية كأمسية (متحدون في مواجهة الزلزال).
في ظل الضغوط الاقتصادية والتضخم التي يعيشها المواطن الأوروبي من الطبيعي ألا يدافع المواطن كثيراً عن التمويل الحكومي للإعلام، إلا أن هذا التخلي الحكومي عن تمويل المحطات سيؤدي إلى تحكم رؤوس الأموال والشركات بالتوجهات الإعلامية الأوروبية وبالتالي بالرأي العام الأوروبي، وسيغرق التلفزيونات ببرامج تلفزيون الواقع ومحتوى مفرغ وغير سياسي، وسينهي الحوار العام الذي ما زال في فرنسا يدور على المحطات العامة. لا بد من إقناع الرأي العام بأن التمويل الحكومي للإعلام والثقافة هي أمور أساسية وضرورية للحفاظ على الديمقراطية وليست رفاهيات لا حاجة لها، ولعل من الأجدى أن يقتطع المال الذي يحتاجه الإعلام اليوم من ميزانيات التسليح الهائلة التي تصرفها كل دول العالم الأول في سبيل تقوية خراسانتها العسكرية.
يشعر الحفل الشعبين التركي والسوري المكلومين بأن هناك في العالم من يفكرون بمأساتهم ويحاولون مساعدتهم
يسمح التمويل الحكومي للإعلام لشعب دولة أن يتضامن ويساهم في مساعدة شعوب أخرى وهو ما لن يتيحه الإعلام الخاص في حال تحكمه بالسوق المحلية. تبقى الأمسية دعوة للأمل بواقع يجمع الإنسانية ويوحدها ودعوة إلى التعاطف والمحبة، وكما سيشعر الحفل الشعبين التركي والسوري المكلومين بأن هناك آخرين في مكان من العالم يفكرون بمأساتهم ويحاولون مساعدتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع