شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
تصعيد

تصعيد "مدروس" في جنوب لبنان وغزة... لعبة صواريخ رابحة للجميع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الجمعة 7 أبريل 202306:36 م

شنّت "إسرائيل"، فجر اليوم الجمعة، غارات جويةً عدة استهدفت نقاطاً عدة في محيط مخيم الرشيدية الواقع جنوب مدينة صور في جنوب لبنان، القريب من المنطقة التي تم إطلاق وابل من الصواريخ منها أمس عليها.

تأتي هذه الضربات بعد إعلان إسرائيل عن سقوط أكثر من 30 صاروخاً، عصر أمس الخميس، من جنوب لبنان باتجاه أراضيها الشمالية، في قصف أوقع جريحاً وأضراراً ماديةً، وردّت المدفعية الإسرائيلية على مواقع إطلاق الصواريخ في بلدات القليلة والحنّية وزبقين بضربات عدة، في تصعيد هو الأكبر من نوعه منذ العام 2006.

الغارات لم تستهدف جنوب لبنان فحسب، بل قطاع غزة أيضاً، واستمرت لساعات عدة، ويأتي ذلك بعد اتهام "إسرائيل" مجموعات فلسطينيةً بالوقوف خلف هذه الحادثة، لا حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، كما حمّلت الحكومة اللبنانية مسؤولية ما حدث أمس داخل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ الذي نفّذته حماس. في المقابل، عثرت فجر اليوم وحدة من الجيش اللبناني على منصات صواريخ، وعلى عدد من الصواريخ المجهزة للإطلاق في سهل مرجعيون، وقد عملت على تفكيكها، بعد أن فككت أمس منصات مماثلةً في بلدتَي زبقين والقليلة جنوب لبنان، حسب بيان مديرية التوجيه.

تأتي هذه الضربات بعد إعلان إسرائيل عن سقوط أكثر من 30 صاروخاً، عصر أمس الخميس، من جنوب لبنان باتجاه أراضيها الشمالية

تحذيرات ونفي 

عقب هذا التصعيد، سارع أمس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى عقد اجتماع مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لتعلّق الخارجية اللبنانية في أول بيان رسمي لها، باحترام لبنان قرار مجلس الأمن الدولي 1701 والتزامه به، وحرصه على الهدوء والاستقرار، كما دعت الوزارة إلى الضغط على "إسرائيل" لوقف التصعيد، وأبدت استعداد لبنان للتعاون مع قوات حفظ السلام جنوب لبنان، واتخاذ الإجراءات المناسبة لعودة الهدوء والاستقرار، كما حذّرت من نوايا "إسرائيل" التي تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين.

حتى كتابة هذا التقرير، لم يعلن أي طرف مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ، في حين أفادت وكالة رويترز أمس نقلاً عن ثلاثة مصادر أمنية لبنانية، قولها إن الفصائل الفلسطينية المتمركزة في لبنان، لا جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران، هي من تقف وراء الهجمات الصاروخية، إلا أن المسؤول الإعلامي لحركة فتح في منطقة صور، محمد البقاعي، نفى في حديث إلى وسائل إعلام، أن يكون هناك أي ارتباط بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبين حادثة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، وأكد أن "هذه الفصائل ليست في موضع تقديم الذريعة لإسرائيل لقصف لبنان"، لافتاً إلى أنه لم يتم أي تواصل حتى الآن بين المعنيين في الدولة اللبنانية والفصائل.

وتقع المنطقة التي أُطلقت منها الصواريخ، ضمن مناطق نفوذ حزب الله، جنوب لبنان، حيث تنتشر مخيمات للّاجئين الفلسطينيين تنتشر فيها مجموعات مسلحة تتبع للفصائل الفلسطينية المتنوعة.

ساحة صراع إقليمية

المتحدث باسم جيش الاحتلال، أعلن عن إطلاق 34 قذيفةً صاروخيةً تم اعتراض 25 منها، فيما سقطت 5 قذائف داخل "إسرائيل"، بالتزامن مع أول تعليق من "حزب الله" في لبنان عقب الحادث، إذ نقلت وسائل إعلام محلية عن رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، قوله إن الاستهداف الإسرائيلي للمسجد الأقصى "سيُلهب المنطقة"، مضيفاً أن "المسجد الأقصى ليس وحيداً وخلفه مئات ملايين المسلمين، وهم جاهزون لبذل الدماء من أجله"، وكان "حزب الله" قد أدان في بيان صباح الخميس، "قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام باحات المسجد الأقصى، واعتداءاتها على المصلّين".

وجاء القصف بالتزامن مع زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلى لبنان حيث أكد أن الفصائل الفلسطينية لن تقف "مكتوفةً" إزاء "العدوان الإسرائيلي على الأقصى".

يرى الباحث القانوني والناشط سياسي علي مراد، في حديثه إلى رصيف22، أن "بداية التصعيد في الجنوب ترافقت مع توقيع الاتفاق الإيراني-السعودي تحديداً، وذلك عقب الاتفاق بساعات، حتى لا نقول بأيام، وتالياً هناك طرف مصرّ -هو حزب الله- على إبقاء هذا البلد، ضمن الصراع الإقليمي من دون الأخذ بعين الاعتبار وضع لبنان وحاجاته ومصلحته، مع الإدانة الكاملة لكل الذي تفعله إسرائيل في فلسطين، لكن من يحدد فتح الجبهة؟ ومن يمتلك القرار بإطلاق الصواريخ، سواء أكانت الفصائل الفلسطينية أو غيرها؟".

ويعتقد مراد، أن هناك إشكاليةً جديةً في لبنان، فـ"بعد كل ما حصل في هذا البلد، وكل الانهيار، الموضوع يجب أن يناقَش؛ قرار الحرب والسلم بيد من في لبنان؟ هذا الموضوع ليس هامشياً، بل إن الاستقرار الشكلي يجعلنا نتناسى هذا الأمر، ولكنه جوهر الموضوع، وهو من القضايا الأساسية التي لا يستطيع أحد أن يتجاوزها، ولا يكفي أن نتحدث عن مواضيع الانهيار الاقتصادي والفساد ونتناسى هذا الأمر".

هذا الفعل يوضح أن حزب الله كان لديه دور متقدّم في المواجهة السعودية الإيرانية، وتالياً عندما تم توقيع الاتفاق، وكأنه يقول أنا أريد أن ألعب الدور من جديد، بعدما كان التركيز على حرب اليمن

برأي مراد، "هذا الفعل يوضح أن حزب الله كان لديه دور متقدّم في المواجهة السعودية الإيرانية، وتالياً عندما تم توقيع الاتفاق، وكأنه يقول أنا أريد أن ألعب الدور من جديد، بعدما كان التركيز على حرب اليمن"، مشيراً إلى أن "هناك تغيّرات كبيرةً وسرديةً تتغير مع الاتفاق السعودي الإيراني، وهذا التزامن في التصعيد يعني أن هذا الدور أعاد توصيف نفسه".

ويتابع: "أعتقد أن الاتفاق بين الطرفين السعودي والإيراني، يحتاج إلى المزيد من الوقت كي تظهر نتائجه ولا يستطيع أحد توقّع انعكاساته المباشرة، وهناك شهر لبناء الثقة، ولا نتحدث عن الاتفاق كونه شراكةً بقدر ما هو تقاطع مصالح، وما إذا كان ينعكس على لبنان. ليس هناك ما يمنع ذلك ولا ما يؤكده، بل المؤكد أن التحرك الجنوبي تزامن مع إنجاز هذا الاتفاق، وأن لبنان يتم التعاطي معه كساحة من دون أخذ مصالحه في عين الاعتبار".

الرمزية الفلسطينية

"ما جرى يؤكد وحدة النضال الوطني الفلسطيني ووحدة الساحات الفلسطينية، سواء أكانوا يقيمون في الداخل في أراضي الـ48، أو في الأراضي المحتلة أو في الخارج"؛ هكذا يعلّق الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وأحد مؤسسي المقاومة الشعبية ومؤسسات في المجتمع المدني الفلسطيني، مصطفى البرغوتي، خلال حديثه إلى رصيف22، على مشهد اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، ورد الفعل الفلسطيني عليه.

وأتت هذه المواجهات في خضم شهر رمضان، وفي الوقت الذي يستعد اليهود فيه للاحتفال بعيد الفصح اليهودي، وفي أجواء من التوتر المتنامي بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ مطلع السنة الحالية، ما أدى إلى اعتقال 350 فلسطينياً.

المشهد الميداني تطور أكثر بعد القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان وقطاع غزة، مستهدفاً مواقع لحماس، لتعلن الفصائل الفلسطينية توحّدها والرد بإطلاق قذائف صاروخية على "إسرائيل".

أتت هذه المواجهات في خضم شهر رمضان، وفي الوقت الذي يستعد اليهود فيه للاحتفال بعيد الفصح اليهودي

برأي البرغوثي، "ما حدث أتى نتيجة الوضع الجديد للمكونات الفلسطينية منذ عام 2021، وتوحّدها وتوحيد الساحات في الرد على العدوان الإسرائيلي، والجريمة التي ارتكبها الاحتلال في الأقصى استفزت مشاعر كل الفلسطينيين والمسلمين والعرب، وتالياً ما رأيناه هو رد فعل على ذلك، وليس فقط من الداخل الفلسطيني بل من كل مكان، ونحن لا نعرف من قام بإطلاق الصواريخ من لبنان، ولكن أعتقد أنهم فلسطينيون ولا يريدون أن يتورط لبنان في ظروف صعبة ومختلفة، ولكنهم يقومون بواجبهم في الدفاع عن شعبهم، ومن يظن أنه يستطيع أن يحمي نفسه بما يجري بمعزل عن فلسطين، فهو مخطئ".

ويضيف لرصيف22: "لا أحد يريد أن يورّط أي دولة بالدخول في حرب مع إسرائيل. نحن نقدّر من يقف بجانبنا، ونقدّر كل الشعوب العربية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، وحتى شعوب الحكومات المتورطة في التطبيع مع إسرائيل، وعندما يقف العرب مع الفلسطينيين فهم يدافعون عن أنفسهم أيضاً، ولا ننسى أنهم يستهدفون الأمة العربية بأكملها، كما لا ننسى ما فعلوه في لبنان منذ عام 1974 وحتى عام 1986. إسرائيل عدوّة الجميع".

ويتابع البرغوثي: "التفاهم الإيراني السعودي يعود بفائدة على الفلسطينيين، لأنه يضع عقبةً كبرى في وجه التطبيع الذي تحلم فيه إسرائيل مع الدول العربية، على حساب القضية الفلسطينية، وهذه خطة نتنياهو، والتفاهم الإيراني السعودي إيجابي بالنسبة للفلسطينيين"، عادّاً "أن الحركة الصهيونية وإسرائيل تستهدفان الجميع، وهدفهما الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على المنطقة بأسرها، والدليل الصراع مع إيران، وحربهما مع مصر، وترويجهما لحرب العراق، كما أنهما يستهدفان السعودية أيضاً".

ورفض البرغوثي الحديث عن الصواريخ التي أُطلقت من لبنان من مناطق وجود حزب الله، عادّاً أنها ادعاءات إسرائيلية.

رد اعتبار محدود للمحور

يرى الباحث والمتخصص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، خلال حديثه إلى رصيف22، أن "قرار التصعيد من الجنوب كان محسوباً له أن يكون محدوداً، من حيث السلاح المستخدم والتوقيت الذي اتُخذت فيه الخطوة، وعدم تبنّيه من قبل حزب الله، وهذا من العوامل التي تجعلنا نفترض أن الهدف كان إرسال رسالة أكثر من إيقاع قتلى وخسائر وفتح جبهة مع 'إسرائيل'، مفادها أن ما حصل في القدس لا يمكننا السكوت عنه، وأيضاً تناغم حركات المقاومة مع بعضها كمحور، أي عندما تطلق حركة فلسطينية الصواريخ تحدث مظلة حزب الله، وهذا لا يتم إلا بإشارة من حزب الله".

ويضيف: "كما أن الحزب أراد أن يوصل رسائل لما تتعرض له إيران في سوريا من قصف إسرائيلي متكرر، عبر استخدام الأراضي اللبنانية والمجال الحيوي اللبناني، خصوصاً أن المطلق حركة فلسطينية، لتكون دلالات عدة من بينها القدس. في المقابل، إيران لم يسبق أن ردّت من أراضيها ونادراً ما يحدث ذلك، ويمكن أن تردّ بأكثر من طريقة وليس من أراضيها أو بشكل مباشر، فهذا يورّطها في مواجهات وأزمات دبلوماسية وسياسية".

الأحداث الأخيرة أنقذت نتنياهو مؤقتاً، طالما أن الحكومة تحارب والجيش يحارب على خطوط المواجهة، الكل يصطف خلف نتنياهو، ولكن مجرد إعلان هدنة أو اتفاق مبدئي، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه

"الرد غير المباشر لإيران من أراضيها يعطيها حريةً أكبر، وهامش مناورة أوسع، إلا أنه يعكس خطراً على لبنان"، بحسب ما يقول منصور، الذي يضيف: "ولكن اختيار التوقيت في أول يوم من أيام الفصح اليهودي، وخلال شهر رمضان، وفي ظلّ وضع إسرائيلي داخلي محتقن سياسياً، توضح منذ البداية أن إمكانية انفجار الأمر وتطوره إلى مواجهة شاملة، ضعيفة جداً. كان التصعيد مدروساً بعناية من الطرفين، والرد الإسرائيلي كذلك، وإن كان هذا النوع من المواجهات قابلاً لأن ينفجر ويغيّر كل الحسابات ويفقد الطرفين القدرة على إمساك زمام الأمور، ولكن بنسبة قليلة".

"اتهام إسرائيل لحماس بالاستهداف، وتنصّل حزب الله من الموضوع، يسحبان مسوّغاً من نتنياهو لاستهداف لبنان بحرب مماثلة لحرب عام 2006، بالرغم من أن نتنياهو وإسرائيل يعلمان بأن حزب الله غضّ النظر، أو عملياً أعطى ضوءاً أخضر، وهذا يعيد تسخين الجبهة الهادئة منذ عام 2006، وهناك عنصر إضافي هو الفلسطيني الذي دخل في المعادلة"، يختم منصور.

يذكر أنه بالرغم من خضوع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "جزئياً" لمطالب الاحتجاجات الشعبية وتجميده خطة "إصلاح القضاء" والشروع في جلسات حوار مع المعارضة، فإن غليان الشوارع استمر إلى حين اندلاع الأحداث الأخيرة، الأمر الذي اعتبر البعض بأنه أنهى الاحتجاجات لصالح نتنياهو حيث تتمثل إحدى نقاط الخلاف الرئيسية في سعي الائتلاف الحاكم للحصول على المزيد من الصلاحيات فيما يتعلق بتعيين القضاة، بما في ذلك المحكمة العليا.

يقول عصمت: "الأحداث الأخيرة أنقذت نتنياهو مؤقتاً، طالما أن الحكومة تحارب والجيش يحارب على خطوط المواجهة، الكل يصطف خلف نتنياهو، ولكن مجرد إعلان هدنة أو اتفاق مبدئي، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه بل سيضاف إليها أن الحكومة فشلت أمنياً ولم تستطع الردع ولم توجه ضربة تغيّر المعادلة، الأزمة أعمق وأكبر من أن يحرفها أو ينهيها حدث بهذه السرعة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image