في القرنين التاسع عشر والعشرين، حُدّدت الحدود بين أغلب دول العالم. واليوم في القرن الواحد والعشرين، يحاول لبنان ترسيم حدوده في كل الاتجاهات، سواء مع العدو إسرائيل، أو مع سوريا، إذ لا حدود مُرسمّةً معها، لا في البر ولا في البحر.
يعدّ لبنان إسرائيل عدواً، فيُجري معها مفاوضات غير مباشرة برعاية الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية، أمّا سوريا فهي ليست عدواً ولو كان بعض اللبنانيين يرونها كذلك، وبالرغم من ذلك لا يبدو أن مفاوضات الترسيم معها تسير بشكل جيد.
بداية القصة
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، رسم خبراء الأمم المتحدة "الخط الأزرق" بين لبنان وإسرائيل بناءً عليه، فتعامل لبنان مع الخطّ كخط انسحاب، وليس كخط حدود نهائيّ، على عكس إسرائيل، وتحفّظ لبنان آنذاك على 13 نقطةً حدوديةً اخترق فيها الخط الأزرق الحدود اللبنانية لصالح إسرائيل.
خلق الخلاف اللبناني الإسرائيلي حول الخط الأزرق إشكالاً على النقطة الأولى في البرّ، الفاصلة بين الطرفين على شاطئ البحر في رأس الناقورة، وهنا أصل الخلاف على الحدود البحرية، كون هذه النقطة هي أساس ترسيم الحدود البحرية الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة للطرفين.
في العام 2002، كلّفت الحكومة اللبنانية مركز "ساوثمسون" لعلوم المحيطات، بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، بتحضير دراسة تساعده على معرفة حدوده في المياه الإقليمية، ولم تُبصر الدراسة النور بسبب ما تذرّع به المركز يومها من "نقص في المعلومات والخرائط".
لم يمنع ذلك الحكومة اللبنانية من تكرار التجربة، إنما مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني بشكل مباشر عام 2006، فكلّفته بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، استندت إليها الحكومة عام 2007 للترسيم مع قبرص بعد قيام رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك فؤاد السنيورة، بتكليف مدير في وزارة الأشغال والنقل اللبنانية التفاوض مع قبرص لترسيم حدود لبنان معها، ويومها كانت الحكومة اللبنانية غير مكتملة بعد خروج الوزراء الشيعة منها بسبب مشكلات سياسية تلت حرب تموز/ يوليو 2006، بين لبنان وإسرائيل، فاتفق الطرفان بشكل غير رسمي على نقطة حدودية سُمّيت بالنقطة "1"، تمثل أقصى النقاط الجنوبية لحدود لبنان البحرية مع قبرص، مع توضيح مفاده أن النقطتين المذكورتين غير نهائيتين في انتظار التفاوض مع الدول المعنية.
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، رسم خبراء الأمم المتحدة "الخط الأزرق" بين لبنان وإسرائيل بناءً عليه، فتعامل لبنان مع الخطّ كخط انسحاب، وليس كخط حدود نهائيّ
في العام 2008، تبيّن عدم صحة دراسة المكتب البريطاني، بعد دراسة الملف من جديد من قبل لجنة مشتركة شكلتها الحكومة اللبنانية لوضع تقرير مفصل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة. رفعت اللجنة في 29 نيسان/ أبريل 2009، تقريرها المتعلّق بتعيين الحدود البحرية الشمالية مع سوريا والجنوبية مع إسرائيل، فعدّلت النقطة (1) لتصبح (23) ما أعاد قانوناً مساحة الـ860 كلم2 إلى السيادة اللبنانية.
إجراءات الاعتراض
في العام 2011، تمّ إصدار مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة وإيداع إحداثيات الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية لدى الأمم المتحدة، واتخذت الحكومة اللبنانية بعد ذلك الإجراءات اللازمة للاعتراض على الترسيم الإسرائيلي للحدود، وكذلك على الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل وقبرص عام 2010، كون العدو الإسرائيلي اعتمد في ترسيمه مع قبرص على النقطة (1)، لا النقطة (23).
في 18 آب/ أغسطس 2011، صدر قانون تحديد وإعلان المناطق البحرية التابعة للجمهورية اللبنانية، وجاء في المادة الأولى منه أن الدولة اللبنانية حدّدت مياهها الداخلية وبحرها الإقليمي والمنطقة المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، تطبيقاً لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982.
وبحسب مسؤول الوفد اللبناني المفاوض، العميد بسام ياسين، وضعت إسرائيل الخط 23 الذي يظهر في الصورة، بتاريخ 1 آذار/ مارس 2009، لحماية بلوكّاتها النفطية، ومن ثم اعتمده لبنان خطأً وأبلغه إلى الأمم المتحدة، علماً أن الخط 23 غير قانوني وهو تالياً ساقط بالأساس، كونه لا يستند إلى أي وثيقة ترسيم دولية. تجدر الإشارة إلى أن هذا الرأي يخص العميد ياسين، كون الدولة اللبنانية لم تعدّل المرسوم بعد ولا تزال تعتمد على النقطة (23) كنقطة رسمية.
بعد وقوع النزاع بين لبنان وإسرائيل، حاولت الولايات المتحدة التدخل عبر موفدين، كان أوّلهم فريدريك هوف الذي زار لبنان عام 2012، حاملاً اقتراحه الذي عُرف بـ"خط هوف"، وفيه اقتراح بتقاسم المنطقة المتنازع عليها بحيث يحصل لبنان على 500 كلم2، وإسرائيل على 360 كلم2، فرُفض الاقتراح، وبدأت رحلة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري، في التفاوض مع الأمريكيين للوصول إلى اتفاق "إطار" يحدد النقاط العريضة لأي تفاوض غير مباشر بين لبنان وإسرائيل، وهو ما تم التوصل إليه عام 2020.
الخلاف المحلّي
نحو 10 سنوات من التفاوض بين بري والأمريكيين للوصول إلى اتفاق يرعى بدء التفاوض، وطول هذه المدة يفرض البحث في الواقع السياسي والاقتصادي في لبنان الذي ساهم في الوصول إلى الاتفاق. فقبل التوقيع، كانت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، تستعجل حصوله لفرض جلوس لبنان وإسرائيل على طاولة التفاوض قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، لتكون هذه الخطوة نقلةً نوعيةً جديدةً في سياسة ترامب التي أتاحت "التطبيع" بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، فحاولت الإدارة عبر مبعوثها دايفيد شنكر، استثمار ظروف لبنان السياسية والاقتصادية.
أزمة ترسيم الحديد البحرية مع إسرائيل لم تبدأ اليوم، ولا هي فقط محصورة بالخط 23 أو الخط 29، فقبلها حصل ترسيم مع قبرص مهّد لأزمات متلاحقة، فيما التناحر السياسي المحلّي حوّل الحق إلى ملف يحمله كُل فريق لغايات ومصالح شخصية
في ذلك الوقت، كان لبنان في عز الانهيار الاقتصادي الذي بدأ عام 2019، وفي ظل سخط شعبي بسبب ضياع أموال المودعين في المصارف، ووضع سياسي غير مستقرّ نتيجة سقوط حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة برئاسة حسان دياب، لم تحصل على إجماع سياسي وكانت محطّ خلاف. وفي أيلول/ سبتمبر 2020، أصدرت الإدارة الأمريكية عقوبات على وزيرين من حلفاء حزب الله، أحدهما المعاون السياسي لبري، علي حسن خليل، ما ساهم بحسب المراقبين في تسريع ولادة اتفاق الإطار الذي يرعى بدء التفاوض على الحدود.
ما ذُكر هو الأسباب غير المباشرة التي عجّلت في توقيع الاتفاق، أما السبب المباشر فكان شروع لبنان في عملية التنقيب عن النفط والغاز عام 2018، عندما قام بتوقيع عقد مع ائتلاف شركات دولية هي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية، للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 في مياهه الإقليمية، والبلوك 9 هو البلوك الجنوبي المحاذي لإسرائيل، ويقع ضمن المنطقة المتنازع عليها.
رئيس الجمهورية والمفاوضات
بعد وضع اتفاق الإطار، حان وقت بدء المفاوضات، وهذه مهمة رئيس الجمهورية ميشال عون، بحسب صلاحياته الدستورية، وتحديداً المادة 52 من الدستور التي تنصّ في فقرتها الأولى على الآتي: "يتولّى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمةً إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حين تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنةً فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب".
في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020، انعقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، وبعد 4 جولات توقفت المفاوضات لخمسة أشهر قبل أن تعود بجلسة خامسة.
مثّل لبنان في المفاوضات وفد عسكري عمل بناءً على طلب رئيس الجمهورية بإعداد دراسة كاملة تحدد حدود لبنان، فرُسم الخط 29 الذي أثار الجدل ولا يزال وطُلب من السلطات اللبنانية تعديل المرسوم رقم 6433 الذي يتضمن حدود لبنان الرسمية، وبناءً للخط 23 تحق للبنان مساحة 860 كلم2، بينما بحسب الخط 29 أصبحت المساحة 2290 كلم2، لكن لبنان بناءً لقرار عون لم يتبنَّ بعد الخط 29 رسمياً عبر مرسوم يتم إيداعه في الأمم المتحدة.
في أيلول/ سبتمبر 2021، استبدلت الولايات المتحدة وسيطها في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، جون ديروشيه، بالوسيط الحالي آموس هوكشتاين، وهو الذي يتابع حالياً هذا الملف، واقترح اقتراحاً جديداً سمّي باقتراح الخط المتعرج، الذي يلغي أي شراكة في الحقول الغازية بين لبنان وإسرائيل، لا سيما في حقل قانا الذي يريده لبنان كاملاً ويقع جزء منه بعد الخط 23، وحقل كاريش الذي يصبح كاملاً لإسرائيل والذي يقع جزء منه داخل حدود الخط 29.
خلال المفاوضات التي توقفت في أيار/ مايو 2012، كانت الاتهامات المتبادلة طاغيةً، إذ اتهم وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، لبنان بأنّه "غيّر موقفه بشأن حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات"، بينما عدّ لبنان أن الإسرائيليين لا يريدون احترام القوانين الدولية، ويريدون سرقة الحقوق اللبنانية.
فقدان نقاط القوّة
لا شكّ أن خطوة رئيس الحكومة اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، عام 2007، شكّلت الانتكاسة الأولى للبنانيين في ملف الحدود البحرية، وخلقت نزاعاً كبيراً بين لبنان وقبرص وإسرائيل، ومن بعدها توالت الانتكاسات بعد انطلاق المفاوضات غير المباشرة، فعدم الاتفاق بين اللبنانيين في ما بينهم أفقد لبنان أوراق قوته التفاوضية، وأولى التجاذبات كانت مع بدء تشكيل الوفد المفاوض إذ اقترح رئيس الجمهورية تضمين الوفد عناصر مدنيةً مثل مدير عام رئاسة الجمهورية، لا عسكرية فقط بحسب ما ينص عليه اتفاق الإطار.
وفي لبنان، لهذا الأمر حساسية كبيرة كون التفاوض مع العدو يجري تحت رعاية الأمم المتحدة ومن قبل ضباط الجيش اللبناني فحسب، الأمر الذي عدّته قوى سياسية كحزب الله وحركة أمل بداية توجه نحو التطبيع مع العدو، فلم يمر الاقتراح، بعد بيان شديد اللهجة من الحزبين صدر قبل ساعات من انطلاق التفاوض، وجاء فيه: "إن الحزب والحركة يطلبان إعادة تشكيل الوفد المفاوض لأنه يشكل تجاوزاً لكل عناصر القوة لبلدنا وضربةً قويةً لدوره ومقاومته، ويمثل تسليماً بالمنطق الإسرائيلي الذي يرغب في الحصول على أي شكل من أشكال التطبيع".
المشكلة الثانية كانت أن لبنان لم يتبنَّ الخط 29 حتى اليوم، ولم يعدّل مرسوم الحدود 6433، بالرغم من تأكيد رئيس الوفد العسكري المفاوض بسام ياسين أنه يمثل حدود لبنان، وعدّه أن الخط 23 هو خسارة مطلقة، في مقابلة أجراها مع جريدة الأنباء الكويتية، في 9 حزيران/ يونيو الحالي.
يقول معاون نبيه بري إنهم خلف ما يقرره رئيس الجمهورية، في الوقت الذي يقول فيه برّي أن أساس التفاوض يجب أن يكون الخط 29 لا 23 كما يريد عون، أمّا قضم سوريا لمئات الكليومترات شمالاً، فهو خارج جدول البحث لدى المسؤولين
رأى فريق رئيس الجمهورية أن الخط 29 هو خط تفاوضي، وجاء في بيان التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه عون، والذي صدر في 6 حزيران/ يونيو الحالي، "إنّ الخطّ الذي اعتمدته رسميّاً الدولة اللبنانية منذ عشر سنوات وطالبت به بكلّ مكوّناتها ومؤسّساتها هو الخط 23. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تعمل في كاريش من دون اعتراض. إنّ الخطّ 29 اعتمده الفريق اللبناني كخط تفاوض، ولا يمكن لرئيس الجمهوريّة أو غيره عدّه خطاً رسميّاً للبنان من دون اعتماده بقرار ومرسوم من الحكومة اللبنانية".
لا شكّ أن المسؤول عن التفاوض هو رئيس الجمهورية، وهو من يملك القدرة على حسم الموقف اللبناني، لذلك يُجري عون مشاورات مع رئيسي المجلس النيابي والحكومة، للخروج بموقف موحّد، وهو كشفه معاون رئيس المجلس النيابي علي حسن خليل في مقابلة تلفزيونية عندما قال: "نقف خلف رئيس الجمهورية وما يقرره في ملف الترسيم".
لكن في المقابل، رأى بري أن "عدم الاتفاق مع الوسيط الأمريكي يجب أن يدفع الحكومة اللبنانية للتوقيع على تعديل مرسوم الحدود واعتماد الخط 29 وإيداع المرسوم الجديد لدى الأمم المتحدة ما يعني أن جزءاً من حقل كاريش سيصبح داخل الحدود اللبنانية".
أمّا المشكلة الثالثة، فكانت أن مفاوضات الترسيم أشعلت الخلاف بين الفريق الذي يدعم سلاح حزب الله والفريق المعارض له في لبنان، فالمعارضون رأوا أن الحزب يضغط في اتجاه خلق نزاع يبرر له وجود سلاحه، وربما كان كلام السنيورة هو الأوضح في هذا الإطار، إذ قال: يريدون إقامة شبعا "sur mer"، ويقصد بذلك مزارع شبعا بحرية، تشبه مزارع شبعا البرية التي يعدّها فريق لبناني أرضاً لبنانيةً محتلةً ويعدّها آخرون أرضاً سوريّةً.
تُدرك إسرائيل طبيعة الخلافات في لبنان وتحاول الاستفادة منها، فقبل فترة قليلة أعلنت عن وصول سفينة يونانية لوحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه "إنرجان" إلى حقل كاريش، وهو الحقل الذي يدخل جزء منه ضمن الخط 29، الأمر الذي أثار موجة اعتراضات لبنانية على الخطوة الإسرائيلية، مع التهديد بخطوات تصعيدية لمواجهة الاستفزاز الإسرائيلي.
حتى في ظل هذا الواقع الذي قد يؤدي إلى خسارة لبنان، لا تزال التجاذبات قائمةً، إذ يُتّهم رئيس الجمهورية ببيع الحدود للأمريكيين مقابل مكاسب سياسية. وفي شباط/ فبراير الماضي، ورد في أكثر من موقع إخباري، أبرزها "إندبندت عربية"، معلومات عن "لقاء بعيد عن الأنظار بين جبران باسيل والموفد الأمريكي آموس هوكشتاين في ألمانيا"، للبحث في مسألة الترسيم خارج إطار الوفد الرسمي الموكلة إليه عملية التفاوض، كما برز كلام للوسيط الأمريكي لإدارة ترامب، دايفيد شنكر في شباط/ فبراير أيضاً، عن شائعات تتحدث عن صفقة بين باسيل والأمريكيين، لرفع العقوبات الأميركية عنه مقابل تنازلات لرئيس الجمهورية في ملف الترسيم.
الحدود مع سوريا
قد يكون مفهوماً الصراع اللبناني-الإسرائيلي على الحدود، لكنه ليس كذلك مع سوريا التي لا تُعدّ عدوةً للبنان في نظر فريق سياسي كبير، إلا أن ذلك لم يحُل دون اتهام لبنان لسوريا بالتعدي على حدوده البحرية ومحاولة وضع اليد على 750 كيلومتراً.
في التفاصيل أنه في عام 2011، عندما رسّم لبنان حدوده البحرية مع سوريا، قامت الأخيرة بترسيم خاص بها، بعد تقديمها اعتراضاً لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ورأت أن المرسوم اللبناني "لا أثر قانونياً ملزماً له تجاه الدول الأخرى ويبقى مجرد إخطار تعترض عليه الجمهورية العربية السورية".
رسّم لبنان حدوده البحرية مع سوريا، فقامت الأخيرة بترسيم خاص بها، بعد تقديمها اعتراضاً لدى الأمم المتحدة، ورأت أن المرسوم اللبناني "لا أثر قانونياً ملزماً له تجاه الدول الأخرى"
لم تكتفِ سوريا بهذا الاعتراض، ففي العام 2014، قدّمت سوريا شكوى بحق لبنان إلى الأمم المتحدة، بعد القرار اللبناني بفتح جولة التراخيص الأولى وعرض البلوك رقم 1 الموجود في أقصى شمال لبنان على الحدود مع سوريا، للمزاد واستدراج العروض، فردّ لبنان عبر وزارة خارجيته مذكراً بالمرسوم 6433 الذي قضى بترسيم الحدود مع سوريا، وانتهت القضية على هذا الحال.
في العام 2017، عاد الخلاف إلى الواجهة من جديد عندما طلبت وزارة الخارجية اللبنانية في مذكرة إلى الحكومة السورية، عقد لقاءات لبحث مسألة الحدود، فلم تتم الاستجابة للطلب اللبناني، بل جاء الرد السوري عبر توقيع عقد مع شركة "كابيتال" النفطية الروسية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً في المنطقة المتنازع عليها، والتي تبلغ مساحتها 750 كيلومتراً.
أشعل هذا الملف خلافاً جديداً بين القوى السياسية اللبنانية، فهذه القوى أعجز من أن تتفق على أمر يحقق مصلحة كل اللبنانيين، واتّهم الفريق المعادي لسوريا دمشق بالسطو على 750 كيلومتراً، وقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: "النظام السوري قضم 750 كيلومتراً مربعاً من الحدود البحرية اللبنانية، وسنتوجه إلى محكمة العدل الدولية في حال فشل الطرق الودية في التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين حيال المنطقة المتنازع عليها".
ويرى الفريق المعادي لسوريا أن النظام السوري يتعامل مع الحدود البحرية كتعامله مع الحدود البرية، حيث الخلاف على هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي لا تزال محتلةً من العدو الإسرائيلي.
في المقابل، يرى الفريق الصديق لسوريا ورئيس نظامها بشار الأسد، أن "المسألة ليست سطواً على المساحة، إنما تتعلّق بأن لبنان وسوريا اعتمدا، كلٌّ منهما على حدة، تقنيات ترسيم مختلفةً تستوجِب التفاوض رسمياً للوصول إلى خط مشترك".
في العام 2019، أرسلت الحكومة السورية مذكرةً إلى الجانب اللبناني طلبت فيها عقد اجتماعات لبحث ترسيم الحدود، لكن لم يُعقد أي لقاء، بالرغم من تفويض عون الوفد العسكري والتقني الذي يتولى إدارة المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، للتفاوض المباشر مع سوريا.
لم يحصل أي تقدم، وفي العام 2021 تواصل عون مع الرئيس السوري للبحث في المسألة، وأبلغه أن " لبنان لن يقبل الانتقاص من سيادته في المياه"، مؤكداً أن بلاده "تتمسك بترسيم الحدود، وتدعو الجانب السوري للتفاوض"، كذلك رأى وزير الخارجية آنذاك شربل وهبة، أن " آخر الدواء هو اللجوء إلى المحاكم الدولية".
في المقابل، عبّر خصوم النظام السوري ومنهم النائب يومها عن حزب القوات اللبنانية وهبة قاطيشا، عن خشيتهم من أن "تكون المنظومة الحاكمة في البلاد باعت لبنان للجانب السوري"، ولا زالت هذه القضية من دون بتّ بعد، بالرغم من رغبة الجانب اللبناني، حتى أنها لم تحظَ بإجماع لبناني على كيفية التعاطي معها.
من الحدود البحرية جنوباً إلى حدود لبنان البحرية شمالاً، تضيع مئات الكيلومترات، وقد تضيع بعدها الآلاف، من دون أن يتفق السياسيون اللبنانيون على مصلحة بلادهم، في دولة تعيش انهياراً لم تعرفه منذ قيامها، فيما المستفيد الأكبر، على الجهتين، خصوم وأعداء وأشقاء سيستثمرون في ما هو ملك للشعب اللبناني، لا لسياسييه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...