لم تتجاوز أغنية الجسمي الحقيقة بكلماتها "رمضان في مصر حاجة تانية"، فما تقدمه "أم الدنيا" لأهلها وزوارها من مكافآت على الصيام بعد الإفطار يتجاوز أي تجربة، لا سيما في الخيم الرمضانية التي تعد طقساً لا يستغنى عنه من طقوس الفرح المصري بقدوم شهر رمضان.
كانت الخيمة الرمضانية ملتقى السهرات الشبابية والأسرية في فترة التسعينيات تنفرد بطابع شعبي من نوع خاص، وتتنوع في داخلها الفقرات الفنية بين التخت الشرقي، والإنشاد الديني، ورقص التنورة، بالإضافة إلى فقرة خاصة بالرقص الشعبي المصري، والتي تقدم بها الراقصة رقصتها بعباءة رمضانية وتدق بخلخالها بين الجالسين في بهجة وانسجام تام بين الموسيقى والغناء والرقص.
فكيف اختلفت الخيم الرمضانية في مصر منذ ظهورها حتى الآن؟
نشأة الخيمة الرمضانية
ظهرت الخيم الرمضانية بدايةً في مصر الفاطمية، حيث كانت تسمى بـ"بيت الشعر" على غرار تسمية البدو للخيمة المصنوعة من وبر أو شعر الجمال، وقد غلب عليها الطابع الديني بحسب المؤرخين، فكانت الفقرات المقدمة حينها تنشط بعد صلاة التراويح، إذ يخرج المصلون من المساجد إليها ليقضون الليل وهم يستمعون إلى التواشيح الدينية وحلقات الذكر والإنشاد الديني، ثم يتناولون السحور فيها ويذهبون لصلاة الفجر بعدها.
ما تقدمه "أم الدنيا" لأهلها وزوارها من مكافآت على الصيام بعد الإفطار يتجاوز أي تجربة، لا سيما في الخيم الرمضانية التي تعد طقساً من طقوس الفرح المصري
ظلّ بعض من هذه الطقوس حياً إلى اليوم، فالكثير من المترددين على هذه الخيم يذهبون للاستماع لشيوخ الإنشاد خاصة، يقول الشيخ محمود التهامي، نقيب المنشدين المصريين لرصيف22 إنه يذهب كل رمضان إلى مجموعة من الخيم الرمضانية في القاهرة وبعض محافظات الأقاليم، ولأنه يحب هذه الأجواء، يخصص يومين للإنشاد في كل خيمة بحسب كلماته.
الفنادق والمقاهي والمراكب تتحول إلى خيم
منذ ما يزيد عن 25 عاماً، اجتمع محمد رضوان (44 عاماً) ويعمل مهندساً مع أصحابه في سهرة شبابية داخل إحدى الخيم الرمضانية التي أعدها فندق السلام في منطقة مصر الجديدة، هناك حيث غنّى المطربون الشعبيون المغمورون بالموروثات الغنائية الفلكلورية. كانت تكلفة الفرد الواحد لا تزيد عن 50 جنيه مصري، أي ما يعادل دولار ونصف أمريكي بسعر اليوم.
نُصبت الخيمة في حديقة الفندق وكان شاربوا "الشيشة" يستمتعون بدخانها مع معزوفة العود، وفقرة الرقص الشرقي. يقول رضوان خلال حديثه لرصيف22: "الخروجة الشبابية العادية وقتها كانت خيمة رمضانية، عشان عايزين أكل ومشاريب رمضانية، والخيم أسعارها كانت مناسبة".
تتحوّل المقاهي والفنادق وحتى المراكب إلى خيم رمضانية، فيعوّض أصحابها بعض الربح الفائت خلال النهار
كما تفعل الفنادق تفعل المطاعم والكافيهات والمقاهي التي تتحول إلى خيم رمضانية مساءً وبعض الفنادق تحول أجزاء منها إلى خيم، بهدف تحقيق ربح الاقتصادي، بديلاً عن فترة غلق هذه المحال طوال النهار.
يحكي الشيف ديزل وهو مطور ومبتكر أطعمة، ومدير سابق للمطبخ الفرنسي والإيطالي في مركب الباشا بالزمالك، إن المركب يصمم خيمة رمضانية كل عام لاستقبال زبائنه من محبي الفلكلور الشعبي المصري من العرب والأجانب وليس من المصريين فقط، ويضيف خلال حديثه لرصيف22: "الأسعار مرتفعة طبعاً، لأن خدمات المركب ذات نوعية مرتفعة وزباينه من النخب".
وقاعات الأفراح أيضاً
تقول سارة كمال (30 عاماً) وتعمل كمراقبة جودة، في حديثها لرصيف22 إنها زارت أكثر من خيمة رمضانية أقيمت في قاعات أفراح في المنصورة، وتضيف: "الفقرات بتبقى تخت عربي، وغناء شرقي، وتنورة، وأحياناً ساحر أو عرايس بوجي وطمطم عشان الأولاد الصغيرين".
لا يقتصر تنفيذ الخيم الرمضانية على المقاهي والمطاعم والفنادق، فنجد أن قاعات الأفراح تتحول إلى خيم رمضانية، فمع قلة المناسبات المقامة في القاعات خلال شهر رمضان يحاول أصحابها الاستفادة أيضاً.
أطباق عالمية في ليالي مصرية
ما تقدمه الخيم الرمضانية المصرية لا يقف عند الأغاني المصرية ومأكولات المطبخ المصري الشعبية، خيمة فندق "النيل ريتز كارلتون"، مثلاً تقدم أصنافاً عالمية في بوفيه مفتوح، وخيمة فندق "هيلتون رمسيس" تقدم أصنافاً شرقية متنوعة، وخيمة "دي لوكا" التي ينفذها المطعم الإيطالي المتوسطي، تقدم وصفات إيطالية ومتوسطية. وكذلك خيمة فندق وكازينو "لو باساج" التي تقدم أصناف طعام عالمية.
بحسب صاحب شركة صانع السعادة محمد هاني والمختصة بتأسيس الخيم الرمضانية، فإن الخيم الرمضانية تكون ضمن مخططات المقاهي والنوادي لشهر رمضان منذ بداية العام، بينما يستأجر بعض المستثمرين الصغار أو الكبار أماكن مفتوحة لتجهيز الخيم الرمضانية الخاصة بهم، ويضيف خلال حديثه لرصيف22: "شركتنا بتقدم تجهيز خيم رمضانية كاملة زي إعداد الديكور والفراشة والأنوار والمفروشات وقعدات عربية وخيم عربية وفوانيس وزينة وكمان بنقدم فقرات للعميل حسب رغبته، زي التنورة وزي التخت الشرقي والمزمار والفرقة الزفة البلدي".
لكن البلدي يكسب
انتقادات كثيرة لاذعة تتعرض لها الخيم الرمضانية، لاسيما التي تحتوي على فقرات ترفيهية غنائية أو فقرات استعراضية لإحدى الراقصات، بالرغم من عدم السماح بتصوير هذه الفقرات، وعدم نقلها على أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر المواقع الصحفية حفاظاً على خصوصية الحاضرين.
دعاء: "بفضّل الخيم الشعبية، بتكون كلها فوانيس وطقوس جميلة، بسحور بسيط وأغاني رمضانية وتسابيح بأصوات شيوخنا اللي اتعودنا عليهم وبنحبهم"
تتحدث دعاء نعيم عن الخيم الرمضانية التي كانت تتردد عليها، وتقسمها إلى نوعين، الأول شعبي يتسم بالبساطة ويشعر الحاضرون فيه بروح رمضان من حيث عرض الأغنيات الرمضانية القديمة والموسيقى التي تعيدهم بالذكريات إلى أحضان البيوت القديمة وتجمعات العائلات، وتتيح الدخول للأطفال "الخيم الشعبية بتكون كلها فوانيس وطقوس جميلة بسحور بسيط وأغاني رمضانية وتسابيح بأصوات شيوخنا اللي اتعودنا عليهم وبنحبهم".
ونوع آخر وهو الذي ترتفع أسعار الحجوزات وتتنوع الفقرات المعروضة فيه بين أغاني المهرجانات والرقصات العادية، مما يجعلها تشعر أنه يوم عادي مثل جميع بقية أيام السنة ولا تسيطر عليه الأجواء الرمضانية، وتضيف: "لما كنت بروح الخيم ده أحس أني في فرح أو سهرة بتعشى وبسمع مزيكا".
ومع ذلك... هنالك اعتراضات
إلا أن تعليقات بعض المصريين عبر تويتر تطرح تساؤلات عدة حول هذه الخيم. فئة ليست قليلة هي تلك التي تعترض على كل مفهوم الخيمة الرمضانية، سواء كانت أسعارها غالية أم رخيصة، وسواء قدمت منشدين أو راقصات، مثلاً يتساءل داوود على صفحته على تويتر "إيه حوار خيم رمضان اللي منتشر في بور سعيد دا"؟ معتبراً ذلك بدعة وضلالة وعبث ليس من المفترض أن يحدث في رمضان. بينما أحمد، يعتبر أن من علامات الكرم الإلهي ألا يكون في حياتك شخص يتردد على الخيم الرمضانية ويدعوك للحضور فيها، أما عبد القادر فيعترض على وجود الخيم الرمضانية من الأساس، ويدعو فيها لمحو فكرة الخيم الرمضانية من الوجود لأنه تضيع ثواب صيام الشهر.
أسعار فلكية ونجوم ومشاهير
يشير المخرج أحمد البدري، إلى ارتفاع أسعار الحجوزات ووجبات الإفطار والسحور والمشروبات بالخيم الرمضانية، ويضيف خلال حديثه لرصيف22: "كنت بسهر في الخيم الرمضانية زمان أيام ما كانت في متناول اليد مش الأرقام الخيالية اللي بنشوفها دلوقتي، ده اللي فيها فول وطعميه وبس خلاص".
فبسبب المشاكل الاقتصادية التي بدأت الأسر المصرية تتعرض لها منذ ظهور فيروس كورونا، غابت الخيم الرمضانية عن ساحة الكرنفال المصري لفترة، لكن فكرة الخيمة عادت من جديد تستعيد رواجها، وبدأت تظهر بكثرة في الأقاليم.
تستضيف الخيم مرتفعة الأسعار المشاهير من المطربين، وتقدم الأطباق العالمية وليس المصرية حصراً
وعادة ما تستضيف الخيم الرمضانية مرتفعة الأسعار المطربين المشاهير، بينما الخيم البسيطة تستضيف مطربين غير معروفين وفي بعض الأحيان يتم استخدام "دي جي" ومكبرات صوت بديلاً عن المطربين.
تداولت بعض الصحف المحلية في شهر رمضان الماضي، صور الفنانين، هشام عباس، وإيهاب توفيق، وحميد الشاعري، أثناء مشاركتهم بالغناء في خيمة تنورة في منطقة القاهرة الجديدة، كما شاركهم الغناء المطرب الشعبي محمود الليثي، وأحيا الفنان أحمد سعد، فقرة غنائية في خيمة الصهبجية.
تقام الخيم الرمضانية في المدن الكبرى والمدن ذات الحركة التجارية، التي تجلب الزوار والزبائن لهذه الخيم، بينما قرى الأقاليم لا تجد مثل هذا النوع من الفلكلور الشعبي، وقلة قليلة تكاد تكون سمعت عنه أو عرفت به. لكن في كل الأحوال، لا يكتمل رمضان في مصر بدون زيارة الخيمة الرمضانية، والاستمتاع بمأكولاتها وأغنياتها وأناشيدها وسهرتها "الصبّاحية" حتى السحور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...