قبل أيام في لبنان، قتل حسن موسى زعيتر، زوجته زينب زعيتر، ثم ظهر أخوها في مقطع مسجّل مع أقاربه وهم يبرّرون الجريمة تحت رايات "الشرف". جريمة مروعة، ليست الأولى في لبنان، إذ رصدت منظمة "كفى" خلال العام الماضي، 18 حالة قتل نتيجة عنف الأزواج.
مشهد مؤلم لا نعرف فعلاً كيف نتفاعل معه، ولا كيف تكون ردود أفعالنا في أثناء تراكم الإفلات من العقاب والانتهاكات بحق النساء. تزامنت هذه الجريمة مع عودتي من نيويورك، بعد مشاركة رصيف22، في الدورة السابعة والستين للجنة وضع المرأة. سألني صديقي: "ما الذي تحققونه فعلاً في هذه الجلسات؟".
في الوقت الذي يبدو فيه التحسّن في واقع النساء في بلادنا شبه معدوم، إلا أن هنالك بقعة ضوء ما.
بغض النظر عن صعوبة نقل ما تحدثنا عنه فعلاً، وعلى الرغم من أن السؤال أيضاً كان مؤلماً، لكنه منطقي بالتأكيد، في سياق يتوسع فيه ويتعمّق نطاق عمل المدافعات عن حقوق المرأة في منطقتنا... وهو سؤال نطرحه على أنفسنا بين حين وآخر عندما نشعر بالخيبة والألم والصدمات المتتالية.
مع صعوبة الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، حتى في وجه من لم يكونوا أصلاً مهتمين بتغيير واقع النساء إلى الأفضل، يكمن الألم في التفكير فيها أيضاً. وفي الوقت الذي يبدو فيه التحسّن في واقع النساء في بلادنا شبه معدوم، إلا أن هنالك بقعة ضوء ما، تصبّ في سؤال آخر، ألا وهو: كيف نفسّر قوة تبادل تجارب النسويات وأهميتها ضمن مساحات آمنة من جهة، فيما يرفض المجتمع الاعتراف بهذه الانتهاكات من جهة أخرى؟
في الثامن من آذار/ مارس 2023، شارك فريق من رصيف22، في الدورة 67 للجنة وضع المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال استضافة جلسة لمناقشة الفرص الفعالة للتمثيل الاجتماعي والسياسي للمرأة، والتفكير في دور الحلول الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما شاركنا في جلسة حول التحقق من الواقع حول تسريع العدالة بين الجنسين والصحة الجنسية والإنجابية من خلال التقنيات الرقمية.
في الثامن من آذار/ مارس 2023، شارك رصيف22، في الدورة 67 للجنة وضع المرأة في نيويورك، من خلال استضافة جلسة لمناقشة الفرص الفعالة للتمثيل الاجتماعي والسياسي للمرأة، والتفكير في دور الحلول الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
التجارب الشخصية... هل هي فعلاً شخصية؟
تكلّمنا في هذه المساحات عن تجاربنا الشخصية والفردية، وطبعاً، وجد معظمنا في الحديث عن الدول العربية وبحضور ممثلات من بلدان مختلفة حول العالم، أن العديد من التجارب متشابهة ومتقاطعة، وإن اختلفت السياقات القانونية أو الاجتماعية.
في سنّ صغيرة جداً، كنت أكتب عن الوصمات الاجتماعية وأنتقدها، كما كنت أحارب من أجل استقلاليتي الخاصة من دون أن أفهم حصراً أنني كنت أقوم بنوع من النضال النسوي، لأنني لم أفهم الكلمة طبعاً.
اليوم وبعدما أخذتني الرغبة في فهم حقّي كامرأة واسترجاعه، إلى العمل في الحقل الحقوقي، فهمت وتكلّمت عن أن النساء في لبنان لا يزلن يعشن من دون القدرة على منح الجنسية لأبنائهن، وأن النساء يتعرضن للعنف والاغتصاب والتحرش من دون وجود أي نوع من المحاسبة على الصعيدين التطبيقي والقانوني، وأنه يوجد 15 قانوناً للأحوال الشخصية في لبنان، تعيش بسببها النساء الحرمان من حقوق الإرث والطلاق والحضانة بحسب الطائفة، وطبعاً عن أن النساء الأكثر تهميشاً واللواتي يعشن ضمن مجتمعات تبرر العنف باسم الشرف أو الدين من خلال خطاب الكراهية والعنف المجتمعي لا يستطعن حتى الوصول الى التمثيل السياسي أو الاجتماعي.
تعلّمت مع الوقت، ومن خلال المساحات النضالية، خاصةً الرقمية منها، أن صعوباتنا وقصصنا الفردية ليست فرديةً حقاً.
المساحات الرقمية... مرآة لمجتمع ذكوري أم مساحة أمان؟
تعلّمت مع الوقت، ومن خلال المساحات النضالية، خاصةً الرقمية منها، أن صعوباتنا وقصصنا الفردية ليست فرديةً حقاً، وتالياً فإن تلك الفتاة الصغيرة التي كتبت منذ الصغر وشهدت عنفاً مباشراً وغير مباشر، تشبه كثيراً زينب اليوم، وغيرها من النساء اللواتي يُقتلن، ثم يخفن من المواجهة لأنهنّ إن لم يُقتلن بشكلٍ فعلي، سيقتلهنّ المجتمع من خلال التنمّر الإلكتروني ووصمات العار والتخوين باسم الشرف أو الدين.
بالعودة إلى الدورة 67، وبما أن الجلسات هذا العام ارتبطت مباشرةً بالممارسات الرقمية، ناقشنا، إلى جانب ممثلات عن الشركاء مثل منظمة أوكسفام، وFe-male و-UNICEF وUNFPA، دور كل من مؤسسات المجتمع المدني والإعلام في إعادة تغيير السردية النمطية التقليدية التي عوّدتنا عليها المؤسسات الإعلامية التقليدية، لذا تزداد المضايقات حول النساء في عالمنا العربي، ويتم إبعاد الناشطات النسويات من المساحات الرقمية، وكأن هذه المساحات مرآة للمجتمع، تجعل من الحديث حتى عن الانتهاكات شبه مستحيل. وشارك عدد من النسويات من حول العالم في المناقشات تجارب مماثلةً، وإن كان ذلك في دول تدّعي أنها السبّاقة في حماية حقوق النساء.
في الوقت نفسه، قد تكون هذه المساحات الإقصائية الرقمية ذاتها بمثابة مساحات أمان، إذ تشارك نساء كثيرات تجاربهن وكذلك قصص نجاحهن، خاصةً عبر المؤسسات الإعلامية المستقلة، التي باتت عليها مسؤولية تغطية القصص الفردية وربطها بالمشكلات المجتمعية. من يا ترى يسمعنا حقاً؟ وكيف يمكن للإعلام أن يخبر الرأي العام عن واقع النساء في عالمنا العربي، حيث يصعب الحديث عن جميع أشكال الوصمات الاجتماعية أو الاقتناع فعلاً بأن انتهاكات حقوق النساء تزداد حتى عند وجود الأدلة ومشاركتها عبر هذه المنصات؟
قد تكون هذه المساحات الإقصائية الرقمية ذاتها بمثابة مساحات أمان، إذ تشارك نساء كثيرات تجاربهن وكذلك قصص نجاحهن، خاصةً عبر المؤسسات الإعلامية المستقلة، التي باتت عليها مسؤولية تغطية القصص الفردية وربطها بالمشكلات المجتمعية
أين النسوية اليوم؟ وماذا تعلّمنا من هذه التجربة؟
شاركت نساء كثيرات، عربيات وأوكرانيات وإفريقيات وأمريكيات وغيرهن، الخوف نفسه، والهواجس نفسها، رافضات أن يضعن القضايا النسوية جانباً، بالرغم من محاولة المجتمع اليومية وضع التعديلات القانونية والتطبيقية التي تحمي النساء على الرفّ، في انتظار انتهاء الانهيارات العالمية... فيما النساء يُقتلن، ويُهمّشن ويخفن، باحثين عن دعم وإعلام ومؤسسات تنطق بلغتهن وتفهمهن.
وهنا تكمن أهمية دور الإعلام في تسليط الضوء على النجاحات والنضالات النسائية، خاصةً على الصعيد السياسي، بالإضافة إلى استخدام وتبنّي المصطلحات الجديدة التي تعطي الضحايا منهن حقهن. فأين شرعية كلمة "شرف" عندما نتكلّم عن قتل امرأة؟
وهنا تكمن أيضاً القوة في توحيد الجهود وتبادل الخبرات النسويّة وإيجاد الحلول البديلة ضمن الفضاء الرقمي للعمل حول العوائق والرقابة الرقمية والمجتمعية، تماماً كما فعلت الحركات النسوية عبر العصور على أرض الواقع.
من هنا، فإن وجودنا، كرصيف22، في هذه الجلسات ضروري، على صعيد إيصال صوت النساء في المنطقة العربية، بتنوعها الإثني والديني، والاستفادة من محفّزات القوة، وهذا جزء مما نحققّه، وهو جزء مهمّ وأساسي
من هنا، فإن وجودنا، كرصيف22، في هذه الجلسات ضروري، على صعيد إيصال صوت النساء في المنطقة العربية، بتنوعها الإثني والديني، والاستفادة من محفّزات القوة، جزء مما نحققّه، وهو جزء مهمّ وأساسي. وعليه، فإن مشاركتنا قصص النساء الفردية عبر المنصات المستقلة من دون أي قيود هو بحد ذاته مبادرة للانضمام إلى جهود ملايين النساء حول العالم.
على مستوى شخصي، فإن المشاركة في مثل هذه الجلسات، وعرض القصص والتجارب المؤلمة، والتي في جزء منها تحفّز على القوة، هما ما يمنحني قوةً للاستمرار، حتى إن عُدت إلى بلد ما زالت تُقتل فيه النساء ويهرب الجناة من العقاب… قوة استمرار من أجل نقل الواقع المرير وتغييره ليصبح عادلاً للنساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 11 ساعةلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor