أثارت أحدث موجة من الاعتداءات الإسرائيلية على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى، ليلة الأربعاء 5 نيسان/ أبريل 2023، غضباً واسعاً في فلسطين والدول العربية، بالتزامن مع تداول مشاهد وصور من التخريب وآثار العنف التي خلّفها اقتحام الجيش الإسرائيلي للمصلى القبلي تحديداً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وصباح الأربعاء، اقتحمت قوات من الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى مرة أخرى وطردت المصلين والمعتكفين منه عنوةً.
بعد ذلك، اقتحم عشرات المستوطنين الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى في ظل حماية مشددة من الشرطة الإسرائيلية "على شكل مجموعات، تضم كل واحدة منها 50 مستوطناً، ونفذوا جولات استفزازية في ساحات الحرم، وتلقوا شروحاً عن ‘الهيكل‘ المزعوم، وأدوا طقوساً تلمودية في الجهة الشرقية من الساحات وقبالة قبة الصخرة، قبل أن يغادروا المكان من جهة باب السلسلة"، وفق ما ذكرته دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.
جاء ذلك استجابةً لدعوة "جماعات الهيكل" الإسرائيلية إلى اقتحام المسجد الأقصى بالتزامن مع الاحتفال بعيد الفصح اليهودي الذي يبدأ مع غروب شمس الأربعاء ويستمر حتى 12 نيسان/ أبريل الجاري.
وكانت حركة "عائدون لجبل الهيكل" الدينية المتشددة قد رصدت مكافأة قدرها 20 ألف شيكل إسرائيلي (نحو 5500 دولار أمريكي) لأي مستوطن يتمكن من ذبح "قربان الفصح" داخل الحرم القدسي. في حين رصدت مبلغ خمسة آلاف شيكل (نحو 1400 دولار) لكل مستوطن يُعتقل أو يُمنع خلال محاولته إدخال القربان إلى الحرم القدسي. علماً بأن مثل هذه المحاولات تتكرر في كل عام ولم تفلح أية واحدة منها.
وصفتهم بأنهم "ملثمون ورماة حجارة ومفرقعات"... القوات الإسرائيلية تقتحم المسجد الأقصى وتعتدي بالضرب وبقنابل الغاز والرصاص المطاطي على المصلين والمعتكفين وتطردهم وتبقي اليهود المحتفلين بـ"عيد الفصح"
في المقابل، اعتكف الفلسطينيون بكثافة في المسجد استجابةً لدعوات القوى والفصائل الوطنية والإسلامية للتصدي لاقتحامات المحتملة من قبل الجماعات اليهودية.
قنابل غاز ورصاص معدني في المسجد
وفق وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، بدأت أحداث العنف الليلية باقتحام القوات الإسرائيلية المصلى القبلي في المسجد الأقصى، وإطلاقها الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز السام، والقنابل الصوت صوب المصلين والمعتكفين فيه.
وأشارت الوكالة الفلسطينية الرسمية إلى "عشرات الإصابات باختناق" علاوة على إصابات ناجمة عن اعتداء القوات الإسرائيلية بـ"الضرب المبرح باستخدام الهراوات وأعقاب البنادق" على المصلين والمعتكفين بالمسجد.
ونقلت "وفا" عن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس أن القوات الإسرائيلية منعت طواقمها التي توجهت إلى المسجد الأقصى لإسعاف المصابين، واعتدت عليها. ورصدت الجمعية "سبع إصابات خلال مواجهات خارج أسوار المسجد الأقصى. تم نقل إصابتين للمستشفى" ناجمتين عن "(الرصاص) المطاطي واعتداء بالضرب".
وفي نهاية المطاف، اعتقلت القوات الإسرائيلية نحو 400 مصلٍ فلسطيني، وفق تقديرات هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية التي قالت إن المعتقلين نُقِلوا إلى مركز توقيف "عطروت" للتحقيق.
إسرائيل: "تحصّنوا بالعنف"
على الجانب الآخر، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها اعتقلت أكثر من 350 فلسطينياً وصفتهم بأنهم "مثيرو شغب" و"تحصّنوا بعنف" في المسجد الأقصى خلال الليلة الماضية، مضيفةً في بيان "بين عشية وضحاها، قام العشرات من الملثمين بتهريب الألعاب النارية إلى المسجد وتحصّنوا بداخله بعنف مستخدمين قضباناً حديدية وخزائن وأشياء أخرى من المسجد، وقاموا بتخريبها بهدف تعطيل النظام".
حركة "عائدون لجبل الهيكل" المتشددة رصدت نحو 5500 دولار أمريكي مكافأة لأي مستوطن يتمكن من ذبح "قربان الفصح" داخل الحرم القدسي. في حين رصدت نحو 1400 دولار لأي مستوطن يُعتقل أو يُمنع خلال محاولته إدخال القربان إلى الحرم القدسي
وأضاف متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية: "من المعتقلين الذين حبسوا أنفسهم داخل المسجد الأقصى ملثمون ورماة حجارة ومفرقعات"، مؤكداً "في الساعات الأخيرة، نُقل جميع المعتقلين لاستجوابهم في مركز التحقيق في منطقة القدس، وغادرت قوات الشرطة الإسرائيلية الحرم القدسي".
"إسرائيل لا تريد أن تتعلم من التاريخ"
في أول رد فعل رسمي فلسطيني، حذّر المتحدث الرسمي باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، السلطات الإسرائيلية من "تجاوز الخطوط الحمراء في الأماكن المقدسة بما يؤدي إلى الانفجار الكبير"، معتبراً الاعتداء على المسجد الأقصى والمصلين فيه بمثابة "حرب شعواء على الشعب الفلسطيني والأمة العربية ستشعل الحرائق في المنطقة".
وبينما حمّل الحكومة الإسرائيلية "كامل المسؤولية عن أي تدهور"، حثّ أبو ردينة المسؤولين الإسرائيليين على "التصرف بمسؤولية ووقف هذا العبث الذي ستكون له نتائج خطيرة على الجميع"، متابعاً أن "الشعب الفلسطيني قادر على الدفاع عن مقدساته وأرضه، وإسرائيل مخطئة باستهتارها بقدرة وعزيمة شعبنا في الصمود".
ووصف رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد اشتية، ما حدث بأنه "جريمة كبرى بحق المصلين"، معتبراً أنه يأتي في إطار محاولات "تهويد المسجد الأقصى المبارك" عبر "منع المصلين المسلمين من العبادة والصلاة فيه".
وبينما شدد على أن "الصلاة في المسجد الأقصى ليست بإذن من الاحتلال بل هي حق لنا"، حذّر اشتية من أن "إسرائيل لا تريد أن تتعلم من التاريخ، بأن الأقصى للفلسطينيين ولكل العرب والمسلمين، وأن اقتحامه شرارة ثورة ضد الاحتلال".
بدورها، نددت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في رام الله بالاعتداء على المرابطين في المسجد الأقصى، قائلةً إنه "جريمة نكراء" واعتداء على المقدسات وأماكن العبادة الإسلامية، مضيفةً أن "الانتهاكات الإسرائيلية على المسجد الأقصى أخذت منحى تصاعدياً في ظل حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية". وطالبت المجتمع الدولي بوضع حد لتصرفات هذه الحكومة التي "تدفع باتجاه حرب دينية سيصطلي بنارها الجميع".
اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين استنكرت هي الأخرى الاعتداء على المسجد الأقصى وعلى المعتكفين داخله، قائلةً إنه كان "مشهداً من الترهيب والقمع والتنكيل الخارج عن كل القيم الإنسانية"، داعيةً "جميع الأطراف المسؤولة عن حفظ الأمن والسلم في العالم إلى وقف هذا الجنون الأعمى ومحاسبة المعتدي، ولجم العدوان الهمجي على أماكن العبادة، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ومقدساته".
وأردفت في بيان: "إجراءات الاحتلال في الأقصى أصبحت واضحة، فهي تسعى لتغيير الوضع القائم (الستاتيكو)، وتمكّين عتاة المتطرفين وجماعاتهم الدينية من ممارسة طقوسهم وفي مقدمتها تقديم ‘قربان الفصح‘ اليهودي"، محذّرةً من "إدخال المنطقة في أتون حرب دينية لا يمكن التنبؤ بنتائجها".
محمد اشتية: إسرائيل لا تريد أن تتعلم من التاريخ، بأن الأقصى للفلسطينيين ولكل العرب والمسلمين، وأن اقتحامه شرارة ثورة ضد الاحتلال
تنديد عربي
وسارع العديد من الدول العربية إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية بـ"أشد العبارات"، وفي مقدمتها مصر والأردن والسعودية وقطر، واصفة إيّاه بـ"الاقتحام السافر"، محذرةً من تبعاته على عملية السلام وأمن واستقرار المنطقة.
ودان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى: "هذه التصرفات غير المسؤولة في الأماكن المقدسة تمس المشاعر الدينية لملايين المسلمين عبر العالم"، لافتاً إلى أن "التوجهات المتطرفة التي تتحكم في سياسة الحكومة الإسرائيلية ستقود إلى مواجهات واسعة مع الفلسطينيين إذا لم يوضع حد لها".
وحثّ الحكومة الإسرائيلية على "التوقف عن هذه الأعمال الاستفزازية"، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك بسرعة من أجل دفع إسرائيل لوقف هذا التصعيد الخطير الذي يُنذر بإشعال الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما أعلنت جامعة الدول العربية عن "اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين"، يوم الأربعاء برئاسة مصر، لمناقشة الأوضاع المتدهورة في مدينة القدس المحتلة وبحث "الحراك والتنسيق العربي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا