شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
العدالة الإغاثية في مناطق الحكومة السورية… مداواة الكوارث بالكوارث

العدالة الإغاثية في مناطق الحكومة السورية… مداواة الكوارث بالكوارث

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 3 أبريل 202305:29 م

نقلت صفحة فوج إطفاء حلب السورية الحكومية على منصة فيسبوك، أنّ حريقاً نشب في إستاد حلب الدولي يوم السابع من آذار/ مارس الماضي، أصاب أحد رجال الإطفاء بجروح بليغة، كما أحرق "كميات غير محددة" من المواد الغذائية والحرامات والفرش والألبسة المقدّمة من العراق، والتي كانت معدةً للإغاثة والتوزيع على متضرري زلزال السادس من شباط/ فبراير الماضي، ولم تذكر الصفحة إلى أي جهة تتبع المواد المحترقة، لا العراقية ولا السورية، بعد استلامها.

الحريق الذي استمر ست ساعات، وهي مدة زمنية طويلة كافية لإحراق عشرات الأطنان من المواد، وصل إلى منصات التواصل الاجتماعي وتحوّل إلى تراند سوري لأيام عدة، أجمع فيه كثير من المشاركين السوريين بأنّ ما حصل في الملعب ليس سوى طريقة سورية قديمة ومعروفة لتبرير "سرقات المساعدات المقدمة من الدول"، مستذكرين حرائق كثيرةً أصابت مستودعات شركات قطاع عام على مدار عقود من حياة الدولة السورية. كتب أحدهم تعليقاً على صفحة الفوج: "الصدفة العجيبة أن يُقصف المطار (طيران العدو) وتحترق المساعدات في اليوم نفسه".

مؤشرات الناس في الإغاثة

التعليقات السلبية على حريق ملعب حلب الدولي، تتكرر كثيراً عند التنقل بين الصفحات الرسمية لهذه الجهة الإغاثية أو تلك، على منصات التواصل الاجتماعي، وهي وسيلة الاحتجاج السورية الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة، خاصةً فيسبوك، كونه المنصة الأكثر استخداماً وحضوراً في حياة السوريين (أكثر من 90%)، حيث يمكن ملاحظة أنّ نسبةً كبيرةً من التعليقات سلبية، ومن النادر أن تجد شكراً لهذه المنظمة أو تلك على عملها، خاصةً التعليقات على بوستات وصول دفعات جديدة من المساعدات.

كثير من الشكاوى تتضمن كثيراً من الوقائع الفردية والجماعية التي يرويها أصحابها عن عدم وصول المساعدات أو وصولها بشكل مختصر

كثير من الشكاوى المنتشرة على الصفحات، والتعليقات اللاحقة لها، تتضمن كثيراً من الوقائع الفردية والجماعية التي يرويها أصحابها عن عدم وصول المساعدات أو وصولها بشكل مختصر، أو تجاهل المساعدة من أصلها، بالإضافة إلى حديث متكرر عن المزاجية والمحسوبية في عمليات التسليم، وبعض حالات الإذلال التي حدثت في مراكز إيواء.

تتناقض جزئياً هذه الشكاوى مع التصريحات الإعلامية التي تقدّمها الحكومة والجهات المتعاونة معها من جمعيات رسمية مرخصة. واحدة من هذه الشكاوى ـوهي من كثيرات تتشابه في المبنى والمعنىـ نُشرت في 6 آذار/ مارس الماضي، تقول: "أهالي قرى دباش الجبيرية، يرتي (ريف القرداحة)، يناشدون الجهات المعنية في محافظة اللاذقية النظر الجدي إلى أوضاعهم المعيشية المعدمة بعد الضرر الكبير الذي لحق بهم نتيجة الحرب المدمرة على بلدهم أولاً، والزلزال المشؤوم ثانياً، فمنذ الزلزال لم يزُر مسؤول واحد ضيعنا ولم تأتِ جمعية خيرية للنظر في احتياجات القرى (الثلاثة)، كباقي قرى اللاذقية، حتى جمعية العرين، والأمانة السورية للتنمية، والهلال الأحمر السوري".

وتضيف: "نسألهم بحق الإنسانية؛ ألسنا من قرى ريف اللاذقية المنكوب؟ ألم تطلب لجنة السلامة من كثير من أهلنا المنكوبين إخلاء بيوتهم لأنها غير صالحة للسكن ومتصدعة؟ ألم نتأثر بموجة الغلاء الكبيرة التي أحدثها الزلزال؟ لماذا كل هذا الإهمال واللا مسؤولية بحقنا، وقد تم نشر صور لأغلب البيوت المتضررة؟ ماذا تنتظرون لمساعدتنا وقد مر شهر كامل على حدوث الزلزال؟".

وبحسب المعلومات المتوافرة من المنطقة، فإن مؤسسة العرين الإنسانية، بالتعاون مع لجنة الإغاثة المحلية قامت بتوزيع مساعدات غذائية هناك في 16 آذار/ مارس، أي بعد عشرة أيام على الشكوى من دون ربط الشكوى بعملية التوزيع.

في المحافظات السورية التي تديرها الحكومة السورية، وليس فقط المتضررة من الزلزال، وحتى الآن، هناك مئات من الحالات الفردية والعائلية والجماعية تطلب الإغاثة الغذائية والإيواء، ويحدث ذلك عبر التواصل الاجتماعي وعبر الواقع نفسه، إذ إنّ الكثير من غير المتضررين يعدّون أنفسهم معنيين بما يحدث حولهم، وينقلون الوقائع إلى المنصات، وينجحون في توجيه اهتمام المجتمع المحلي ومؤسسات الحكومة إلى تلك الحالات، وهذا ما حدث خلال الأسابيع الأولى من الكارثة بشكل كبير في ظل تخبط أجهزة الدولة.

بشيء من التدقيق، لا يمكن التأكد بشكل مطلق من صدق تضرر أصحاب التعليقات السلبية بحكم انتشار فكرة أنّ المساعدات الأممية والعربية الواردة هي لكل السوريين وليست للمتضررين من الزلزال فقط، وهذه الفكرة انتشرت وتعمّمت بسبب الحاجة الاقتصادية الماسة لدى السوريين بعد عقد من الحرب، حيث يبلغ راتب الموظف السوري من الفئة الأولى (خريج جامعي) نحو عشرين دولاراً شهرياً، تتناقص كل يوم بسبب انخفاض قيمة الليرة (دولار واحد يساوي قرابة ثمانية آلاف ليرة)، وهو ما يعزز احتياج نسبة كبيرة من السوريين لا الموظفين منهم فقط.

أيضاً، فإنّ هذا الاتفاق العفوي بين الناس قد لا يكون صحيحاً بشكل مطلق لأن الدولة حاضرة في الكارثة بصفتها المعنية الأولى (دستورياً وأخلاقياً وسياسياً) ولديها خططها لإدارة الكارثة، بغض النظر عن تقييم هذه الخطط (الآن) إيجاباً وسلباً، وقد لا تؤكد ذلك كثرة الاجتماعات الوزارية على مستويات عليا منذ لحظة الكارثة، وإعلان الحكومة المناطق التي ضربها الزلزال مناطق منكوبةً، ولكنه مؤشر على حضور الكارثة في الأجندة الحكومية، هذا عدا عن أنها تلقت آلاف الأطنان من مساعدات الدول الأخرى.

على أنّ عدم الثقة بهذه التعليقات وأصحابها (وغالبيتها حسابات حقيقية)، في المقابل، لا يعني أنّ الفكرة السابقة مغلوطة أيضاً، فهناك ملاحظات كثيرة على طرق إدارة الكارثة من قبل الحكومة السورية، وقد خبرها الناس مباشرةً، وخاصةً متضرري الكارثة، وتوزّع هؤلاء الجغرافي يمتد على كامل الجغرافيا السورية.

عدم توقف حالات طلب المساعدة بعد مضي قرابة الشهرين على الكارثة، يمكن قراءته بوجوه عدة، أكثرها سلبي، ويعني في قراءة أولى أنّ المسح الهندسي للمناطق المتضررة، بما فيها الأبنية المتهدمة والمتصدعة، وتلك الآيلة إلى السقوط، شابته أخطاء، ولم يكن دقيقاً أو منهجياً، وعلى الأرجح، لم يعتمد التقنيات الحديثة في عمليات المسح الميداني، وهو ما أورث خربطةً وضياعاً وتفتيتاً للجهود الهندسية والإغاثية في الوقت نفسه.

أهالي قرى دباش الجبيرية، يرتي (ريف القرداحة)، يناشدون الجهات المعنية في محافظة اللاذقية النظر الجدي إلى أوضاعهم المعيشية المعدمة بعد الضرر الكبير الذي لحق بهم... فماذا كان رد فعل "الجهات المعنية"؟

ويمكن أن يمتد شرح استمرار حالات طلب المساعدة إلى طرائق عمل شركاء الحكومة الرئيسيين في العمل الإغاثي (الأمانة السورية للتنمية، والهلال الأحمر السوري، ومؤسسة العرين، وجمعيات أخرى أقل حضوراً)، التي يختلف تقييمها عموماً، ولكنها تنال نصيبها من الاتهامات اليومية للناس.

هناك العديد من الحالات، التي توثق الكلام السابق، متوافرة بكثرة، سواء لمالكي المنازل، أو للمستأجرين الذين تلقّوا أوامر بالإخلاء (نظامية أو كيدية). تقول السيدة ليلى (45 عاماً) من منطقة العسالية، وهذه المنطقة كانت الأكثر تضرراً في جبلة، إنّ منزلها المستأجر قد تصدّع بسبب كارثة الزلزال، وعلى إثره قام مالك المنزل بإحضار لجنة للكشف على الشقة، وانتهت اللجنة المؤلفة من مهندسين اثنين، إلى أنّ المنزل غير صالح للسكن، ويجب إخلاؤه خلال وقت قصير لا يتجاوز ثلاثة أيام، و"حملت عفش بيتي إلى عند أهلي"، وفي ما بعد استطاع المالك تغيير قرار تلك اللجنة ورمّم المنزل وعرضه للإيجار بسعر مضاعف، حسب قولها.

تزيد هذه الحالات في مناطق الريف السوري في المحافظات الأربع، وسبب ذلك أنّ الهيئات الإدارية المسؤولة (رئيس البلدية، البلدات، والمخاتير، والشرطة)، غير مؤهلة أو مدرّبة للتعاطي مع الكوارث، لا بشكل إداري ولا قانوني، يتضح ذلك من اعتماد ورقة إخلاء أو شرح حالة الإخلاء من المختار (مختار الحي أو القرية أو البلدة)، نحو أسبوعين من الكارثة، ثم إلغائها واعتماد شرح من البلديات، ثم اعتماد شرح من اللجان الهندسية، وهذا التعدد بإسناد المسؤولية تسبب في بقاء عشرات الحالات من دون تسجيل لدى اللجان الإغاثية وغرف عمليات المحافظات.

تقول السيدة نهى (54 عاماً، موظفة حكومية في مديرية زراعة اللاذقية)، إنها خسرت منزلها في منطقة إسطامو، وتضيف: "سمعت من الناس عن شيء اسمه 'منحة سكن'، وحين سألنا البلدية أجابوا بأنهم لا يعلمون عنها شيئاً، المشكلة أننا وأينما توجهنا لنسجل على مساعدات يقولون لنا إنهم لا يعرفون. البلدية تقول مسؤولية المحافظة، والمحافظة تقول مسؤولية البلدية، ونحن ننتظر لنعرف من المسؤول".

مؤشرات الحكومة في الإغاثة

عدم ثقة السوريين بحكومتهم، ومعها شركائها، ليست المؤشر الوحيد على تقييم الأداء خلال كارثة الزلزال، فهناك مؤشرات على مستوى الأجهزة المعنية بمعالجة الكارثة نفسها بشكل ميداني، مثل الوحدات الإدارية ومجالس المدن واللجان الإغاثية وغيرها.

المؤشر الأكثر حضوراً في تقييم الأداء الحكومي السوري، هو غياب الشفافية في التعاطي مع الكارثة، وتبدأ القصة من التأخر (والتناقض أحياناً) في إعلان أرقام الضحايا والمصابين والمتضررين وصولاً إلى عدم انتهاء أعمال المسح الميداني للمتضررين حتى الآن، مع اختلاف أرقام الوزارات بشأن قيمة الأضرار التي أصابت منشآت هذه الوزارة أو تلك، ولا تُعرف كيفية إصدار تلك الأرقام، وما هي أدوات القياس.

المؤشر الأكثر حضوراً في تقييم الأداء الحكومي السوري، هو غياب الشفافية في التعاطي مع الكارثة

تقول وزارة الكهرباء في حكومة دمشق في تصريح رسمي، إنّ خسائر القطاع الكهربائي بسبب الزلزال تتجاوز 10 مليارات ليرة (1.2 مليون دولار) ورجحت ارتفاع الرقم إلى الضعف، مع استمرار عملية حصر الأضرار، في حين أن وزارة النفط رفعت الرقم إلى 34 مليون دولار، ولحقتها بقية الوزارات ليكون الإجمالي مختلفاً عليه أيضاً، بين 5.1 مليارات دولار حسب البنك الدولي، وخمسين ملياراً حسب تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو مؤخراً.

يمتد غياب الشفافية في عدم توفر أدوات وصول إلى قاعدة البيانات المفترضة للمتضررين التي أنجزتها جهات سورية عدة، منها اللجنة العليا للإغاثة، والتي يُفترض أن تكون متاحةً للعموم أو على الأقل لناشطي المجتمع بغية التشبيك مع الحكومة في الوصول إلى مناطق الضرر والمتضررين، وكان يمكن للوصول إلى قاعدة بيانات مثل هذه أن توفر الكثير من الجهد والمال والوقت للحكومة والناشطين معاً، والثقة أيضاً من المانحين الدوليين المحتملين، خاصةً أن استجابة المجتمع كانت أسرع من استجابة الحكومة بأشواط، فقد بقيت الحكومة مذهولةً فعلياً مما حدث لأكثر من أسبوع قبل أن تستعيد زمام المبادرة، ولا يشمل هذا الكلام أعمال إزالة الأنقاض ورفع الضحايا والمصابين.

في الحالة الأخيرة، أي أعمال إزالة الأنقاض وتوابعها، شهدنا نقصاً ملحوظاً في أعداد الآليات اللازمة، وفي توفر الوقود اللازم لتشغيلها، وفي ضعف توفر أدوات الإنقاذ نفسها، وهذا النقص ليس مرتبطاً بأي عقوبات أمريكية، بقدر ما هو سوء تقدير في التخطيط وتوابعه، وهي الملاحظات التي وضح وجودها في تصريحات رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس، في جلسة المجلس الأخيرة بتاريخ 11 آذار/ مارس الماضي، التي تضمنت الحديث عن تأمين منازل سكنية للمتضررين من دون توضيح من سيقوم بالدفع لشراء هذه المنازل.

الأرقام التي نشرتها اللجنة العليا للإغاثة من دمشق، بأن عدد المتضررين من الزلزال لم يصل إلى نصف مليون بين المحافظات المتضررة، لا نعلم إذا شملت محافظة إدلب وعلى الأرجح لم تشملها، ولم يصدر تحديث لها منذ الرابع من آذار/ مارس الماضي، وتذكر تلك الأرقام أنّ عدد الأسر المتضررة بفعل الزلزال بلغ 91،794 أسرةً، بواقع 414،304 فرداً. وعلى الأرجح فإنّ الأرقام أقل مما هي عليه في الواقع، خاصةً في ظل وجود حالات إخلاء لاحقة لم تسجَّل في قواعد البيانات وفق تصريحات أصحابها، خاصةً في الريف نظراً إلى عدم وجود آلية واضحة للتسجيل إلا الهواتف.

مؤشرات النقابات المعنية بالإغاثة

تزداد حالات غياب المساعدة في الشق القانوني، فحالات انهيار المباني والتصدعات والإخلاءات خلقت حالات قانونيةً معقدةً جديدةً في القانون السوري على كثير من الأصعدة المتعلقة بالملكية نفسها، إذ يشير المحامي عارف الشهال، إلى أنّ "الوضع القانوني لا يخلو من تعقيد في الواقع في حالات الشقق المتهدمة والأبنية نفسها في حال لم يجرِ تنظيم المنطقة المهدمة بأحد قوانين تنظيم وعمران المدن المعروفة، أو في حال طال الهدم بنايةً أو أكثر بحيث لا تستدعي الحالة إعادة تنظيم المنطقة".

خلال الكارثة، لم يتم توفير دعم قانوني أو خطوط هاتفية ساخنة للمتضررين، من قبل نقابة المحامين التي قام محاموها بشكل فردي بالرد على الأسئلة المتدفقة من الناس، ونقابة المحامين كغيرها من الجهات السورية وجدت نفسها أمام كثير من القضايا التي تتعلق بالملكيات العقارية المتشعبة في سوريا بين منظم عقارياً وآخر على الشيوع وثالث بناء مخالفات وغيرها، والحلول القانونية لمشكلات كل هؤلاء، يضاف إليهم المستأجرون في مختلف المناطق.

نقابة المهندسين رفضت إعفاء الناس المتضررين من أتعاب المهندسين المفترض قيامهم بالكشف الفني على الأبنية المتهدمة أو المتصدعة، ورفضت أن تتحمل خزانتها الممتلئة أتعاب هؤلاء، في وقت قام فيه مهندسون بالكشف على بعض الأبنية من دون انتظار تكليف رسمي.

إجمالي الخسائر التي نتجت عن الزلزال، تراوحت بين 5.1 مليارات دولار حسب البنك الدولي، وخمسين ملياراً حسب تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو مؤخراً... هل يجب أن نفهم أي شيء من هذا التفاوت؟

يمكن ملاحظة أنّ هناك تكاثراً في عدد الحالات ـ التي لم تُقدّم لها مساعدات من أي نوع ـ في العديد من المناطق ناتجاً عن استمرار عمل اللجان الهندسية لأكثر من شهر ونصف، وتكرار مسح بعض المناطق مرةً ومرات بسبب عدم الثقة بقرارات اللجان المشكلة من مجالس المحافظات لهذه الغاية، فقد تشكلت لجنة أولى، لحقتها ثانية وصولاً إلى أربع لجان لم تقدر في بعض الحالات على أخذ قرار قطعي في تقييم الحالات، خاصةً المدارس المصابة.

في حالات ثانية تتعلق باللجان نفسها، فقد تم تشكيلها من مهندسين لا يملكون خبرات كافيةً في تقييم الأضرار الناتجة عن الزلازل، وبعض المهندسين لم يكونوا مهندسين إنشائيين أو مدنيين أو معماريين، بل كانوا مهندسي ميكانيك عام (وليس ميكانيك تربة أو مواد).

ومع استمرار حالات الإخلاء في ظل عمل اللجان الهندسية، فإنّ الناس لا تعرف كيف تتصرف في هذه الحالات، بغياب أي دليل عملي واقعي أو افتراضي، إذ إنّ الدولة لم تتدخل في موضوع تأمين منازل بديلة لهؤلاء، وتركتهم لجشع تجار العقارات والمكاتب، ولم تفرض حدوداً للإيجارات، كما أنها لم تساهم بأي شكل في دفع نفقات عمليات نقل الأثاث أو غيره، وتركت الأمر كذلك للفاعلين في المجتمع المحلي. تزداد وطأة هذا الكلام، بمعرفة أنّ الكثير من السوريين لا يملكون مدّخرات كافيةً لأي عمل مستجد على استقرارهم المهزوز منذ عقد وأكثر، بسبب الحرب الدائرة في البلاد.

في حالة تم توثيقها من قِبلنا، دفعت سيدة متضررة ـوهي موظفة حكومية ومتزوجة ولديها ثلاثة أطفال من منطقة القرداحةـ لديها قرار إخلاء وهدم بسبب تصدع منزلها، مبلغاً وقدره مليون ليرة ونصف المليون لتنزيل أغراض بيتها ونقلها إلى موقع سكن جديد، وهذا الدفع كان على حسابها ولم تقدّم لها أي جهة مساعدةً سوى سلّة غذائية من الهلال الأحمر السوري، وقد تلقت رسالةً من الهلال الأحمر بذلك بعد شهر من الكارثة.

في حالة ثانية ذكرت سيدة أخرى (الغريب فعلياً أن غالبية الاحتجاجات هنا نسائية الطابع)، أنها تلقت اتصالاً من الهلال (الأحمر) لاستلام مساعدة إغاثية تشمل خمس إسفنجات من النوع المتوسط، وأواني مطبخ من النوع السيئ، وهي بمجملها من النوع نفسه الذي حصل عليه متضررو الحرائق (عام 2018)، بينما لم نحصل على أي شيء مما نراه يوضّب في الإمارات، حتى الحرامات كانت حرامات الأونروا الرمادية الصغيرة".

ماذا عن المستقبل؟

كل ما سبق يختص فقط بمناطق سيطرة الحكومة السورية، أما مناطق إدلب وريف حلب المتضررة، فحديثها يطول، ويستحق مادةً منفصلةً، حيث أنّ دمشق حاولت اختراق التوازنات الإقليمية المتعلقة بتلك المناطق، ولكنّ الشد والتجاذب الإقليميين والدوليين، أفشلا جهود دمشق، بغض النظر الآن عن كونها استثماراً للكارثة وهذا منطقي ومتوقع وغير مستغرب، بالإضافة إلى أنّ تركيا نفسها كانت في لحظة ما عاجزةً عن التعاطي مع خسائر تلك المناطق، وهكذا تُرك السوريون هناك بلا أي دعم سوري أو دولي حقيقي.

بعد مضي قرابة شهرين على الكارثة، يمكن القول إن ملامح الاستجابة السورية الحكومية بدأت تأخذ سمات استجابة مؤسسية

في تقييم أولي، يمكن القول إنّ استجابة الحكومة السورية للكارثة كانت بشكل عام مرتبكةً إلى حد كبير في الأسابيع الأولى، باستثناء قطاع الصحة ومؤسساتها التي كانت فعلياً على قدر المسؤولية، ومؤسسات الدفاع المدني التي عملت بجهد كبير وأدوات متواضعة على محاولة إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، وللحق والحقيقة والتاريخ، لا بد من ذكر مؤسسات قطاع عام شاركت في عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض باستخدام أدواتها من عربات وبواكر وشاحنات متهالكة في معظمها، وسائقين غير مدربين أدّوا واجبهم باقتدار، بالإضافة إلى جهات عدة من القطاع الخاص.

يُسجّل هنا أنّ حلب كانت رائدةً مجتمعياً في الاستجابة للكارثة، فقدّمت غرفة تجارة حلب استجابةً عاجلةً لتأمين السكن المؤقت للمتضررين بقيمة مليوني ليرة سورية لكل عائلة، بالإضافة إلى تعاونها الواضح مع المنظمات المحلية الإغاثية، خلافاً لبعض المناطق الأخرى ومنها اللاذقية التي كانت استجابتها أقل، وكمثال، فإنّ استجابة الفاعلين المحليين في اللاذقية للكارثة كانت أقل إنْ لم تكن معدومةً، فلم تتدخل غرفة تجارة وصناعة اللاذقية في أي شيء سوى دعوة الفعاليات الاقتصادية لمشاركتها "الحملة العاجلة لدعم المتضررين"، وفتحت حساباً بنكياً للتبرع، ووفق معلومات متواترة فإنّ الغرفة فرضت رسماً مقداره مليون ليرة على كل من يرغب في تجديد أو استخراج سجل تجاري جديد.

بعد مضي قرابة شهرين على الكارثة، يمكن القول أيضاً إن ملامح الاستجابة السورية الحكومية بدأت تأخذ سمات استجابة مؤسسية لناحية تغطية حاجيات القاطنين في مراكز الإيواء والانتقال منها إلى الإيواء الخارجي، ثم الاستجابة للريف المتضرر، وباستخدام معطيات موثقة وقاعدة بيانات رسمية (لا يمكن الوصول إليها للأفراد)، وإن كان يمكن ملاحظة أخطاء كثيرة في هذه التغطيات، وتجاهل حالات، وتقديم مواد أقل من المطلوب للأفراد أو العائلات.

يمكن ملاحظة حضور مكثف للإعلام الحكومي على التواصل الاجتماعي في محاولة لتقديم صورة جيدة عن المساعدات التي قُدّمت وتُقدّم، ولا يخلو الأمر من احتجاجات هنا وهناك على خطة الاستجابة وتأخرها في أماكن مختلفة، وتكرار الإغاثة في مناطق وتجاهل مناطق أخرى، من دون الحديث عن الاستثمار السياسي الممكن للكارثة. 

وعلى الرغم من أنها لم تكن مركز الزلزال، فإنّ المقارنة بين استجابة تركيا واستجابة دمشق، هي مقارنة ظالمة لدمشق ليس فقط بحكم سنوات الحرب الطويلة وتهتّك نسيج الدولة نفسها، والعوامل الداخلية التي تستمر في الحضور في الشارع السوري، بل لعشرات الأسباب المتعلقة بالدولة نفسها، وطريقة تعاطيها مع مواطنيها وكوارثهم بعد عشر سنوات على الحرب. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard