شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
استهلاك مضاعف للطعام والشراب... كيف نخفّف الإهدار والنفايات خلال شهر رمضان؟

استهلاك مضاعف للطعام والشراب... كيف نخفّف الإهدار والنفايات خلال شهر رمضان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 2 أبريل 202311:25 ص

"تتراكم الزبالة بجوار المحل صباح كل يوم في شهر رمضان والبلدية مش ملاحقة"، هكذا بدأ الحاج محمود الخضري حديثه، وهو يحكي عن زيادة النفايات في الشهر الكريم، خاصة أن محله يقع بجوار مكب النفايات. وأضاف لرصيف22: "الزبالة تزيد في رمضان بشكل مبالغ فيه، وتتهافت القطط والكلاب على بقايا الطعام، والناس ترمي في كل مكان ولا تهتم".

ورغم أن الحالة الاقتصادية تزيد سوءاً عاماً بعد عام في البلاد خاصة خلال الأشهر الأخيرة، لا يتخلى المصريون عن عاداتهم الشرائية في شهر رمضان، فيزيد إهدار الطعام وتتكاثر النفايات العضوية والبلاستيكية في الشوارع.

رمضان شهر في السنة كلها. لا غنى عن الإكثار من تناول اللحوم والفراخ والأسماك، إلى جانب البقوليات والعصائر.

وتشكل أزمة إهدار الطعام في إفريقيا مشكلة كبيرة، إذ ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن المواطن في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا يهدر سنوياً ما يقرب من 250 كيلوغراماً من الغذاء أي ما يعادل حوالى 60 مليار دولار سنوياً. وأشارت المنظمة إلى أن متوسط هدر المواطن المصري العادي يبلغ 91 كيلوغراماً سنوياً، ويتم في المناسبات التخلص من 60% من الأطعمة الصالحة للأكل، كما أن 50% من الخضار والفاكهة و40% من الأسماك و30% من الحليب والقمح تُهدر كل عام في مصر.

في هذا السياق، يذكر الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية بكلية الإدارة بالجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، أن المصريين ينفقون 57% من دخلهم سنوياً على الطعام بمعدل 605 مليار سنوياً، وبذلك يصل إنفاقهم شهرياً إلى 50 مليار جنيه ويرتفع في شهر رمضان إلى 80 ملياراً، أي بزيادة 30 ملياراً عن الشهر العادي.

ويلفت عرفة في حديثه لرصيف22 إلى أنه في الثلث الأول من شهر رمضان يستهلك المصريون قرابة أربعة مليار و400 ألف رغيف خبز و15 ألف طن فول و170 ألف طن فول مدمس، مع زيادة استهلاك الأرز والزيت والسمن بمعدل 43% عن الشهور العادية.

"لا غنى عن الإكثار من الطعام"

تتغير العادات الاستهلاكية في شهر رمضان عن باقي شهور السنة، وهو أمر أكده كثيرون ممن تحدثوا إلى رصيف22، رغم أنهم يعترفون بأن ما يقرب من نصف الطعام يرمى في القمامة.

تقول سعيدة (48 سنة): "رمضان شهر في السنة كلها. لا غنى عن الإكثار من تناول اللحوم والفراخ والأسماك، إلى جانب تحضير الكثير من البقوليات والعصائر للإفطار والسحور بشكل يومي. لذلك هو يحتاج ميزانية خاصة ونستعد له قبل بضعة أسابيع، فأشترك في جمعية مع صديقات لي لأشتري متطلبات رمضان لي ولابنتي".

الحاج سيد (55 سنة) يعترف أن كمية النفايات التي تخرج من منزله بصورة يومية في شهر رمضان تزيد على نفايات الأيام العادية: "أطلب من زوجتي ألا تبالغ في أصناف الطعام، ولكن يكون عندنا ضيوف وتطبخ أربعة أصناف، وأنا لا آكل البائت فنرمي الطعام في النهاية".

بدورها تتحدث قمر (45 سنة) عن شهر رمضان: "لا أعتقد أن هناك طريقة أخرى للاستمتاع بالشهر، وهو أمر اعتدناه. من أكثر مشترياتي السمن والسكر والألبان والكريمات والمكسرات التي أستخدمها لصنع الحلويات كل يوم، رغم أن سعرها مرتفع جداً، هذا إلى جانب الأغذية الأخرى التي نحتاجها للإفطار والسحور. رمضان يختلف، ففي الأيام العادية لا نأكل حلويات بهذا الشكل ولا نعد العصائر والمشويات وغيرها".

ينتج عن الفرد في اليوم العادي ربع كيلوغرام من المخلفات، وفي أيام المناسبات تصل الكمية لنصف كيلوغرام، ولكن في رمضان تصل إلى كيلوغرام إلا ربعاً، وأحياناً إلى كيلوغرام في اليوم، تضم البلاستيك والأوراق وبقايا الطعام

وتشير الدكتورة شيماء القصاص، الأمينة العامة لتحالف القوى المدنية من أجل المناخ، إلى أن هدر الطعام من أكبر التحديات التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي، خاصة في ظل الأزمات المتتالية وآخرها الحرب في أوكرانيا، والتي أثرت على سلاسل الإمداد الغذائية على مستوى العالم. ووفقاً لتقارير منظمة الفاو فإن حجم الطعام المهدر عالمياً يقدر بنحو 1.3 مليار طن من الغذاء سنوياً بنسبة 30% من إنتاج الغذاء، ويقدر حجم إهدار الغذاء في مصر نحو تسعة ملايين طن، مع نسبة هدر في الخضر والفاكهة تقترب من 55%، في حين أن تخفيف هذا الهدر يمكن أن يوفر الطعام لنحو مليار نسمة من فقراء العالم.

زيادة النفايات

كذلك يتحدث المهندس أمين خيال رئيس الإدارة المركزية للمخلفات والنفايات في جهاز شؤون البيئة عن هذه المشكلة: "تزيد المخلفات بسبب زيادة الاستهلاك في رمضان رغم أننا لم نحدد الفارق بالطن إلى الآن، وتختلف كمية ونوعية المخلفات من منطقة لأخرى".

ويلفت إلى وجود 63 مصنعاً لتحويل المواد العضوية لأسمدة في مصر، ولكن المشكلة في البلاستيك الذي ينتج من موائد رمضان ولا يعاد تدويره، فيبقى لأكثر من 100 عام وهو خطير جداً على الكائنات البحرية لو ألقي في المياه، ولو تم حرقه يفرز موادَّ مسرطنة.

ويضيف خيال: "يخرج من طن مخلفات واحد في مصر سواء المنازل أو المطاعم والفنادق 600 كيلوغرام من المواد العضوية أو بقايا الطعام، وهذه النسبة كبيرة جداً بل كارثية، ففي اليابان لا تزيد عن 20%، وفي أمريكا لا تزيد عن 30%، وفي رمضان يكون الفارق أكبر بسبب ثقافة المصريين، وهذا يظهر في الشوارع، وبالتالي تدفع البلدية بالمزيد من السيارات المخصصة لنقل النفايات. ورغم ذلك فإن كفاءة جمع النفايات في محافظتي القاهرة والجيزة مثلاً تكون فقط بنسبة 70%، وبالتالي لو أفرزت محافظة القاهرة 10 آلاف طن يومياً على الأقل وأخرجت الجيزة ثمانية آلاف طن، فإن 30% منها لا يتم جمعها لأن الإمكانيات المتاحة من عمال وسيارات لا تغطي المساحة كاملة، فنحن أمام قرابة 5400 طن تبقى دون جمع ونقل".

في الثلث الأول من شهر رمضان يستهلك المصريون أربعة مليار و400 ألف رغيف خبز مع زيادة استهلاك الأرز والزيت والسمن بمعدل 43% عن الشهور العادية

ويضيف الخبير البيئي الدكتور مجدي علام: "ينتج عن الفرد في اليوم العادي ربع كيلوغرام من المخلفات، وفي أيام المناسبات تصل الكمية لنصف كيلوغرام، ولكن في رمضان تصل إلى كيلوغرام إلا ربعاً، وأحياناً إلى كيلوغرام في اليوم، تضم البلاستيك والأوراق وبقايا الطعام. بالطبع تختلف هذه الكميات حسب المناطق، ففي المناطق الريفية قد لا يتجاوز الفرد يومياً 250 غراماً من المخلفات في حين يزيد الرقم في المناطق الحضرية والغنية ومراكز التسوق ليصل إلى كيلوغرام، مع نسبة بلاستيك كبيرة جداً".

ويتابع علام، وهو مستشار برنامج المناخ العالمي: "يتم التعامل مع هذه المخلفات بزيادة أعداد السيارات وأعداد الأفراد العاملين للوصول إلى كل الشوارع والأزقة، إلى جانب السيارة الأم الكبيرة التي تستوعب 12 طناً في اليوم وتتحرك مرتين، وترسل النفايات إلى المدفن الصحي حيث تفرز لمحاولة الاستفادة منها، وتحصل بعض الورش على الزجاج والأوراق لإعادة تدويرها وما لا يمكن الاستفادة منه يتم دفنه، مع العلم أنه يعاد تدوير حوالى 75% من النفايات".

وتوضح الدكتورة القصاص أن قضية هدر الطعام من المسببات التي تؤدي لتفاقم أزمة تغير المناخ، خاصة في ظل الاشتعال الذاتي لنفايات الطعام داخل مقالب الزبالة، مما ينتج غاز الميثان الذي يسبب زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، هذا إلى جانب بعض المشكلات البيئية المتعلقة بالحاجة المتزايدة لإنتاج الغذاء، مثل انخفاض خصوبة التربة، واستخدام المياه بشكل غير مستدام، والصيد الجائر وتدهور الحياة البحرية، كما تعد أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة سبباً رئيسياً لتغيير المناخ وتدهور الأراضي ونضوب الموارد.

مبادرات للمجتمع المدني

أكدت القصاص توجه مصر نحو سن قوانين للحد من هدر الطعام ووضع آلية للتعامل مع الطعام المهدر تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة، إذ قدمت النائبة أميرة صابر مشروع قانون لتنظيم مكافحة إهدار الطعام وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره والتبرع به، وتضمنت فلسفة القانون إنشاء برنامج قومي تشرف عليه الهيئة القومية لسلامة الغذاء ووزارة التضامن، بالشراكة مع المجتمع المدني من بنوك الطعام والجمعيات الخيرية المعنية بقضايا الفقر والطعام. وعند كتابة القانون تم النظر والاستفادة من عدد من التجارب الدولية في هذا الشأن، أبرزها تجارب فرنسا وإيطاليا والصين.

يمكننا بخطوات بسيطة أن نخفف من استهلاك الطعام ونقلل الهدر خلال الشهر الكريم، مثل عدم الإفراط في الشراء، والتحكم في حجم الأطباق التي نطبخها، وحفظ الطعام بطريقة جيدة كي نستهلكه في اليوم التالي، والتبرع بالفائض عن حاجتنا وعدم رميه في القمامة

ونوهت بمبادرات حققت طفرة للتصدي لظاهرة فقد الطعام من خلال ملاحقة المراحل التي يمكن أن تتضمن هدراً والسعي للاستفادة من بقايا الطعام قدر الإمكان، منها مبادرة "المرأة والبيوجاز"، و"لا تسرفوا" مع مجمع البحوث الإسلامية، ومبادرة "المرأة الخضراء"، وكذلك مبادرة "أطلس هدر الطعام" بالتعاون مع منصة "فود توداي" كشريك مجتمعي.

إجراءات بسيطة

يمكننا ببضع خطوات لا تكلفنا الكثير، أن نخفف من استهلاك الطعام ونقلل الهدر خلال الشهر الكريم، وأهمها:

- التفكير كل يوم بعدم الإفراط في الشراء وإعداد موائد بسيطة قدر الإمكان. وأثناء التسوق من الجيد الانتباه للعروض التسويقية التي يمكن أن تدفعنا لشراء المزيد من الكميات التي لن نحتاجها بالضرورة.

- التحكم في أحجام الأطباق التي نطبخها، فليس بالضرورة أن تكون الكميات كبيرة جداً وزائدة عن حاجتنا.

- التأكد من حفظ الطعام بطريقة جيدة وآمنة كي نتمكن من استهلاكه في اليوم التالي ربما مع بعض الإضافات. يمكن استهلاك بقايا طعام الإفطار في السحور أو في إفطار اليوم التالي.

- استخدام الخضر الطازجة لإعداد الطعام كي تبقى أطول فترة ممكنة. وليس من الضرورة أن تتضمن كل الوجبات لحوماً.

- التبرع بأي طعام لا نرغب بتناوله وما يزال بحالة جيدة، فهناك كثيرون ممن قد يحتاجونه، كما أن التبرع أفضل من الرمي في القمامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image