شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"دمارٌ لم يُعهد من قبل"... كيف استخدمت الحكومة السورية كاسحات الألغام ضد المدنيين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 30 مارس 202301:00 م
Read in English:

"Destruction like we'd never seen": How the Syrian government used mine clearance weapons against civilians

قامت الحكومة السورية منذ العام 2014 باستخدام سلاح مُعَدّ لإزالة الألغام، كأداة من أدوات قتل المدنيين وتدمير الأبنية المدنية والبنى التحتية، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً لقانون الحرب.

تُعرف هذه المركبة باسم Meteorit (UR-77)، وهي مركبة ذاتية الدفع تقذف محركات صاروخية تحمل شحنتين خطّيتين متفجرتين لإزالة الألغام. وثمة طراز بديل من السلاح يُطلق عليه اسم (UR-83P)، وهو طراز قابل للنقل ويمكن تركيبه على عربة. وصُمم الطرازان لإزالة الألغام الأرضية، أو الفخاخ المتفجرة، والعبوات الناسفة المصنعة يدوياً، وذلك عن طريق إطلاق محرك صاروخي باتجاه حقل الألغام من مسافة تصل إلى 500 متر كحد أقصى. ويتم ربط المحرك الصاروخي بشحنة خطية متفجرة تتألف من خرطوم بداخله مواد متفجرة (الخراطيم المتفجرة) يصل وزنها إلى طن واحد تقريباً. وتتسبب الشحنة بحدوث انفجار يولّد موجة صدمة قوية تكفي لتدمير أو تعطيل صواعق التفجير في الألغام الأرضية، مما يؤدي إلى فتح مسار خالٍ من المتفجرات بعرض ستة أمتار وبطول يتراوح ما بين 80 و90 متراً تقريباً.

ورغم أن الغرض من استخدام هذا النوع من الأسلحة هو إزالة الألغام، إلا أن مقاطع الفيديو تُظهر بشكل واضح أن كلاً من روسيا وسوريا استخدمتا هذه الأسلحة من أجل قتل المدنيين أيضاً، وإلحاق دمار هائل بمساحات شاسعة من الأراضي، وتدمير البنى التحتية الحيوية.

على سبيل المثال، استخدمت القوات المسلحة الروسية هذه المركبة في حرب الشيشان الثانية كي تدمر منطقة تقع على طول ضفة نهر أرغون ضمن إحدى العمليات التي شنتها ضد المقاتلين الشيشانيين. وقام الروس بإطلاق مقذوفات صاروخية تحمل شحنات خطية متفجرة لإزالة الألغام يحتوي كل "خرطوم" منها على نحو 800 كيلوغرام من المتفجرات. وأتت الانفجارات الناجمة على مساحة ثلاثة هكتارات ودمرت أحد الجسور.

كما استُخدمت المركبات من طراز UR-77 في الهجوم على المقاتلين الشيشانيين المتمركزين في أقبية المباني السكنية كما حصل في قرية كومسومولسكوي التي "مُحيت منازلها بكل بساطة عن وجه الأرض" جراء تلك الهجمات. واستخدمت القوات الروسية نفس التكتيك في أوكرانيا لا سيما أثناء الهجوم على روبيجنه في آذار/ مارس 2022.

ظهرت كاسحات الألغام من طراز UR-77 ونظيراتها من طراز UR-83P في سوريا للمرة الأولى في العام 2014، كما سيُظهر هذا التقرير. ورجَّحت مجموعة هولندية معنية بالتحقيقات مفتوحة المصدر أن تكون روسيا أو بيلاروسيا قد باعتا المركبات من طراز UR-77 لسوريا. وقد استخدمتها القوات المسلحة السورية حينها لبسط سيطرتها على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في جوبر، والقضاء على قوات المعارضة لتحقيق هدف استراتيجي بالحيلولة دون وصولها إلى دمشق.

إلا أن الأدلة التي سنمر على ذكرها في هذا التقرير تظهر أن المدنيين كانوا في أغلب الأحيان موجودين في الأماكن التي استهدفتها الحكومة السورية. كما أن المركبات من الطرازين UR-77 وUR-83P قد تم استخدامها بشكل عشوائي داخل مناطق المدنيين في سوريا. وروى الشهود كيف دُمرت مبان عن بكرة أبيها وانهارت على رؤوس قاطنيها من دون أدنى أمل في إنقاذهم. وكان الأثر الارتجاجي الناجم عن الضربات شيء لم يعهده الناجون من قبل بحيث أضحت شوارع بأكملها أنقاضاً.

وكان من شبه المستحيل تحديد عدد الضحايا الذين قُتلوا جراء استخدام هذه الأسلحة بسبب الطبيعة العشوائية لتلك الهجمات، إذ استُخدمت هذه الأسلحة ضمن حملة واسعة النطاق لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وإجبار الآلاف من السكان على النزوح قسراً. وبعد مرور سنوات على تدمير أحياء بالكامل جراء استخدام تلك المركبات، لا يزال سكانها غير قادرين على العودة إلى تلك الأحياء التي لم تعد صالحة للسكن.

ويشير استمرار استخدام المركبات من طرازي UR-77 وUR-83P إلى أي مدى ذهبت القوات السورية في اعتماد أساليب الجيش الروسي المحظورة وفق أحكام القانون الدولي الإنساني، وهو ما أوقع ضحايا في صفوف المدنيين، وخلّف دماراً هائلاً في البنية التحتية والأبنية المدنية في البلاد، وأُجبر الآلاف على النزوح قسراً.

المنهجية

استفاض فريق محققي المصادر المفتوحة التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة في البحث في ملفات قاعدة بيانات المركز المعروفة باسم Bayanat من أجل جمع العشرات من النشرات التي توثق وقائع لها علاقة باستخدام مركبات UR-77 شملت جمع إفادات من شهود عيان، ووثائق، ومقاطع فيديو متوفرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهي مقاطع قامت قوات الجيش السوري بتصوير معظمها واستخدمتها كنوع من الدعاية للتفاخر بإنجازاتها.

ونظراً لطبيعة هذه الأسلحة وأثرها التدميري لم يكن من الممكن تصوير الهجمات التي وقعت باستخدامها إلا من مسافات آمنة. وعليه، فإن معظم الهجمات التي يعرضها هذا التقرير صوّرها عناصر القوات المسلحة السورية. وتمكن المركز مع ذلك من التحقق من دقة تلك المقاطع المصورة، وطريقة نشر تلك الأسلحة واستخدامها. وتمكن المركز بهذه الطريقة فعلياً من أن يستخدم مقاطع الفيديو الدعائية كأدلة على الجرائم التي ارتكبتها الحكومة.

يشير استمرار استخدام المركبات من طرازي UR-77 وUR-83P إلى أي مدى ذهبت القوات السورية في اعتماد أساليب الجيش الروسي المحظورة وفق أحكام القانون الدولي الإنساني، وهو ما أوقع ضحايا مدنيين وخلّف دماراً هائلاً في الأبنية المدنية وأُجبر الآلاف على النزوح قسراً

وفحص الفريق بشكل وافٍ الخصائص الفنية للمركبات من طرازي UR-77 وUR-83P كي يتحقق من صحة إفادات الشهود والصور التي التُقطت عقب وقوع الهجمات باستخدام تلك المركبات. وبعد أن يتم التيقن من وقوع الهجوم الموصوف فعلاً، يستخدم الفريق عدداً من الطرق والأساليب كي يتوصل بشكل دقيق إلى توقيت وقوع الهجوم، والمسافة التي أُطلقت منها القذائف والموقع الدقيق المستخدم لشن الهجوم ذي الصلة.

كما خلص الفريق إلى أن عدداً من مقاطع الفيديو قد تم تعديلها ومنتجتها، وهو ما تطلب اتباع أساليب أخرى لاستنباط مزيد من المعلومات حول الوقائع. وعقب التحقق من تفاصيل كل هجوم على حدة، يبحث المحققون في منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والتقارير الأممية للتحقق من وجود مدنيين أثناء وقوع الهجوم.

ومن أجل تعزيز العمل الاستقصائي، استثمر منسقو التوثيق التابعون للمركز شبكات علاقاتهم لتحديد هوية سبعة من الناجين وشهود العيان وإجراء مقابلات معهم عقب أن شهدوا هجمات استُخدمت فيها المركبات من طراز UR-77 وUR-83P وساعدت إفاداتهم المركز في وضع النقاط على الحروف، والتحقق من استخدام هذه الأسلحة ومن وجود المدنيين في أثناء وقوع الهجمات. كما أن أحد محققي المركز كان شاهد عيان على استخدام هذه الأسلحة في مناطق مدنية، وأدلى بإفادة خطية يورد فيها تفاصيل ما شاهده بأم عينه. وحرص فريق التحقيق التابع للمركز على مراجعة تفاصيل الأدلة بشكل مستقل، وخلص إلى أن إفادة زميلهم المحقق تتطابق مع باقي الأدلة المتوفرة.

كما تمكن فريق محققي المصادر المفتوحة التابع للمركز من تحديد معالم أكثر من 30 هجوماً استُخدمت فيها أسلحة إزالة الألغام من طرازي UR-77 وUR-83P في 16 موقعاً في مختلف أنحاء سوريا بين عامي 2014 و2019. كما اتضح أن بعض المواقع مثل جوبر قد تعرض للهجوم أكثر من مرة باستخدام نفس السلاح. وتحقق أعضاء فريق التحقيق من المواقع المستهدفة في 15 واقعة باستخدام صور الأقمار الصناعية، وأدوات تحديد الموقع الجغرافي. وخلص أعضاء الفريق إلى أن كل واقعة من تلك الوقائع قد حصلت في حي سكني يقيم به مدنيون في الأراضي الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة. كما خلص الفريق إلى أن القوات المسلحة السورية هي الجهة التي ارتكبت تلك الهجمات التي خلّفت دماراً على نطاق واسع وأوقعت قتلى في صفوف المدنيين.

واختار المركز السوري للعدالة والمساءلة أربعاً من الوقائع البالغ عددها 15 واقعة كونها تنطوي على أوضح الأدلة البصرية الممكنة. وتُظهر الوقائع الأربع في مجموعها أن القوات المسلحة السورية قد استخدمت أسلحة إزالة الألغام من طرازي UR-77 وUR-83P بشكل عشوائي لقتل المدنيين وإجبارهم على النزوح قسراً من ضواحي دمشق.

استخدام مركبات إزالة الألغام في مختلف أنحاء سوريا

تمكن المركز السوري للعدالة والمساءلة من تحديد 30 واقعة شهدت استخدام سلاح إزالة الألغام من طرازي UR-77 وUR-83P في الفترة بين عامي 2014 و2019. وليس بوسع المركز أن يتحقق من كامل تفاصيل تلك الانتهاكات ولكنه أعدّ قائمة بها لاستقاء مزيد من المعلومات والأدلة حولها من جموع الجماهير.

استخدم عناصر الحرس الجمهوري مسيّرات لتصوير حملتهم العسكرية، وصوروا أيضاً لحظة إطلاق خراطيم متفجرة على حي القابون. ونشر أحد عناصر الحرس الجمهوري مقطع فيديو دعائياً على موقع فيسبوك يصف فيه المركبة UR-77 بـ"قاهرة المسلحين"

ويحدو المركز الأمل بأن تكون تلك القائمة على قدر عظيم من الفائدة للشهود، والناجين، والمحققين من خارج المركز ممن تتوفر بحوزتهم بيانات إضافية تساهم في رسم معالم كامل الصورة المتعلقة بتلك الوقائع والانتهاكات.

الوقائع

1ـ القابون: أيار/ مايو 2017

شنت القوات المسلحة السورية حملة عسكرية استمرت ثلاثة أشهر من أجل استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية في شباط/ فبراير 2017. وكنوع من التعزيزات للهجوم البري، استخدمت القوات المسلحة السورية الصواريخ والمدفعية الثقيلة لتدمير المواقع الدفاعية والمناطق المدنية. وفي نيسان/ أبريل 2018، بسط الجيش السوري سيطرته على الغوطة الشرقية في نهاية المطاف عن طريق شن هجمات عشوائية (تضمنت استخدام الأسلحة الكيميائية)، وتسببت بتهجير أكثر من 270 ألف مدني. وعانى المدنيون في القابون من تبعات مؤلمة نظراً لتقييد حركتهم، ومحدودية إمكانية الحصول على الاحتياجات الحيوية من قبيل مياه الشرب والرعاية الطبية التي أصبحت شحيحةً جداً. وتُظهر الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية الآثار المدمرة للحملة على القابون وقد أُبيدت أحياء عن بكرة أبيها.

دمار في شمال القابون من 22/1/2017 إلى 02/07/2017


دمار في جنوب القابون من 22/01/2017 إلى 02/07/2017

استخدم عناصر الحرس الجمهوري مسيّرات لتصوير حملتهم العسكرية، وصوروا أيضاً لحظة إطلاق خراطيم متفجرة على حي القابون. ونشر أحد عناصر الحرس الجمهوري واسمه وسام إسماعيل (والمعروف باسم وسام الطير الذي خدم في مرتبات الحرس الجمهوري في الفترة بين عامي 2010 و2018) مقطع فيديو دعائياً على موقع فيسبوك يصف فيه المركبة UR-77 بـ"قاهرة المسلحين". ويوثق مقطع الفيديو ثلاث عمليات هجوم استُخدمت فيها مركبات إزالة الألغام من طراز UR-77 لضرب أهداف منفصلة. وسقطت الخراطيم المتفجرة على المباني في أحد الأحياء السكنية وسببت انفجارات هائلة.

لقراءة باقي التقرير المدعوم بصور وفيديوهات، اضغطوا هنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image