شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
النارجيلة لا تنطفئ في سوريا... ودخان ما قبل الحرب ليس كما بعدها

النارجيلة لا تنطفئ في سوريا... ودخان ما قبل الحرب ليس كما بعدها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 25 مارس 202304:28 م

باتت النارجيلة رفيقة معظم اللقاءات الشعبية في المدن والبلدات والقرى السورية. علماً بأن نسبة النساء والرجال الذين لم يستطيعوا النأي بالنفس عن تعاطيها، أقل جداً من نسبة الجيل الشاب.لا أحد يستطيع تجاوزها في البيوت، وعلى أبواب المتاجر، وفي المنتزهات الشعبية، والحدائق العامة، وفي المقاهي التقليدية والحديثة. 

فما هو سبب انتشارها أفقياً خلال فترة زمنية وجيزة حتى باتت تمثل فولكلوراً شعبياً، أم أن هناك لذة خفية تختبئ خلف تدخينها؟

"أدمنتها بعد الحرب"

تقول سوسن (27 عاماً) وهي خريجة أدب عربي: "أنا وأشقائي الثلاثة من مواليد دمشق، حي التضامن، هناك كانت النشأة وتفتح الوعي، ورسمنا المستقبل الذي نسعى إليه، في العام 2014 قرر أبي العودة بنا إلى مسقط رأسه، فالبقاء هناك كان رهاناً للبقاء على قيد الحياة بعد أن صار سكان التضامن يُعرفون بطوائفهم، لم أكن مغرمة بالنارجيلة سابقاً، لكن شغفت بها مع أبي وأمي بعد أن هاجر أشقائي جميعهم إلى ألمانيا". 
سوسن: ضرورة لفش الخلق، وقتل الوقت بسعادة في بلد يفتقر إلى معظم الخدمات الضرورية، الحرب أخذت كل شيء، ولم تبقِ لنا سوى النارجيلة

وتؤكد أنها تعرف أضرارها على الصحة، لكنها لا تراها عادة سيئة ضمن الظروف الحالية، فقد استطاعت خلق حالة اجتماعية ضرورية "لفش الخلق"، وقتل الوقت بسعادة، في بلد يفتقر إلى معظم الخدمات الضرورية للحياة على حد تعبيرها، كما جمعتها بصديقات لها في المقهى لتبادل الهموم التي تعاني منها السوريات المتعلمات على وجه الخصوص، تقول: "الحرب أخذت منا كل شيء، ولم تبقِ لنا سوى النارجيلة".

"دخانها هو أوكسجيني"

أما آمال (33 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال، وتعيش في بيت أهل زوجها، فتقول: "لا أدخن النارجيلة في المنزل، فعالمي في هذا البيت مكون من غرفة واحدة ولا تتسع لاستقبال الصديقات. زوجي سافر للعمل في ليبيا لإعالتنا، وأنا أذهب إلى المقهى أو إلى الحديقة العامة مع صديقاتي للهرب من مطالب الأولاد، وتدخل أهل زوجي في شؤوني الخاصة".
تقول آمال إن لكلّ واحدة من صديقاتها قصة مختلفة لكنهن يلتقين في المعاناة اليومية، "لا كهرباء في منازلنا، لا تدفئة في الشتاء، لا مكيفات في أيام الصيف الحارة، الغلاء يجعلنا نشهق ولا نلحق كما يقال، النارجيلة تعطي لقاءاتنا شرعية، أنا شغوفة بها جداً، فهي تعطيني بعض الأوكسجين النفسي الضروري للمتابعة". 

تناقضات الواقع السوري  

يدير نذير (30 عاماً) وخطيبته مقهى في إحدى المدن الصغيرة في سوريا منذ أربعة أعوام، بانتظار فرصة سفر إلى الخارج، يقول: "أعرف معظم زبائني، منهم أفراد العائلات الذين يأتون معاً لإحياء ذكرى عزيزة عليهم، وهناك شباب وصبايا يأتون معاً للقاء غرامي أو للتعارف أو لأي شيء آخر، المقهى مشروع تجاري بحت، وهمنا هو خدمة الزبائن فقط، الرواد المدمنين على النارجيلة بالأساس من النساء والطلاب، بدءاً من المرحلة الثانوية".
الكلفة المادية لأربع ناراجيل تعادل نصف راتب موظف، وسؤال كيف يتدبر هؤلاء هذه الكلفة العالية نظراً للظروف الاقتصادية المتردية يظل بلا جواب، ويظل مفتوحاً على التناقض.
آمال: أعيش في غرفة واحدة في بيت أهل زوجي الذي سافر إلى ليبيا ليعيلنا في زمن الحرب، النارجيلة تعطيني الأوكسجين الذي أحتاجه لمتابعة الحياة والهرب من هموم الأولاد والحياة
تناقض آخر تتحدث عنه بثينة (32 عاماً) وهي أرملة حرب كما تصف نفسها وتعمل مرشدة نفسية في ثانوية للبنات، وهي مدمنة نارجيلة برغم أنها تعارض وظيفتها كما تقول، وتضيف: "واجبي التربوي في المدرسة يطالبني بأن أنصح البنات بالابتعاد عنها، ولكن كيف، وهن يشاهدنني والمدرسات الأخريات نتعاطاها في الكفتيريا. هذا التناقض بات ماركة مسجلة لكلّ شرائح المجتمع، طالباتي في المدرسة أيضاً يشبهننا، يخادعن أنفسهن وصحبتهن والموت السريري مثلنا تماماً، ومثلنا يبحثن عن فسحة صغيرة للذة خادعة وعابرة، ومثلما نهرب نحن من مسؤولياتنا البيتية الأكبر من طاقتنا الإنسانية والمادية، يهربن هن مِنْ المستقبل الغامض الذي ينتظرهن على أبواب كلّ مرحلة من مراحل التحصيل العلمي الذي يسعين جاهدات لتحقيقه. سأكون صريحة، عندما أرى طالبة ثانوية أو جامعية تجالس شاباً في الكفتيريا أفرح مِنْ كلّ قلبي، اشعر أن للأمل بقية".
بينما تقول سعاد (25 عاماً) المتطوعة في فريق للدعم النفس في مؤسسة غير ربحية تابعة: "الأحاديث التي تدور بين النساء أثناء النارجيلة خاضعة باستمرار للاهتمامات الشخصية والعامة، والثقافية أيضاً. هذا يفرضه التحصيل العلمي في أكثر الأحيان". 

ليست ظاهرة جديدة

يعارض الباحث في الفولكور الشعبي محمد عبد العزيز كون النارجيلة طارئة على المجتمع السوري، فقد رافقت جلسات السمر، للطبقات العليا في المجتمع، مذ كانت المدن الرئيسية في البلاد ولايات عثمانية، وكانت واحداً من الرموز المعبرة عن نزعة التفوق السلطوية، الاعتبارية، المالية، الذكورية المراد إظهارها للعلن أمام الجلساء الآخرين، وبطقوس شتى تفرضها الحالة الآنية.
خرجت النارجيلة من كونها أحد رموز السلطة الذكورية والمالية قديماً إلى المقاهي الشبابية والجلسات النسائية العلنية اليوم
يقول: "عادة، يكون المشرفون على الخدمة من الرعايا الخاضعين لسلطة الجلساء، أما إذا كانت الجلسة مقتصرة على أفراد الأسرة الضيقة فإن الزوجة- المرأة المطيعة- هي من تقوم برعاية هذا الطقس، وفي بعض الأحيان وعند غياب الأولاد، كانت الزوجة تشارك زوجها في التدخين، وهذا لا ينفي بأن للعجائز مِنْ نساء الطبقات العليا في المجتمع، الحق بإقامة تلك الطقوس فيما بينهن، بعيداً عن جلسات الرجال.
ويوضح أن هذه العادة استمرت محصورة طبقياً إلى ما بعد منتصف القرن العشرين، إذ بدأت تنتقل إلى طبقة البيروقراطية الصاعدة، عن طريق المقاهي التقليدية ذات الطابع الذكوري مع بدايات الألفية الثالثة للميلاد، وانتشرت بقوة مع انتشار المقاهي والـ"كفتيريا" الشبابية على نطاق واسع في مراكز المحافظات التي يقصدها الوافدون لا سيما الشباب للعمل أو للدراسة كدمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، وطرطوس.
لاحقاً، انتقلت ظاهرة الـ"كفتيريا" الشبابية إلى المدن الداخلية ذات الطابع الريفي، والأكثر انفتاحاً على الاختلاط بين الجنسين، كمصياف، وسلمية، والسقيلبيه ووادي النصارى ومناطق الاصطياف الساحلية التي لا تمانع مِنْ إشراك النساء في طقس النارجيلة العلني، مع بعض التحفظ الخجول على تعميمها في البدايات، ليستمر الخط البياني المؤنث هذا بالتصاعد تماشياً مع الخطوات الزمنية لانحسار وطأة الحرب الساخنة في المناطق الواقعة تحت سلطة الدولة، وتلاشي الطبقة الوسطى بشكل قهري في تلك المناطق، وتضاؤل عدد الذكور بسبب التجنيد والموت والهجرة الخارجية ليصل مداه الأقصى، في الربع الأول من العقد الثالث للقرن الجديد.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image