شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق... هل العراق بخير؟

في الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق... هل العراق بخير؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 26 مارس 202301:21 م

مرّت قبل أيام الذكرى العشرون لغزو العراق (20 آذار/مارس 2003). المستفيدون منها سمّوها "تحريراً مباركاً"، أمّا الغالبية العظمى من الناس فقد عدّوها احتلالاً بشعاً مخالفاً للقانون الدولي، جرى من دون غطاء أو موافقة من الأمم المتحدة، وكانت نتائجه تدمير العراق ونهب ثرواته. وما بين هذا وذاك، وُلِد جيل كامل من العراقيين، لا يعرف صدام حسين. جيل قرأ عنه في الكتب ولكنّه لا يذكره، فهناك ملايين من الشباب العراقيين وُلدوا بعد سقوط حكمه.

يُقسَّم تاريخ العراق الحديث عادةً إلى ثلاث حقب: العهد الملكي (1921-1958)، الجمهورية العراقية (1958-1979)، وعهد صدام حسين (1979-2003). بعدها يظهر خلاف واضح في تحديد مرحلة الغزو: هل انتهت مع بدء انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 أم يوم أعلن الرئيس جورج بوش الابن وقف العمليات القتالية في 1 أيار/مايو 2003؟ البعض يرى أن الحرب ما زالت مستمرةً حتى اليوم -وكذلك الاحتلال- ويقول آخرون إن "الغزو" لا يزال قائماً، لكن "الحرب" توقفت يوم سقوط تمثال صدام في ساحة الفردوس في 9 نيسان/أبريل 2003، بعد رفع العلم الأمريكي فوق رأسه ثم رميه على الأرض.

بشهادة معظم المؤرخين والمعاصرين، فإن حرب العراق كانت من أكثر الحروب الإشكالية في القرن العشرين، لأنها جاءت من دون تفويض أممي وبُنيت على أوهام وأكاذيب نسجتها إدارة الرئيس بوش منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. تقرر غزو العراق من يومها، وبدأ التحضير له عبر القول بأن صدام حسين كان متحالفاً مع تنظيم القاعدة، وأنه يملك أسلحة دمار شامل تهدد أمن العالم بأسره واستقرارَه. وفي كانون الثاني/يناير 2002، عدّ بوش العراقَ ركناً من أركان "محور الشر"، قبل أن يطالب المجتمع الدولي رسمياً بمعاقبته في أثناء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2002.

بشهادة معظم المؤرخين إن حرب العراق كانت من أكثر الحروب الإشكالية في القرن العشرين، لأنها جاءت من دون تفويض أممي وبُنيت على أوهام وأكاذيب نسجتها إدارة الرئيس بوش منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 

وجاء القرار الأممي 1441، الذي نصّ على جولة تفتيش جديدة في العراق، وطالب بفتح القصور الرئاسية أمام المفتشين الدوليين، من الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية. قال المفتش الدولي هانس بلكس، يومها، إنه لم يعثر على أسلحة دمار شامل ولا ما شابهها، ولكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية الأميركي كولين بأول، من الوقوف أمام الأمم المتحدة في شباط/ فبراير 2003، وتقديم شرح كاذب عن أسلحة صدام، وقد جُمعت معلوماته وأدلّته عن طريق معارضين عراقيين مقيمين في العراق، هدفهم الوحيد إسقاط النظام والجلوس مكانه. خرجت مظاهرات ضخمة في معظم مدن العالم وعواصمه، ومنها العاصمة الأمريكية واشنطن، منددةً بالحرب ومطالبةً بعدم شنّ أي هجوم على العراق، ولكن جورج بوش مضى في مشروعه مدعوماً من حلفائه الإنكليز والأستراليين والبولنديين.

بدأت الحرب من الجو في 19 آذار/مارس 2003، قبل انطلاق العمليات البرية. سقطت بغداد بسهولة ومعها التمثال وصاحبه، ولم يُعثر يومها لا على صدام ولا على أي سلاح دمار شامل. دخل العراق في دوامة عنف شديد، تحولت إلى حرب طائفية خلال عامي 2006و2007، في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. ظهرت "فرق الموت" في شوارع المدن العراقية، وبدأت سلسلة من التصفيات ضد معارضي العهد من الشيعة، مع اغتيالات موجهة ضد آلاف الشخصيات السنّية، وكانت تهمتهم الوحيدة أنهم أنجبوا صدام حسين.

حوكم البعض محاكمةً صوريةً قبل تنفيذ "حكم" الإعدام، وقُتل كثيرون بدم بارد، من دون أي محاكمة. جاء ذلك مع سياسة "اجتثاث البعث" التي قادها الحاكم الأمريكي بول بريمر، فتم حرث قبر المؤسس ميشيل عفلق وتدمير منزله، مع اعتقال عدد كبير من ضباط صدام ووزرائه، لتتم محاكمتهم وإعدامهم تباعاً. وحده وزير الإعلام محمد سعيد الصحّاف نجا من الاعتقال، وهو الذي حقق شهرةً واسعةً في الأسابيع التي سبقت الغزو، عندما نعت الأمريكيين بالعلوج وهددهم قائلاً: "سينتحرون على أسوار بغداد".

صدام نفسه عُثر عليه مختبئاً في حالة يُرثى لها، وقد تم إعدامه شنقاً في صبيحة عيد الأضحى نهاية العام 2006. وفي مشهد الإعدام الذي بُثّ على الهواء مباشرةً، ظهر أشخاص يرتدون أقنعةً سوداء، ويرددون اسم "مقتدى" قبل وضع حبل المشنقة حول رقبة صدام، في إشارة إلى زعيمهم مقتدى الصدر (علماً بأن هذه المهمة كان من المفترض أن تتم على يد موظفين معتمدين من وزارة العدل العراقية لا ميليشيات جيش المهديّ).

هل العراق أفضل اليوم مما كان عليه في عهد صدام؟ هل العراق أصبح فعلاً بلداً ديمقراطياً تسود فيه حياة برلمانية سليمة وتعلو فيه المحاسبة والقوانين؟

أما عن الناجين من أعواد المشانق من البعثيين العراقيين، فقد انتقل كثيرون منهم إلى العمل السرّي بقيادة نائب الرئيس السابق عزّت إبراهيم الدوري، وشكلوا نواة "مقاومة سنّية مسلّحة"، تحولت بسرعة إلى تنظيم داعش الذي أعلن عن خلافة أبو بكر البغدادي من أحد مساجد الموصل سنة 2014. انتقل العراق بعد ذلك من ديكتاتورية صدام إلى ديكتاتورية البغدادي، بعد سقوط الموصل وتكريت وغيرهما من المدن العراقية بيد التنظيم، وبدأنا نرى مشاهد ضرب الأعناق وقطع الرؤوس تحت راية داعش السوداء.

هل العراق بخير؟

كنا نعتقد أن مذبحة قصر الرحاب سنة 1958، التي أودت بحياة الملك الشاب فيصل الثاني وكل أفراد أسرته، هي أبشع فصول التاريخ العربي المعاصر. كنا نظن أن سحل رئيس الوزراء نوري السعيد، فيه عنف ليس بعده عنف، وكذلك شنق جثة الوصي الأمير عبد الإله أو مقتل عبد الكريم قاسم وعرض جثته على شاشة التلفزيون. فتبيّن أننا مخطئون، وأن تاريخ العراق سيشهد فصولاً أكثر عنفاً ودمويةً عن كل ما سبق. البعض يرى أن صدام وحده هو المسؤول الأول عن كل هذا العنف، لأنه أسس نظاماً قائماً على الخوف والرعب والعنف المفرط، وأنه يتحمل مسؤولية مقتل آلاف الأبرياء، من الكرد والشيعة والسنّة أيضاً، من رفاقه قبل أعدائه. وهنا لا تقلّ مسؤولية جورج بوش أبداً، ولا طوني بلير، فكلاهما قَتل أبرياء بالجملة، وكلاهما دمّر وأحرق وفتك من دون أي مبرر ومن دون أي سند أخلاقي أو قانوني. وهنا يأتي السؤال: هل العراق أفضل اليوم مما كان عليه في عهد صدام؟ هل العراق أصبح فعلاً بلداً ديمقراطياً تسود فيه حياة برلمانية سليمة وتعلو فيه المحاسبة والقوانين؟

في صيف 2022، حدثت مواجهة بين أنصار مقتدى الصدر وخصومهم من الإطار التنسيقي، كان سببها خلاف سياسي حول من يتحكم بغالبية مقاعد المجلس النيابي بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021. اقتحم الصدريون مبنى البرلمان، وقاموا باحتلال المجلس. بُثّت صور من داخله لأشخاص يلعبون الورق في أروقة البرلمان، أو يدخّنون النراجيل ويرقصون احتفالاً بهذا "الإنجاز". حولوا السلطة التشريعية في البلاد إلى سيرك، وهي الأقدس بين مؤسسات أي دولة ديمقراطية، بدلاً من حمايتها وصونها من العبث والأذى.

كانت سلطة البرلمان حتى ذلك التاريخ هي أكبر دليل على الحالة "الديمقراطية" التي جاءت بعد "ديكتاتورية" صدام، ولكن تبيّن أن الكثير من الأطراف التي ظهرت من بعده لم تكن تقيم لهذه المؤسسات أي قيمة أو وزن. إذاً، لا الديمقراطية بخير في الذكرى العشرين للغزو، ولا العراق بخير. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image