شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
20 عاماً على غزو العراق… هل ما زال أهل تكريت يدفعون فاتورة حكم صدام حسين؟

20 عاماً على غزو العراق… هل ما زال أهل تكريت يدفعون فاتورة حكم صدام حسين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 14 مارس 202303:29 م

عشرون عاماً مضت على إسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في أعقاب الغزو الأمريكي لبلاده عام 2003، وما تزال الخلافات قائمةً في مسقط رأسه تكريت (180 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد)، حيث يشعر بعض السكان السُنّة بأنهم يحملون ظلماً إرث حكمه الديكتاتوري إلى الآن.

على مدار سنوات حكمه، أنشأ صدّام حسين عشرات القصور والمجمعات الفخمة (ما لا يقل عن 166 قصراً)، التي تحمل أحرف اسمه الأولى (ص.ح.)، والتي قُصفت ثم نُهبت ودُمرت إبّان الغزو الأمريكي، وباتت غالبيتها مهجورةً ومدمّرةً، فيما تحول عدد قليل منها إلى مقار أمنية وحكومية أو منشآت مدنية، علماً أن البيروقراطية وضخامة هذه القصور وحاجتها إلى الكثير من الأموال لإعادة تأهيلها حالت دون الاستفادة من الكثير منها.

على ضفاف نهر دجلة في تكريت، أسس صدام حسين ثاني أكبر مجمع رئاسي بعد بغداد، ويضمّ أكثر من 30 قصراً دُمّر معظمها في أثناء الغزو الأمريكي، ولاحقاً في أثناء المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي.

فور سيطرتهم على البلاد، دوَّن الجنود الأمريكيون تاريخ وصولهم إلى العراق عام 2003، على جدران قصور صدام حسين نصف المدمرة في تكريت. وبعد عقد من الزمان، حفر تنظيم داعش مقابر جماعيةً في التلال القريبة منها، وفجّر جزءاً من المجمع الرئاسي.

برغم أن صدام أُعدم عام 2006، إلا أن بعض أفراد المجتمع السنّي في تكريت يشعرون بأنهم ما زالوا يدفعون ثمن حكمه الوحشي

بموازاة هذا الجانب المادي الواضح لبقايا نظام صدام البائد، هناك جانب أقل وضوحاً بكثير يتمثّل في الانقسامات المستمرة إزاء مسقط رأسه، مدينة تكريت، وتحديداً قرية العوجة، هذه المدينة التي شكّلت مركز قوة خلال حكم صدام، في ظل تضاؤل احتمالات "المصالحة" نتيجة جرائم نظامه بسبب موجات العنف المتكررة التي شهدتها البلاد منذ ذلك الحين، والتي أعادت مراراً وتكراراً فتح الجراح القديمة وإطالة أمد الصراع.

برغم أن صدام أُعدم عام 2006، إلا أن بعض أفراد المجتمع السنّي في تكريت يشعرون بأنهم ما زالوا يدفعون ثمن حكمه الوحشي، وفق ما روى عدد منهم لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

أشارت الصحيفة، في تقرير نُشر الثلاثاء 14 آذار/ مارس 2023، إلى أن "الحكومات العراقية المتعاقبة تستمر في إنزال العقوبات بأولئك الذين ارتبطوا بصلات مع النظام السابق كجزء من عملية العدالة والمساءلة التي يعتقد كثيرون أنها لم تعد مفيدةً، لكن قلة تجرؤ على معارضتها علناً"، متابعةً بأن الاعتراض علناً على تلك العملية يُعدّ "مجازفةً" لاحتمال "إصدار لائحة اتهام بموجب القوانين الصارمة التي تحظر حزب البعث وأي شيء يمكن عدّه ترويجاً له".

لم يكن الغزو الأمريكي وإسقاط صدام السببان الوحيدان في ما يعانيه هؤلاء السكان، إذ تعمّقت الانقسامات عندما استولى "داعش" على مساحات شاسعة من شمال العراق عام 2014، وتسببت الحرب ضد التنظيم المتطرف في إحداث شرخ في المجتمع وتغيُّر التركيبة السكانية وهياكل السلطة بشكل لا رجعة فيه. وبقيت الجماعات شبه العسكرية الشيعية التي ساعدت في هزيمة التنظيم الإرهابي بالتعاون مع القوات القبلية المحلية في تكريت واحتفظت بالسيطرة على مواقع إستراتيجية وأخرى رمزية مثل قصر صدام ومحل ولادته.

في غضون ذلك، تعيش القبيلة التي يتحدر منها صدام، أي قبيلة "بو ناصر"، على هامش المجتمع، يكافح أفرادها من أجل الترشح في الانتخابات والحصول على المناصب الحكومية واستعادة أراضيهم وممتلكاتهم.

في إحدى الأمسيات الشتوية الأخيرة، تجمّع البعض منهم في ضواحي تكريت، وتبادلوا قصصهم حول ما يعدّونه "عقاباً جماعياً" على صلتهم بالنظام البائد، والمزاعم الحديثة حول دعمهم لتنظيم داعش، ودورهم المختلَف عليه في مذبحة من تنظيم داعش لعشرات الطلاب الشيعة.

في تصريح للغارديان، قال زعيم قبيلة البو ناصر، الشيخ خالد أمين، والتي يناهز تعداد أفرادها 40 ألف نسمة، إن "الطريقة التي تعاملوا (الحكومات العراقية) بها مع أهالي تكريت وقبيلة البو ناصر كانت قاسيةً"، مستدركاً: "20 عاماً مرت. الأشخاص غير المطلوبين للسلطات، ينبغي أن يُسمح لهم بالاندماج في المجتمع".

حاول الشيخ خالد، الذي كان عضواً برلمانياً قبل عام 2003، المشاركة مرةً أخرى في العملية السياسية، فقدّم أوراقه للترشح في الانتخابات النيابية لعام 2021. لكن، وعلى الرغم من تقديمه خطاب تبرئة من أي مخالفة من قبل "الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة"، وهو من مسوغات الترشُّح، أبلغته مفوضية الانتخابات أنه غير مؤهل للترشح بوصفه "بعثياً"، على حد قوله.

امتيازات صدام لأهل تكريت تحولت إلى "نقمة"؟

خلال حكمه الذي امتد طوال 35 عاماً، منح صدّام سكان مدينته امتيازات عديدةً، بما في ذلك الوصول إلى المناصب الحكومية. علماً أن المراتب العليا في أجهزته الأمنية كانت تعجّ بأقاربه وأفراد قبيلته المقربين.

بعد 20 عاماً على إسقاط صدام حسين... أهالي تكريت يشكون تحوّل "اجتثاث البعث"، إلى "فعل انتقامي" لا إلى تحقيق "العدالة". هل استحالت الامتيازات التي منحها صدام لمسقط رأسه نقمةً؟ 

بعد إسقاط صدام، أطلقت الحكومة التي تشكّلت آنذاك والتي كان يقودها الشيعة، عملية "اجتثاث البعث" (أُعيدت تسميتها لاحقاً بـ"العدالة والمساءلة")، لتطهير المؤسسات العراقية من الموالين للنظام القديم. وخضع صدام وبعض مساعديه لمحاكمات، وأُعدم هو وآخرون. كما فُصلت مئات الآلاف من موظفي الحكومة الذين كانوا أعضاء في حزب البعث أو أُجبروا على التقاعد المبكر.

لكن بعد مرور عقدين من الزمن، بدأ كثيرون يتساءلون عما إذا كان "اجتثاث البعث" فعلاً انتقامياً أكثر منه تحقيقاً لـ"العدالة". قال مسؤول حكومي رفيع للغارديان مفضِّلاً عدم ذكر اسمه: "لنكن صادقين، كان معظم العراقيين أعضاء في حزب البعث في ذلك الوقت (إبّان حكم صدام)"، مضيفاً أن الوصول إلى التعليم والحصول على فرص العمل كانا مشروطين بالولاء للحزب.

وأردف المسؤول البارز: "كان ينبغي على الحكومة أن تشكّل لجنةً لمحاكمة أولئك الذين ارتكبوا جرائم بالفعل. لكن الكثيرين منهم لم تتم محاسبتهم".

تمكّن بعض أعضاء حزب البعث السابقين من إعادة تنظيم وضعهم مع الحكومات الجديدة، واستعادة موطئ قدم فيها، بينما وجد آخرون ارتكبوا جرائم ملاذاً في كردستان العراق وحمتهم حكومة الإقليم شبه المستقلة من الملاحقة القضائية.

لكن في بقية أنحاء العراق، يمضي "اجتثاث البعث" قدماً، على الرغم من تزايد المخاوف في شأن استحالته "أداةً للابتزاز السياسي وإثراء الذات"، إذ يستخدمه سياسيون، شيعة وسنّة، لاستبعاد خصومهم السياسيين وابتزازهم. في حين أن أولئك الذين لديهم الوسائل المالية اللازمة يمكنهم بسهولة شراء براءتهم، وفق الغارديان.

في وقت سابق من العام الجاري، أُحيل موظفون بالعشرات في جامعة تكريت إلى التقاعد كجزء من أحدث عمليات الـ"تطهير". قال موظف سابق في الجامعة أُجبر على ترك عمله في عام 2020، بسبب عمله كموظف استقبال في أحد أجهزة صدام الأمنية السيئة السمعة: "الجميع يرون أن ذلك ظلم، لكن لا أحد يجرؤ على التحدث عنه". وأفاد الرجل بأن بعض زملائه المقتدرين مالياً تمكنوا من إعادة شراء وظائفهم.

في وقت سابق من العام الجاري، أُحيل موظفون بالعشرات في جامعة تكريت إلى التقاعد كجزء من أحدث عمليات الـ"تطهير"

وشرح المسؤول الحكومي: "إنهم يوكِّلون محامياً مقابل 15 ألف دولار، وااأخير يقوم بدوره بدفع بعض المبالغ ‘للأشخاص المناسبين‘... أصبحت عملية العدالة والمساءلة باباً للفساد".

هل يُسمح بإعادة اندماج "البو ناصر"؟

وافق التحالف السياسي الذي قاد رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، إلى الحكم في العام الماضي، بالفعل على إلغاء ‘هيئة العدالة والمحاسبة‘، وإحالة القضايا الجنائية العالقة إلى المحاكم العادية. لكن تنفيذ هكذا قرار يتطلب تصويتاً في البرلمان وأكثر من ذلك يحتاج إلى موقف قوي لحسم قضية محفوفة بالمخاطر قد تؤدي إلى سقوط أي سياسي يتصدى لها.

وجعلت الحرب مع داعش "طي الصفحة" أكثر صعوبةً، إذ انضم العديد من كبار البعثيين إلى التنظيم الإرهابي في محاولة لاستعادة السلطة قبل أن يُقتلوا. ويبقى دور "البو ناصر" في ما يُعرف بـ"مذبحة كامب سبايكر"، حين أعدم مقاتلو داعش نحو 1،700 من الطلاب الشيعة في أكاديمية سلاح الجو العراقي في معسكر سبايكر بالقرب من قصر صدام في تكريت فور سيطرتهم على المدينة عام 2015 "نقطة خلاف شديد".

بينما أُلقيت بعض الجثث في مياه نهر دجلة والبقية في مقابر جماعية، جرى تحويل موقع المذبحة إلى نصب تذكاري مؤقت تسيطر عليه راهناً قوات الحشد الشعبي الشيعية. وبينما تُتهم قبيلة البو ناصر بأنها ساعدت داعش للانتقام من إسقاط نظام صدام، يجادل زعماء القبيلة بأن تقبّلهم والسماح باندماجهم في المجتمع مرةً أخرى ضروري لتفادي تكرار أحد أبرز أخطاء الماضي؛ إقصاء الآخر.

قال نائب قائد اللواء السادس للحشد الشعبي المعروف باسم كتائب جند الإمام، أحمد حسن: "كان أفراد البو ناصر يعدّون العراق ملكاً لهم. بعد أن فقدوا السلطة، عدّوا كل من شاركوا في الحكومة الجديدة خائنين. كانوا المشاركين الرئيسيين في المجزرة".

في المقابل، يرى بعض السكان المحليين أن مثل هذه التصريحات "تطيل أمد الصراع دون داعٍ"، وأنها تعكس لوم أهل تكريت ظلماً على جريمة ارتكبها تنظيم إرهابي على أراضيهم. من هؤلاء نائب محافظ محافظة صلاح الدين التي تُعدّ تكريت مركزها، عمار البلداوي، الذي قال إن "ما حدث في سبايكر نفّذه تنظيم إرهابي. نسبة هذه الواقعة إلى قبيلة واحدة هو تشويه للواقع".

"الطريقة التي تعاملوا بها معنا كانت قاسيةً. 20 عاماً مرّت. الأشخاص غير المطلوبين للسلطات، ينبغي أن يُسمح لهم بالاندماج في المجتمع"... هل يتعرض سكان مسقط رأس صدام حسين لـ"عقاب جماعي"؟ 

في الأثناء، يظل قرار السماح بعودة البو ناصر إلى قرية العوجة، مسقط رأس صدام، محل إثارة للجدل. يقال إن القرية حالياً "مدينة أشباح" تخضع لسيطرة قوات الحشد الشعبي، ويتّهم سكانها السابقون هذه الميليشيات الشيعية بالاستيلاء على أراضيهم.

طلبت السلطات المحلية لتكريت و"البو ناصر" مراراً وتكراراً من الحكومة العراقية السماح لمن لم يُدانوا بتهم جنائية باستعادة أراضيهم وممتلكاتهم في العوجة. كانت آخر هذه المناشدات في أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي لتكريت، في كانون الأول/ ديسمبر 2022. قوبلت الطلبات في كل مرة بالرفض أو التجاهل.

قال البلداوي في هذا الصدد: "نريد إغلاق هذا الملف بشكل نهائي". أما الشيخ خالد، زعيم "البو ناصر"، فقد طالب رئيس الحكومة العراقية بالإدلاء بتصريح علني لتبرئة اسم القبيلة. استمع السوداني للطلبات باهتمام وأخذ ملاحظات، ولا يزال أهالي تكريت ينتظرون ردّه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image