عرفت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، خلال الفترة الماضية، أخذاً وردّاً بين محمد الفايد الذي يقدّم نفسه على أنه خبير في التغذية، وفقهاء، عقب جدل أثير حول فيديو قديم له يؤكد فيه "دخول العلماء غير المسلمين الجنّة"، وأن "دخول توماس أديسون النار سيكون ظلماً في حقه".
وهذا ما دفع بـ"رابطة علماء المغرب العربي"، ومقرّها جنيف، للردّ عليه في بيان "استنكرت فيه قوله". هذا الجدل بين الرجل الذي أصبح نجماً من نجوم الشبكات الاجتماعية، وبين فقهاء، ليس سوى مشهد من مشاهد تطاوله على مجالات مختلفة، فهو يقدّم نفسه في جُبَّة "العالم" الذي يفهم في الدين والحياة وكل الأمراض.
هنا نتساءل كيف تمكّن الرجل من التحوّل إلى "أشهر خبير في التغذية"، وتمكّن من إقناع ما يزيد عن مليوني مشترك في قناته على يوتيوب، بأمور تتنافى مع الطب والعلم؟ وكيف أصبح الفايد بائع الأوهام ومرجع الجدّة المسنّة والأب المريض بالسكري، والأم التي تعاني من الروماتيزم، والجار الذي يعاني من ضيق التنفس، ضاربين نصائح وإرشادات الأطباء بعرض الحائط؟
"متشدّد" يتطاول على الأطباء
في الواقع، هو أيضاً يتعرض لانتقادات شديدة، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها تصريحاته الجدل، وكثيراً ما يذكّره منتقدوه بأن دراساته في المغرب وخارجه في مجال الصناعات الغذائية، لا تعني أنه طبيب كما قد توحي بذلك كلمة "الدكتور"، التي ترافق اسمه كلّما قدّم نفسه وهو يتحدث في مجال الصحة.
برغم ذلك، سبق أن دعا الفايد، مرضى السكّري إلى الصيام خلافاً لتحذيرات الأطباء من خطورة الأمر. ناهيك عن تصريحاته أيضاً بخصوص داء كورونا وعلاجه بالقرنفل، وابتعاده عن أهم فكرة في مجال الطب، وهي أن كل حالة مرضية تستدعي فحوصات مخبريةً لمعرفة المرض ومدى خطورته بشكل دقيق قبل وصف العلاج أو الحمية التي يجب اتّباعها.
كيف تمكّن محمد الفايد من التحوّل إلى "أشهر خبير في التغذية"، وتمكّن من إقناع ما يزيد عن مليوني مشترك في قناته على يوتيوب، بأمور تتنافى مع الطب والعلم؟
لا يقتصر الفايد في فيديوهاته على مجال يزعم "تخصّصه" فيه، بل يتجاوزه إلى الحديث عن ثقافة الغرب لتقديم مواقف متشددة من قبيل "ضرورة الانتباه إلى ألعاب الأطفال والأدوات المدرسية التي تروّج للمثلية"، و"خطورتها على تربية الأبناء وفساد أخلاقهم".
نيران الفايد العشوائية وصلت إلى درجة أن قدّم أحد الأطباء شكوى لدى السلطات ضده، بعد "تطاول الفايد على مهنة الطب وتحريض الناس على عدم التوجه إلى الطبيب في حالة المرض"، كما نظم البعض حملات توقيع لمتابعته بتهمة انتحال صفة طبيب وتهديد حياة الآخرين.
في المقابل، لا يتردد الرجل في محاولة تسفيه منتقديه، ويصل به الأمر إلى رفع دعاوى قضائية لإسكاتهم، كلما دعوه إلى احترام مجالات ليست من اختصاصه.
"خبير في كلّ الأمراض"!
تحكي سهام لرصيف22، عن معاناتها مع أمها المريضة بالسّكري بسبب توجيهات الفايد. تقول: لم تعد أمي تصدّق كلام أيّ من أبنائها برغم مستوياتنا الدراسية المتقدمة، وتضرب نصائح طبيبها بعرض الحائط.
"أصبحت أمي كالطفل العنيد الذي لا يأخذ بكلام أيّ كان بسبب نصائح محمد الفايد بخصوص السكّري"
تضيف: "تصرّ والدتي على صيام بعض الأيام من شهر رمضان، برغم خطورة الأمر على صحتها، ومحاولاتنا اليائسة في إقناعها".
تصف سهام وضعيتها الحالية بالصعبة، وتقول: "أصبحت أمي كالطفل العنيد الذي لا يأخذ بكلام أيّ كان. أحاول الاتصال بها أكثر من خمس مرات في اليوم، لأعرف هل أخذت دواءها وهل هي بصحة جيدة، ويزداد قلقي كلما اقترب شهر رمضان. نحرص أنا وإخوتي على أن يبقى معها أحد بالبيت ليراقبها إذا صامت وانخفض مستوى السكّر في دمها، برغم انشغالات كل منا في عمله وأبنائه".
تختم المرأة الشابة حديثها، قائلةً: "بالفعل يمكن للفايد أن يقتصر على تقديم نصائح في التغذية الإيجابية، فبفضل بعض توجيهاته أصبحت أمي تتناول منتوجات من الزراعات العضوية، وابتعدت بشكل نهائي عن تناول المنتوجات المعلّبة والذهنية والسكّرية. لا ننكر له هذا لكن المشكلة أنه يتطاول على تخصّصات غيره، ويتسبب في مشكلات صحية وعائلية لمتابعيه".
"يحدّث الناس بلُغتهم"
يحرص الفايد، الذي امتدت شهرته إلى دول مغاربية أخرى، على التعبير في فيديوهاته بلغة بسيطة أقرب إلى لهجة الطبقات الشعبية، ويستند إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فيسهّل عليه استخدام لغة الدين، الوصول إلى فئة عريضة من الجماهير وإقناعها بسهولة باستخدام أعشاب معيّنة أو الامتناع عن أمر معيّن.
كما يعمد إلى تقديم بعض المواضيع بالفرنسية والإنكليزية، كما حاول العثور على مترجم لما يقوله إلى الأمازيغية بتنويعاتها الثلاثة الريفية، والسوسية والأطلسيّة، لأن له جماهير كبيرةً في تلك المناطق، وتصله أسئلة كثيرة من ساكنتها.
من أسرار نجاح الفايد، الذي امتدت شهرته إلى دول مغاربية أخرى، أنه يحرص على التعبير في فيديوهاته بلغة بسيطة أقرب إلى لهجة الطبقات الشعبية
ليس الفايد وحده من يحظى بهذه الشعبية الكبيرة، ولو أن كل الأصوات مسلطة عليه، بل هناك "أخصائيو تغذية" آخرون، لم يتابع بعضهم دراسات معمّقةً في مجال التغذية، يحظون بالاهتمام نفسه، وتُفتح لهم أبواب بعض الإذاعات الخاصة، وتُخصّص لهم برامج تحصد أعلى نسب مشاهدة، بل تجد في أبواب بعض الإذاعات صفاً طويلاً من المتابعين ينتظرون "الأخصّائي" لعرض حالاتهم المرضية والأخذ بإرشاداته، أو شراء بعض المنتوجات شبه الطبية من عنده.
في كل بيت قصة
تؤكد خديجة لرصيف22، أن المغاربة يقتنعون بنصائح غير الأطباء، كبائع الأعشاب في الحي، والمتطفلين على المجال الطبي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما حدث مع والدها الذي كان يعاني من تضخم في البروستات، وبرغم إصرارها على زيارته الطبيب إلا أنه كان يرفض الأمر ويلجأ إلى استعمال الأعشاب.
تقول خديجة: "لا أجني من عملي سوى القليل من المال، إلا أن صحة والدي كانت الأهم لدي. وعدت أبي بأن أتكلف بمصاريف علاجه ليكشف عن المرض الذي يعاني منه، لكن أبي كان يماطل كما العادة، ويلجأ إلى عَشَّابِ السوق، بعد أن فشلت 'الوصفة العلاجية' التي نشرها أحد المتطفلين على المجال على اليوتيوب".
تضيف أن وضع والدها استمر على هذا الحال لمدة سنة كاملة، بعدها تضاعف الألم والأعراض، وكانت مصرةً على مرافقته لزيارة طبيب متخصص في المسالك البولية، اكتشف أنه يعاني من تضخم في البروستات، ووصف له دواءً خاصّاً بحالته.
تصف خديجة حالة والدها، بأنها في تحسن ملحوظ بعدما تخلّى عن متابعة بعض الصفحات على فيسبوك والقنوات على يوتيوب، وكان منتظماً في أخذ أدويته وعلاجاته اللازمة، وبخصوص تغيّر قناعة والدها، تؤكد أنه أصبح أكثر قناعةً بأن الطبيب المتخصص أكثر كفاءةً وأدقّ تشخيصاً من غيره للمرض، وأن زيارته ضرورة لتلقّي العلاجات اللازمة.
أمل من الفايد في ظل غياب الأطباء
الباحث في سوسيولوجيا الصحة، عزّ الدين لمريط، يؤكد أنه لا يمكن قياس نسبة اقتناع المغاربة بما يروّج له الفايد بشكل موضوعي إلا ببحث ميداني، ويضيف: "لا أعتقد أن أحداً من الباحثين مهتم بشخصية أخصائي التغذية محمد الفايد، وتأثيرها على المغاربة، غير أنه يمكن استخلاص بعض المؤشرات من خلال ارتفاع نسب المشاهدة على منصته في اليوتيوب".
بخصوص الإرشادات التي يقدّمها "الأخصائي" في التغذية محمد الفايد، حول الصحة النفسية، يقول الباحث في جامعة سيدي محمد بن عبد الله، إن شهاداته الجامعية لا تخوّله الحديث كطبيب نفسي أو حتى في نطاق الأمراض الحادة، أو العضوية، لأن هذه الأخيرة يلزمها تشخيص مباشر من طرف متخصصين في حقل الصحة العامة، ودوره كأخصائي للتغذية هو التوعية بخطورة بعض الأغذية والتربية على التغذية السليمة، كذلك يمكن لتخصصه أن يخوّله وصف حمية غذائية للمرضى في حال تشخيصهم من طرف الطبيب المتخصص.
يؤكد الباحث أن التوعية بضرورة التشخيص المبكر والتزام الوقاية ضرورتان مجتمعيتان يلزمهما تضافر الجهود لنشر هذه الثقافة. مضيفاً أن الهشاشة على جميع الأصعدة التي يعاني منها المجتمع تجعل الأفراد يلجؤون إلى "الطب البديل" وإلى مثل هذه الفيديوهات التي يأملون منها خيراً في ظل عجزهم عن الولوج إلى الخدمات الطبية بسبب كلفتها المرتفعة.
شهاداته الجامعية لا تخوّله الحديث كطبيب نفسي أو حتى في نطاق الأمراض الحادة، أو العضوية، لأن هذه الأخيرة يلزمها تشخيص مباشر من طرف متخصصين
يتابع لمريط قائلاً إن لكل مجتمع نمطاً خاصاً من الثقافة، وهذه الأخيرة قد تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على منظومة الأفكار والممارسات الوقائية والعلاجية، وأي تطور اجتماعي في هذا المجتمع يؤثر في التطور الثقافي لمفهوم الصحة والمرض، مستشهداً بالمجتمعات القديمة التي كانت تعرّف المرض بأنه قوة وروح شريرة تهاجمان الشخص وتسكنان جسمه مسببتين له الألم وربما الموت، أما اليوم فالمرض يُعرّف على أنه حالة من المعاناة، والتعريف العلمي يرى أن المرض هو ألم بيولوجي غير طبيعي أو اضطراب عقلي، بسبب أعراض معينة تظهر على الإنسان، ويتطلب نوعاً معيناً من الرعاية.
يشدد الباحث، "على ضرورة تجاوز تلك التفسيرات الميتافيزيقية للمرض، واللجوء إلى طب حديث يراعي مفهوم الصحة كما هو منصوص عليه في ديباجة منظمة الصحة العالمية، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي إصلاح المنظومة الصحية وتوفير الموارد البشرية والوسائل اللوجستية وتأهيل البنيات التحتية، وتيسير إمكانية الولوج والاستفادة من الخدمات الصحية بشكل يتناسب مع إمكانيات الأفراد المادية ويراعي ظروفهم الاجتماعية".
نصائح هي الحلّ ليتوقفوا عن اللجوء إلى من يقدّمون أنفسهم على أنهم خبراء في مجالات تحتاج إلى الخبرة الدقيقة، مثل الفايد وغيره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع