شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عميد الطب يصم المرضى… أزمة أكبر وراء واقعة الجامعة الأردنيّة

عميد الطب يصم المرضى… أزمة أكبر وراء واقعة الجامعة الأردنيّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 16 ديسمبر 202202:00 م

"وينه المريض النفسي؟ يوقف قبلما أقول اسمه"؛

هذه ليست عبارةً ساخرةً قيلت وسط شجار، وليست عرضاً ساخراً عن الوصمة الاجتماعيّة للمرض النفسيّ، بل تعبير غاضب سمعناه عبر التسجيل لعميد كليّة الطب في إحدى الجامعات الأردنيّة بعد تقديم أحد الطلاب عذراً طبياً نفسيّاً إثر غيابه عن المحاضرات، نتيجة إصابته بنوبة قلق حادة مصاحَبة بنوبات هلع.

العذر الذي كان موقّعاً من الطبيب النفسيّ الذي يراجعه الطالب، لم يُعجب العميد، وهو ما دفعه للسخرية منه أمام أكثر من 250 طالباً في قاعة المحاضرة، والذين استنكروا فعلته، وطالبوه بالتوقف، من دون أن يحاولوا معرفة هوية الطالب.


تسجيل فاضح

مساء يوم الإثنين الماضي، انتشر تسجيلٌ صوتيّ عبر منصات التواصل الاجتماعيّ في الأردن، يوثّق العبارات التي قالها العميد، وذلك بعد أن كتب العميد منشوراً هدد فيه بمحاسبة كل من شهَّر به وأساء إليه، وكان ذلك هو التسجيل الذي رفعه "محمد" أحد الطلاب.

يقول محمد لرصيف22، إنَّ العديد من الطلبة يوثّقون المحاضرات عبر التسجيلات الصوتيّة؛ ليتمكنوا من مراجعتها وكتابتها لاحقاً ويتشاركوها في مجموعات الطلبة؛ لذا لم يكن تسجيل الحادثة متعمداً بل إن أحدهم كان يوثق المحاضرة ووثّق بذلك كلمات العميد.

تروي سما لرصيف22، أنَّ الطلاب لا يعرفون من هو زميلهم المقصود، إلا أنها التقته في صدفةٍ جمعتهما حين تقدمت بأعذار غيابها إلى عمادة الكليّة وكان موجوداً لتقديم عذره، قائلةً: "كنا 8 طلاب، قلنا والله يا جماعة أنا تعبان، مش قادر".

سما، التي كانت في القاعة التي تمت فيها الإساءة إلى الطالب، وكانت شاهدةً على الموقف، تقول إنها لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يعامل بها العميد الطلبة بطريقةٍ سيئة أو يهددهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن جملته الشهيرة بين الطلاب هي: "أوعكم تكتبوا إشي ع الفيسبوك".

وخلال العمل على هذا التقرير، قابلت معدّته 4 طلابٍ آخرين شهدوا ما حدث مع زميلهم، وأكدّوا على محاولة طلاب دفعتهم التخفيف عنه عبر مجموعة الطلبة الخاصة بهم عبر فيسبوك، من خلال كتابة منشوراتٍ تدعم موقفه حتى لو لم يعرفوا من هو. واتفقوا جميعاً على أن التشديد على الحرمان الجامعيّ نتيجة الغياب، دفع العميد إلى إساءة معاملتهم، نافين صوت الضحكات الذي كان في التسجيل الصوتي، إذ إنَّ غالبيتهم اعترضت بـ"لا ما بصير هيك".

 لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يعامل بها العميد الطلبة بطريقةٍ سيئة أو يهددهم، مردداً جملته الشهيرة "أوعكم تكتبوا إشي ع الفيسبوك"

العميد والطلبة

تلك الحادثة دفعت العديد من الطلبة إلى النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "دكتور كلية طب مؤتة"، وانقسم البعض بين مؤيدٍ ومعارضٍ لتصرّف العميد المعروف بأنه ابن إحدى العشائر الأردنيّة.

محمد عنيزات ربط تصرّف العميد بالأخلاق وقال:


وفسّرت شيماء الطراونة موقف المدافعين عنه واتخاذ بعض أبناء العشائر صف العميد بقولها:


التحقيق في الحادثة

رئاسة الجامعة قررت فتح تحقيقٍ في الحادثة لاتخاذ الإجراءات المناسبة، وقال رئيسها الدكتور عرفات عوجان، في تصريحاتٍ صحافيّة إنَّ "الجامعة حريصة على كشف حيثيات الواقعة في ضوء عدم ورود أي شكوى بحق الأستاذ المذكور"، محذراً من الانجرار وراء مواقع التواصل الاجتماعيّ والإساءة إلى الجامعة وأساتذتها وطلبتها بنشر أخبارٍ غير صحيحة.

في حين يؤكد الناطق باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مهند الخطيب، لرصيف22، أنَّ الجامعات مستقلة إدارياً ومالياً؛ لذا فإن الإجراءات الآن بين يدي رئاسة الجامعة، بينما تقوم الوزارة بمتابعة مجريات التحقيق.

الدستور الطبي والإعلام

يوجب الدستور الطبي في نقابة الأطباء الاحتفاظ بالمعلومات الطبيّة للمريض كأسرار، ولا يجوز مشاركتها إلا معه أو مع عائلته، بحسب حديث نقيب الأطباء الأردنيين الدكتور زياد الزعبي، مع رصيف22.

في حين لا يجوز للطبيب الإعلان عن الحالة المرضيّة لأي مريض وبخاصة الأمراض النفسيّة ذات الخصوصيّة الأكبر والتي يتحرّج المجتمع الأردنيّ من ذكرها والحديث عنها، وهو ما ضرب به عميد كلية الطب وسط تلاميذه عرض الحائط.

المؤسف أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في تصوير المرضى وكأنهم مجانين يحتاجون إلى الترويض والكهرباء، أو وصف الطبيب النفسيّ بأنه طبيب المجانين الذي يحتاج إلى العلاج، وهو ما تقدّمه العديد من المسلسلات والأفلام وتروّج له بعض وسائل الإعلام، ويعزز من التعامل مع المرض بصفته وصمة عار، وإهانة.

حتى بات وصفٌ مثل "مريض نفسي"، يُستخدم للسخرية من أحدهم أو الإساءة إلى آخر، وتوصيفه بالنكد والنفسية والحالة السيئة في ضوء تقديم هذه الصورة بشكلٍ مسيئ عبر الشاشات ما يجعل البعض يربطونها بالصراخ والجنون.

 "ما بتحمّل أخسر قدام حدا فشر (مستحيل) أخسر قدام الاكتئاب".

"ليش بتزعل؟ أنا مريضة نفسيّة"؛ بهذه الكلمات كانت تردّ ميريان (اسم مستعار، 24 سنةً)، على أي شخصٍ يسخر من آخر أمامها، وينعته بالمريض النفسيّ، بحسب ما تقول لرصيف22. وتشير إلى أن ألفاظاً مثل "نفسية" و"متوحدة"، كانت حاضرةً دوماً في وصف الناس من حولها لها، وتحوّلت إلى قطع علاقتهم بها بعد تشخيصها بأحد درجات مرض اضطراب ثنائيّ القطب وزيارتها الطبيب النفسيّ من دون إبداء أسبابهم لقطع العلاقة.

الفتاة التي تحاول التعايش مع المرض طوال 7 سنوات، لا تغادرها الأفكار الانتحاريّة وإيذاء نفسها، وعلى الرغم من ذلك تحاول التمسّك بالأمل للعيش ومتابعة الحياة. تقول: "ما بتحمّل أخسر قدام حدا فشر (مستحيل) أخسر قدام الاكتئاب".

ولا تنسى المعاناة التي مرت بها خلال دراستها الجامعية من سؤال الأساتذة المستمر حول التذبذب في علاماتها وانتقادها حين تكون شاردة الذهن أو لا تبتسم وسخرية زملائها منها لأنها لا تشاركهم الضحكات، وعدم امتلاكها خيار البقاء في المنزل؛ نتيجة عدم قدرتها حينذاك على شرح ما تمّر به لوالدتها.

تشير آخر الإحصائيات لدى مديرية الأمن العام إلى محاولة 593 شخصاً الانتحار خلال عام 2021

العيب والمرض

يوضح عضو الجمعيّة الأمريكية للطب النفسي عبد الله أبو العدس، لرصيف22، أنَّ العلاج المُبكر وأخذ العلاجات اللازمة يساعدان على التعامل مع الضغوط الجامعية بالطريقة الصحيحة، وتالياً التعامل مع أيِّ مرضٍ نفسيّ، مؤكداً أن "لا عيب من وجود المرض النفسي".

ويشدد على أنَّ الاكتئاب هو واحدٌ من أكثر أسباب الانتحار شيوعاً، خاصةً مع عدم توفر الدعم الاجتماعي وعدم التقبّل والعزلة، وهو ما يجعل الإنسان عرضةً للأفكار السلبية التي تتعلق بإيذاء الذات، لذا على كل من يحيط بالمريض النفسي أن يدعمه حتى لا يخسر المجتمع إنساناً يعيش وسطه.

وتشير آخر الإحصائيات لدى مديرية الأمن العام إلى محاولة 593 شخصاً الانتحار خلال عام 2021، وانتحار 143 شخصاً في الأردن، ويرتفع الرقم إلى 167 حالة انتحار في العام نفسه، بحسب إحصائيات المركز الوطني للطب الشرعي، في حين يعاني أكثر من مليونيّ شخص من الاكتئاب.

وعلى الرغم من عدم دقة تلك الأرقام التي تُعدّ مغيبةً ومُظلمةً، إذ قد يكون العدد أكثر من هذا، بحسب وزارة الصحة، فإن هناك طبيباً نفسياً واحداً فقط لكل 100 ألف شخص في الأردن، وفقاً لمنظمة الصحة العالميّة.

ويبقى السؤال حاضراً: هل سيؤول التحقيق الجامعيّ إلى نتائج تنصف الطالب وتصدّق التسجيلات المنشورة وروايات الطلبة؟ أم ستكون للعشائر كلمة أخرى في الدفاع عن أبنائها وتبرئتهم ومحافظة الجامعة على سمعتها؟

هذه الحادثة تسلّط الضوء على ملف الصحة النفسيّة في الجامعات الأردنية، وما إذا كان هناك أي توجه حكوميّ أو رغبة لدى الجامعات بتفعيل وإنشاء عيادات مختصة للصحة النفسيّة مع توفر العلاج المجانيّ للطلبة والكادر الجامعيّ؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image