شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"نوروز" دموي أبطاله عناصر "جيش مُعارض"... هل يُمهّد الجولاني لإطلاق يده؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الأربعاء 22 مارس 202305:42 م

لم يمرّ عيد النوروز بسلام على مدينة جنديرس، إحدى ضواحي عفرين شمال سوريا، الخارجة من زلزال حوّلها إلى مدينة من الركام والأطلال، إذ شيّع الأهالي أمس الثلاثاء 21 آذار/ مارس، أربعة قتلى، قُتلوا على يد عناصر مسلحة من كتيبة تسمّى "الأخشام"، تابعة لـ"أحرار الشرقية" الفصيل المنضوي تحت مظلة الجيش الوطني المعارض.

بدأت القصة عندما أوقدت مجموعة من المحتفلين الأكراد، النار، مساء الإثنين، احتفالاً برأس السنة الكردية (عيد النوروز)، لتعترضهم مجموعة تتبع لتنظيم أحرار الشرقية، وتتطور المشكلة إلى إطلاق نار أدى إلى مقتل أربعة مدنيين من عائلة واحدة، هم: فرحان دين عثمان (43 عاماً)، إسماعيل عثمان (38 عاماً)، محمد إسماعيل عثمان (18 عاماً)، عامر محمد عثمان (42 عاماً)، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة.

ما سبب إطلاق النار من قبل هذه المجموعة؟ يقول أحد المطّلعين على خلفية المشكلة، لرصيف22: "إطلاق النار على المواطنين الأكراد كان احتجاجاً على إشعال العائلة الكردية النيران، الأمر الذي عدّته مجموعة أحرار الشرقية بدعةً وكفراً". هذا الأمر كان كافياً ليقوموا بتصفية المحتفلين بدم بارد.

قتل المواطنين الأكراد كان احتجاجاً على إشعال العائلة الكردية النيران، الأمر الذي عدّته مجموعة أحرار الشرقية بدعةً وكفراً

عائلة الضحايا

تروي إحدى قريبات الضحايا (طلبت عدم ذكر اسمها)، لرصيف22، تفاصيل حادثة القتل المأساوية، وتقول: "قُتل الإخوة فرحان وعامر وإسماعيل وابنه البالغ من العمر 18 عاماً، بدمٍ بارد، فقط لأننا أكراد، هذا هو ذنبنا الوحيد، لم يرضَ الضحايا بالإهانة والشتائم التي وجهها إليهم عناصر الشرقية بعد رفض إطفاء النار، التي تُعدّ رمز احتفالات الكرد بعيد النوروز".

وتضيف: "لم نكن نتوقع أن يُقتلوا بهذا الشكل. كان من الممكن أن يتطور الشجار بينهم وتُستخدم العصي أو السلاح الأبيض فقط، لكن أن تُحرم أربع عائلات من رجالها بهذا الشكل الإجرامي، فهذا أمر فاق كل احتمالات الإجرام، ولا يمكن السكوت عنه".

وتتساءل قريبة الضحايا: "هل إشعال النار أمام بيوتنا بات جريمةً؟ هل إشعال النار كفر؟ ماذا فعلوا هم بقتل أربعة أشخاص؟ هل هذا إسلام أم كفر؟ الفصائل دائماً تقتتل في ما بينها ويطلقون الرصاص ليلاً ويحرقون بعضهم بالقذائف ويخيفون أطفالنا ولا نتكلم معهم، بل لا نجرؤ على الاعتراض حتى، بينما نحن نُقتل لأننا نحتفل بعيدنا".

"لا يمكن لأي كردي أن ينسى مشهد أقاربي وهم مستلقون ومضرّجون بدمائهم، ولا يمكن أن ننسى الجرح الذي أحدثه هؤلاء المجرمون. لا بد من محاسبتهم، فدماؤنا ليست رخيصةً"، تختم حديثها.

بيانات إدانة

سارعت الجهات السياسية الرسمية والأحزاب إلى استنكار الحادثة، إذ أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، الذراع السياسية للجيش الوطني بياناً، تعهدت من خلاله بالعمل على تقديم الجناة إلى القضاء في أسرع وقت، بينما أدان "المجلس الوطني الكردي"، المنضوي تحت مظلة الائتلاف السوري المعارض الجريمة، مطالباً الائتلاف باتخاذ موقف صريح ومعلن يدين الجريمة.

في المقابل، نفى قائد أحرار الشرقية، أحمد حسين فياض الهايس، المعروف بـ"أبو حاتم شقرا"، عبر تغريدة له على حسابه في تويتر، تبعية العناصر الذين أقدموا على قتل أربعة في جنديرس لـ"أحرار الشرقية"، مضيفاً أنه يدين هذا التصرف، ويطالب بتقديم الفاعلين إلى القضاء لينالوا جزاءهم، وجاء ذلك قبل ساعات من الإعلان عن القبض على ثلاثة أشخاص متورطين في حادثة القتل، فيما لا يزال البحث جارياً عن متورط رابع كان مشتركاً معهم.

مسلسل الانتهاكات 

بعد الجريمة المروعة، خرج الأكراد في مظاهرات عارمة لتشييع الضحايا، شاركت فيها مكونات المنطقة جميعها، وطالبوا بوضع حد لتجاوزات وانتهاكات الفصائل الموالية لتركيا والتي باتت حالةً اعتياديةً مع تحويل المنطقة عموماً إلى ما يشبه الإقطاعيات، مع ما يسودها من مصادرة للممتلكات وتخريب للأراضي الزراعية وسرقة الموارد الخاصة، وعمليات التشليح والقتل تحت التعذيب، والاغتيالات والاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري في معتقلات سرّية بعيدة عن أعين القضاء.

لا يمكن لأي كردي أن ينسى مشهد أقاربي وهم مستلقون ومضرّجون بدمائهم، ولا يمكن أن ننسى الجرح الذي أحدثه هؤلاء المجرمون. لا بد من محاسبتهم، فدماؤنا ليست رخيصةً

لا يسلم أحد من اعتداءات الفصائل، وكان آخرها اغتيال الصحافي والناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف عبد الرحيم، المعروف باسم "أبو غنوم"، مع زوجته الحامل في مدينة الباب في ريف حلب في وضح النهار، وعلى يدّ مسلّحين منتمين إلى "فرقة الحمزة" التابعة للجيش الوطني، في تشرين الأول/ أكتوبر الفائت.

ويشير تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، الصادر في تاريخ 7 آذار/ مارس الجاري، إلى استمرار عملية الاعتقال والاحتجاز من قبل ألوية الجيش الوطني في عفرين، فيما طالبت 118 منظمةً سوريةً المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته إزاء الوضع في عفرين وعموم سوريا، كما طالبت الحكومةَ التركيةَ بتحمل مسؤولية ضمان النظام العام وسلام العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال، وإيقاف الانتهاكات التي تقوم بها المجموعات المسلحة المرتبطة بها.

يقول مدير مكتب رابطة المستقلين الكرد السوريين في عفرين، آزاد عثمان، لرصيف22، إن "مسلسل الجرائم ما زال يتواصل في الشمال السوري، ويبرهن يوماً بعد يوم على أن الأمن والاستقرار ما زالا بعيدي المنال، والناس ضحايا استهتار استخدام السلاح في الوقت الذي يعاني فيه الجيش الوطني ضعفاً في التنظيم والمأسسة والاحترافية وهذا ما يشكل تهديداً على سلامة المواطنين".

ويشير إلى أن "جنديرس اليوم كانت مشتعلةً بالهتافات والزخم الجماهيري من كل العرقيات والانتماءات، وأن العمل الجاد بدأ عبر الفاعلين لتقديم المجرمين إلى العدالة"، لافتاً إلى أنه "من الضروري تشكيل وفد يلتقي مع كل الجهات الفاعلة من مؤسسات المعارضة والوزارات وقيادة الجيش الوطني بهدف إنتاج حلّ يفضي إلى تحقيق العدالة، وينهي الانتهاكات بحق كل الأطياف".

الجميع يدفعون الثمن

أبو ماجد شلّة، مهجّر من ريف دمشق، وأحد القاطنين في جنديرس منذ العام 2018، يروي لرصيف22، ضيق المدنيين من حالة البلطجة التي تمارسها جميع الفصائل في جنديرس، مشيراً إلى حادثة مشهورة وقعت قبل سنتين راح ضحيتها مهجر وأكثر من خمسة جرحى إثر اعتداء عناصر من فيلق الشام ومهاجمتهم بالرشاشات منزل عائلته لإجبارهم على تسليم المنزل لهؤلاء العناصر.

اعتداءات الجيش الوطني تشمل الجميع من أكراد وعرب وأيزيديين ومهجرين ومجتمع مضيف، إلا أن الأكراد والأيزيديين هم الأكثر تعرضاً للانتهاكات

ويستحضر أيضاً، حادثة غليان شعبي لأهالي الغوطة الشرقية، جرت في صيف 2020، إذ تمكّنوا وقتها من فك سراح 8 معتقلات وطفل رضيع حديث الولادة من سجن سرّي يعود لفرقة الحمزة في مدينة عفرين، على خلفية اعتداء نفّذه عناصر من الفرقة على أحد المحال التجارية أدى إلى مقتل صاحب المحل وإصابة خمسة آخرين.

ولفت شلّة، إلى أن "الاعتداءات تشمل الجميع من أكراد وعرب وأيزيديين ومهجرين ومجتمع مضيف، إلا أن الأكراد والأيزيديين هم الأكثر تعرضاً للانتهاكات من حيث نهب أراضيهم الزراعية ومحاصيلهم وعمليات الإخفاء القسري التي تهدف إلى تحصيل فدية مالية ضخمة".

ويشترك عثمان مع شلّة، في أن "عمليات التمييز بحق الأكراد وصلت إلى توزيع الإغاثة حتى، وقد ظهر ذلك واضحاً خلال كارثة الزلزال والفوضى التي حصلت في عملية التوزيع على المنكوبين، إذ كانت بعض الجمعيات والمنظمات منحازةً أكثر للأخوة العرب، برغم وجود نسبة كبيرة من الأكراد المتضررين من الزلزال".

تحرير الشام تستعدّ

لم تمضِ على الجريمة ساعة واحدة، حتى انتشر عناصر من هيئة تحرير الشام برفقة قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني"، بالقرب من مشفى أطمة، البلدة المجاورة لجنديرس، إذ تجمع ذوو الضحايا مع عدد كبير من الأكراد أمام المشفى رافضين دفن ضحاياهم مباشرةً، مطالبين بتأجيل ذلك إلى صباح الثلاثاء، ما دعا الجولاني للقاء الأهالي، متعهّداً لهم ببدء عهد جديد وحماية المدنيين الأكراد في جنديرس، بعد أن استمع إلى مطالبهم بـ"إفراغ المدينة من الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني وحلول هيئة تحرير الشام عوضاً عنها".

ومع دفن الضحايا ظهيرة اليوم التالي، شهدت جنديرس مظاهرات عارمةً بمشاركة وزير الدفاع في "الحكومة السورية المؤقتة"، وعدد من قادة الفيالق فيه، وأعضاء في "الائتلاف الوطني السوري"، في التشييع، في حين رفع المتظاهرون لافتات عليها شعارات مثل: "لا لقتل المدنيين الكرد"، "نريد محاسبة القتلة"، "خمس سنوات من الظلم والقهر والتغيير الديموغرافي".

على الجانب الآخر، كانت المدينة تشهد أيضاً انتشاراً أمنياً مكثفاً لـ"هيئة تحرير الشام"، إذ سيطرت على المجلس المحلي ومقر الشرطة العسكرية ومقار فصيل أحرار الشرقية، وظهرت أصوات تتحدث عن أن فرصة الجولاني قد حانت لثبيت تمركزه أكثر في مناطق سيطرة المعارضة (الجيش الوطني)، وإعادة تموضع قواته في مناطق متفرقة في عفرين وضواحيها، وزعم البعض بأن جريمة القتل مدبّرة ومدروسة.

يرى أبو حمزة الكردي، أحد مناهضي هيئة تحرير الشام، عبر قناته في تلغرام، أن الجولاني يتاجر بقضية الأكراد، قائلاً: "مرةً يتاجر بالمجاهدين وتارةً بالمهاجرين وتارةً بأهل السنة وتارةً بالمدنيين وتارةً بالثوابت وتارةً بالمصلحة والمفسدة، واليوم يتاجر بقضية الأكراد"، مضيفاً أن "هنالك الكثير من المجاهدين الأكراد في الشام إما في سجونه (الجولاني) المظلمة، أو بين مطارد وملاحق... وما أخبار سجن الأخوة المجاهدين الأكراد في أنصار الإسلام وغيرهم عنّا ببعيد".

فرصة للتوغّل 

يرجّح مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، إمكانية تخطيط تحرير الشام لحادثة القتل التي تطرح جملةً من التساؤلات من حيث سرعة تصرف الهيئة ودخولها على الخط في منطقة تُعدّ بوابة المناطق التابعة للجيش الوطني، فضلاً عن تدخّل الجولاني وتوجهه ليلاً إلى الأهالي للحصول على شرعنة دخول قواته بشكل أكبر إلى جنديرس، مضيفاً في حديثه إلى رصيف22، أن خطة الجولاني نجحت تماماً فقد انتشرت الهيئة اليوم بسلاسة وتوزعت في المراكز المحلية ومقار عدة ضمن المدينة وزادت حواجزها هناك.

تستثمر الهيئة حادثة القتل، من خلال التأكيد على أن وجودها ضمن مناطق ريف حلب، ضمانة للمدنيين وخاصةً الأقليات، فهل يبدأ الجولاني مخطط طرد "الجيش الوطني" وبسط نقوذه في تلك المناطق؟

ونبّه سالم إلى أن "الهيئة تستثمر حادثة القتل إعلامياً، من خلال التأكيد على أن وجودها ضمن مناطق ريف حلب ومنها جنديرس ضمانة للمدنيين وخاصةً الأقليات من عبث الفصائل وانتهاكاتها، وأن نموذج إدلب معقل تحرير الشام بات رجاءً وحلماً للسكان المحليين في مناطق الجيش الوطني".

ولاقت استغاثات أهالي الضحايا الأكراد لتدخّل تحرير الشام وتسلّمها زمام جنديرس، استغراباً من سالم، الذي وصف تلك الاستغاثات بأنها "استغاثات المستجير من الرمضاء بالنار، فكلّنا يذكر المجزرة التي ارتكبها عناصر من تحرير الشام بحق عشرين مدنياً من الطائفة الدرزية في قرية قلب اللوز في ريف إدلب الشمالي عام 2015"، يختم سالم حديثه.

يبدو أن تحرير الشام تتجه إلى إعادة تكرار مشروعها الرامي إلى التوغل أكثر في عمق مناطق الجيش الوطني، بعد محاولتها السابقة أواخر العام الفائت، والتي لم تحقق كل أهدافها المرجوة، فيما يمكن القول إنها ستتمكّن بتمركزها ضمن مدينة جنديرس من التحكم بالمعبر التجاري مع الأراضي التركية (الحمام)، وهو ما تريده تحرير الشام في الدرجة الأولى مستفيدةً من حالة الفوضى والعبثية التي تعيشها فصائل الجيش الوطني من جهة، وحالة التململ الشعبي من الانتهاكات الجسيمة والتي لم يجد الأهالي مجيباً لدفعها عنهم إلا التنظيم المصنَّف على لائحة الإرهاب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard