عادت قضية سيارات توروس المثيرة للجدل في تركيا إلى الواجهة، بعد أحداث عدة حصلت الأسبوع الماضي، مذكّرةً الشارع التركي بالقلاقل الأمنية التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، إذ انتشرت عمليات القتل والخطف بشكل ملحوظ، خصوصاً في الولايات الشرقية من البلاد.
القصة بدأت من مدينة بورصا، عندما فوجئ الناس بلافتات رُفعت في مباراة جمعت فريق بورصا سبور بفريق أميد سبور (من ديار بكر ذات الغالبية الكردية)، ضمن الجولة 25 من مباريات المجموعة الأولى لدوري القسم الثالث التركي داخل ملعب بلدية بورصا في الخامس من آذار/ مارس الجاري.
توتر في أثناء المباراة وقبلها وبعدها
لم تقتصر المباراة على رفع لافتة السيارة المشؤومة، وصور رجل المخابرات محمود يلدرم، إذ شهدت قبل بدايتها وفي أثناء سيرها وحتى بعد نهايتها، أحداث شغب متفرقة على أرض الملعب وفي المداخل والمدرجات، حتى أن الفريق واجه جماهير وقفت أمام الفندق صباح يوم المباراة وهي تهتف: "ما أجمل أن نكون أتراكاً"، وتُطلق الألعاب النارية في محيط الفندق حتى الساعة الثالثة صباحاً، بحسب ما قال المسؤول الإعلامي في أميد سبور، شعبان يرليكايا.
كما واجه الفريق، هتافات من قبل أنصار فريق بورصا سبور، في أثناء فترة استكشاف الملعب، فما كان من لاعبي فريق أميد سبور، إلا أن ردّوا على الهتافات، ما دفع لاعبي فريق بورصا سبور إلى الاشتباك بالأيدي مع الفريق الخصم، لتتدخل الشرطة وتفضّ النزاع، في ظل إلقاء الجماهير زجاجات المياه والأدوات الحادة والمفرقعات على أرض الملعب. وبعد بدء المباراة، شهد الملعب عراكاً جديداً تبعه تدخّل جديد من الشرطة، بحسب ما نقلت صحيفة "يني شفق".
أُعلن عن فتح تحقيق وإيقاف سبعة أشخاص على صلة بالأحداث التي وقعت خلال المباراة من بينهم ثلاثة حرّاس أمن
وفي أثناء المباراة، استمر إلقاء الأدوات والمفرقعات على أرض الملعب، وُرفعت على المدرجات صور عدة لرجل المخابرات السابق محمود يلدرم، ولسيارة توروس، كما رُفع في الطرف المقابل علم حكومة إقليم كردستان العراق، بحسب صحيفة "آيدنليك".
تبعت الحادثة ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ استنكر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك، ما جرى قائلاً: "هذه الصور لا يمكن أن تُنسب إلى أي من أندية كرة القدم لدينا أو لمشجعي أي من فرقنا. نحن ندين بشدة أولئك الذين قاموا بهذا الاستفزاز. لن يُسمح بالمحاولات الاستفزازية ضد الرياضة وروح الرياضة تحت أي ظرف من الظروف، وقد بدأ التحقيق في الحادث من كافة النواحي".
بدورها، تقدمت نقابة المحامين في ديار بكر، بشكوى جنائية بسبب ما حدث، ووصفت ما جرى بأنه جريمة تحريض على الكراهية والعداوة وتعريض للأمن العام للخطر وإساءة في استخدام المنصب.
هذا وأُعلن عن فتح تحقيق وإيقاف سبعة أشخاص على صلة بالأحداث التي وقعت خلال المباراة من بينهم ثلاثة حرّاس أمن، كما تم عزل ثلاثة مسؤولين أمنيين من منصبهم، بحسب ما نشرت ولاية بورصة.
من هو محمود يلدرم؟
يلف الغموض شخصية رجل المخابرات السابق محمود يلدرم، إذ تقول بعض المصادر إنه عمل لصالح جهاز استخبارات سرّي أُوجِد لمكافحة تغلغل قوات حزب العمال الكردستاني في مناطق جنوب شرق تركيا.
ويلدرم المشهور في تركيا بلقب "الأخضر"، يرتبط اسمه بعدد كبير من جرائم اغتيال قادة وضباط أمنيين وعسكريين في المناطق الشرقية من البلاد، بالإضافة إلى جرائم قتل رجال الأعمال الكرد والإيرانيين وتقاسم أموالهم مع سياسيين وأمنيين أتراك رفيعي المستوى.
وفي تحقيق أجري للكشف عن مصير الكاتب الكردي موسى أنتر، سأل المدعي العام إدارة المخابرات العامة عما إذا كانت قد استخدمت يلدرم في عمليات ضد أنتر، فرد تقرير المخابرات بالقول إن "يلدرم ليس من عملائنا الرسميين، تعاملنا معه مرات عدة، وأرسلناه في العام 1990 إلى دمشق لإحضار عبد الله أوجلان، ثم تم التراجع عن العملية، كما كُلّف بجلب أمين الدين سكيك، من قوات البرزاني، واستُخدم أيضاً في عمليتين أخريين".
في مباراة لكرة قدم، تمّ رفع صور لرجل مخابرات ولسيارات من نوع توروس، في إشارة إلى حقبة سابقة تمّ اضطهاد فيها الأكراد، فماذا نعرف عن هذا الأمر؟
وكان عبد القادر آيغان الذي انفصل عن حزب العمال الكردستاني، وانضم إلى "جيتم"، قد كشف مجموعةً من المعلومات التي توثّق الجرائم "المجهول مرتكبها"، والتي قامت بها "جيتم" في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته.
أما سيارة توروس البيضاء، فقد صُممت خصيصاً للسائقين الأتراك من قبل شركة رينو الفرنسية، وكانت رمزاً للخوف في ولايات جنوب شرق تركيا، إذ وقع المئات من الأكراد ضحايا للاختفاء القسري في تركيا خلال هذه الفترة بعد خطفهم من قبل تنظيم جيتم (قيادة استخبارات ومجموعة مكافحة الإرهاب التابعة للجندرما)، الذي كان يستخدم سيارة توروس، وكان محمود يلدرم المعروف بالأخضر، قد لعب أيضاً دوراً في جرائم القتل السيئة السمعة هذه.
رسالة إلى الأكراد
تصف الصحافية سيما كزل أرسلان، ما جرى بأنه أمر مخطط أريد من خلاله إشعال فتنة في الشارع. وتقول لرصيف22: "ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها فريق أميد سبور، لمثل هذا النوع من الاعتداءات منذ فترة الحل، لكن القيام بمثل هذه الأحداث الآن مرتبط بدخول تركيا فترة الانتخابات وكما تعلمون الأكراد هم ركن أساسي في هذه الانتخابات، وحزب العدالة والتنمية أنهى علاقته بشكل كامل مع حزب الشعوب الديموقراطي".
وتضيف: "رفع لافتات رجل المخابرات هذا خلال المباراة له معنى بالتأكيد، لأن العديد من الأشخاص الذين قتلهم كانوا أكراداً، والرسالة التي أرادوا إرسالها مفادها: لا تنسوا... لقد تعاملنا هكذا معكم سابقاً، تذكّروا جيداً".
كانت سيارة رمزاً للخوف في ولايات جنوب شرق تركيا، إذ وقع المئات من الأكراد ضحايا للاختفاء القسري
وتضيف أرسلان: "تحدثت إلى رئيس فريق أميد سبور، وقال لي إن هذه التصرفات ليست تصرفات صادرةً عن الجماهير، ويبدو أن أطرافاً خارجيةً تحاول التحريض عن طريق أشخاص داخل الملاعب".
وتقول: "نعم، ربما لا ينظر مشجعو فريق بورصا سبور بإيجابية إلى فريق أميد سبور، خصوصاً أن الملاعب تشهد أحداث عنف بشكل عام، أي لا حاجة إلى أن يكون الخصم مختلفاً عنهم، فما بالك بأن يكون الخصم كردياً وتدخل بينهم النظرة الاستباقية والغضب؟ ما جرى هنا هو أمر منظم تم إعداده مسبقاً وتم تنفيذه من قبل أشخاص من الخارج. التحريض جرى عن طريق اللافتات التي رُفعت طوال فترة المباراة، واستمر إلى ما بعد انتهائها. فريق أميد سبور بعينه لم يكن هدفاً بل وسيلةً لإرسال رسالة موجهة إلى الأكراد".
برأي الصحافية المهتمّة بالشأن الكردي في تركيا، "يمكن تقسيم ردود الفعل إلى قسمين، الكثير من السياسيين المعارضين والصحافيين رفضوا بشدة ما جرى داخل الملعب، والقسم الآخر شعر بالفخر؛ حزب الظفر وأنصار حزب البلد، وشريحة من القوميين الأتراك الشباب، الذين يرفضون الأجانب ويرفضون الأكراد، هؤلاء أنفسهم كانوا ضد المصالحة مع الأكراد، تعدادهم ليس كبيراً فعلياً، وفي الحقيقة هم لا يعرفون ما الذي تعنيه سيارة توروس، ولا يعرفون من هو رجل المخابرات محمود يلدرم، ولا يعرفون ما قام به. إنهم يرددون عبارات لا يفهمونها وهذا الأمر ينطبق فعلياً على ما يقومون به فعلياً مع المهاجرين".
وتعود في سياق حديثها للإشارة إلى جهات أكبر من الجمهور وأبعد من مجرد شعار في مباراة، إذ "لا يمكن رفع مثل هذه اللوحات ببساطة داخل الملعب من دون ضوء أخضر. في الوضع الطبيعي لا يمكن أن تدخل هذه اللافتات إلى بورصا، فكيف يمكن إدخال اللافتات المهددة للأكراد إلى ملعب مشدّد الحراسة؟ يبدو أن هناك شيئاً مقصوداً، ومن الخطير تحميل المجتمع مسؤولية ما جرى. يقولون إن أهالي بورصا لا يحبون الأكراد وهذا غير صحيح، الكثير من الأكراد يمارسون التجارة في بورصا ويعملون في المكان نفسه. عندما تترك الناس على طبيعتها فلن تحصل مثل هذه الصراعات".
لافتات أخرى في مكان آخر
في صباح السادس من آذار/ مارس الجاري أيضاً، لاحظ مستخدمو موقع شيشيك سبتي المختص ببيع الهدايا عن طريق الإنترنت، وجود لوحة خشبية تحمل أيضاً صورة رجل المخابرات السابق محمود يلدرم، وصورة السيارة المشؤومة، ما ولّد ردود فعل غاضبةً على وسائل التواصل الاجتماعي.
شركة شيشيك سبتي، اعتذرت عن الخطأ الحاصل، وأعلنت إنهاء علاقتها مع بائع قام بالتسويق للوحة تحمل شعاراً يعود لمنظمة عُرفت بارتكاب الجرائم في التسعينيات.
العنصرية ضد المهاجرين
تقول الناشطة الحقوقية وعضوة حزب العمال الاشتراكي الثوري التركي، ومنصة طالبي اللجوء، يلدز أونان: "سبق وقلنا إن العنصرية التي بدأت بحق المهاجرين ستستمر ضد كل المضطهدين، إذ لطالما كان هناك نهج عنصري تجاه الأكراد في تركيا. في ذروة الحركة الكردية، تراجعت العنصرية. ولكن في الآونة الأخيرة، ازدادت العنصرية تجاه كلّ من المهاجرين والأكراد للأسف".
لا يمكن محو أحداث الخطف الجماعي التي نُفّذت في التسعينيات من ذاكرة الشعب الكردي؛ ما حدث بعد انقلاب 1980، وما حدث خلال التسعينيات. فمن مصلحة من نبش الماضي؟
وتضيف: "لا يمكن محو أحداث الخطف الجماعي التي نُفّذت في التسعينيات من ذاكرة الشعب الكردي؛ ما حدث بعد انقلاب 1980، وما حدث خلال التسعينيات. لقد قُتل آلاف الأشخاص واختفوا، ولم يتم العثور على الكثير من جثثهم بعد. لا توجد عائلة كردية لم تشهد مثل هذه الحوادث ومن المستحيل على الأكراد نسيان ما جرى".
تشير أونان إلى ارتفاع معدل العنصرية في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، وهي "أفكار تنتشر باسم القومية وحب الوطن، واليوم تريد الحكومة أن تحمّل مسؤولية فشلها في الزلزال للمهاجرين والأكراد وبقية المضطهدين، كما أن الأحزاب السياسية تبحث عن كبش فداء لتعلّق مشكلاتها وفشلها عليه، وهو ما يتيح المجال أمام عمليات التنمر والاعتداء وهذا ما يظهر ملياً في جريمة قتل 3 سوريين حرقاً في إزمير، وهذه الأحداث تحصل عندما يجتمع هذا الجو بقيادة مجموعة من الفاشيين العنصريين".
برأيها، "من الضروري أن نكافح العنصرية باستمرار، وتجب مناقشة قضايا المهاجرين والأكراد وغير المسلمين علانيةً وبشكل مفتوح. من المهم جداً تعزيز ثقافة الأخوة بين الشعوب، من الضروري أن نتّحد ونكافح معاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين