شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"فرقة الحمزة" وميليشيات النظام السوري... فرّقتهم أهداف الصراع وجمعهم تقاسم آثار تادف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الثلاثاء 8 نوفمبر 202204:56 م

رصد تقرير صادر عن منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، في 25 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عمليات حفر وتنقيب "غير مشروعة" عن الآثار، في منطقة "تادف" الواقعة في ريف حلب الشرقي، والتي تُعدّ نقطة تماس بين المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وتلك الخاضعة لفصائل المعارضة السورية.

واتهم التقرير عناصر من "فرقة الحمزة"، وهي أحد التشكيلات العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري والعاملة في صفوف المعارضة السورية في شمال البلاد، والمدعومة من قبل تركيا، بالاتفاق مع مجموعات من "الدفاع الوطني" الموالية للنظام السوري، في التنقيب عن الآثار وتهريبها إلى الأراضي التركية.

بحسب تقرير المنظمة، بدأت عمليات الحفر في أواخر عام 2021، واستمرت حتى منتصف العام الجاري 2022، في عموم مدينة تادف التي يتقاسم السيطرة عليها كلٌّ من عناصر الفرقة الرابعة ومجموعات من "الدفاع الوطني" من جهة، وعناصر من فرقة الحمزة المعارضة من جهة أخرى، في ظل وجود نوع من التنسيق بين الطرفين.

ووجه التقرير اتهاماً إلى قياديَين اثنين يعملان في "فرقة الحمزة"، وينتميان إلى عائلة "النجار"، وهما المسؤولان بشكل رئيسي عن عمليات التنقيب في المنطقة، وعناصر آخرين يعملون في فصيل "أحرار الشرقية"، على أنهم تعاونوا مع عناصر "الدفاع الوطني" في عمليات التنقيب والتهريب إلى الأراضي التركية.

بدأت عمليات الحفر في أواخر عام 2021، واستمرت حتى منتصف العام الجاري 2022، في مدينة تادف التي يتقاسم السيطرة عليها النظام والمعارضة

أين تركّز التنقيب؟

تركزت عمليات التنقيب عن الآثار في محيط الكنيس اليهودي الأثري "عزرا"، و"ضريح عزرا"، الموجودين وسط مدينة تادف، وفقاً لصور من الأقمار الصناعية خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة، والتي تُظهر هدم الكنيس اليهودي، والجزء الآخر من الصور كان عام 2019، وأظهرت علامات حفر، وزوال الكنيس بشكل تام، ممّا جعل المنظمة تفتح تحقيقاً وتبحث في تفاصيل القضية.

وتؤكد صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها المنظمة، أن عمليات التنقيب تركزت بشكل أساسي في محيط الكنيس، بالإضافة إلى ثلاثة مواقع مختلفة داخل المدينة على الأقل، وموقع آخر في قرية الكريزات الملاصقة، وأن عمليات التنقيب تمت باستخدام أدوات بدائية، منتصف كل ليلة، وتحديداً عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكانت تستمر حتى الفجر.

ويؤكد التقرير أنه تم العثور على عدد من العملات النقدية التي تعود للسكان اليهود القدامى، وأنه جرى العمل على بيعها وإخراجها إلى تركيا، وأحياناً تباع إلى أشخاص مرتبطين بالنظام السوري، لافتاً إلى أن الشرطة العسكرية التابعة لـ"الجيش الوطني" وصلتها بلاغات عدة، وتأكّدت من وجود عمليات تنقيب، وحاولت دخول المنطقة لكن منعها أحد الحواجز العسكرية التابعة لـ"فرقة الحمزة"، بحجة أعمال التحصين العسكرية الخاصة بالفصيل.

جمعهم المال

يقول مدير منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، بسام الأحمد، لرصيف22: "ما وثّقناه في تقريرنا يؤكد أن الطرفين متوافقان ضمنياً على هذه الجريمة التي تنعكس نتائجها على الطرفين، بمعنى أن هذه المنطقة وبحكم كونها منطقة تماس فنحن نتقاسم ما في داخلها، ضمن شروط يتوافق عليها الطرفان، أبرزها عدم الاعتداء من قبل الطرفين في أثناء عمليات الحفر والتنقيب، إذ في النهاية هي نقطة مهمة جداً لكي يستفيدوا مادياً من هذا المكان الأثري".

ويروي الأحمد، أن العمل على التحقيق بدأ بعد أن وصلتهم معلومات وشهادات من سكان محليين مطلعين على هذا الأمر، فبدأوا بمقارنة الشهادات مع صور الأقمار الصناعية إلى أن وصلوا إلى خلاصتهم، متمنياً أن تتم محاسبة الطرفين في المستقبل "سواء القريب أو البعيد، بتهمة تدمير المواقع الأثرية، والاتّجار غير المشروع بالآثار".

توافقت ميليشيات النظام والمعارضة على عدم الاعتداء من قبل الطرفين على بعضهما بعض في أثناء عمليات الحفر والتنقيب، إذ في النهاية هي نقطة مهمة جداً لكي يستفيدوا مادياً من هذا المكان الأثري

واستطلع رصيف22، رأي قيادي عسكري ينتسب منذ 2019، إلى فرقة "الحمزة"، ويُدعى حمزة عبد الحي، بتقرير المنظمة الذي اتهمهم بالتنقيب عن الآثار بالتعاون مع النظام السوري، فكان رده: "لا يوجد أي عنصر لفرقة الحمزة في قطاع -أي منطقة- تادف، وهذه المعلومات منفية بالمطلق، فنحن لا وجود لنا على جبهات تادف على الإطلاق، ومنذ سنوات عدّة"، متوجهاً إلى معدّي التقرير بالقول: "كونوا منظمات حقوقيةً حقيقيةً بعيداً عن شيطنة الفصائل بتقارير لا تمت إلى الحقيقة بصلة".

أهمية المدينة

يقول الباحث في قسم التاريخ والأستاذ في جامعة حلب، عبد الوهاب عبيان: "مدينة تادف تحتوي على مساجد أثرية وحديثة عدّة، منها المسجد الكبير ومسجد أسامة بن زيد ومسجد الشيخ إبراهيم والكثير من المساجد، والمعروف عن أهالي تادف أنهم ملتزمون دينياً، وأبرز ما يميّز هذه المدينة هو الكنيس اليهودي عزرا، وهو قديم جداً ويعود إلى 1،500 سنة قبل الميلاد".

ويشير عبيان، الذي كتب أبحاثه عن اليهود في سوريا بعد دراسة معمّقة حول واقعهم، في حديثه لرصيف22، إلى أن "منطقة تادف التي تقع بالقرب من مدينة حلب خرجت منها أول نسخة من التوراة، من قبل "عزرا عاسوفير"، إذ تم أوّل تحرير للتوراة في التاريخ فيها، وكانت هناك محاولة لبناء كنيس في المكان الذي كُتب فيه التوراة لليهود السوريين، وحضر سفراء أجانب لمشاهدة العمليات الأولية لبناء هذا الكنيس، ونتيجة سفر ‘أبو موسى جاجاتي’ ممثل اليهود، توقف هذا الأمر، ولا يزال ثاني كنيس يهودي في العالم".

تادف التي تقع بالقرب من مدينة حلب خرجت منها أول نسخة من التوراة، من قبل "عزرا عاسوفير"، إذ تم أوّل تحرير للتوراة في التاريخ فيها

لماذا تادف؟

يروي الباحث في مجال الآثار أحمد جمعة، أن "من يعرف حقيقةً ما تملكه مدينة تادف من آثار عمرها آلاف السنين، قد يُصدم، فما بالك بالأشخاص الذين باعوا قضيتهم من أجل المال وعرفوا تاريخ هذه المدينة؟ فتادف يعود عمرها إلى 2200 سنة قبل الميلاد، وهي تحتوي على كنيس يهودي قديم جداً، هو الثاني عالمياً، كما أنها تحوي على سوق قديم مسقوف وحمّام قديم".

ويقول لرصيف22: "حتى الجاهل في هذه الأمور يدفعه الفضول، فإعمار المنطقة قديم بدلالة بقايا المنشآت القديمة والأقنية المائية الرومانية والمباني الأثرية، وفيها معبد قديم، وتتزاحم مساكنها القديمة الطينية والحجرية ذات السقوف المستوية حول دروب ضيقة".

وتبعد مدينة تادف عن مدينة الباب كيلومترين فقط في اتجاه الجنوب الشرقي، وقد اتصلت مساكنها مع أطراف مدينة الباب بريف حلب الشرقي. وشاركت المدينة مبكراً في الثورة السورية عام 2011 ، وخرجت عن سيطرة النظام في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وسيطر عليها تنظيم "داعش" منذ مطلع العام 2014، حتى 13 آذار/ مارس 2017، عندما دخلتها قوات النظام السوري، لتبقى في داخلها أياماً معدودةً، وتعلن انسحابها منها في الـ25 آذار/ مارس، وبعدها دخلت فصائل الجيش الوطني التابع للمعارضة السورية إلى أجزاء منها، في أثناء عملية "درع الفرات" التي أطلقتها الأخيرة بالتعاون مع تركيا، لطرد تنظيم "داعش" من شمال حلب، لتبقى المدينة منطقة فصل بين النظام السوري والمعارضة السورية منذ ذلك الحين.

لماذا بقيت معلّقةً؟

يقول النقيب في الجيش الوطني السوري عبد الحميد محمد، الملقب بـ"أبو الحسن"، إن "انسحاب قوات النظام السوري من بلدة تادف في آذار/ مارس 2017، هو أساساً جاء من ضمن اتفاق بين الأتراك والروس، تضمّن انسحاب الجيش الوطني من تادف ومحيطها، مقابل تهدئة الأتراك للشريط الفاصل مع منطقة منبج، في أثناء عملية درع الفرات".

من يعرف حقيقةً ما تملكه مدينة تادف من آثار عمرها آلاف السنين، قد يُصدم، فما بالك بالأشخاص الذين باعوا قضيتهم من أجل المال وعرفوا تاريخ هذه المدينة التي يعود عمرها إلى 2200 سنة قبل الميلاد؟ 

في حينها، وبحسب المحمد، رفض الرائد أحمد عبد الرحيم، المدعو "الحجي"، وهو أحد القادة العسكريين في المعركة، ربط الانسحاب من تادف بمسألة منبج، مشيراً إلى أن مدينة تادف وريفها غير مهمة للجيش الوطني، وأن الأخير لو أراد طرد النظام وقتها من محيطها لاستطاع، ولكن كان الهدف الأبرز للجيش الوطني هو تحرير مدينة منبج، والوصول إلى مدينة عين العرب (كوباني).

انتهاكات مستمرة

وفرقة الحمزة فصيل معارض للنظام السوري، ينتسب إلى الجيش الوطني السوري، حارب تنظيم "داعش" في شمال غرب سوريا، ويحوي خمسة ألوية، هي "لواء الحمزة، ولواء ذي قار، ولواء رعد الشمال، ولواء مارع الصمود، ولواء المهام الخاصة"، ويترأسهم المنشق عن جيش النظام السوري الملازم أول سيف أبو بكر.

خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كثر الكلام عن الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها هذه الفرقة حتى أصبحت حديث الشارع، وكان أحدثها ضلوع مقاتلين في "فرقة الحمزة" في عملية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل، في مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأشعلت وقتها عملية الاغتيال فتيل القتال بين فصائل ومكوّنات داخل الجيش الوطني وخارجه، ولم يهدأ إلا بتدخل تركي عبر فصيل "هيئة ثائرون للتحرير"، التابع للجيش الوطني السوري أيضاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image