شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مشاهد من فيلم لم يكتمل عن عمرو دياب (1)

مشاهد من فيلم لم يكتمل عن عمرو دياب (1)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الخميس 23 مارس 202311:27 ص

في خريف عام 2001، وفي ليلة عيد ميلاده الأربعين، التقيت بالنجم عمرو دياب لأول مرة في مكتب المخرج طارق العريان، الذي رشحني لكتابة سيناريو بعنوان "العالمي"، كان يفترض أن يحكي قصة حياة عمرو دياب في قالب كوميدي غنائي، وكان طارق قد أُعجب بسيناريو فيلمي الأول "حرامية في كي جي تو"، والذي كان يتمّ تصويره في تلك الأيام. كان عمرو دياب ألطف وأبسط مما تصوّرت، وكان في غاية الحماس للمشروع الذي عرفت أنه يفكر فيه منذ سنوات، ولم أكن أعرف وقتها أنني كاتب السيناريو الثالث الذي يقوم بالعمل في المشروع.

بدأت على الفور في عقد جلسات عمل منتظمة مع عمرو دياب في منزله القريب من كوبري الجامعة في الجيزة، أخذ يحكي لي فيها تفاصيل كثيرة من حياته، واتفقنا على أن نستبدل التسجيل بالكتابة لكي يحكي براحته، على أن أقوم بفلترة الحكايات وصياغتها في شكل معالجة سينمائية تكون الأساس الذي ينطلق منه العمل بعد ذلك حين ينضم طارق العريان إلى جلسات العمل، وقد حكيت عن تفاصيل تلك التجربة الممتعة والمرهقة في حلقتين من برنامج "الموهوبون في الأرض"، خصصتهما للحديث عن عمرو دياب وتجربته، ولا أريد أن أكرّر ما قلته، فقط أضع بين أيديكم نصّ القصة السينمائية التي جمعت فيها حكايات عمرو الممتعة عن طفولته ومراهقته وشبابه، مع خالص تمنياتي بقراءة ممتعة:

على خلفية صوتية لنغمات بيانو مضطربة، ليست منفرة ولا نشاز لكنها غير منتظمة الإيقاع، وتشكّل ما يشبه جنين لحن جميل، تعبر الكاميرا شارع سيد درويش، أحد شوارع مدينة بور سعيد القريبة من النادي المصري، تبدأ الكاميرا تجوالها من اللافتة المثبتة على أحد حوائط الشارع، حتى تصل إلى منزل من أربعة أدوار، أمامه ما يشبه الجنينة، رغم صغرها وضيقها إلا إن لمسة الجمال بها غير خافية، وقد وُضع بها كرسيان للجلوس بالقرب من زير ماء. تصل الكاميرا الى الدور الأرضي من البيت لنرى باب الشقة المفتوح على مصراعيه، لا يبدو أنه مفتوح في انتظار إغلاقه قريباً، بل يبدو وقد وضعت أمامه أشياء تدل على كونه مفتوحاً أغلب الوقت.

كان عمرو دياب ألطف وأبسط مما تصورت، وكان في غاية الحماس للمشروع الذي عرفت أنه يفكر فيه منذ سنوات، ولم أكن أعرف وقتها أنني كاتب السيناريو الثالث الذي يقوم بالعمل في المشروع

تدخل الكاميرا لتستعرض تفاصيل الشقة، ومع دخولها يتداخل مع صوت البيانو صوت باجور جاز يعلو شيئاً فشيئاً، ويتداخل دون تشويش مع صوت البيانو، على العكس يبدو أنه ينسجم مع هذا الصوت ويشكّل معه سيمفونية من نوع خاص، وعلى خلفيتها تواصل الكاميرا جولتها، وكأنها تبحث عن المكان الذي تنبعث منه نغمات البيانو.

نرى رجلاً يصلي في إحدى الغرف، وسيدة تجلس في إحدى أركان الصالة، تقوم بعمل الشاي على الباجور وهي تهز رأسها باستمتاع وهي تستمع إلى العزف غير المنتظم بابتسامة محبة ومشجعة، تصل الكاميرا إلى البيانو القديم المتهالك الذي نرى أحد أرجله مكسورة ومسنودة بكوز أسمنتي يستخدم في رفع الأثقال، البيانو يبدو عليه القِدَم لكنه نظيف تماماً، ككل محتويات الشقة التي لم تحرمها بساطة التفاصيل من النظافة والتنظيم ولمسات الذوق هنا وهناك، على البيانو يجلس طفل في الخامسة من عمره يعزف بإصبع واحد لحنه الغريب وعلى أنغام لحنه واستعراض تعبيرات وجهه الحالمة والموحية تنزل التيترات.

تستعرض الكاميرا الصور المعلقة على الحائط، حتى تصل الى صورة للأب الذي رأيناه يصلي، تقترب الكاميرا من صورته كأنها تدخل الى إطار الصورة، وعبر مزج بين صورتين، نرى الأب وهو يمسك بكتاب "السيرة النبوية لابن هشام" والطفل يسند رأسه الى حِجر أبيه الذي يحكي حكاية مؤثرة من الكتاب، بينما تنتهي الأم من صلاتها ونراها تبتسم وهي تستمع إلى الأسئلة الطفولية التي يسألها الطفل لأبيه عن القصة التي يسمعها.

تواصل الكاميرا استعراضها للصور على الحائط، حتى تصل إلى صورة للرئيس جمال عبد الناصر وهو يحيي الجماهير بكلتا يديه وبقامته العملاقة، مطلاً من نافذة قطار على الجماهير الغفيرة التي تزاحمت لرؤيته. تدخل الكاميرا إلى الصورة، لنرى الطفل نفسه ووالده يحمله على كتفيه مخترقاً به زحام الحشود الغفيرة وهما يتصببان عرقاً لكنهما في غاية الفرح، والطفل يهتف من أعماقه بلثغته الطفولية "ناثر ناثر"، وكأنه يرى عبد الناصر أو كأن عبد الناصر يسمعه، بينما المسافة بعيدة للغاية بينه وبين القطار الذي يقترب من الدخول إلى المحطة، والكاميرا تستعرض الجماهير الغفيرة، ثم تستعرض اللافتات التي تم تعليقها في كل مكان، ترحّب بالرئيس الزعيم جمال عبد الناصر الذي يشرّف بور سعيد في الذكرى الحادية عشرة لتأميم قناة السويس.

وتصل الكاميرا لتركز على إحدى اللافتات التي كُتب عليها "محافظة بور سعيد ترحّب بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر في الحفل الفني الكبير احتفالا بمرور 11 سنة على تأميم قناة السويس".

 بعد ما حدث لعمرو في المعهد التجاري يقرر والده أن يكون واقعياً ويقر لنفسه بأن عمرو "مش بتاع تعليم"، وينتظر حلول موعد دخوله الجيش ليؤدي خدمته العسكرية، ثم يبحث له بعدها عن أي وظيفة والسلام.

من اللافتة تنزل الكاميرا إلى قاعة الاحتفالات التي نراها مملوءة عن آخرها بمسؤولي المحافظة والمدرسين والطلاب والأهالي، وبينهم الأب الذي نراه في الصف الثالث، بما يفيد أن وضعه الوظيفي ليس كبيراً جداً، وبينما ينتهي عدد من التلاميذ من مسرحية فكاهية يسخرون فيها من جنود الاحتلال الذين تم دحرهم في أيام مقاومة العدوان الثلاثي على مدينة بور سعيد.

يتقدم أحد الفتيان الذي يقوم بمهمة مقدم فقرات الحفل ليعلن عن الفقرة التالية، وهي لطفل بور سعيد المعجزة عمرو عبد الباسط، ويدخل أفراد الكورال إلى المسرح فيما يتأخر دخول الطفل قليلاً، فيبدأ البعض ومنهم الأب في التململ والتهامس قليلاً، تستعرض الكاميرا كواليس المسرح حتى تصل الى ما وراء ستارة، حيث يقف الطفل مضطرباً وهو يستعد للغناء وأمه ترقيه وتقرأ آية الكرسي، حتى يصل أحد المدرسين إليها لينتزعه من يديها ويدفع به إلى خشبة المسرح ليثير اندفاعه المفاجئ ضحك البعض، ووسط ارتباكه يتقدم الطفل من الميكروفون ليتغلب على الارتباك شيئاً فشيئاً، وحين يبدأ في غناء أغنية "ريسنا ملاح ومعدينا" يجبر صوته الجميع على الصمت والاستماع إليه باهتمام، ويبدو الأب فخوراً للغاية بابنه، وما إن يصل الطفل إلى الكوبليه الثاني حتى يدوي صوت موكب سيارات، ويصرخ أحدهم: "الريس معدّي"، ويصرخ صوت آخر: "الريس هيسيب بور سعيد".

يتدافع الجميع إلى النوافذ والأبواب للحاق برؤية الموكب بينما يستمر الطفل في الغناء مغالباً خيبة أمله وارتباكه، في الخارج تذيع ميكروفونات الإذاعة المحلية صوته وهو يغني الأغنية، بينما يسارع الموكب الرئاسي للخروج من بور سعيد والناس يتدافعون لتحيته.

تعود الكاميرا إلى الميكروفون الذي يذيع أسماء الطلاب الذين تقوم المحافظة بتكريمهم، ومن بينهم الطفل عمرو عبد الباسط الذي حصل على جائزة الغناء الوطني، وتنزل الكاميرا من الميكروفون إلى قاعة الحفل ثانية، حيث نرى عمرو ببدلة لطيفة الشكل وهو يجري إلى المنصة لاستلام الجائزة، فيتكعبل ويثير ضحك زملائه قبل أن ينهض ثانية ويتوجه إلى المحافظ للحصول على الجائزة، بينما يقف والده إلى جوار مصور قام باستئجاره خصيصاً لالتقاط صورة لابنه وهو يسلم على المحافظ.

بعدها نرى عمرو وهو يقف مع عدد من زملائه في حوش المدرسة ويقوم بتفريجهم على الجائزة، يقترب منهم عدد من العيال "اللَبَط" الذين يبدأون بالسخرية من عمرو ووقوعه على المنصة، ومن كونه مغنياً وحين يكبر سيكون صبي عالمة، وعبارات من هذا القبيل، وينفعل عمرو لكنه لا يستطيع مواجهتهم.

يتطوع أحد أصدقائه للرد فيتم ضربه، يحاول عمرو الدفاع عنه لكنه يفاجأ بتلقي لكمة في وجهه تفقده توازنه، ويجري أصدقاؤه مبتعدين بينما يواصل العيال ضربه، ويتركونه والدماء تسيل من وجهه وهو يسير في شارع على البحر، كسيراً يبكي وهو يغالب بكاءه بدندنة ذات اللحن غير المنتظم الذي سمعناه يعزفه على البيانو، يقطع هذه الدندنة صوت يخترق السماء لطائرات تجبر الجميع على رفع رؤوسهم إلى السماء لاستطلاع ما يجري، ويفاجأ الجميع بقنابل تنهال من هذه الطائرات باتجاه المواقع العسكرية في بور سعيد، فيما لم يكن يعرف أنه بداية لهزيمة الخامس من يونيو 1967، ونرى عمرو مذهولاً يجري في الشارع مرتبكاً حتى يصل إلى البيت حيث تنتظره والدته التي ترد فيها الروح حين تراه.

بعدها نرى عمرو ووالده ووالدته وهم يحشرون أنفسهم في أتوبيس، حاملين بعض حاجاتهم التي تمكنوا من أخذها من البيت بسرعة، وعمرو يحمل بعضها ويركب في الأتوبيس الذي كُتب عليه "بور سعيد ـ الشرقية"، وهو مزدحم عن بكرة أبيه بالأهالي النازحين إلى قرى بعيدة عن القصف الذي تتعرض له بور سعيد. من شباك الأتوبيس ينظر عمرو الى الطائرات التي تقصف بعض السفن الحربية وهو يدفن نفسه خائفا في حضن والدته، ونرى وصوله هو وأهله إلى قرية عائلته في محافظة الشرقية، واستقبال الأهل لهم بحفاوة لم تبدّد من إحساس عمرو بالوحشة والارتباك.

نرى عمرو وهو يسير بصحبة والده إلى محطة القطار حيث يسافر الوالد يومياً من القرية إلى حي أثر النبي في القاهرة، حيث أصبح مقر عمله، والطفل ينهال على والده بالأسئلة عن متى سيعودون إلى بور سعيد، وعما حدث لبور سعيد، وعن شارع سيد درويش الذي تركوه، وفجأة يطلب من أبيه أن يسافر معه إلى القاهرة لكي يدخله معهد الموسيقى العربية، لعله عندما يكبر يكون "زي سيد درويش"، مثلما كان أبوه يقول له حين يجيد الغناء. يعده أبوه بأن يفعل ذلك حين يكبر ويودعه ويركب القطار.

بعدها نرى عمرو ووالده ووالدته وهم يحشرون أنفسهم في أتوبيس حاملين بعض حاجاتهم التي تمكنوا من أخذها من البيت بسرعة، الأتوبيس الذي كتب عليه "بور سعيد ـ الشرقية" وهو مزدحم عن بكرة أبيه بالأهالي النازحين إلى قرى بعيدة عن القصف الذي تتعرّض له بور سعيد

قطع على عمرو وهو يشارك في أحد أفراح أقاربه، حيث يستمع باهتمام إلى النغمات الجميلة لموسيقى الفلاحين التي ترقص الفتيات الجميلات على أنغامها. ونراه هنا، كما في مواضع أخرى، يقوم بما يشبه عملية تخزين للنغمات في دماغه، وهو ما يمكن التعبير عنه بطريقة ما في شريط الصوت، تفيد قيامه بتخزين هذه النغمات في دماغه وتلقيه لها بشكل مختلف عن تلقي الآخرين لها، نرى وصول أحد كبار العائلة الذي يهرع الجميع كباراً وصغاراً للترحيب به واستقباله باحترام وتقدير، وهو ينزل من عربيته الفاخرة بمقاييس ذلك الوقت، الأب يحثّ ابنه على الذهاب لتقبيل يد عمه صلاح، لكن عمرو يرفض ويقول لأبيه إنه لن يفعل ذلك، ويكتفي بالسلام على الرجل، ينظر الأب اليه بإعجاب ويحتضنه ويعودان سوية لمتابعة الغناء والرقص.

في ليالي القرية الطويلة، وخلال انتظاره للنوم، يتذكر عمرو كل تفاصيل بور سعيد التي يحنّ إليها، فنراه يتذكر حين ذهب مع والده ليزورا متحف بور سعيد، ويتذكر إجابات أبيه على كل أسئلته عما يراه في المتحف من تماثيل وأسماء وشخصيات، يتذكر أيضاً قيام جميع بيوت بور سعيد بكسر كل الأطباق والقوارير الزجاجية في ليلة رأس السنة، واشتراكه هو وأسرته في ذلك، يتذكر ما كان يسمعه من حكايات عن انفجار الألغام في بعض أقران الطفولة أثناء لعبهم في الماء، وقيام الأمهات بمنع أبنائهن من الذهاب إلى البحر خوفاً على حياتهم.

نرى مزجاً صوتياً بين غناء القرية المعتمد على الطبل والزمر بطبل وزمر منبعث من موسيقى عسكرية، حيث نرى زحاماً من البشر على شط القناة، وهنا يدخل إلى الكادر الأب وابنه عمرو الذي نراه هذه المرة كبيراً في السادسة عشر من عمره، وهو بنفس الروح المتحمسة التي رأيناه بها طفلاً يخترق الحشود لتحية الرئيس عبد الناصر، لكن اللافتات المعلقة بالمكان هذه المرة ترحّب بـ "الرئيس أنور السادات، بطل العبور، وضيفه الكبير شاه إيران، بمناسبة افتتاح فناة السويس للملاحة الدولية"، وتذيع الميكروفونات المعلقة بالمكان أغنيات وطنية منها أغنية "النجمة مالت عالقمر"، وتعود الكاميرا للتركيز على الميكروفون، حيث تنزل منه إلى بطلنا الذي يغني في البيت الأغنية ذاتها بصوته الجميل، وسط إعجاب الجميع وتشجيع والده ووالدته وخلفه يقف عدد من أصدقائه ككورال.

بعدها نرى عمرو مع زملائه في الفصل المزدحم بالطلاب، حيث يشرح المدرس درساً صعباً في الرياضيات، بينما عمرو وزملاؤه يقومون بتقطيع صفحات كتاب أصفر الأوراق يحمل عنوان "مذكرات فتاة ليل" ويقومون بتبادل الصفحات مع بعضهم وقراءتها بشغف، فجأة يصفّر أحد الطلاب القريب من الشباك تصفيرة إعجاب، يتدافع الطلاب إلى الشباك لنرى زميلاً لهم ينزل من عربية سبعينيات فاخرة، يركنها جوار المدرسة ويصعد إلى الفصل بكل "ألاطة"، دون أن يثير ذلك اعتراض المدرس.

عمرو يشير الى أحد أصدقائه إشارة البدء في عملية تعودوا عليها للهروب من الفصل، بعد أن نفهم أنهم تأخروا على "ماتش كورة هيلعبوه على فلوس أو على صندوقين اسباتس مع عيال مدرسة تانية"، يستخدم أحدهم آلة حادة ليضرب بها ماسورة المجاري التي تمر بالقرب من الفصل، بينما يقوم باقي الطلاب بإلهاء المدرس ليخرج خارج الفصل، بعد ضربات قليلة تندفع المياه الملوثة من الماسورة لتغرق الفصل ويندفع الطلاب إلى خارجه، بينما تغرق المياه الفصل ومكتب الناظر الواقع أسفل الفصل، ويسارع عمرو وزملاؤه للهروب خارج المدرسة.

قطع على عمرو حيث نراه مندمجاً في ماتش كورة ساخن للغاية إلى جوار سور المدرسة، حيث نرى مهارته في لعب الكورة وكيف يسجل هدفاً يثير حنق الفريق المنافس، وكالعادة ينقلب الأمر بخناقة يشترك فيها بجدارة تعكس تطوراً ما حدث في شخصيته التي لم تعد منطوية أو خجولة، تنفضّ الخناقة بخروج ناظر المدرسة لمطاردة الطلاب، ويهددهم بإبلاغ آبائهم، خصوصاً عمرو الذي لن يسكت والده على هروبه من المدرسة كل يوم للعب الكورة، وفي المدرسة نرى كيف تم غلق غرفة الموسيقى التي كنا نراها في السابق مزدحمة بالآلات والطلاب، بعد أن سحبت الكرة الاهتمام والشغف.

نرى هروب عمرو وزملائه ضاحكين، حتى يصلوا إلى القرب من سور مدرسة بنات مع موعد خروجهن من المدرسة، عمرو لديه شلة مكونة من اثنين من زملائه، زياد والسيد، هما اللذان سيستمر ظهورهما معنا في أحداث الفيلم. عمرو يسأل زياد عن البنت التي اقنعها بالمجيئ معهم إلى الشقة، يصفها زياد لهم وصفاً كأنها ملكة الجمال والإثارة في العالم، ويطلب من عمرو والسيد أن يسبقاها الى شقته التي سافر والداه وتركاها، ليتمكن من اصطحاب البنت إلى الشقة بهدوء ومن غير فضيحة في الشارع، يهددانه بأنه لو طمع فيها وخلع بيها لوحده "هيولعوا له" في الشقة.

يذهبان لانتظاره في الشقة بفارغ الصبر، يدخل زياد بملكة الجمال التي وعدهم بها، فيتضح أنها لا علاقة لها بالجمال من قريب أو من بعيد، ينهالان عليه بالشتيمة والتريقة، فيقول لهم: "والله ده اللي موجود ولو مش عاجبكو سيبوها لي"، يقرران البقاء والرضا بالمتاح، ونرى كيف يرتبكون خلال محاولتهم البدء في ممارسة الجنس معها، حتى أنهم من فرط ارتباكهم يقبلون أيدي بعضهم البعض، لا تحاول البنت مساعدتهم لأنها تشعر بإرهاق شديد، ولأنها في الأصل مصابة بسوء التغذية يُغمى عليها، ونرى الثلاثة وهم يحملونها على السلم بمشقة، ويضعونها على مدخل العمارة ويسارعون للهرب على العجل الذي يركبونه.

نقطع عليهم وهم في انتظار نفس المدرس الذي رأيناه في المشهد السابق، وهو يصل إلى بيت عمرو راكباً دراجته، حيث تطمئن الأم على وصوله ثم تودع ابنها لتذهب الى عملها المسائي في النادي الاجتماعي للحزب الوطني (الاتحاد الاشتراكي سابقاً). يبدأ الثلاثة الدرس بجدية شديدة، فجأة يعرض عمرو على الأستاذ أن يعد له الشاي، وفعلاً يأتيه بكوب شاي. قطع على الأستاذ وهو نائم وعمرو يقوم بتفريغ إطارات دراجته، والثلاثة يركبون دراجاتهم ليسارعوا بالذهاب للاشتراك في حفلة موسيقية في بيت الشباب ببور سعيد، حيث يغني عمرو أغنية غربية من الأغاني الناجحة في السبعينيات، وبعد انتهاء الأغنية يسارع الثلاثة بالعودة إلى البيت، ليجلسوا إلى جوار الأستاذ الذي يصحو من النوم لا يتذكر ما حدث، ليرى الوقت وقد فاته، ويخرج ليرى ما حدث لدراجته، فيبدأ في سب ولعن عيال المنطقة، ويشاركه في ذلك عمرو وأصدقاؤه وكأن لا علاقة له بما حدث.

نعود إلى عمرو وهو يغني في حفلة من حفلات بيوت الشباب، ويدخل والده عليه وهو يغني، يرتبك لكنه يواصل حتى ينهي الأغنية ثم يذهب لتحية والده الذي تظهر عليه علامات الحزن بشكل لا يفهم عمرو سببه

نعود إلى المدرسة التي تمّ تطبيق نظام صارم فيها للحضور والانصراف سيصعّب مهمة العيال في الهروب منها، يتفتّق ذهن عمرو عن حيلة بفتح حوار مع مسؤول كشوف الحضور والغياب، ليفتح معه حواراً يتظاهر بالتعاطف عن طموحاته في العمل، وكيف أن وظيفة تافهة كالتي هو فيها لن تؤمن له مستقبله، ويعرفه بأن والده يعمل مديراً عاماً في هيئة قناة السويس، وأنه سمع منه أنهم يبحثون عن شباب ناهض لشغل عدد من الوظائف، ويعده بأن يكلّم والده مقابل أن يتساهل معه في تسجيل الغياب.

بعدها في فوتو مونتاج، نرى عمرو وزملاءه في حفلات بيوت الشباب الموسيقية وماتشات الكورة على فلوس، وقيامهم بإحراق عرائس اللنبي في أعياد شم النسيم، وحملهم الثلاثة لنفس الفتاة وهي مغمى عليها مرة أخرى على السلالم. ثم نعود إلى عمرو وهو يغني في حفلة من حفلات بيوت الشباب، ويدخل والده عليه وهو يغني، يرتبك لكنه يواصل حتى ينهي الأغنية، ثم يذهب لتحية والده الذي تظهر عليه علامات الحزن بشكل لا يفهم عمرو سببه.

بصوت متهدج وحزين يسأل الوالد عمرو عن توقعه لنتيجة الثانوية العامة، يرتبك عمرو ويقول له إنها ستعلن بعد يومين. يخبره الوالد أنه حصل عليها من الكونترول، وأنه حصل على 50 في المئة فقط، ويخبره بأنه عرف بتحايله على المدرس المسكين مسؤول الغياب، ويطلب منه العودة إلى البيت سريعاً، وأن يعرف أنه بتسيبه هذا قد جنى على مستقبله وضرّ نفسه، كل هذا بغضب لا يفارقه الحنان، وينصرف الأب خائب الأمل، ليأتي أصدقاء عمرو ليسألوه عن الأمر، فيحاول مداراة خيبة أمله وحزنه من غضب والده بالمزاح قائلاً: "أنا وانتو جبنا مجموع 100 في المية".

 ينصرف الأب خائب الامل، ليأتي أصدقاء عمرو ليسألوه عن الأمر، فيحاول مداراة خيبة أمله وحزنه من غضب والده بالمزاح قائلاً: "أنا وانتو جبنا مجموع 100 في المية".

ينصرف عمرو للبيت لتستقبله أمه بنظرة عتاب، ويفاجأ بوالده يأخذه من يده ليذهبا إلى شيخ ليقوم برقيته وقراءة الأوراد والأدعية عليه، ليرقيه من الشيطان الذي تسبب بإضاعته لمستقبله، ونرى عمرو بعدها وهو يقوم بالتقديم في معهد التربية الرياضية بوصفه لاعب جودو، ليتم رفضه في اختبارات المعهد، ثم نراه هو ووالده في زيارة لمكتب أحد أقاربه بالشرقية الذي أصبح عضواً لمجلس الشعب عن الدائرة، ونرى كيف قام قريبه بلطعهم في الخارج، ثم قابلهم مقابلة بايخة، ليعدهم بعدها بالتوسّط لحل المشكلة مع المعهد، ولو أن الأمر صعب لأن عمرو غير متفوق.

نرى بعدها كيف رسيت الأمور على دخول عمرو للمعهد التجاري في بور سعيد، حيث نشأت علاقة عاطفية غير ناضجة، هي العلاقة الأولى في حياته والتي سيتعامل معها بحماس حقيقي ويفرغ فيها كل اهتمامه، ويبدأ في كتابة الأغاني والقصائد والهيام في حبها، لتكون النتيجة في نهاية العام تلقيه خبطة على دماغه بالرسوب في 5 مواد، وفي نفس يوم إعلان النتيجة يفاجأ بأنها تقطع علاقته بها بشكل عنيف، وبعد ما حدث لعمرو في المعهد التجاري، يقرّر والده أن يكون واقعياً، ويقرّ لنفسه بأن عمرو "مش بتاع تعليم"، وينتظر حلول موعد دخوله الجيش ليؤدي خدمته العسكرية، ثم يبحث له بعدها عن أي وظيفة والسلام.

...

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image