"لا عمر للأسامي. أسماؤنا أكبر منا كانت، كانت قبل أن كنا".
يكفي أن تطرق سمعك هذه الجملة الشعرية التي كتبها منصور الرحباني حتى تفتح باباً للنقاش. هذا ما حدث بيني وبين صديق حول الأسماء وارتباطها بالمجتمع.
يمكن أن نعرف الخلفيات الدينية والفكرية والعقائدية، حتى القومية والعشائرية، من خلال الأسماء. مثلاً من المفارقات أن جيلاً في مصر سمّيت الفتيات فيه بـفريدة، تيمناً بزوجة الملك فاروق الأولى، وبعد ثورة 25 يوليو طغى اسم "جمال" (والمقصود الرئيس جمال عبد الناصر) على أسماء الشباب في مصر والعالم العربي.
من جهة أخرى، نجد أن الجغرافيا والبيئة كانتا تلعبان دوراً في اختيار الأسماء، مثل مهرة وظبية في الخليج، وفي دمشق كان لاسم ياسمين علاقة بانتشار هذه الأزهار في أحيائها حتى لقبت بمدينة الياسمين.
يذكرني هذا الحديث بأوليفر، أحد أكثر الأسماء انتشاراً في بريطانيا، وهو مدوّن ومؤثر بريطاني على السوشال ميديا، يعرف عن نفسه بـ"متربٍّ في سلطنة عمان".
اعتنق أوليفر الإسلام، ولكنه لم يغير اسمه.
اعتنق أوليفر الإسلام، ولكنه لم يغير اسمه، مما دفع الكثير من متابعيه لتكرار هذا السؤال عليه: لماذا لم تغير اسمك؟
اعتدنا أن إسلام الشخصيات الأجنبية يأتي مع تغير أسمائها مثل الملاكم كاسيوس مارسيلوس كلاي أو محمد علي كلاي، والشيخ الأمريكي حمزة يوسف، الذي كان ذائع الصيت يوماً ما، وضم في أحد برامجه الشابين أحمد الفيشاوي وأحمد الشقيري، والأخير سار على نهجه.
بالعودة إلى أوليفر، يحكي الرجل في فيديو خصصه للرد على هذه النقطة على موقع يوتيوب: "عندما أسلمت قبل ثماني سنوات فكرت كثيراً في هذا الموضوع، وسألت بعض الشيوخ الذين أجابوني أن ذلك ليس ضرورياً، إذا كان الاسم ليس به كفر".
أشعل هذا الجواب حيرة في نفسأوليفر، وبدأ يتساءل: إذاً، لماذا يغيرون أسماءهم عند دخولهم الإسلام؟".
وتابع: "فكرت أن أسمّي نفسي محمداً أو أحمد أو عيسى"، ولكن حين تعمّق في الموضوع أكثر، وجد أن معنى اسمه مشتق من اسم شجرة الزيتون، وهو ما أراحه.
ثم فكر في موقف أهله حين يغير اسمه، وكيف سيكون وقعُ ذلك عليهم، يقول: "احتراماً لأهلي لم أغيره".
لكل منا حكاية مع اسمه، ولعل أحدنا حين يقرأ مثل هذه الكلمات والمواقع، يبدأ بتذكر حكايته الشخصية، ويتساءل عن إحساسه باسمه.
أنا اسمي عمرو
لأعوام طويلة، اعتدت في كل تعارف أن أصحح اسمي مع نبذة مختصرة عنه، على الرغم من أن عمرو هو أحد الأسماء العربية القديمة والشهيرة على مر التاريخ، وأذكر على سبيل المثال الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم.
منذ كنت طالباً في المدرسة الابتدائية لم يكن يستقيم لفظ اسمي إلا مع القلة، فعادة ما أنادى عمر أو عامر، وغالباً عمرو مع نطق الواو، ذلك اللفظ الذي كاد يجعلني أكره الاسم بعد أن اختاره والدي الذي أخذ بنصيحة مديره بالإذاعة العمانية، ثم دخل في منافسة قرعة، ثم اختارت كل من أمي وجدتي وخالاتي أسماء مختلفة إلا أن الحظ كان حليفاً لاسم عمرو الذي تكرر ثلاث مرات.
يصفه عمرو بن بحر المكنى بـالجاحظ بالاسم المظلوم، ويراه أرشق الأسماء وأخفها وأظرفها وأسهلها مخرجاً لولا حرف الواو الذي ألصق به، ونادى كاتب عربي بحذف حرف الواو لانتفاء الضرورة، وكأنه كتب على اسم "عمرو" أن يبقى مظلوماً
من المعروف أن الواو في اسم عمرو تكتب ولا تنطق، وهي حرف زائد جاء في زمن ما قبل رسم الحركة أو التشكيل، وللتفريق بين عمرو، بفتح العين، وعمر بضم العين.
يصفه عمرو بن بحر المكنى بـالجاحظ بالاسم المظلوم، ويراه أرشق الأسماء وأخفها وأظرفها وأسهلها مخرجاً لولا حرف الواو الذي ألصق به، ويقول أبي حيان الأندلسي: "حروف هم أصل وحرفي زائد/كأني واو ألحقت منتهى عمرو".
أما الرافعي فيشير لواو عمرو قائلاً: "وعلام تهملني وأنت ترى/واو الهجا حسبت على عمرو".
لعنة الواو
قد أتقبل أن يخطئ عامة الناس في نطق الاسم بشكل سليم، إلا أنني لا أستطيع أن أتجاوز ذلك حين يصدر من مقدم برامج، من المفترض أنه ملّم باللغة العربية، أو كما حدث معي في إحدى السنين حين تقدمت لوظيفة، كان فيها ما يزيد عن مئة شخص، استطعت وأربعة آخرين أن نتجاوز الاختبار الأول إلى الثاني، وهو عبارة عن مقابلة شخصية مع اللجنة الموكلة بالاختيار.
دخلت، وقرأ اسمي عضوُ اللجنة بصوت مسموع، كان صدى حرف الواو يتكرر في أذني، فوجدت نفسي لا شعورياً أوقفه وأصحح الاسم، ما سبب له حرجاً بين أعضاء اللجنة، فأخذ يحاول أن يثبت أن ما قاله هو الصحيح، وتحولت المقابلة كلها إلى مناقشة اسمي، وبالتأكيد لم تكن الوظيفة من نصيبي، وندمت على ذلك التصحيح.
على الرغم من أن عمرو بن العاص قاد حملة مصر، وحمل أيضاً رسالة الإسلام إلى عمان، إلا أن اسم "عمرو" بقي أكثر انتشاراً في مصر، ويلفظه المصريون بشكل صحيح.
يلفتني جداً ذلك الشخص الذي ينطق اسمي بشكل سليم في أول لقاء يجمعنا، دون الحاجة إلى تصحيح. فأكبت فرحتي الداخلية، ورغبتي في احتضانه، وشكره.
أتذكر من طفولتي المشهد الذي جمع الممثلة السورية أمل عرفة ووائل رمضان في مسلسل "أسرار المدينة"، وهي تهدي إليه شريط كاسيت لعمرو دياب، وتنطق الواو بآخر الاسم الأول، ليرد عليها رمضان بتهكم: "عمروو (ينطق ويكرار الواو) اسمه عمرو. باللغة العربية لا يوجد شيء اسمه عمروو".
بعد سنوات قمت باسترجاع المسلسل، واقتطاع ذلك المشهد وإرساله إلى أصدقائي.
في قراءاتي عن عمرو، توقفت كثيراً عند مقالة د. ابراهيم بن عبد الرحمن التركي التي كان عنوانها: "واو عمرو: متى تختفي من إملائنا؟".
نشرت المقالة في صحيفة الجزيرة السعودية، عام 2016، وخلص فيها إلى أن الاقتصار على كتابة حرف الواو دون النطق يثبت عدم وجود قيمة لها في زمن التشكيل، ولكن أعتقد حتى حين تحذف الواو سينطقها البعض عمر بضم العين، وكأنه كتب على هذا الاسم أن يبقى مظلوماً.
أحمد وعفراء
تتذكر عفراء، 35 عاماً، من مدينة اللاذقية السورية، أغنية فيروز "أسامينا شو تعبوا أهالينا تلاقوها"، وتقول: "لكن أهلي لم يتعبوا. خالتي اختارت اسمي تيمناً بصديقتها في المعهد". معنى الاسم: ليس جميلاً. تحكي عفراء عن اسمها: "يقال للأرض القاحلة المغبرة، ودائماً يردد الذين حولي: عفرا وغبرا وقلة واجب، مزعجة هذه العبارة، ولكن كيف يمكن أن نزيل شيئاً ملتصقاً فينا كالاسم؟".
وتقول: "في طفولتي كنت أخجل من اسم أمي وأشعر أنه بشع مقارنة بأسماء أمهات صديقاتي: مريم، كوثر، حياة. أما اسم أمي فكان وجيهة".
كانت أستاذة المدرسة تسأل عفراء وصديقاتها عن أسماء أمهاتهن، وكانت التلميذة تدعو الله أن "يرن الجرس قبل ما يوصل الدور لعندي، كنت أخشى ضحكات زميلاتي على اسمي. في إحدى المرات تجرأت وقلت لأمي أن اسمها بشع، كان جوابها: أنا أحبه جداً لأنه هدية أبي الذي جاء به من تركيا".
اكتشفتْ عندما كبرت أن اسمها يعني الأرض القاحلة المغبرة. وآخرُ دخَل في الإسلام ولكنه أبقى على اسم "أوليفر"، بينما غير أحمد اسمه إلى داني... الأسماء ليست مجرد أسماء، وتغييرها قرار ليس سهلاً
تنهي عفراء حديثها عن اسم والدتها: "منذ تلك اللحظة تغيرت نظرتي وأعجبت باسمها وصرت أقول ما أجمل أن يكون اسمي هدية من شخص عزيز".
قد يكون الاسم أيضاً مثار معارك بين أهل الأب وأهل الأم، ويدخل الدين والقبيلة في ذلك، مثلما حدث مع أحمد 27 عاماً، وهو يمني مقيم في مصر.
تعرض أحمد للتنمر في مدرسته بالعاصمة اليمنية صنعاء لأن أمه مسيحية، ولم تحبه جدته الإيطالية لأنه مسلم. كانت والدته ترغب بتسميته دانيال، بينما اختار له والده اسم ماهر، لكن القرار كان من نصيب جدته لأبيه التي أرادت أن تطلق عليه اسم أحمد، تيمناً بشقيقها الذي توفي في سويسرا.
ولكن هل يعكس اسم أحمد إحساسه بنفسه؟ يجيب: "أحب اسم أحمد، لكني لا أشعر أنه يشبه شخصيتي. لم أغيره بشكل رسمي إلا أن استقراري في القاهرة أتاح لي أن أبرز شخصيتي".
اختار أحمد لنفسه اسم داني، وقال عنه إن أصله عربي ويعني القريب أو المقترب أو الوافد، وبات الجميع يعرفه في القاهرة باسم داني، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي لا يظهر اسمه الذي سمته به جدته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.