شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف نظر الشيعة إلى الفتوحات الإسلامية المبكرة؟

كيف نظر الشيعة إلى الفتوحات الإسلامية المبكرة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الاثنين 27 مارس 202310:21 ص

في القرن السابع الميلادي، تمكن المسلمون من تحقيق العديد من الانتصارات المدوية على كل من الإمبراطورية البيزنطية الشرقية والإمبراطورية الفارسية الساسانية. إثر تلك الانتصارات، فرضت دولة الخلافة الإسلامية سيطرتها على مساحات واسعة من منطقة الشرق الأدنى القديم.

واشتهرت تلك الغزوات تحت مُسمى "الفتوحات الإسلامية"، وحظيت بقدر كبير من الاعتبار والتقدير في الذاكرة السنّية الأرثوذكسية المرتبطة بالسلطة الحاكمة. على الجانب الآخر، لم تلقَ الفتوحات الاعتبار نفسه في الذاكرة الشيعية الجمعية، إذ نُظر إليها بوصفها حروباً دنيوية اتخذت من الدين ستاراً لها.

النظرة السنّية التقليدية

يُطلَق اسم الفتوحات الإسلامية المبكرة على الحروب التي خاضها المسلمون تحت راية دولة الخلافة الراشدة، ومن بعدها الدولة الأموية في القرن الأول الهجري. بدأ الخلفاء الراشدون تلك الحروب عقب القضاء على حروب الردة داخل شبه الجزيرة العربية في السنة الـ11 من الهجرة، وكان الخليفة الأول أبو بكر الصديق أول مَن بعث بالجيوش الإسلامية لتقاتل على الجبهة العراقية.

نجح المسلمون في عهديْ أبي بكر وعمر بن الخطاب وفي النصف الأول من خلافة عثمان بن عفان من التوسع بشكل سريع ومطرد في مساحات واسعة من أراضي العراق والشام ومصر وبلاد فارس وشمال إفريقيا. وتوقفت تلك التوسعات عقب اغتيال عثمان بن عفان واندلاع الحرب الأهلية بين معسكري العراق والشام في زمن خلافة علي بن أبي طالب وبدايات الدولة الأموية. ثم استُكملت الفتوحات مرة أخرى على جبهات الهضبة الإيرانية والمغرب الكبير وبلاد الأندلس في عهد عبد الملك بن مروان وأبنائه في سبعينيات القرن الأول الهجري.

بشكل عام، ينظر التقليد السنّي إلى تلك العمليات العسكرية بإيجابية وتبجيلية. بُنيت تلك النظرة على أساس الاعتراف بشرعية الأنظمة السياسية التي قادت تلك المعارك (الخلافة الراشدة والخلافة الأموية)، كما اتّسقت مع الكثير من الروايات المنسوبة للنبي والتي أمر فيها بالجهاد، ومنها ما أورده البخاري في صحيحه: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله".

وعُرف ذلك النوع من القتال في المصطلحات الفقهية الإسلامية باسم "جهاد الطلب"، وعرّفه القرطبي في تفسيره بأنه "فرض على الإمام، إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه أو يُخرج مَن يثق به، ليدعوهم إلى الإسلام ويرغّبهم ويَكفّ أذاهم، ويظهر دين الله عليهم، حتى يدخلوا في الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يد".

حاول الكثير من رجال الدين المسلمين الدفاع عن مشروعية الفتوحات الإسلامية في العصر الحديث، ولا سيما مع كثرة الانتقادات التي طالتها من جانب التيارات الاستشراقية والعلمانية المعاصرة. على سبيل المثال، عمل رجل الدين المصري يوسف القرضاوي على تبرير تلك الفتوحات فقال إن هدفها تمثل في "كسر شوكة السلطات الطاغية والمتجبرة، التي كانت تحكم تلك البلاد، وتحول بين شعوبها وبين الاستماع إلى كلمة الإسلام... وتريد أن يبقى الناس على دينها ومذهبها، ولا يفكر أحد في اعتناق دين آخر، ما لم يأذن له كسرى أو قيصر، أو الملك أو الأمير... ومن هنا كانت الحرب الموجهة إلى هؤلاء الملوك والأباطرة، لهدف واضح، هو (إزالة الحواجز) أمام الدعوة الجديدة، حتى تصل إلى الشعوب وصولاً مباشراً، وتتعامل معها بحرية واختيار، لمَن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيا من حيا عن بيّنة...".

الرأي الشيعي التقليدي... الرفض المطلق

يمكن القول إن الرأي الشيعي التقليدي رفض الفتوحات الإسلامية بشكل قاطع. بُني هذا الرأي على أساس العقائد الشيعية الإمامية التي ترى أن السلطة الإسلامية الحاكمة التي جرت في عهدها تلك الفتوحات لم تكن إلا سلطة فاسدة، غير شرعية، وذلك لأن الخلفاء الراشدين والأمويين اغتصبوا حق الأئمة المنصوص على ولايتهم بالنص الإلهي الواضح الصريح الذي لا سبيل إلى إنكاره أو التغافل عنه.

مصادر شيعية كثيرة أكدت أن الجهاد الشرعي لا يقع إلا بصحبة الإمام العادل. على سبيل المثال، ينقل الحر العاملي في كتابه "وسائل الشيعة" عن الإمام الأول علي بن أبي طالب قوله: "لا يخرج المسلم في الجهاد مع مَن لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزّ وجلّ، فانه إنْ مات في ذلك المكان كان معيناً لعدونا في حبس حقنا والإشاطة بدمائنا (أي قتلنا) وميتته ميتة جاهلية".

حظيت "الفتوحات الإسلامية" بقدر كبير من الاعتبار والتقدير في الذاكرة السنّية الأرثوذكسية المرتبطة بالسلطة الحاكمة. على الجانب الآخر، لم تلقَ الاعتبار نفسه في الذاكرة الشيعية الجمعية، إذ نُظر إليها بوصفها حروباً دنيوية اتخذت من الدين ستاراً لها

ونقل محمد بن يعقوب الكليني في كتابه "الكافي" المعنى نفسه عن الإمام الخامس محمد الباقر. يقول: "لا أعلم في هذا الزمان جهاداً إلا الحج والعمرة، والجوار (يقصد مجاورة العلماء)".

وفي السياق نفسه، أورد محمد باقر المجلسي في كتابه "بحار الأنوار" قول الإمام الثامن علي الرضا: "والجهاد مع إمام عادل، ومَن قاتل فقُتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ولا يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ".

بناءً على تلك الروايات المتواترة عن الأئمة، نظر التقليد الشيعي إلى الفتوحات الإسلامية بوصفها شراً مستطيراً. يقول جعفر مرتضى العاملي في كتابه "أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة" موضحاً أبعاد تلك النظرة: "نتج عن تلك الفتوحات مصائب وبلايا، وكوارث ورزايا، سواء في المجال الاجتماعي، أم التربوي، أم الالتزام الديني، وبسببها دخلت الشبهات وراج الفساد والانحراف، في المجتمعات الإسلامية، واختلطت المفاهيم، وظهرت الدعوات الهدامة، وما إلى ذلك من أمور اتسع بسببها الخرق على الراقع... لم يكن يصحبها تربية ولا تعليم، ولا كان ثمة كوادر كافية للقيام بمهمة كهذه، بالنسبة لهذه الرقعة الواسعة، وهذا المد البشري الهائل، ولا كان يهم الخلفاء والفاتحين ذلك من قريب، ولا من بعيد. وإنما كانوا يكتفون من المستسلمين بالتلفظ بالشهادتين، ثم بممارسة بعض الحركات والشعائر، ظاهراً، من دون أن يكون لها أي عمق عقيدي، أو رصيد ضميري أو وجداني ذي بال... ولذلك نجد في كتب التاريخ: أن كثيراً من البلدان تفتح، ثم تعود إلى الكفر والعصيان، ثم تفتح مرة أخرى...".

في السياق نفسه، عبّر المرجع صادق الشيرازي، زعيم التيار الشيعي الشيرازي في مدينة قم الإيرانية، عن ذلك الرأي في أحد دروسه إذ قال: "ومن المؤسف كثيراً أنه تُطرح كلمة الفتوحات في التاريخ الذي سُجل باسم الإسلام، وهو أبعد ما يكون عن الإسلام. الفتوحات التي حصلت بعد استشهاد رسول الله وقبل حكومة أمير المؤمنين، والفتوحات التي حصلت بعد أمير المؤمنين، هذه الفتوحات كلها مخازي مع الأسف. هذا الذي ورد في التاريخ، أما الذي لم يُسجل في التاريخ فهو أكثر وأكثر...".

من جهة أخرى، حاول أصحاب هذا الرأي أن ينفوا علاقة الشيعة الأوائل بتلك الفتوحات. يقول جعفر مرتضى العاملي في كتابه الحياة السياسية للإمام الحسن: "وأما بالنسبة لاشتراك بعض المخلصين من كبار الصحابة في الفتوح، فالظاهر هو أنهم كانوا غافلين عن حقيقة الأمر، فكانوا يقصدون بذلك خدمة الدين، ونصرة الإسلام والمسلمين، مع عدم اطلاعهم على رأي الأئمة عليهم‌ السلام في هذه الفتوحات… أو لعل السلطة كانت تهتم في إرسالهم في مهمات كهذه، وتمارس عليهم بعض الضغوط في ذلك".

اتجاه شيعي آخر... قبول وتبنٍّ

لمّا كان المعسكر السنّي قد تبنى الفتوحات الإسلامية وتباهى بها باعتبارها جهاداً دينياً تسبب في إعلاء كلمة الله ونشر الدين الإسلامي في شتى البلدان والأمصار، كان من الطبيعي أن نجد بعض التيارات الشيعية تحاول صبغ تلك الفتوحات بصبغتها، وتأكيد أنها تمت بموافقة الأئمة.

اعتمدت هذه التيارات في ذلك على بعض الروايات التي تعزو لعلي بن أبي طالب أدواراً مهمة في التخطيط لتنفيذ تلك الفتوحات. على سبيل المثال، يذكر ابن عساكر في كتابه "تاريخ دمشق" أن أبا بكر استشار ابن عم النبي في غزو الروم وأن عليّاً بشّره بالنصر: "قال أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أنك إنْ سرت إليهم بنفسك، أو بعثت إليهم، نُصرت عليهم إنْ شاء الله. فقال: بشرك الله بخير…".

الرأي الشيعي التقليدي رفض الفتوحات الإسلامية بشكل قاطع، وبُني هذا الرأي على أساس العقائد الشيعية الإمامية التي ترى أن السلطة الإسلامية الحاكمة التي جرت في عهدها تلك الفتوحات لم تكن إلا سلطة فاسدة وغير شرعية

كذلك، ورد في "نهج البلاغة" أن عمر بن الخطاب لمّا استشار علي بن أبي طالب في الخروج بنفسه لقتال الفرس، خالفه علي وقال: "كن قطباً واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إنْ شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك!".

في السياق نفسه، يذكر ابن أعثم الكوفي في "كتاب الفتوح" أن علياً شجع عمر على فتح بلاد فارس. ويذكر تقي الدين بن حجة الحموي في كتابه "ثمرات الأوراق" أن أبا عبيدة بن الجراح، لمّا أتم فتح دمشق واحتار في أن يسير إلى بيت المقدس أو قيسارية، وبعث إلى عمر بن الخطاب ليسأله، فإن عمر استشار الصحابة، فنصحه علي عندئذ بالمسير إلى بيت المقدس أولاً، وقال له: "مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلى بيت المقدس فإذا فتح الله بيت المقدس صرف وجهه إلى قيسارية فإنها تفتح بعدها إن شاء الله تعالى".

اعتماداً على تلك الروايات، حكم بعض علماء الشيعة بشرعية الفتوحات الإسلامية. على سبيل المثال، يقول محمد باقر السبزواري في كتابه "كفاية الأحكام": "الظاهر أن الفتوح التي وقعت في زمن عمر كانت بإذن أمير المؤمنين، لأن عمر كان يشاور الصحابة خصوصاً أمير المؤمنين في تدبير الحروب وغيرها، وكان لا يصدر إلا عن رأي علي". وفي المعنى نفسه، قال يوسف البحراني في كتابه "الحدائق الناضرة": "إن الظاهر إنما هو رضاه عليه السلام به إنْ لم نقل إنه بإذنه. وذلك لأنه عليه السلام صاحب الأمر بعد النبي فهو يحب ظهور الإسلام وقوته، وإنْ لم يكن على يده، فإن الغرض من أصل البعثة ومن النيابة فيها إنما خمود منار الكفر وظهور صيت الإسلام فهو عليه السلام وإنْ لم يكن متمكناً من الأمر والنهي وتنفيذ الجيوش، إلا أن غرضه الأصلي ومطلبه الكلي حاصل بذلك فكيف يكرهه ولا يرضاه؟!".

أيضاً، استدل أصحاب هذا الرأي بمشاركة العديد من الشخصيات الشيعية المعروفة في الفتوحات الإسلامية. ويذكر رجل الدين الشيعي المعاصر علي الكوراني في كتابه "قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية" أسماء العديد من هؤلاء ومنهم حذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن عمرو، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، ومالك بن الحارث الأشتر، وصعصعة بن صوحان العبدي، وحجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي.

كما استدل هؤلاء ببعض الروايات التي تحدثت عن مشاركة الإمامين الحسن والحسين، ابنَيْ علي بن أبي طالب، في بعض الفتوحات. ومن ذلك ما ذكره البلاذري في كتابه "فتوح البلدان" من أن الحسن والحسين اشتركا في غزو طبرستان في العام 29هـ تحت قيادة والي الكوفة سعيد بن العاص، وما ذكره الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك" من أن الحسن والحسين كانا ضمن المدد الذي بعث به عثمان لعبد الله بن أبي السرح والي مصر لمساعدته في استكمال فتوحات إفريقية في العام 26هـ.

وفي محاولة للفصل بين شرعية الفتوحات وشرعية السلطة الحاكمة، استدل الكوراني ببعض التفاصيل الواردة في قصة النبي يوسف في القرآن الكريم. يقول: "والصحيح أن مشاركته (أي الإمام) لا تستوجب ذلك (أي الاعتراف بسلطة الخلفاء)، فرب شخص لا يعترف بشرعية حاكم ومع ذلك يساعده في بعض الأعمال، فقد كان يوسف (عليه السلام) وزيراً لفرعون وساعده في حل الأزمة الاقتصادية، ولم يعترف بألوهيته ولا شرعيته!".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image