شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الغزو العربي" أم "الفتح الإسلامي"؟... هل يعيد "سؤالٌ" الجزائر إلى دوامة الدم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الجمعة 10 مارس 202303:32 م

"الغزو العربي" أم "الفتح الإسلامي"؟... هل يعيد "سؤالٌ" الجزائر إلى دوامة الدم؟

استمع-ـي إلى المقال هنا

كان سؤالٌ في مادة التاريخ طُرح على التلاميذ في مدرسة مولود قاسم نايت في ولاية غرداية جنوب الجزائر، كافياً ليشعل من جديد فتيل الصراع على الهوية في البلاد، حين وصف عرب "بنو هلال"، باللصوصية والتخريب بعد هجرتهم إلى بلاد المغرب الأقصى.

الجدل الذي أحدثه هذا الوصف، يأتي بعد أيام فقط على جدل آخر أثاره المعجم الطوبونيمي، الذي قررت الجزائر إنجازه للتعريف بالتاريخ والأسماء الأصلية للمناطق والولايات، ووردت في أحد نصوصه عبارة "الغزو العربي"، بدلاً من "الفتح الإسلامي"، ناهيك عن تغيير أسماء عربية إلى أمازيغية والعكس.

هل يشعل سؤالٌ الغزو العربي فتيل الصراع على الهوية في الجزائر؟

صراع طائفي

يتخوف الناشط السياسي عبد الرؤوف منانة، من منطقة بالريان في محافظة غرداية التي شهدت أحداث الصراع الطائفي الأخير، من أن يتحول الجدل الذي أثاره سؤال التاريخ، إلى مادة لإحياء تلك الأيام السوداء، التي أُحرق وخُرّب فيها كل شيء، وقُتل فيها عشرات الشباب في مواجهة فتنة أطفأ لهيبها العاقلون.

وفي حديث إلى رصيف22، قال منانة: "الملاحظ أن نص السؤال وما أثاره من جدل، كانا في ولاية اشتهرت بكونها معقل الصراع الهوياتي والمذهبي الذي راحت ضحيته قبل ثماني سنوات العشرات في مواجهات دموية بين الأمازيغ السنّة والعرب الإباضيين، في 2015، استدعت تدخل الجيش للسيطرة على الوضع.

في محاولة للسيطرة على الموقف قبل انفجاره، أصدرت مديرية التربية والتعليم في محافظة غرداية جنوب الجزائر، بيانا نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أعلنت فيه إيقافها أستاذ مادة التاريخ الذي قام بتحريف اسم الولاية والبلدية التي تنتمي إليها مؤسسته التعليمية، مع اقتباس نص يصف "بنو هلال" باللصوصية والتخريب، كما أمرت بإحالة مدير المؤسسة على المجلس التأديبي.

"ما يحدث هو محاولة لإحياء الفتنة من جديد"؛ هكذا استهل عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بلقاسم سعدي، حديثه إلى رصيف22، متّهماً أطرافاً مجهولةً بمحاولة جرّ المنطقة التي شهدت سابقاً أحداثاً دمويةً على خلفية صراع عرقي، إلى دوامة الدم من جديد.

وكالعادة، انتقل الحدث إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسم المغردون بين متحيز لعرقه رافضٍ المساس به أو تحقيره، وبين أصوات عاقلة تسعى إلى وأد الفتنة التي يرونها "تُدبَّر بليل" للجزائريين.


تأصيل النص؟

بعيداً عن تداعيات الموقف وتصعيداته، يرى الباحث في حوار الحضارات سعد الدين مرجة، أن المدرّس واضع السؤال الذي أثار الأزمة الأخيرة، اعتمد في صياغته سؤاله على اقتباس فقرة من رسالة ماجستير حول سقوط الدولة الموحّدية. وبعيداً عن العاطفة يقول مرجة، لرصيف22: "يجب أن ندرك أن مذكرة الماجستير معتمّدة، ناقشتها لجنة علمية، كما أن المعلومات الواردة في المذكرة تعتمد هي الأخرى على مصادر وكتب تاريخية قبل التحرير والمناقشة والقبول".

ويضيف: " لا أنكر المعلومة أو أؤكدها، لكن المنطق يقول إن ذكر المصدر، يجعل العقوبة، إن مسّت الأستاذ صاحب السؤال، تمتد لتشمل الهيئة العلمية المشرفة على رسالة الماجستير، حال ثبوت أن تلك المعلومة غير موثقة تاريخياً.

أما بخصوص تحريف أسماء المناطق، والحديث ما زال لمرجة، فنحن نعلم أن أبناء غرداية ينادونها تغردايت منذ زمن، لكن في الوثائق الرسمية يجب أن تحافظ على التسمية المعتمدة من قبل الدولة".


المعجم الطوبونيمي

أسماء الأماكن التي وردت في نص السؤال الذي أثار ضجةً في الجزائر، أكّدها المعجم الطوبونيمي الأخير الذي بدأت الجزائر بتحريره، قبل سحبه من الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للّغة العربية، بسبب الجدل الكبير الذي أحدثته أصول تسميات الأماكن والبلدات.

ويؤكد الباحث مرجة، لرصيف22، "أن المعجم الطوبونيمي أعاد التسمية الأصلية لغرداية وهو "تغردايت"، لكن نسخة المعجم تجريبية وليست نهائيةً، ولا يمكن اعتماد أي تسمية إلا بمراسيم قانونية من الهيئات العليا في البلاد".

أما الإعلامي الجزائري مجيد بوطمين فقد وجّه نيران انتقاده في الأساس إلى المعجم الطوبونيمي الذي بادر إلى التزوير -على حد تعبير بوطمين- والتدخل في ما لا يعنيه أصلاً، وفتح المجال لضعاف النفوس كي يقوموا بمثل ما قام به ذلك الأستاذ في ولاية غرداية".

وقد وصف أستاذ العلوم الاجتماعية حمد شريف، المعجم الطوبونيمي، بأنه "استفزاز واضح لا مبرر له، لمكوّن أصيل من الشعب الجزائري".

إذا حاولت الدخول لتحميل نسخة من المعجم الطوبونيمي الذي استحدثته الجزائر مؤخراً، للعودة إلى تاريخ وأصول التسميات، فلن تتمكن من ذلك، وهذا بعد قرار المجلس الأعلى للّغة العربية تعطيل الرابط وسحبه من الموقع، بعد جملة الانتقادات التي طالته.

 لماذا ظهر الآن المعجم الطوبونيمي الذي أثار كل ذلك الجدل في الجزائر !

ومن الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها المعجم، وصعُب على الجزائريين هضمها، وصف فترة الفتوحات الإسلامية للجزائر بالغزو العربي، بالإضافة إلى ورود أسماء لأماكن بعكس ما يعرفها به أبناؤها.

من جانبها، نددت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بما ورد في المعجم، وقالت في بيان رسمي لها إنها "تتابع بقلق بعض الأحداث التي اتّسمت بالغموض، ولها صلة بهوية الأمة وثوابتها، مثل ظهور المعجم الطوبونيمي، والذي أحدث بلبلةً وهزةً اجتماعيةً كنّا في غنى عنها، في محاولة لتصحيح تسميات المناطق الجزائرية التي لحقت بها بعض التغيّرات، وتثبيت التسميات الصحيحة التي ترتبط بالواقع اللغوي والثقافي الجزائري".

وقد انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، هاشتاغ "بلعيد ارحل"، في إشارة إلى رئيس المجلس الأعلى للّغة العربية المشرف الأول على إنجاز المعجم الطوبونيمي لتاريخ وأسماء الأماكن، بعد اتهامه بالتزوير ومحاولة إثارة الفتنة.

وكان رئيس المجلس الأعلى للّغة العربية الدكتور صالح بلعيد، قد أكد في لقاء إعلامي، أن سحب المعجم الطوبونيمي، وتجميد رابط التحميل ليس نهائياً، وإنما لتصحيح بعض الأخطاء الواردة، مشيراً إلى أن النسخة تجريبية وليست نهائيةً، وتشرف عليها هيئة علمية رفيعة.



أبعاد الجدل

الجدل وفق الباحث وأستاذ التاريخ في جامعة جيلالي مهري في قسنطينة شرق الجزائر، حسين بوبيدي، أخذ طابعَين، الأول "نقدي اتجه إلى تبيان الأخطاء التي شابت المعجم، والتنبيه إليها، وضرورة تغييرها، وهو ما صدر عن بعض الأساتذة والباحثين في تخصصات مختلفة، خاصةً تلك الجملة التي وصف فيها الفتح الإسلامي بالغزو العربي والتي تُعدّ تبنياً للرؤية الاستعمارية حول تاريخ الإسلام في الشمال الإفريقي، وهو ما أشار الدكتور صالح بلعيد لاحقاً في مقابلة إلى تصحيحه فوراً، منبّهاً إلى أن النسخة تجريبية وليست نهائيةً، بالإضافة إلى نقاش يتعلق بسلامة بعض الترجيحات حول جذور العديد من الكلمات بين الأصول العربية والأمازيغية".

أما الطابع الثاني، بتابع الدكتور بوبيدي، "فهو رد الفعل العام، وهذا يُرصد كحالة اجتماعية تمتلك حساسيةً كبيرةً من بعض القضايا ذات الدلالات الهوياتية، وهو ما يؤكد على المعالجة العاقلة والهادئة للبحث في مثل هذه المسائل".

وما ينبغي التأكيد عليه، يضيف بوبيدي، هو "أن البحث في الطوبونيميا -مع ما كُتب- لا يزال في حاجة إلى تعميق في الطروحات وتعاون بين المتخصصين، وإذا كان من المنطقي جداً إصلاح ما شوّهته الآلة الإدارية الاستعمارية من الأسماء، فإنه من الخطأ الحديث عن 'تصحيح' ما غيّره اللسان الجزائري ذاته من خلال التفاعل المستمر الذي تم بين الأمازيغية والعربية، ونتجت عنه مختلف أنواع الدارجات التي نتحدثها اليوم، والتي هي عربية قائمة على قاعدة أمازيغية، أو 'العربية كما تحدّثها الأمازيغ'، فهذا تحول طبيعي جداً يرسم التاريخ ويتماشى مع تاريخ الجزائريين، وتالياً ينبغي ترك هذه الأعمال دوماً في طابعها العلمي الأكاديمي، وعدم إقحامها في التجاذبات الهوياتية، أو استغلالها في إثارة الحساسيات، وهذا ما يُشعر الكاتب بالمسؤولية بالنظر إلى الارتدادات التي قد تنتج عن أي خطاب متسرع".

وكما يبدو فإن مسلسل جدل الهوية في الجزائر، لا زالت حلقاته طويلةً ومثيرةً، فما أن ينتهي موضوع حتى يأتي آخر ليبثّ فيه نبضات الحياة وليترك المواطن الجزائري تائهاً بين التجاذبات والاتهامات والفتنة في ظل عنصرية مقيتة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image