"إكرام الميت دفنه" أولى العبارات التي تتردد على مسامع أهل المتوفى فور إعلان خبر وفاة فقيدهم. عبارة تغير إيقاعها تدريجياً من نبرة المواساة والمشاطرة إلى صيغة الأمر والتوجيه بتخطي صدمة الفقد وشعور الحزن وسرعة التفكير في إجراءات الدفن، لتقف أسرة المتوفي أمام زلزلة حقيقة الموت التي تأتي من دون أي استعداد لفقد الأحباب، ومواجهة إجراءات الدفن فور حدوث الوفاة.
هذه المقابلة الصعبة خلقت فراغاً سعت لملئه شركات الخدمات الجنائزية التي روجت لنفسها بتقديم الدعم اللازم للأهل في يوم الفقد العصيب، والنيابة عنهم في القيام بكل ما يلزم من إجراءات روتينية. لكن المنافسة، خاصة مع مهنة "الحانوتي" التقليدية، حتمت ظهور خدمات أخرى جديدة تتجاوز "تخليص الإجراءات" ومحاولات التغلب على الصورة الذهنية التي تربط بين تلك الشركات المستحدثة وطبقات وفئات اجتماعية بعينها.
"الحانوتي" يتشبث بمهنته
تناول نشاط تلك الشركات يستلزم العودة إلى "الأصل" أولاً. تاريخ طويل تصدره "الحانوتي" منفرداً، كان فيه صاحب الخبرة ومُقدِم الخدمة للأهل الذين يثقون في شخص يحمل رخصة مزاولة المهنة، ويدرك جيداً ما ينبغي القيام به.
مهنة الحانوتي التي تناولها تقرير رصيف22 "ورثة الكهنة وحاملو مفاتيح الآخرة"، قامت لزمن طويل على أكتاف عائلات توارثت أصول المهنة لتثبيت جذورها وتوسيع نشاط "الدكاكين" الصغيرة لتصبح مكاتب وشركات عائلية كبيرة متفرعة.
"العريف" هو اسم عائلة الحانوتية الأشهر في مصر، عمل معظم أبنائها بالمجال حتى أنهم تداولوا لقب "شيخ الحانوتية" فيما بينهم بحكم سنوات عملهم الطويلة ومعرفتهم بكل تفاصيل المهنة، بداية من الجد الأكبر حانوتي عابدين محمد حسن العريف "حانوتي الملوك والباشوات" الذي بدأ قارئاً للقرآن أمام الجنازات قبل أن يصبح "معلم حانوتي".
أمام زلزلة موت الأحبّاء، تجد أسرة المتوفى نفسها أمام شلال من الإجراءات القانونية والطقوس الجنائزية اللازمة لمواراة الجثمان، إجراءات باتت هناك شركات في مصر الآن تقدم خدمات إنهائها، فهل يحظى وجودها بالقبول؟
"العريف الكبير" الذي تتلمذ على يديه محمد العريف شيخ الحانوتية وأشهر الأحفاد العاملين في المجال وأقدمهم فيه، والمُدافع باستماتة عن مهنته التي يرى أنها تشهد أسوأ فتراتها بسبب بعض الدخلاء عليها. يقول العريف الحفيد لرصيف22 إن مهنة الحانوتي لها أصول تبدأ بالحصول على ترخيص مزاولة المهنة من لجنة الجبانات بالمحافظة التي يعمل فيها، بعد اجتياز اختبارات للتأكد من قدرته على ممارسة المهنة والحفاظ على قواعدها، ويضيف: "في الوقت الذي يكتفي فيه أصحاب الشركات الجديدة بالحصول على شهادة منشأة من أي حي وسجل تجاري وبطاقة ضريبية كحال أي شركة تجارية".
محمد العريف وأفراد عائلته جمعوا بين الرخصة والتسجيل بالمزاولة، والتعلم بالوراثة، وهو ما يرون أنه يميزهم لكونهم يتمتعون بخبرة الأجداد.
شدد العريف رفضه على فكرة "دخول أي شخص دون خبرة سابقة للمجال" مؤكداً أن البعض يتعامل معها كتجارة مُربحة ويضع أرقاماً كبيرة مقابل خدمات في الوقت الذي يخشى فيه أولاد المهنة الحصول على أقل القليل.
ابن المهنة
"كل واحد عايز يعمل معلم". بهذه العبارة أبدى العريف استياءه من انحدار مهنة أجداده، مشيراً إلى أن "ما تبقى من عدد أولاد المهنة الموجودين الآن لا يتعدى أصابع اليد الواحدة"، في مقابل عشرات يعملون في مجالات مختلفة قرروا دخول المجال كتجربة عمل جديدة يمكنهم خوضها من دون رخصة. ولفت إلى أنه حتى شحن الموتى من الخارج الذي كان يتم بالتنسيق مع السفارات التي تتواصل مع حانوتية ممثلين عن مكاتبهم وشركاتهم القديمة، بدأ يخضع لتدخل أشخاص وشركات جديدة اقتحمت مجال عمل غيرها من باب المنافسة والتجارة.
ودافع العريف عن "مائة عام من دفن الموتى"، هي تاريخ شركة عائلته التي تقدم خدمة "تستوجب مراعاة ظروف أهل المتوفي وأحوالهم المادية قبل أي شيء، وقبل ذلكً التفكير في تطبيق أصول الموت" على حد قوله، بإكرام الميت وسرعة دفنه حتى لو لم يكن له أهل يدفعون المقابل المادي. ولفت إلى ضرورة التعامل مع بعض حالات الوفاة بصورة مختلفة أثناء الغُسل مثل الغريق أو الشخص الذي توفي في حريق أو مات وفي جسده آثار جروح مفتوحة تتطلب معالجتها قبل الغسل والتكفين، علاوة على توفير صناديق من أخشاب تتحمل كثرة الحركة ولا تتأثر بالمياه حرصاً على حالة جسد المتوفي داخلها.
العريف: حتى شحن الموتى من الخارج الذي كان يتم بالتنسيق مع السفارات التي تتواصل مع حانوتية ممثلين عن مكاتبهم وشركاتهم القديمة، بدأ يخضع لتدخل أشخاص وشركات جديدة اقتحمت مجال عمل غيرها من باب المنافسة والتجارة
الكثير من التفاصيل الدقيقة في حالات الموت أعادت العريف لحقيقة الوضع الذي تشهده المهنة، بعد اعتماد بعض الدخلاء عليها على "الشو" على حد وصفه في مقابل إغفال أمور أخرى أكثر أهمية.
وأشار إلى أن الحانوتية أيضاً يهتمون بالجانب الإنساني لأهل المتوفي من خلال مراعاة المقابل المادي المطلوب، فضلاً عن مساعدتهم في خدمات أخرى قد تزيد العبء على الأهل، ضارباً المثل بالتكفل بدفن بعض الأموات من أبناء دولة السودان المقيمين في مصر، إما لظروف الأهل الصعبة أو لعدم وجود أقارب للمتوفي من الأساس، مستبعداً أن يكون لدى الشركات الجديدة صاحبة الرأس مال الضخم الوافدة على المجال الاستعداد على القيام بمثل هذه اللفتات.
محمود الخولي: ظهور الشركات الجديدة، وإن كان أثار حفيظة أصحاب الشركات القديمة، ساعد العاملون القدامى في تطوير مستوى خدماتهم والسعي لإضافة تفاصيل جديدة لمواكبة العصر
منافسين جدد
"مهنة لا تتطلب تجديداً"، تلك هي القناعة التي يصر عليها أصحاب الشركات القديمة من عائلات الحانوتية، الأمر الذي يرفضه ممثلو عدد من أبرز الشركات الحديثة الرائدة في مجال الخدمات الجنائزية، بما استحدثته من خدمات، مؤكدين أهمية تطوير المجال وقابليته لفرض مفاهيم المنافسة والاحترافية.
محمود الخولي مؤسس واحدة من هذه الشركات المستحدثة، دخل مجال الاستثمار في الخدمات الجنائزية قادماً من دراسة البرمجة والعمل فيها لسنوات طويلة، أوضح أنه تعامل مع مجال خدمات الموتى "من منظور مختلف قائم على علم وفكر وآليات جديدة لا يمكنها الاستمرار بنفس الأسلوب القديم".
لا يفوت الخولي أن يبيّن لرصيف22 أن ظهور الشركات الجديدة، وإن كان أثار حفيظة أصحاب الشركات القديمة، ساعدهم في تطوير مستوى خدماتهم والسعي لإضافة تفاصيل جديدة لمواكبة العصر، مثل إنشاء مواقع إلكترونية تخص شركاتهم ومكاتبهم، ومحاولة دمج جيل الشباب من أبنائهم للاستفادة من قدراتهم خاصة في مجال التكنولوجيا.
ويتابع: "نحن جميعاً في سوق عمل لا بد أن نجتهد فيه حتى نستمر ولا نموت"، موضحاً أن الحانوتية الكبار شعروا بخطر وجود منافسين جدد يحصلون على نصيب مما كان لهم بأكمله، وفي النهاية يأتي التقييم من العملاء – سواء في الداخل أو الخارج- الذين يحددون مستوى الخدمات، كالسيارات المستخدمة في النقل، ووجود خدمة عملاء على مدار اليوم للرد على أي استفسار أو حل أي شكوى، وسرعة التنفيذ وإتاحة التواصل بعدة لغات وغيرها من الخدمات، إضافة إلى إدراك المراسم اللازمة لمختلف العقائد والأديان، منها خدمة حرق رفات جثامين وفقاً لمعتقدات بعض الفئات، ومنهم مقيمون في مصر.
يؤكد الخولي أن تركيزه الأكبر من البداية كان على دراسة الشركات العاملة في هذا السوق خارج مصر من أجل التعرف على مستوى الخدمات المُقدمة وإدارة المواقع الإلكترونية ليبدأ نشاطه في عام 2015.
صاحب شركة لتنظيم الجنازات: كل الدلائل تشير إلى سوق تجاري تنافسي بين الحانوتية قدماء المهنة، وبين شركات الخدمات الجنائزية
مساحات نقد وتميز
ويلفت إلى أن التعامل في مجال شحن الموتى بين الداخل والخارج تحديداً قبل ظهور الشركات الجديدة "كان بدائياً بعض الشيء يفتقد الاحترافية بسبب عدم الاهتمام بهذا الجانب"، متهماً "الحانوتي التقليدي" بأنه "لم يعِ فكرة الوجود على المواقع الإلكترونية للسفارات الأجنبية حتى أطلت الشركات الجديدة فظهرت عندئذ مخاوف من منافسة أشخاص جدد بالنسبة لهم يحصلون على حالات من السفارة التي كانت من قبل تتعامل من خلال الحانوتي القديم نظراً لأنه الخيار الوحيد المتاح".
ويشير الخولي إلى أن كل سفارة لديها قائمة على موقعها لعدد من الشركات الجنائزية التي تثق في مستوى خدماتها في مجال شحن الموتى لمنح أسرة المتوفي من رعاياها في مصر عدة اختيارات للمفاضلة بينها، موضحاً أن ترجمة نجاحه في المجال كان في وجود شركته ضمن مجموعة شركات على مواقع عدد من السفارات، منها الأمريكية والبريطانية والألمانية والروسية والأوكرانية، وكذلك توسيع مجاله الخارجي ليشمل شحن الموتى الأجانب من دول مختلفة وإليها، ليس من بينها مصر، المجهود الذي ظهر آثاره في النجاح في نقل جثامين عرب من أوكرانيا خلال الفترة الماضية إلى بلادهم.
أما عن المنافسة مع شركات أخرى بدأت في الفترة نفسها وتقدم خدمات مشابهة، فيؤكد الخولي أن من بينها شركات استثمار ضخمة تقوم على فريق كبير وليست شركات خاصة صغيرة و"بالتالي هي ليست منافسة بالمعنى المعهود"، كما أن تركيزها الأكبر على التسويق لفكرة تقديم خدمة متكاملة لأهل المتوفي بمساعدتهم في إنهاء إجراءات الدفن وتجهيز سيارات وحجز قاعات العزاء ونشر النعي وتجهيز باقات الورود وصناديق الدفن في حالة المتوفي القبطي، ومنح العملاء حرية الاختيار بين هذه الخدمات وغيرها من منتجات الصدقات الجارية، بالإضافة أو الحذف، مشيراً إلى أن نجاحهم مرتبط على نحو أكبر بحالات الوفاة داخل مصر.
ويرى أن كل الدلائل تشير إلى سوق تجاري تنافسي بين الحانوتية قدماء المهنة، سواء من احتفظ منهم بنظامه التقليدي أو من سعى للتجديد وبين شركات الخدمات الجنائزية القائمة على أفراد "ملكية خاصة" أو حتى شركة أسهم، ولكنه يشدد على أن ظروف عمل كل منهم تختلف عن الآخر، وحتى الخدمات التي يقدمها ويتميز فيها كل منهم مختلفة، و"يبقى حكم العميل وتجربته".
ويوضح الخولي أن العائلات تلجأ للسفارات بمجرد علمها بواقعة الوفاة، وهناك من يجعل إحدى شركات الخدمات الجنائزية وسيطاً يتابع الإجراءات ويساعد في استعادة الجثمان بالتنسيق مع السفارة وبعد تفويض كتابي منها.
صدقات جارية وهدايا تذكارية
أما أحمد جاب الله، مؤسس إحدى الشركات التي تتمتع بشهرة واسعة في المجال ذاته، فقد بدأ عمله بعدما ساقه القدر لحضور جنازة صديق بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد فترة طويلة من اختيار عدم المشاركة في أي جنازة "بسبب حالة الفوضى التي وجدت عليها جنازة والد أحد الأصدقاء في مصر وشعوري بثقل اليوم على أهل المتوفي خاصة خلال إنهاء الإجراءات المطلوبة قبل الدفن".
نموذج ناجح سعى جاب الله لتطبيقه مع فريق زاد عدد أفراده بمرور الوقت، فرغب في إدخال مزيد من الخدمات التي يحتاجها أهل المتوفي في هذا الظرف، مستعيناً بعدد من العاملين في مجال الخدمات الجنائزية منذ سنوات طويلة، أملاً في الجمع بين الخبرة وآليات العمل الجديدة التي تساهم في تطوير المجال.
كان هدفه "مواساة" من نوع آخر تقوم على فكرة تجاوز يوم صعب بأقل أعباء نفسية ممكنة، عن طريق تحمل مهام والتزامات الأهل على مدار اليوم، وإتاحة الفرصة لهم للتفرغ لحالة الحزن، موضحاً أن فريق الشركة يساعد أهل المتوفي في تسهيل إنهاء الإجراءات اللازمة، في المنزل أو إذا وقعت حالة الوفاة داخل مستشفى، إضافة إلى المساعدة في استخراج تصريح الدفن وتجهيز الجثمان، وإعداد المقبرة وتوفير الشيخ أو القس لإقامة الصلاة، والنقل بسيارات مجهزة وحجز قاعة عزاء أو نشر نعي في الصحف لمن يرغب، وتوفير صناديق الدفن وتجهيز باقات زهور محلية ومستوردة -حسب الطلب- لمن يرغب، وخدمات أخرى تدخل ضمن مجموعة باقات للصدقات الجارية والهدايا التذكارية مثل طباعة نسخ من القرآن الكريم أو الإنجيل وكتب للأدعية للمتوفي وشموع وسبحات إسلامية وسبحات صلبان. كما تقوم الشركة بإحياء ذكرى الأربعين والذكرى السنوية لكل عائلة تريد الاستعانة بخدماتها بعد الوفاة.
2019 كان عام الانطلاق، و2020 بدأ العمل بشكل رسمي تحت اسم كيان معروف بعد تكوين فريق. هكذا كان التسلسل الذي منحه خبرة كبيرة وفقاً لجاب الله الذي أوضح لرصيف22 أنه اجتهد طويلاً في البحث والدراسة، منذ 2013 حتى التأسيس في 2019.
شراكة ومنافسة
سنوات الدراسة الدقيقة للسوق أضافت إلى رصيد الكيان الناشئ من الثقة لدى المستشفيات وعدد من النقابات التي أقامت معه شراكات للاستفادة من خدماته.
ويلفت جاب الله إلى أن ظهور شركات جديدة في مجال الخدمات الجنائزية إلى جانب الحانوتية، لم يقلل من قدر وأهمية وجودهم، مؤكداً أنه كان حريصاً على التواصل مع "قدماء المهنة والتعاون معهم".
الترتيب المسبق للموت
ويرى أن الشركات الجديدة استحدثت بعض الخدمات التي لم تكن موجودة من قبل، منها برنامج الترتيب المسبق الذي استحدثته الشركة التي أسسها ولقي تفاعلاً كبيراً.
ويتابع جاب الله: "كان جزءاً من التطوير الذي تستهدفه الشركة العمل على مواجهة أي مشكلة تواجه أهل المتوفي، فتقديم الخدمة الأساسية كتجهيز الجثمان وتصريح الدفن والتوصيل للمقابر لا تعني عدم البحث وراء مزيد من الخدمات التي تحقق الراحة"، موضحاً أن هذا البرنامج هو بمثابة "تخطيط لتفادي وقوع أي مشكلة وقت حدوث الوفاة".
فكرة البرنامج تقوم على التواصل مع الشركة والتنسيق معها بخصوص أي شخص قبل الوفاة، لإنهاء كل الترتيبات اللازمة، خاصة إذا كان هناك شك في إمكانية وقوع مشكلة ما، سواء بسبب إعداد المقبرة أو تجهيز بعض الأوراق المطلوبة، ضارباً المثل بالترتيب المسبق لوفاة جد كبير في العائلة أو حالة أحد الأقارب إذا كان يعاني مشكلات صحية خطيرة، موضحاً أن بعض الأهالي الذين استعانوا بخدمة "الترتيب المسبق" لم يكن لديهم أي علم بأماكن المقابر الخاصة بهم أو مكان الاحتفاظ بالمفاتيح الخاصة بها، وكذلك فقدان البطاقات الشخصية القديمة التي سبقت بطاقة الرقم القومي لأشخاص في أرذل العمر، وبالتالي توقف أي إجراءات بسبب صعوبة استخراج تصريح الدفن، تلك العقبات التي تمثل أزمة كبيرة ينبغي اكتشافها سريعاً قبل وقوع الوفاة.
ويبيّن جاب الله أن الأمر نفسه ينطبق على الكثير من المغتربين الذين تفاعلوا مع الخدمات المستحدثة، بهدف تفادي أي مشكلات تقع للأهل بعد الوفاة إلى جانب مساعدتهم في استعادة جثمان فقيدهم من الخارج.
عملاء ولكن
إذا كانت تلك هي عروض أصحاب الخدمة فكيف يراها العملاء المستهدفون منها؟
سؤال كشف عن جدل كبير حول تجارب وأهداف الشركات الجديدة، فقال عنها جورج عادل، الذي يعمل أمين مخازن بشركة سلع غذائية، إنها لن تكون بديلاً عن الأهل حتى لو من باب المساعدة والدعم في استخراج أوراق أو إنهاء بعض الإجراءات، بل يرى أن جزءاً من شعور الأهل بالراحة والصبر على مصابهم يكمن في قيامهم هم بهذه الترتيبات.
هدى حنفي: "الحانوتي سيبقى سيد مهنته، فلا مجال لإتباع أي شخص ليس لديه خبرة بالأمور الشرعية الواجبة لمجرد كونها شركة متطورة، وأيضاً لا مجال لتحويل هذا الحدث إلى معاملة تجارية واتفاقات قائمة على شروط"
وحكى عن تجربته الشخصية بعد وفاة والده إذ وجد في متابعة إجراءات دفن والده وتجهيز الملابس الخاصة به وإبلاغ الكنيسة بوجود حالة وفاة والصلاة عليه فيها وغيرها من الطقوس المتبعة بالترتيب، سبباً للعزاء والسلوان، ما ساعده في تخطي صدمة الفراق ومحاولة استيعابها.
وأشار إلى أنه قام بنفسه بمتابعة طباعة بعض التصميمات لصورة والده مع صور ورسوم قبطية في إحدى المكتبات المعروفة بهذا النشاط كصدقات جارية على روح والده.
وانتقد فكرة وجود أفراد غرباء يقومون بواجب الابن أو الزوجة أو الأهل في يوم رحيل عزيزهم، مؤكداً أن متابعتهم لكل هذه الأمور والتفاصيل هي الواجب الأخير الذي يقدمونه للفقيد.
واتفقت معه هدى حنفي - مُعلمة لغة عربية- التي شهدت تفاصيل اليوم الأخير لوالدتها قبل انتقالها لمثواها الأخير، مؤكدة أنها شهدت غُسلها وتكفينها، وأن مشاركتها في ذلك من أسباب ثباتها واحتمال حزنها.
أما عن رأيها في شركات الخدمات الجنائزية بمفهومها المعاصر فهي ترى أن "الحانوتي سيبقى سيد مهنته، فلا مجال لإتباع أي شخص ليس لديه خبرة بالأمور الشرعية الواجبة لمجرد كونها شركة متطورة، وأيضاً لا مجال لتحويل هذا الحدث إلى معاملة تجارية واتفاقات قائمة على شروط". وتابعت: "يجب أن يحصل الأهل على فرصة حزنهم كاملة دون دخيل أو شريك في إقامة واجبات وإجراءات مفروضة عليهم، وستبقى جزءاً لا يتجزأ من التعبير عن مشاعر الفقد".
عرض وطلب
على العكس منها، رفضت همت مصطفى -ربة منزل- انتقاد شركات الخدمات الجنائزية أو الانتقاص من أهمية دورها واحتياج الكثير لها، موضحة أن قدرة البعض على استيعاب صدمات الفراق لا تنفي عدم قدرة آخرين على التحمل والتعامل في مثل هذه المواقف واحتياجهم للمساعدة والدعم.
وأشارت إلى أن إنهاء إجراءات ما بعد الوفاة مهمة شاقة اختبرتها من قبل وتمنت لو استعانت بخدمات مثل هذه الشركات، خاصة في ظل وجود اختيارات وباقات متعددة بأسعار متفاوتة للخدمة المُقدمة، مما يتيح للجميع فرصة الحصول على الخدمة المطلوبة حسب تكلفتها عكس ما يتم تداوله عن توجه تلك الشركات لطبقة اجتماعية معينة.
فكرة "الطبقية" سائدة. وقد نفتها ماجدة كيفين ـ ربة منزل- التي ترى أن الاستعانة بشركات الخدمات الجنائزية جيدة، خاصة أن خبرتها بالمجال تزداد وقدرتهما على التحكم في زمام الأمور باتت أكبر. ولكن يتوقف مدى تقبل الناس لها على مستواهم التعليمي والثقافي وليس على الجانب المادي فقط، مفسرة ذلك بأن الكثير من الناس لديهم قناعة بأن هذه الخدمات هي واجبات عليهم هم القيام بها، ولا يجوز إسنادها لغيرهم. وبالتالي لا علاقة للطبقة الاجتماعية أو القدرة المادية بمدى تقبلهم للفكرة، فقد اعتاد البعض التعامل مع الحانوتي بصورته التقليدية التي يشعرون أنها تشبههم وتتناسب معهم، كما يثير حفيظة آخرين الإحساسُ الذي تولده الشركات الجديدة بـ"التنسيق المبالغ فيه والترتيب الشديد" اللذين يجعلان الجنازة تبدو وكأنها فعاليات احتفالية.
وأشارت إلى أن كل شخص يختار الطريقة الأنسب في وداع أحبابه، فالوسائل متعددة والهدف واحد، هو "إكرام الميت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون