شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هل يكون الأسد بوابة عبور تركيا الاقتصادي نحو الخليج؟

هل يكون الأسد بوابة عبور تركيا الاقتصادي نحو الخليج؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 4 أبريل 202202:51 م

كعادته في السنوات الأخيرة، حطت طائرة تحمل رئيس النظام السوري بشار الأسد في زيارة مفاجئة، ولم تكن إلى روسيا هذه المرة، بل إلى الإمارات العربية المتحدة للقاء ولي عهدها محمد بن زايد آل نهيان. لم تمر الزيارة من دون إثارتها الجدل بين المحللين والمراقبين والسوريين المعارضين للنظام السوري وغيرهم، حول دوافعها وأسبابها ونتائجها التي ربما تظهر في الأيام المقبلة، خاصةً أنها أول زيارة للأسد إلى بلد عربي منذ عام 2011.

تبعت الزيارة المفاجئة، زيارة وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، إلى الإمارات. تقارب الزيارتين من دون الإعلان عنهما مسبقاً يفتح الباب للتساؤل حول وجود دور إماراتي في العلاقات بين أنقرة ودمشق، يتعلق بترتيبات أمنية وربما اقتصادية وسياسية أيضاً، في ظل تراجع الأداء التركي من جهة، والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها النظام السوري والمواطنون السوريون في مناطق سيطرته.

والتنسيق بين أنقرة ودمشق ليس جديداً، لكنه كان يقتصر على الجوانب الأمنية والاستخباراتية من دون وجود نقاشات حول تفاصيل أخرى، وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قد أعلنت عن لقاء جمع رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، ورئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري، علي مملوك، في العاصمة الروسية موسكو قبل عامين.

للاقتصاد دوره

بالرغم من كل التعقيدات في العلاقات بين تركيا والنظام السوري، والهجوم المتبادل مراراً على الصعيدين العسكري والسياسي، إلا أن الاقتصاد يملك القدرة على فرض تحركات جديدة بين الطرفين، خاصةً مع تراجع الاقتصاد التركي المتزامن مع قرب الانتخابات الرئاسية في منتصف 2023، وهي انتخابات يدرك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحزبه "العدالة والتنمية"، أنها لن تكون سهلةً مع تحركات المعارضة التركية الطامحة إلى إزاحة أردوغان عن سدة الرئاسة.

التنسيق بين أنقرة ودمشق ليس جديداً، لكنه كان يقتصر على الجوانب الأمنية والاستخباراتية من دون وجود نقاشات حول تفاصيل أخرى

كذلك، يُدرك أردوغان أن العامل الاقتصادي من أهم العوامل القادرة على دفعه نحو ولاية رئاسية جديدة، بينما يعيش النظام السوري من جهته أزمةً اقتصاديةً ومعيشيةً حادةً من دون حلول في الأفق القريب في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية وعقوبات "قيصر".

لا يوجد رابط مباشر بين الزيارتين، ولم تصرّح حكومتا كل من تركيا والإمارات وحكومة النظام السوري عن هذا الأمر، لكن يمكن الحصول على نتائج توضح العامل الاقتصادي بناءً على العوامل السابقة.

يرى الباحث التركي في العلاقات الدولية، مصطفى أوزجان، في حديث إلى رصيف22، أن هناك تمتيناً للعلاقات التركية مع دول الخليج، لأن تركيا اليوم في حاجة إلى تمتين اقتصادها. ويقول: "مستقبل الحكومة التركية اليوم مرهون بأداء الاقتصاد، فإذا استمر في التدهور، سيواجه حزب العدالة والتنمية مشكلةً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وربما يسحب المواطنون ثقتهم من الحكومة، لذا يحاول أردوغان تحسين الاقتصاد لضمان الفوز في الانتخابات المقبلة".

يُضيف: "هناك ردم للهوة بين الإمارات وتركيا، والاقتصاد سيكون دافعاً لترطيب الأجواء السياسية"، مشيراً إلى أن البضائع التركية كانت تواجه مشكلةً في إرسال الشاحنات المحملة بالبضائع بعد الغزو الأمريكي للعراق إلى دول الخليج، وكانت سوريا هي الحل قبل انفجار العلاقات بين الطرفين. وتالياً، وفق أوزجان، فإن تركيا في حاجة إلى وصول الشاحنات إلى الخليج، لذا ربما تصبح سوريا مجدداً ممراً لهذه البضائع إلى تلك الدول.

وسبق أن أعلن أردوغان في شباط/ فبراير الماضي، عن طريق برّي لشحن البضائع التركية إلى الإمارات عبر إيران، وتُقلل هذه الطريق من فترة وصول الشحنات التجارية إلى أسبوع تقريباً، ويُمكن لاتفاق مشابه، ولو كان غير معلن مع النظام السوري، أن يؤدي إلى وصول البضائع عبر سوريا إلى دول الخليج.

من جهته، يقول المحلل السياسي حسن النيفي، لرصيف22: "لا شك في أن الاقتصاد يحظى بأولوية في أي علاقة راهنة بين تركيا والإمارات"، مستدلاً على ذلك بحجم الاتفاقيات المُبرمة بين الطرفين بعد زيارة أردوغان إلى الإمارات مؤخراً.

العلاقات إلى أين؟

ليس الاقتصاد وحده من يلعب دوراً في العلاقات بين تركيا والنظام السوري، إذ إن وجود القوات التركية في مناطق خفض التصعيد، ودعمها لـ"الجيش الوطني" في مناطق ريف حلب، ووجود قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل خطراً بالنسبة إلى الأمن القومي التركي من وجهة نظر أنقرة، تعني أن التنسيق الأمني بين الطرفين موجود، وهو ما أعلن عنه النظام السوري سابقاً.

كانت سوريا معبراً للبضائع التركية إلى دول الخليج، قبل انفجار العلاقات بين الطرفين، لذلك تدرك أنقرة حاجتها إلى هذا الطريق لمواجهة أزماتها الاقتصادية، لذا ربما تعود سوريا مجدداً لتكون ممراً لها وهو ما يعني تطبيع وأكثر

ومع الانفتاح التركي على الإمارات، وعلاقة الأخيرة الجيدة بالنظام السوري، توحي الزيارتان المنفصلتان بوجود تنسيق جديد برعاية إماراتية هذه المرة، لكن النيفي، يرى أنه "وبالرغم من أن تزامن الزيارتين إلى الإمارات يوحي بوجود تنسيق برعاية إماراتية، إلا أنه لا توجد معطيات ملموسة للترابط بينهما".

ويضيف: "العلاقات التركية الإماراتية بدأت بالتحسن منذ فترة سابقة، وزيارة الأسد إلى الإمارات ربما تحمل مضموناً رمزياً تريد الإمارات تصديره أو توجيهه إلى إيران، بينما زيارة الوزير التركي ذات صلة بمصالح بينية مباشرة بين تركيا والإمارات".

ويعود رأي النيفي، إلى أن التنسيق الأمني لم ينقطع بين الجانبين (تركيا والنظام)، وتالياً يمكن البناء عليه في حال وجود أسباب موجبة، وعليه فإن هناك قنوات وطرقاً يمكن للطرفين استخدامها مباشرةً، والقصد هنا "القنوات الأمنية".

يستبعد النيفي، أن يتغير موقف تركيا من النظام السوري من دون انفراج سياسي ولو جزئي على المستوى السوري، فضلاً عن أن تحولات الموقف التركي تبقى مرهونةً بمصير قسد، الذي ما يزال شبه مجهول.

روسيا تريد أن تتوسط بين تركيا والنظام، ولكن حتى الآن لم تعطِ الضوء الأخضر لتهدئة الأمور بين الطرفين، وذلك بالرغم من وجود قنوات تواصل أمنية

من جهته، يرى أوزجان أنه "يمكن أن يكون هناك ارتباط بين الزيارتين، فروسيا تريد أن تتوسط بين تركيا والنظام، ولكن حتى الآن لم تعطِ الضوء الأخضر لتهدئة الأمور بين الطرفين، وذلك بالرغم من وجود قنوات تواصل أمنية.

ويضيف: "هناك تنسيق بين المخابرات التركية والنظام السوري إن لزم الأمر، لكن لم يذهب الأمر في اتجاه مواضيع أخرى، والإمارات ربما تقوم بمساعٍ جديدة لتقريب وجهات النظر بين النظام وأنقرة، خاصةً مع الاستدارة الكاملة لأنقرة في السياسات الخارجية، وربما تريد تركيا إقامة التسويات مع الجميع، خاصةً أن هم أنقرة الأول هو الاقتصاد، خاصةً مع ترهّل الاقتصاد العالمي والمخاوف من الركود".

ضبابية الموقف

تعود صعوبة تحليل الموقف الحالي حول الدور الإماراتي في العلاقات بين النظام السوري وتركيا في الأساس إلى خطوات أبو ظبي تجاه الملف السوري، فسوء العلاقات بين تركيا والإمارات خلال السنوات الماضية، والمواجهة بينهما، دفعت الأخيرة إلى تقديم الدعم ولو بشكل غير علني لقوات سوريا الديمقراطية المصنّفة على قوائم الإرهاب التركية.

وهذا يعني بشكل مباشر غياب الثقة اللازمة للتوسط الإماراتي بين الطرفين، وتالياً يتساءل أوزجان: "هل يمكن الاعتماد على الإمارات من قبل تركيا؟ ليست هناك ثقة مطلقة بالإمارات، خاصةً مع دعمها السابق لقوات سوريا الديمقراطية والتنسيق مع حزب العمال الكردستاني، وهذا خط أحمر بالنسبة إلى تركيا".

تطمح الإمارات إلى تقوية علاقاتها الإقليمية مع الدول ذات التأثير، كتركيا وإيران وإسرائيل، وبالتالي نظام الأسد يمكن أن يكون ممراً لرغبة إماراتية في استرضاء إيران

يرى النيفي أن الإمارات دعمت "قسد" في الفترة التي شهدت توتراً في العلاقات الإماراتية التركية من جهة، والتركية السعودية من جهة أخرى، ويعتقد أن هذا الدعم لم يكن "يكتسي صفة الديمومة"، وأنه تلاشى بعد عودة العلاقات التركية الخليجية إلى التحسن.

برأيه، "ما تطمح إليه الإمارات هو تقوية علاقاتها الإقليمية مع الدول ذات التأثير في المنطقة، كتركيا وإيران وإسرائيل، ولا أعتقد أن نظام الأسد يمكن أن يكون سوى ممر لرغبة إماراتية في استرضاء إيران".

من دون مقدمات، عادت العلاقات التركية-الإماراتية إلى التحسن بسبب ظروف إقليمية ودولية، لذا لا يمكن التنبؤ بما سيُعلَن في الأيام المقبلة بين الأطراف الثلاثة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحركات الدول حفاظاً على مصالحها، في انتظار ما ستأتي به الأيام المقبلة، والتي على ما يبدو ستحمل معها تبدلاتٍ كثيرةً قد يستفيد منها النظام السوري، لتعويم شرعيته بالرغم من كل ما ارتكبه في السنوات الماضية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image