"اندماجنا في المجتمع أول ياردة نقطعها على طريق الحياة الجديدة الناجحة في أوروبا". معادلة تختزن خوارزميتها في عقول المهاجرين العرب منذ الأيام الأولى لوصولهم إلى بلادهم الجديدة، ويختبرون صوابيتها مع كل صفعة عنصرية أو صدمة ثقافية تعترض حياتهم في القارة الأوروبية. لذلك يسعون جاهدين لتعزيز عملية الاندماج وتسريع وتيرتها.
الاندماج لا يقتصر على تقبّل اللاجئ لثقافة المجتمع المضيف وتعلم لغته وعاداته، بل يحتاج لقبول المجتمع الجديد ومواطنيه له، وعدم نظرهم إلى اللاجئ بعين الغرابة أو الاستهجان لأي سبب كان. ولتحقيق هذا الهدف يدفع المهاجرون العرب في أوروبا أثماناً باهظة تبدأ من محاولة تبني نمط الحياة الأوروبي بمعظم تفاصيله، وتنتهي بالانعتاق من عاداتهم وبعض المكونات المتجذرة في ثقافتهم العربية.
الاندماج لا يقتصر على تقبّل اللاجئ لثقافة المجتمع المضيف وتعلم لغته وعاداته، بل يحتاج لقبول المجتمع الجديد له أيضاً
أحد هذه المكونات هو الأسماء العربية والدينية، التي يعتقد بعض المهاجرين أنها ستشكل عائقاً أمام اندماجهم الأمثل في المجتمع الأوروبي. لذلك أصبح جهاد Jay، وتحول محمد إلى Modi، وجاسم صار Johnson، والأمثلة تطول وتتعدد في مختلف الدول الأوروبية، والهدف محاولة طمس الأسماء العربية بالأبجدية الإنجليزية لجعل هذه الأسماء أكثر محاباة للمجتمع الأوروبي وأكثر استساغة بالنسبة للأوروبيين.
جهاد ليس "جهادياً"!
يقول جّو مندو، جهاد سابقاً، 46 عاماً، لرصيف22: "صحيح أن الاندماج في أوروبا لا يتم بالضرورة عبر بوابة الأسماء، لكنني عانيت كثيراً من معنى اسمي، فبعض الأوروبيين لا يعرفون معناه الحقيقي ، وارتبط بالنسبة لهم بالجهاديين ورسم خطوط تماسه مع الإسلاموفوبيا".
"عانيت من معنى اسمي، فبعض الأوروبيين لا يعرفون معناه الحقيقي ، وارتبط بالنسبة لهم بالجهاديين ورسم خطوط تماسه مع الإسلاموفوبيا". جهاد مندو، سوري مقيم في ألمانيا
ويتابع: "في سنواتي الأولى في ألمانيا، سألني أحد عن أسمي وقلت له جهاد من سورية، فسألني Have you ever been Jihadist in Syria؟ أي هل كنت جهادياً في سورية؟ وهذه واحدة من المسائل الحساسة في أوروبا وتهمة يسهل إلصاقها بأي عربي أو مسلم".
قام جاي بإجراءات تغيير اسمه بشكل رسمي في ألمانيا، التي تفرض شروطاً خاصة على الشخص الذي يريد تغيير اسمه، أهمها وجود أسباب مقنعة ثم دفع رسوم تصل إلى حوالى 1000 يورو.
تختلف القوانين الأوروبية بين بلد وآخر في مرونتها مع مسألة تغيير الأسماء. لكن بالمجمل تسمح معظمها للأفراد بتغيير أسمائهم إذا كان الاسم يدل على معنى قبيح، أو بلا معنى ويصعب نطقه، أو إذا كان الشخص طفلاً ويحتاج لتبديل اسمه بسبب افتراق الوالدين.
وتستغرق الإجراءات في بعض الأحيان نحو عام، خاصة في بعض الدول المعروفة ببيروقراطيتها وورقيّة تعاملاتها مثل ألمانيا، بحسب مندو، الذي أضاف: "طالت الإجراءات ستة أشهر، حتى حصلت على وثائق رسمية باسمي الجديد، وأصبحت أعرف عن نفسي به في أي مكان، باسثتناء عائلتي التي ما زالت تسميني جهاد".
وفق دراسة نشرها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في فرنسا يميل المهاجرون للابتعاد عن الأسماء التي تدل على أصولهم أو إرثهم الثقافي من خلال تسمية أولادهم وأحفادهم أسماء عالمية، ويميل المهاجرون الذين يعيشون في فرنسا إلى الأسماء التي تحمل طابعاً عالمياً لا تشي بأصول المهاجر سواء الإثنية أو الجغرافية.
ترى الأخصائية النفسية والاجتماعية "هبة موسى"، أن بعض العرب يقعون ضحية التصنيفات التي يتبناها الأوروبيون مسبقاً عنهم منذ اللحظات الأولى للقائهم، ويعتبر الاسم أو لون البشرة أو اللباس أو اللكنة اللبنة الأولى لهذه التصنيفات عند بعض الأوروبيين. لذلك يحاول بعض اللاجئين إزالة هذه العلامات المميزة لهذه التصنيفات من أجل الهروب من تلك التصنيفات والأحكام المسبقة، وذلك عبر الانغماس بالمجتمع الجديد والتطبع بعاداته شكلاً ومضموناً، وإحدى وسائل هذا الانغماس هو تغيير الإسم العربي واعتناق اللقب الأجنبي للتماهي مع أصحابه.
وتقول موسى لرصيف22: "فاتورة الاندماج الباهظة هذه لا يسددها العربي فقط من خلال التخلي عن اسمه، بل من خلال تغيير معظم عاداته وأعرافه العربية أمام المجتمع الجديد، وبصرف النظر إذا كان هذا الأمر صحيحاً أم خاطئاً، فهو بالمحصلة يغير من هوية الشخص وعاداته".
من وجهة نظر موسى، لن ينجح تغيير الاسم العربي في ترقية اللاجئ إلى منزلة الأوروبي عند ذلك الذي يصنفه مواطناً درجة ثانية لأنه ليس أوروبياً خالصاً، وبالتالي إذا تجاوز اللاجئ مأزق الإسم، فلا بد أن تظهر هويته العربية من خلال لكنته أو أوراقه الثبوتية أو سلوكياته وعاداته.
وتتابع المستشارة النفسية: "تكمن خطورة هذا الموضوع من الناحية النفسية والاجتماعية في أن الإسم ليس مكوناً يسهل الانعتاق منه. مهما حاول الإنسان نكرانه فسيبقى يشعر عند نعته بالإسم الجديد بأنه زائف وليس حقيقياً".
"عبد الغفور" ركيك بالفرنسية
اختارت بعض العائلات العربية التمسك بأسمائها الأصلية واعتبرت الإسم جزءاً من الهوية التي لا يجب المساس بها، مثل عبد الرحمن اللمع، 60 عاماً، الذي رفض رغبة ابنه عبد الغفور، 19 عاماً، بتغيير اسمه عندما وصل إلى فرنسا، لكنه أيقن نهاية أنه لا يملك القوة لمنعه.
عبد الرحمن، وهو من أصول فلسطينية، يقول لرصيف22: "بعد حوالى ثلاثة أعوام من قدومنا إلى فرنسا طلب ابني عبد الغفور الإذن ببدء إجراءات تغيير اسمه إلى بودا بسبب صعوبة لفظ اسمه من قبل أصدقائه في المدرسة وفي العمل".
رفض عبد الرحمن طلب ابنه وبعد نقاش طويل اقتنع الطفل أن اسمه مسألة حساسة مرتبطة بالهوية العربية فأحجم عن هذه الخطوة.
وأردف عبد الرحمن: "منذ حوالى شهرين أخبر عبد الغفور والدته أنه عازم على تغيير اسمه لا محالة، وأن القانون الفرنسي أعطاه هذه الحق، ورغم محاولتي لثنيه عن ذلك، بدأ فعلياً بالخطوة وينتظر انتهاء الإجراءات للحصول على الوثائق الجديدة".
احتفظ عبد الغفور باسمه في المنزل، لكن على الأوراق الفرنسية وفي سوق العمل الفرنسي أصبح عبد الغفور "بودا"
وجد عبد الرحمن حلاً وسطاً لحالته وحالة ولده، وهو الاحتفاظ باسم عبد الغفور في المنزل، لكن على الأوراق الفرنسية وفي سوق العمل الفرنسي أصبح عبد الغفور "بودا"، لتجنب الصعوبات التي يتعرض لها.
"أسماؤنا ركن من أركان هويتنا، ولا يجوز العبث بها، وليس نحن العرب فقط من نعاني صعوبة نطق الأوروبيين لأسمائنا، كذلك هنالك الآسيويون والأفارقة، ورغم ذلك لا يغيرونها!". يقول عبد الرحمن دون أن ينكر تعاطفه مع ابنه وإحساسه بمعاناته مما تعرض له من مضايقات.
وكشفت دراسة بعنوان "لماذا يفضل بعض أرباب العمل مقابلة ماثيو وليس سمير؟"، أجرتها جامعة تورنتو في كندا، أن مقدّمي طلبات التوظيف بأسماء عربية أو صينية أو هندية كانوا أقل حظاً بنسبة 40 في المئة في الحصول على دعوة لحضور مقابلة العمل، مقارنة بأصحاب الأسماء الأوروبية.
وعن ازدواجية اللقب، رأت الأخصائية النفسية هبة موسى أنها قد تكون حلاً للتوازن، خاصة بالنسبة للأبناء الذين نشأوا في المجتمع الأوروبي، فلا مشكلة في نعتهم بإسمهم العربي داخل المنزل واسم آخر خارجه، وهو أمر ليس حديثاً، فكثيراً ما كانت لنا ألقاب تستخدمها عائلاتنا في المنزل، فيما ننعت في المدرسة والحي والعمل بالاسم الرسمي الخالص. لذلك قد يكون هذا حلاً منطقياً، ووسيلة نحو اندماج المغترب بالمجتمع الجديد من بوابة اعتناق أبجديته.
شأن إنساني ذاتي
تنظر في مسألة تغيير الأسماء لجان حكومية مختصة تتحرى الأسباب الموضوعية لتعديل الأسماء، ولكن يجب أن يُنظر فيها أيضاً بعين الرحمة والإنسانية تجاه من يسعى لتعديلها هرباً من ألم نفسي أو ضيق من إقصاء مجتمعي تسببه أفكار نمطية عند بعض الأشخاص وأصحاب العمل أو زملاء المدرسة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم