"الفرنسيون الذين التقيتهم وعشت معهم أشعروني أنني فرنسي، ولذلك أحس أنني فرنسي".
بهذه الكلمات أجاب علي م. وهو فرنسي من أصول عربية عن سؤال هل تشعر أنك فرنسي.
مواطنة الفرنسيين من أصول مهاجرة تبقى دائماً محل نقاش إذ يشكك فيها اليمين المتطرف في فرنسا، ويدافع عنها اليساريون. ويرى الكثيرون أن كل الأطراف تستخدم الموضوع ورقة انتخابية.
هل من الضروري أن تكون فرنسياً؟
عندما تصل إلى فرنسا تتلقى الكثير من الإرشادات كي تصبح فرنسياً. لا يبدأ الموضوع عند من سبقوك إليها، ولا ينتهي في مؤسسات الدولة.
نظام الإقامة الدائمة في فرنسا أو ما يسمى "بطاقة 10 سنوات" هو نظام أشبه بالتجنيس. فهذه الاقامة من الصعب جداً إلغاؤها، وهي تمنحك جميع حقوق المواطن الفرنسي، باستثناء المشاركة في الانتخابات، وتفرض عليك جميع واجباته عدا واجب الدفاع عن البلد في حال تعرض فرنسا لأي خطر.
قبل أن تحصل على هذه البطاقة يطلب منك الحصول على مستوى A2 باللغة الفرنسية، كما تحضر ورشتي عمل عن التاريخ الفرنسي والقانون لتكون على معرفة أولية بالبلاد ودستورها العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة ويساوي بين جميع المواطنين. وكذلك تتعرف على شعار الدولة "حرية، مساواة، إخاء"
الإقامة الدائمة في فرنسا "بطاقة 10 سنوات" هي نظام أشبه بالتجنيس. فمن الصعب إلغاؤها، وهي تمنحك جميع حقوق المواطن الفرنسي، باستثناء المشاركة في الانتخابات
إذاً، فإن تعلم اللغة والتطبع بالثقافة الفرنسية من الممكن أن يجعلاك فرنسياً، وهذا ما تتفق معه الصحافية الفرنسية من أصل سوري جودي باطري التي تقول: "لا أشعر أني فرنسية، لكنْ لدي رابط متين مع فرنسا والشعب الفرنسي، صحيح أنني حصلت على الجنسية الفرنسية، ولكني لم أكن أشعر بالغربة عن المجتمع الفرنسي من قبل الجنسية".
وتوضح: "هذا الأمر لم يكن سهلاً إذ تطلب الكثير من السعي للحصول على شيء من الثقافة العامة الفرنسية والاختلاط بالشعب الفرنسي".
تؤكد باطري أنها لا تشعر بالتمييز في فرنسا، وترجع ذلك لإتقانها الصحيح للغة ومعرفتها بالثقافة وأسلوب الحياة الفرنسي. أهم نقطة هي أن تتقن الفرنسية، هكذا، برأيها، يصبح الشخص فرنسياً.
ويؤيد علي م. ذلك، فهو يرى أن الاستقرار والأمان والحياة لسنوات طويلة في فرنسا تعطيك الشعور بأنك فرنسي.
ويوضح: "الفرنسيون معتادون على الاختلاط بجنسيات وثقافات مختلفة، ولذلك فإن الفرنسيين الذين تعاملت معهم أعطوني الشعور بأني أستطيع أن أكون فرنسياً رغم اختلافي عنهم وولادتي في بلد آخر. المهم حقاً هو احترام ثقافة هذا المجتمع".
ترفض باطري أيضاً أن نصف التمييز ضد المهاجرين بالممنهج، وتؤكد "إذا ما كان هذا التمييز موجوداً فهو فردي وجزء من الطبيعة البشرية ولا ينضوي تحت منهجية للحكومة الفرنسية أو المجتمع الفرنسي".
عندما تطالع الجريدة الرسمية في النشرة الدورية لأسماء الحاصلين على الجنسية تجد الكثير ممن استعاروا أسماء فرنسية، فيتحول "علي" إلى "إيلي".
لكن وعندما تطالع الجريدة الرسمية في النشرة الدورية لأسماء الحاصلين على الجنسية تجد الكثير ممن استعاروا أسماء فرنسية، منهم من يترجم اسمه وآخرون ممن يختارون أسماء قريبة من أسمائهم في النطق أو الكتابة كأن يتحول "علي" إلى "إيلي"، ويبررون ذلك بأنه يفتح الأبواب لسوق العمل، ويوفر السؤال عن الأصول، خصوصاً لمن يتحدثون الفرنسية بطلاقة.
عبر راديو "فرانس إنتر" فجّر الكاتب الفرنسي من أصول مهاجرة حميد آيت طالب قنبلة عندما قال إنه بدأ بتلقي مئات الاتصالات للحصول على فرص عمل تقدم لها بعد أن غير اسمه إلى "لو كلير" وهو اسم عائلة معروف في فرنسا.
وأكد آيت طالب أنه ليس الوحيد الذي تعرض لهذا النوع من التمييز في سوق العمل.
ادعاءات الكاتب يؤيدها نجم منتخب فرنسا المعتزل إريك كانتونا حين قال في فيلم "الزرق.. تاريخ آخر لفرنسا 1996 - 2016"، الذي عرضته شبكة نتفليكس: "عندما يفوز منتخب فرنسا نكون عرباً، وسوداً، وبيضاً، وعندما نخسر نصبح الحثالة القادمة من الضواحي".
هذه المشكلة اعترفت بها فرنسا على المستوى الرسمي لدى توظيف منتخب كرة القدم لرأب الصدع الاجتماعي في البلاد.
عرب وسود وبيض أو "Black white arabs" هو الشعار أو الوصف الذي كان يطلق على منتخب فرنسا في فترة التسعينيات، بعد بروز الجيل الأول من اللاعبين الفرنسيين من أصول مهاجرة، وتحولهم للعماد الرئيسي لمنتخب فرنسا.
منذ ذلك الوقت، حمل منتخب الديوك الذي يلقبه الفرنسيون بالـ "الزرق" أبعاداً سياسية كبيرة، وكما يقول مدرب منتخب فرنسا السابق ريمون دومينيك في نفس الفيلم: "هي كرة قدم ولكنها أكثر من كرة قدم".
في الشانزليزيه صاحت الجماهير المحتفلة باللقب الفرنسي الأول في كأس العالم 1998: "زيدان رئيساً". ربما يكون النجم المنحدر من أصول جزائرية هو أول وآخر مهاجر ارتبط اسمه بهذه العبارة
في جادة الشانزليزيه الشهيرة وسط باريس صاحت الجماهير المحتفلة باللقب الفرنسي الأول عام 1998: "زيدان رئيساً"، منذ ذلك الوقت إلى اليوم ربما يكون النجم المنحدر من أصول جزائرية هو أول وآخر مهاجر ارتبط اسمه بهذه العبارة التي يرددها الفرنسيون في الحملات الانتخابية.
أبناء الضواحي
ينتشر المهاجرون اليوم في جميع القطاعات في فرنسا، منهم من دخلوا البرلمان، ووصل آخرون لتولي حقائب وزارية ورئاسة بلديات وغيرها من المناصب.
أتى المهاجرون لفرنسا باللقب الأول لكأس العالم 1998 وكذلك أوروبا 2000 ومونديال روسيا 2018 الذي كان فيه مهاجرون من أصول أوروبية مثل"أنطوان جريزمان" الذي ينحدر من أب برتغالي، لكن صفة أبناء الضواحي لم تمحَ عنهم، ووصف كانتونا للمشهد حضر مرة ثانية عندما خسر الديوك النهائي قبل قرابة شهرين في قطر.
بعد المباراة مباشرة تعرض نجم بايرن ميونيخ كينغسلي كومان وزميله تشواميني نجم ريال مدريد لحملة عنصرية في مواقع التواصل الاجتماعي بعد إهدار ضربات الجزاء في النهائي.
أتى المهاجرون لفرنسا بلقب كأس العالم 1998 وكذلك أوروبا 2000 ومونديال روسيا 2018 الذي كان فيه مهاجرون من أصول أوروبية وعربية، لكن صفة أبناء الضواحي لم تمحَ عنهم.
مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات في باريس سلام الكواكبي يصف هذه القضية بـ العميقة، ويقول: "الموضوع متعلق بسياسة الاندماج في البلاد، فرنسا تريد للأجانب أن ينصهروا في مجتمعها وهناك من ينادي بادماجهم فقط، وبين الصهر والإدماج تعلق المجتمعات المهاجرة".
ويوضح: "من الطبيعي في الحالة الفرنسية أن يكون المنتصر فرنسياً والخاسر من أبناء الضواحي، هذا ما يمكن تسميته بالصعود الإيجابي، وهو ليس فقط في ميدان كرة القدم. كل الناجحين من أبناء المهاجرين هم فرنسيون وكل من يفشل سيعتبر من أبناء الضواحي".
ويتابع: "فرنسا لم تنجح بدمج المهاجرين أو الصهر ولا حتى في القبول، جميع الأحزاب الفرنسية وقفت بشكل شبه حيادي من تصاعد الخطاب العنصري الذي اشتد مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية وضرورة وجود شماعة، كانت هذه الشماعة هي المهاجرين وهذا شيء خطير".
مع مرور السنين يصبح حضور المهاجرين في فرنسا وأوروبا أكثر وضوحاً ويترسخ من خلال وصولهم وتميزهم في كل المجالات، لكن خطابات اليمين المتطرف تتركز على من يظهر ملثماً يتصدى لدوريات الأمن في المناطق الخطرة، أو من يحرق السيارات، أو يتاجر بالممنوعات.
في خضم ذلك باتت الشخصيات المتميزة من هذه المجتمعات المهاجرة أكثر وعياً بالتأكيد على وجودها في المجتمع الذي ولدت وتربت فيه وخصوصاً من أبناء الجيلين الثاني والثالث وما بعد.
نجم منتخب فرنسا كيليان مبابي يقول في بداية فيديو تعريفي عنه في قناته الرسمية على يوتيوب: "هذه أسطورة طفل من ضواحي باريس".
نجم منتخب فرنسا الحالي كيليان مبابي يقول في بداية فيديو تعريفي عنه في قناته الرسمية على يوتيوب: "هذه أسطورة طفل من ضواحي باريس".
عبارة أبناء الضواحي تحولت اليوم إلى ماركة مسجلة، وربما تذهب في السنوات القادمة لتتبلور كهوية خلال هذا الوقت. وحتى تتشكل هوية فرنسية واضحة تجمع الجميع يبدو الحل في أن يبقى منتخب فرنسا يلعب دوره بجمع الفرنسيين على غناء نشيدهم الوطني: "هيّا يا أبناء وطني لقد جاء يوم المجد"، على الأقل في لحظات الانتصار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 17 ساعةمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي