بدءاً من 22 مارس/ آذار الجاري، بباشر عملاء بنكي مصر والأهلي استرداد قيمة الشهادات ذات الفائدة البالغ 18% وعوائدها، بعد مرور عام على طرحها، في مطلع تصاعد الأزمة الاقتصادية المصرية، وفي وقت يستعد البنك المركزي لاجتماع جديد من المرجح أن ينتهي إلى قرار جديد برفع الفائدة لكبح جماح التضخم الذي يضرب البلاد.
وأطلقت شهادة الـ18% - كما باتت معروفة إعلامياً- تزامناً مع اجتماع استثنائي للجنة السياسات في البنك المركزي المصري، عُقد في 21 مارس/ آذار 2022، واتخذ على أثره قرار برفع أسعار الفائدة 1% - بمعدل 100 نقطة أساس- والسماح بمرونة في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، لتنخفض قيمته التي كانت مستقرة عند 15.6 إلى أكثر من 18 جنيهاً، كأول إجراءات السياسة النقدية لاستيعاب الأزمة الاقتصادية الجارية منذ عام 2022، وتلت تلك الخطوة انخفاضات متوالية في سعر الجنيه، وارتفاعات متلاحقة في أسعار الفائدة ومعدلات التضخم.
وأوقف البنكان شهادة الـ18% نهاية مايو/ آيار 2022، أي عقب شهرين من طرحها، بعدما حققت إجمالي مبيعات بقيمة 750 مليار جنيه، وكانت تستهدف سحب السيولة من السوق المصري لمواجهة أزمة التضخم، وتحقيق عائد مناسب للعملاء يتوافق مع سعر الفائدة في البنوك في ذلك الوقت. وكانت هذه الشهادة تمثل أكبر طرح تم تقديمه على شهادات الإدخار بصلاحية تدوم عاماً لمواجهة رفع سعر الصرف الأجنبي فيما عرف بالتعويم الثاني للجنيه مقابل الدولار منذ عام 2016.
الآن، بات على البنكين الحكوميين الأكبر في مصر سداد 885 مليار جنيه لعملائهما الذين اشتروا شهادة الـ18%، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول آلية تدبير الأموال بعد عام اقتصادي متعثر أثّر على استثمارات البنوك، ومخاطر ضخها في السوق الذي يعاني ندرة البضائع
الآن، بات على البنكين الحكوميين سداد 885 مليار جنيه لعملائهما الذين اشتروا شهادة الـ18% (750 مليار جنيه أصل الأموال+ 135 ملياراً هي حصيلة الفوائد بنسبة 18% على أصول الأموال المودعة)، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول آلية تدبير الأموال بعد عام اقتصادي متعثر أثّر على استثمارات البنوك، ومخاطر ضخها في السوق المصري الذي يعاني ندرة البضائع.
من قال إن الأموال ستعود؟
اتفق خبراء اقتصاد ومحللون ماليون تواصل معهم رصيف22 على أن الأموال المستحقة عن شهادات الـ18% وفوائدها، لن يسحبها العملاء بشكل كامل أو يتم ضخها في السوق فوراً، إذ ستلجأ السلطات المصرفية إلى إجراءات من شأنها إعادة تدوير هذه الأموال في الجهاز المصرفي.
يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إنه من المتوقع أن يتخذ البنك المركزي المصري إجراءات من شأنها إعادة تدوير هذه الأموال في البنوك وعدم ضخها في الأسواق، من خلال رفع سعر الفائدة: "مين قال إن الفلوس هترجع؟ 850 مليار جنيه مبلغ صعب على البنوك تدبيره". ومن المتوقع اتخاذ البنك المركزي قرارات برفع أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب في 30 مارس/ آذار الجاري، إلى حدود تتجاوز الـ18%، لإغراء العملاء بالاستمرار في الاستثمار في أموالهم، وعدم سحبها".
اتفق خبراء ومحللون ماليون تواصل معهم رصيف22 على أن الأموال المستحقة عن شهادات الـ18% وفوائدها، لن يسحبها العملاء بشكل كامل أو يتم ضخها في السوق فوراً، إذ ستلجأ السلطات المصرفية إلى إجراءات من شأنها إعادة تدوير هذه الأموال في الجهاز المصرفي
لكن رئيس قسم التحليل الفني بشركة "ثري واي" لتداول الأوراق المالية، أحمد أمين، يختلف معه، ويؤكد أن بنكي مصر والأهلي دبرا الأموال المستحقة للعملاء من الاحتياطي الموجود لديهما والاستثمارات وفوائد القروض، "خاصة أن كل قرار يصدر بشأن مثل هذه الشهادات يكون مدروساً، بدءاً من الطرح إلى السداد". يقول: "وإن كان عام 2022 صعباً على المستوى الاقتصادي، هناك استثمارات دائمة تتعامل معها البنوك، وستغطي قيمة المبلغ المطلوب، والسداد لن يمثل خسارة بل العكس، إذ إن فوائد الإقراض حالياً قاربت نسبة الـ18%".
بإمكاننا إجراء عملية حسابية بسيطة، اشترى أحد الأشخاص شهادة الـ18% بقيمة 1000 جنيه (الحد الأدنى)، في 23 مارس/ آذار 2022، بينما كان سعر الدولار 18.37 جنيه، أي أن قيمة شهادته كانت تساوي 54.43 دولار، واليوم تساوي شهادته 32.4 دولار فقط
وأبقى اجتماع لجنة السياسات النقدية للبنك المركزي خلال اجتماعه الأول في العام الجاري، الذي عقد في 3 فبراير/ شباط الماضي، على أسعار الفائدة التي انتهى بها عام 2022، إذ بقى عائد الإقراض لليلة واحدة عند 17.25%، وسعر الإيداع لليلة واحدة عند 16.25%. والجدير بالذكر أن أسعار الفائدة في مصر ارتفعت خلال عام 2022 بمعدل 8% (800 نقطة أساس)، 500 نقطة منها في الربع الأخير من العام.
أما بالنسبة لضخ هذه الأموال في الأسواق، أكد أمين لرصيف22، أنه لن يكون بالمستويات المتوقعة ولن يتجاوز سداد الاحتياجات الأساسية، لأن المصريين خلال العام الفائت تعلموا تقليل الإنفاق وانتشرت بينهم ثقافة الاستثمار وفقاً لدراسات حديثة لم يشر إلى تفاصيلها: "ماعتقدش إن الناس هتتجه لصرف أموالهم أو فوائدها، التي تآكلت قيمتها بفعل ارتفاع التضخم، لكنها ستفكر في إدخالها في أوجه مختلفة للاستثمار مثل: البورصة التي شهدت مؤشراتها صعوداً خلال النصف الثاني من عام 2022، وأذون الخزانة، وصناديق الاستثمار، وشراء الذهب للحفاظ على قيمة الأموال وأيضاً ودائع البنوك"، خاصة أن الهدف الأساسي لعملاء شهادات الإدخار هو الاستثمار وليس الإنفاق.
لدى طرح شهادات الـ18%، كان سعر الدولار أكثر قليلاً من 18 جنيهاً، بينما يقارب الآن سعر الـ31 جنيهاً. كذلك كان معدل التضخم عند 8.8% والآن يقترب سريعاً من 30%
ولفت أمين إلى أن ارتفاع معدل التضخم وخفض قيمة الجنيه المصري، تسببا في تآكل فائدة الـ18% التي كانت حين طرحها تمثل أكبر عائد: "ممكن نقارن سعر الصرف في مارس 2022 كان كام ومعدل التضخم التضخم، هنكتشف إن عملاء شهادة الـ18% خسروا جزء من أموالهم، بالتأكيد هيفكروا في تعويضها عن طريق الاستمرار في الاستثمار البعيد عن المخاطرة".
ولدى طرح شهادات الـ18%، كان سعر الدولار أكثر قليلاً من 18 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، بينما أمس الأربعاء قارب الـ31 جنيهاً ووقف عند 30.81 جنيه للدولار.
كذلك كان مستوى التضخم يقف عند 8.8%، ووفقاً لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت معدلات التضخم في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 26.5% في إجمالي الجمهورية، وإلى 25.8% في المدن على أساس سنوي، كما صعدت معدلات التضخم الأساسي التي يعدها البنك المركزي إلى 31.2 خلال نفس الشهر على أساس سنوي.
بإمكاننا إجراء عملية حسابية بسيطة، اشترى أحد الأشخاص شهادة الـ18% بقيمة 1000 جنيه (الحد الأدنى)، في 23 مارس/ آذار 2022، بينما كان سعر الدولار 18.37 جنيه، أي أن قيمة شهادته كانت تساوي 54.43 دولار، واليوم تساوي شهادته 32.4 دولار فقط، بسعر صرف 30.83 جنيه، بانخفاض نسبته 40.5%، ولن تعوّض الفائدة المقدرة بـ180 جنيه الفرق.
شهادات جديدة بعوائد أكبر
تتوقع مريانا عزمي، العضوة في مجلس إدارة شركة ماكينزي للاستشارات المالية، طرح شهادات جديدة بعوائد مغرية تراوح بين 27.5% و 30%، بداية أبريل/ نيسان المقبل، بعد اجتماع لجنة السياسات النقدية في 30 مارس/ آذار، لسحب السيولة من السوق المصري الذي لن يتحمل ضخ أموال إضافية في ظل ندرة البضائع بسبب سياسات تقييد الاستيراد التي كانت متبعة خلال عام 2022. كما أن سياسة البنك المركزي في الوقت الراهن تعتمد على سحب السيولة من الأسواق للسيطرة على مستويات التضخم التي ترتفع بشكل كبير. ومن المتوقع إعلان معدلات التضخم عن فبراير/ شباط، اليوم 9 مارس/ آذار 2023.
واستبعدت مريانا في حديثها إلى رصيف22 تجديد شهادات الـ18%، لأنها الآن لا تناسب حجم التضخم وعائدها لن يكون منطقياً.وعليه، فالحل الأكثر منطقية هو طرح شهادات جديدة بعوائد أكبر، مؤكدة أن البنوك لا بد أن تكون انتهت من تديبر المبلغ المطلوب لسداد مستحقات الشهادات، سواء من أنشطتها الرئيسية أو من فوائد القروض، مهما كان عام 2022 صعباً وعوائد استثماراته أقل من المعتاد.
المالية تعدل توقعاتها
ومرت مصر خلال 2022 بوضع اقتصادي صعب، شهد انخفاضاً في قيمة عملتها بنسبة 50%، وارتفاعاً في مستويات التضخم جاوزت المستهدفات الحكومية التي كانت تقف عند حدود 9%، بمراحل بعيدة، جراء الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/ شباط 2022، وتركت مصر مع مواجهة تكاليف أعلى لاحتياجاتها الكبيرة من استيراد القمح، فضلاً عن خسارة في عائدات السياحة من الزائرين الروس والأوكرانين، وانخفاض المبالغ المحوَّلة من المصريين في الخارج.
وفقدت الدولة نحو سبعة مليارات دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي لديها، إذ كان يصل إلى 40.934 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2021، بينما انخفض إلى 34 ملياراً غي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتضرر العديد من المصنعين والشركات ورجال الأعمال، بعد قرار العمل بالاعتمادات المستندية الذي صدر في فبراير/ شباط 2022، لتحجيم الاستيراد وخفض الطلب على العملة الصعبة، الأمر الذي أدى إلى ندرة البضائع في الأسواق وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ولا تزال أصداء الأزمة مستمرة رغم سماح البنك المركزي بالعمل من جديد بمستندات التحصيل، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تنفيذاً لاتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، الذي حصلت بموجبه على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وقبل أيام، أصدرت وزارة المالية تقريرها نصف السنوي عن الأداء الاقتصادي والمالي خلال عام 2022/2023. تضمن التقرير تعديلاً لتوقعات الوزارة بشأن عجز الموازنة ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، في ظل تأثير تحرير سعر الصرف وارتفاع تكلفة الاقتراض.
وتوقعت الوزارة ارتفاع عجز الموازنة إلى 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري، بينما كانت تستهدف في البداية عجزاً بنسبة مساوية للعام الماضي أي 6.1%، وتتوقع "ستاندرد أند بورز جلوبال" أن يظل عجز الموازنة مرتفعاً عند نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
أما بالنسبة إلى نسبة الدين، فتتوقع وزارة المالية مستوى ديون يبلغ 93% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو/حزيران 2023 مقابل نسبة 84% التي كانت مستهدفة عند إعداد الموازنة في مايو/ آيار 2022.
يقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده لرصيف22 إن مصر تمر في وضع اقتصادي صعب، وهو الأمر الذي يفسر توجه الدولة لإقرار حزمة الحماية الاجتماعية التي فيمتها 150 مليار جنيه سنوياً، تخفيفاً لمعاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...