شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ملك يتلقى فروض الطاعة وهو في حجر مرضعته... عندما حكم

ملك يتلقى فروض الطاعة وهو في حجر مرضعته... عندما حكم "العيال" مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 20 مارس 202310:09 ص

شهد الحكم المملوكي لمصر تولي 17 طفلاً للسلطة، منهم ستة كانت تقل أعمارهم عن العشر سنوات، فيما الباقون كانوا أكبر بقليل ولكن كلهم يقلّ عمرهم عن 16 سنة.

هذه الإحصائية يقدّمها الكاتب صلاح عيسى، في كتابه "هوامش المقريزي: حكايات من مصر"، لافتاً إلى أن "العيال" (الأطفال) حكموا مصر "ما يزيد عن نصف قرن" خلال العصر المملوكي، و"حدث ذلك عندما كان السلطان يستخلف ابنه الطفل على عرشه، ويموت تاركاً له العرش، فيحكم عاماً أو عامين، يذيق فيها الشعب العذاب بتصرفاته الطائشة وسياسته الصبيانية".

ملك رضيع

بعد وفاة الملك المؤيد شيخ، في العام 824هـ، طالب مماليك القصر، وكانوا نحو خمسة آلاف مملوك، بتعيين ابنه الأمير أحمد خلفاً له، وكان عمره لا يتجاوز العشرين شهراً، فاعترض البعض بسبب صغر سنه وتخوفهم من أن تسوء أحوال المملكة، لكن مماليك القصر أصروا وقالوا: "ما نسلطن إلا ابن أستاذنا"، فوافق المعترضون على مضض.

ويروي تقي الدين المقريزي، في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك"،  أن الطفل أخذ يبكي فأحضروا له مرضعته، وكان الحاضرون يقدمون فروض الطاعة والولاء للملك الجديد بينما هو في حجر مرضعته.

وفي كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، يقول أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي أنه، خلال مراسم التنصيب، حين يركب الملك الجديد "فرس النوبة" من باب الستّارة في قلعة الجبل، بكى الطفل فأخذ الأمراء يشاغلونه ويلاطفونه ليهدئوا من روعه، وأعطوه بعض الألعاب لتشغل باله عن البكاء.

لم يستمر السلطان الطفل طويلاً على العرش. أصابه اضطراب بسبب دق الطبول، فأُغمى عليه، كما أصيب بحول في عينيه، ثم توفي في عام 833هـ وكان عمره ثماني سنوات.

ملك صلّى بدون "كيلوت"

هو الملك الناصر أبو السعادات ابن أبي النصر قايتباي. بويع للسلطنة عام 901هـ وكان عمره 14 عاماً. يحكي محمد بن إياس، في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، أنه كان طائشاً، وذات مرة خرج إلى صلاة الجمعة بدون "كيلوت" (سروال داخلي) فغضب الأمراء وأعابوا عليه ذلك.

وعام 902هـ، خرج قاضي القضاة زين الدين زكريا لرؤية الهلال حتى يستبين نهاية شهر رمضان، وكان يوم أربعاء، فلم يره، ما يعني أن العيد سيكون يوم الجمعة. لكن ذلك لم يعجب السلطان المراهق الذي يتشاءم من أن يكون العيد في يوم جمعة، فقرر أن يكون العيد الخميس، وأمر بأن تُدق الطبول في القلعة وقال "أنا أعمل العيد في الغد من هذا الشهر، إنْ رأوا الهلال أم لم يروا". لم يستجب له أحد، لكنه قرر ألا يخرج لصلاة العيد يوم الجمعة، وحينما صعد الأمراء لتهنئته بالعيد كما جرت العادة لم يستقبلهم وأمرهم بالانصراف.

ويقول ابن إياس إنه كان يحب اللعب مع العوام في الشارع، وذات مرة أهداه أحدهم مركباً صغيراً فوضعه في بحيرة بجوار القلعة ووضع فيه حلوى وفاكهة وأخذ يبيعها كما يفعل الباعة.

وفي أحد الأيام، أخرج سبعة من المحبوسين في سجن القلعة وقطع أيديهم وآذانهم وألسنتهم، وكان أحياناً يجعل المدانين بالسرقة يطبّقون الحد على أنفسهم، مثل شخص قُبض عليه يسرق فألزمه بأن يقطع يده ورجله بنفسه، ففعل. وقُبض على شخص آخر ينبش القبور ويسرق الأكفان، فأمر بسلخه من رأسه حتى رقبته ثم أمر بتعليقه على باب زويلة حتى مات.

ولم تسلم النساء منه كما يروي ابن إياس. ففي إحدى المرات، أخذ يضرب امرأة بالسوط دون سبب وأركبها على حمار وعلق في عنقها جنزيراً (سلسلة حديدية) وهو أمر لم يقم به قط أي ملك أو سلطان.

وكانت إذا أعجبته امرأة أخذها من زوجها غصباً. في إحدى المرات، كان يطوف في منطقة بين القصرين بصحبة أولاد عمه، فرأى امرأة أعجبه جمالها فاقتحم بيتها وضرب زوجها وأخذها عنوة. وفعل ذلك مع زوجة شخص يُسمى أبو البقاء في حارة الروم: رأى زوجته فأعجبته، فاعتدى عليه بغية أخذها منه.

وعندما أصدر مرّةً قراراً بإغلاق المحال ليلاً بسبب الطاعون، راح يطوف في القاهرة ليلاً ويقطع أذن وأنف مَن يجده غير ملتزم. يقول ابن إياس: "فقتل من الناس جماعة في مدة يسيرة".

واستمر في طيشه حتى قُتل في كمين أعدّه له 50 مملوكاً في منطقة الطالبية في القاهرة، في ربيع الأول عام 904هـ، وتُركت جثته في الشارع حتى الليل بجانب جثتي أولاد عمه، وقيل إن طومان باي هو مَن خطط لقتله. ومات ولم يكن عمره قد تجاوز الـ17 عاماً.

مراهق سادي

لما توفي الملك الظاهر سيف الدين برقوق، تولى الخلافة من بعده ابنه الملك الناصر فرج، عام 801هـ، وكان عمره 12 عاماً. يقول عنه ابن إياس إنه كان يشرب الخمر في الليل فيأمر بإخراج المماليك المحبوسين في الأبراج، فيحضرونهم مقيدين بالسلاسل، ثم يذبحهم الواحد تلو الآخر.

وكان يأتي بالمملوك فيسأله عن اسمه، ثم يطرحه أرضاً ويذبحه بيده، ثم يدوس على وجهه ويبول عليه أو يصب النبيذ.

يقول ابن إياس إنه ذبح بتلك الطريقة نحو ألفي مملوك، بمعدل 20 شخصاً في الليلة الواحدة. ويقول ابن تغري بردي إنه في ليلة واحدة ذبح ما يزيد على المئة مملوك وألقاهم من أعلى سور القلعة إلى الأرض.

شهد الحكم المملوكي لمصر تولي 17 طفلاً للسلطة، منهم ستة كانت تقل أعمارهم عن العشر سنوات، فيما الباقون كانوا أكبر بقليل ولكن كلهم يقلّ عمرهم عن 16 سنة

ويحكي ابن تغري بردي أن فتاة تُدعى خوند بنت صُرُق، ويُقال إنها كانت طليقته، علم أن ابن أمير يُدعى شهاب الدين أحمد بن الطبلاي نام معها، فأرسل لها وظنت أنه يريدها لخير، فلما أتت وقبلت يده قال لها "يا قحبة يا مراكيب الملوك" وقبل أن تنطق ضرب يدها بخنجر مقوس أشبه بالسيف فقطع أصابعها، وهمت بالهرب منه فجرى ورائها وضربها ثانية فقطع من كتفها قطعة، وظل يضربها بالخنجر حتى ماتت. ثم قطع رأسها ولفه في قطعة قماش، وبعدها استدعى ابن الطبلاوي وجعله يرى الرأس المقطوع ثم ضربه هو الآخر ضربة على رقبته فصلت رأسه عن جسده ولف الرأسين معاً في لحاف ودُفنا في قبر واحد، وكان عمر السلطان وقتها 25 سنة تقريباً.

ولأجل ذلك حاول بعض الأمراء الانقلاب عليه، أبرزهم شيخ المحمودي ونوروز الحافظي، ومنعوا الخطباء من الدعاء له في المساجد، وصار بعض مماليك القاهرة ينسحبون من حوله ويذهبون إلى أمراء دمشق، حتى تصاعد الأمر إلى مواجهة بينهم وتوجه إليهم الناصر على رأس حملة، لكنهم انتصروا عليه ورجع مهزوماً.

ولأجل سفكه الدماء، اجتمع القضاة الأربعة (يمثلون المذاهب السنّية الأساسية) وكتبوا محضراً بأنه سفاك للدماء ومدمن للخمر وأحضروا شهوداً وخلعوه عن السلطة، وقبضوا عليه، وأرسلوه إلى السجن في قلعة في دمشق، وطُعن في محبسه، والمفارقة أنه حاول الإفلات من قاتليه بنفس الطريقة التي حاولت خوند بنت صُرُق الإفلات منه بها، فصار دمه على الحيطان والأرض، ثم نزعوا عنه ثيابه وألقوه في مزبلة أسفل القلعة، وظل مُلقى ليلة كاملة حتى حمله بعض الناس وغسلوه وكفنوه ودُفن في مقبرة باب الفراديس، وانتهى أمره، ومات وعمره تقريباً 27 سنة.

ملك الإوزّ

تولى الناصر محمد بن قلاوون الخلافة وعمره تسع سنوات، عام 693هـ، بعد أخيه الملك الأشرف وخُلع في العام التالي بواسطة الملك المظفر بيبرس، وبعدها هرب بيبرس فعاد الناصر للخلافة ثانية في 698 هجرية، أي كان عمره وقتها 14 عاماً.

وبعد عودته إلى السلطنة أمر بالقبض على بيبرس، فلما أحضروه إلى القلعة أخذ السلطان الصغير يعاتبه على شيء ليس له علاقة بالانقلاب عليه، يقول المقريزي في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك (الجزء الثاني)" إنه قال لبيبرس "تذكر وقت طلبت الحلوى باللوز والسكر فمنعتها عني؟! ولما طلبت الإوز المشوي، قولتلي إيش تعمل بالإوز؟!" ثم أمر بقتله، فقُتل بيبرس ودُفن خلف القلعة.

يقول المقريزي إن الناصر كان مولعا بالإوزّ، حتى أنه عيّن على خدمتها عدداً من الخدم والجواري. وكان مولعاً أيضاً بالخيول، وكان أول مَن أنشأ ديواناً مخصوصاً لها، وفيه اسم كل فرس ونسبه وثمنه وعين للديوان ناظراً يقوم على أمورها، وكان يعرفها جميعاً بأسمائها ويعرف أصولها ومتى وكيف اشتراها.

بعد وفاة الملك المؤيد شيخ، في العام 824هـ، طالب مماليك القصر بتعيين ابنه الأمير أحمد خلفاً له، ويروي المقريزي أن الطفل أخذ يبكي فأحضروا له مرضعته، وكان الحاضرون يقدمون فروض الطاعة والولاء للملك الجديد بينما هو في حجر مرضعته

وصار مع الوقت يكتسب الخبرات وأصبحت له مهابة تجاوزت الحد، حتى أن الأمراء إذا وقفوا أمامه لا يجرؤ أحد منهم أن يتحدث مع رفيقه بكلمة ولا يلتفت نحوه، كما يقول المقريزي.

وخلال فترة حكمه التي طالت فعل أشياء جيدة، منها إلغاء ضريبة تُسمى "نصف السمسرة" كانت تفرض على مَن يبيع درهمين من كل 100 درهم، وإلغاء ضريبة البغال، وهي ضريبة مقدارها ثلاثة دراهم عن كل بغل، وضريبة السجون وكانت تقتضي أن يدفع كل مسجون ستة دراهم، وضريبة حماية المراكب وغيرها.

ورغم توليه الخلافة وعمره تسع سنوات وخلعه مرتين، إلا أنه حكم حتى عام 741 هجرية، ثم توفي بإسهال دموي، وكان من أكثر السلاطين قبولاً لدى الناس.

ملك قتله شغفه بالحمام

في العام 747هـ، تولى الملك المُظفر حاجي بن الناصر قلاوون الحكم وكان عمره 15 عاماً. يقول ابن إياس إنه كان مولعاً بالحمام، والتهى عن أمور الحكم بسببه، ويضيف أنه أنفق 50 ألف دينار من الذهب كانت في خزينة السلطنة، وكانت من خراج الشام، على الحمام، فصنع لها خلاخيل من الذهب في أرجلها وألواحاً من الذهب في أعناقها كما صنع لها مقاصير من خشب "الأبنوس" المُطعم بالعاج، ولم يكتفِ بذلك، بل عيّن لخدمتها عدداً من الغلمان.

وحين عنّفه أحدهم ويُدعى الأمير "جبغا"، غضب السلطان وصعد إلى غيات الحمام وذبحه جميعاً ثم نزل إلى الأمير وقال له "لقد ذبحت الحمام جميعاً، وأنا إنْ شاء الله أذبحكم كما ذبحت الحمام".

بعدها، اتفق الأمراء على خلعه، وبالفعل خلعوه ثم أرسلوه إلى السجن، وقتله الأمير "يلبغا أروس" داخل السجن عام 748، ولم يحكم سوى سنة وثلاثة أشهر. يقول ابن إياس: "رغم قصر مدته في الحكم والتي استمرت نحو سنة وثلاثة أشهر إلا أنه قتل عدداً لا بأس به من الأمراء، فكان سفاكاً للدماء".

وغير حاجي بن الناصر قلاوون، كان هناك أيضاً المراهق الملك المنصور نور الدين بن المعز أيبك الذي شكلت علاقته بالحمام فصلاً من سيرته كذلك. يقول المقريزي إنه تولى الحكم عام 655هـ وكان عمره 15 عاماً، وكان مكروهاً لكثرة رميه الحمام بالحجارة وركوبه الحمير في القلعة ولعبه بالكباش. وكانت مصر مُهددة في ذلك الوقت من قبل هولاكو الذي أعد العدة لغزوها.

حينها اجتمع الأمير سيف الدين قطز بمجلس القلعة واتفقوا على أن الملك صغير السن "ولا بد من سلطان ماهر يقاتل العدو". وبالفعل ألقي القبض عليه مع شقيقه "قافان"، لكن بعض الأمراء تخوفوا من أن تكون فعلته تلك للاستيلاء على الملك، فقال لهم قطز: "إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة مَن شئتم".

مراهق ماجن

غير هؤلاء، هناك من الأطفال مَن حكموا ولم يكن لهم من الحكم إلا الاسم فقط، فقد تولى مدبرو المملكة أمور الحكم الفعلي، مثل الملك المنصور محمد بن قلاوون المنصوري الذي تولى الحكم عام 762هـ وكان عمره 14 عاماً، وخلع بعد عامين  فقط.

ويقول عنه ابن تغري بردي إنه كان يدخل بين نساء الأمراء ويمزح معهن، وكان يعمل مُكارياً (يجهز حماراً للركوب) في الحوش السلطاني ويأمر الجواري بالركوب ثم يجري وراءهن، واشتهر عنه أيضاً أنه يأخذ الكعك ويدخل يبيعه إلى النساء في قاعات "الحريم"، وكان محباً للهو والطرب ولم يشغله أي شيء من أمور الحكم، وكان راضياً بالعيش الطيب والمميزات الممنوحة له كسلطان. واتفق الأمراء على خلعه عام 764هـ، وظل محبوساً في الدور السلطانية بالقلعة إلى أن مات في العام 801هـ.

وهناك الملك الأشرف علاء الدين كُجك، وكان عمره خمس سنوات عندما وصل إلى سدّة الحكم، والملك الناصر حسن وكان عمره 11 عاماً، وفي عصره كثرت الرشاوى وضرب الطاعون مصر.

وهناك الملك الأشرف شعبان بن حسين وكان عمره عشر سنوات فقط، ولم يكن راغباً في الحكم لكثرة الصراعات، لكنه رغم ذلك كان ذكياً عارفاً بأحوال المملكة، كما يقول ابن تغري بردي.

وكانت قصة وفاته مأسوية، فقد انقلبت عليه مجموعة من الأمراء فهرب منهم واختبأ عند سيدة تُدعى آمنة، زوجة أمير يُدعى المشتولي، فداهموا البيت ووجدوه متخفياً في زي نساء فأحضروه إلى القلعة وضربوه بالعصي وفي اليوم التالي خنقوه ووضعوه في قُفة وخيطوها عليه ثم رموه في بئر في القلعة، وظلت جثته فيه أياماً حتى فاحت رائحتها فأخرجها بعض الخدم ودفنوها بجوار مسجد السيدة نفيسة في القاهرة، ومات وعمره 24 سنة، وحزن عليه الناس حزناً عظيماً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard