"جريمتي أنني أؤمن بالحوار والحكم الرشيد، وأني سعيت مع كثيرين غيري إلى تنسيق الجهود بهدف إنقاذ تونس من الإفلاس والانهيار"؛ هذا ما قاله الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، الذي أوقِف يوم 22 شباط/ فبراير 2023. لم يكن هو الوحيد الذي أوقِف إذ أوقفت في وقت لاحق الناشطة السياسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني المعارضة شيماء عيسى، وأصدِرت مذكرة توقيف بحق العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية ومن ضمنهم رجال أعمال في تونس.
كان شهر شباط/ فبراير 2023، استثنائياً، فقد شهد حملة توقيفات، تعدّها وجوه المعارضة التونسية "استهدافاً للسياسيين"، في حين يصفها الرئيس قيس سعيّد بأنها حملة على "الفاسدين".
من جهة أخرى، نشرت المحامية إسلام حمزة، في صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينةً تحدثت فيها عن "مجموعة خيام التركي"، التي تم توقيف كل أعضائها.
لم تتوقف مراكز التوقيف التونسية عن الامتلاء بـ"معارضين" متهمين في قضايا سياسية ومالية، ولا السلطات عن إيقاف الرموز السياسية المعارضة للنظام الحالي. فكثيرة هي الأسماء التي تم الزجّ بأصحابها في السجون سواء بين التوقيف أو الإيداع (التوقيف المؤقت)، من رجال أعمال وسياسيين ومعارضين وحتى ممن والوا في يوم من الأيام حكم الرئيس قيس سعيّد، وعدّوا إجراءات "25 جويلية" 2021، الشعلة الحقيقية والبناء المتماسك لتونس الجديدة تحت حكم رجل القانون والأستاذ المساعد في كلية الحقوق المعروف بـ"نظافة اليد".
تجدر الإشارة إلى أن الرابط بين كل عمليات، التي طالت إلى الآن كلاًّ من غازي الشواشي ورضا بلحاج وعبد الحميد الجلاصي وخيام التركي ومحمد الأزهر العكرمي وغيرهم، أنهم جميعهم نُسبت إليهم تهم تقول إنهم "يتآمرون على أمن الدولة سواء الداخلي أو الخارجي، ويحرّضون على أمن رئيس الجمهورية ويهددون سلامته، ويتلاعبون بأسعار المواد الغذائية لإثارة التوتر الاجتماعي".
قائمة المعتقلين تمتد في تونس فيما تتهم المعارضة الرئيس قيس سعيّد باستعمال "الاعتقال السياسي" كطريقة لإسكات كل صوت منتقد له
هذا ولم تضم قائمة الموقوفين أسماء سياسيين أو رجال أعمال فقط، إنما كان من بينهم وكيل الجمهورية الأسبق للمحكمة الابتدائية في تونس والقاضي المعزول البشير العكرمي، الذي أوقف يوم الأحد 12 شباط / فبراير 2023، وبعد ذلك أذنت النيابة العمومية بإطلاق سراحه، إلا أنها اتخذت أيضاً قراراً يقضي بأن تفرض عليه الإقامة الجبرية في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية "الرازي"، بناءً على تقرير صادر عن لجنة طبية مختصّة، وعادت مجدداً للاحتفاظ به يوم 24 شباط/ فبراير 2023.
وفَجْر الثامن والعشرين من شهر شباط/ فبراير 2023، علم الرأي العام بتوقيف كل من بثينة خليفي ووسام الصغير وأسامة غلام، الناشطين في الحزب الجمهوري على خلفية كتابات على الحيطان تدعو إلى إطلاق سراح عصام الشابي، وفق ما تضمنته تدوينة للحزب في مواقع التواصل الاجتماعي.
أكد المحامي يوسف الباجي، أن توقيف كلّ من وسام الصغير وبثينة خليفي وأسامة غلام، جاء إثر وشاية سائق سيارة أجرة، مشيراً إلى أنه تم توجيه تهمة الاعتداء على الملك العمومي إلى الموقوفين الثلاثة، بالإضافة إلى توجيه تهمة العصيان إلى بثينة الخليفي لأنها دافعت عن معطياتها الشخصية عندما أراد أحد الأعوان تصفّح معطيات هاتفها.
تهم واهية؟
قال رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، العياشي الهمامي، في تصريح لرصيف22، إنه "عند البحث عن الموقوفين وعدم إيجاد إثباتات جدية يمكن أن يتم اعتمادها كدليل على جريمة خطيرة كالإرهاب والتآمر على أمن الدولة، يتم اللجوء إلى قانون الإرهاب الذي يسمح بالاستماع إلى شخص محجوب الهوية لإثبات ما لم يستطيعوا إثباته".
وأوضح الهمامي في هذا الصدد، أنه بإمكان السلطات الاستناد إلى شخص خيالي غير موجود، أو تكليف أحد الأشخاص بقول الكلام الذي يرغبون فيه، من دون أن يكون للمتهمين أو لهيئة الدفاع الحق في مكافحة هذا الشخص".
يتهم المحامي، السلطة بأنها اعتمدت قانون الإرهاب، عندما فشلت في تقديم إجابات عن أسئلة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، فلجأ الرئيس قيس سعيد "ككل الدكتاتوريين إلى اختلاق قضية مؤامرة ضد الدولة حتّى يلهي الرأي العام عن واقعه، وانطلقت حملة التوقيفات يوم 12 شباط/ فبراير الماضي".
كما أشار رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية إلى ما قامت به السلطة التونسية من إدراج اسم الفيلسوف الفرنسي الذي يوصف من طرف منتقديه بأنه "عرّاب" الاضطرابات في العالم العربي، برنار هنري ليفي، ضمن قائمة المتآمرين على أمن الدولة، والحديث عن لقاء جمعه بأحد الموقوفين في لوكسمبورغ من أجل قلب نظام الحكم في تونس، وذلك في سبيل تشويه سمعة معارضي نظام سعيّد واتهامهم بالتعامل مع برنار هنري ليفي.
من جهتها، قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، هبة مرايف، "إنَّ اعتقال الأشخاص بناءً على ادّعاءات غامضة بالتآمر يتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية"، مشيرةً إلى أن "الجولة الأخيرة من الاعتقالات هي محاولة متعمّدة لسحق الانتقادات، بما في ذلك انتقاد الرئيس"، وفق ما ورد في الموقع الرسمي لمنظمة العفو الدولية.
وأكدت ضرورة أن تركّز السلطات التونسية على إيجاد حلول حقيقية للمساعدة في تخفيف معاناة المتضررين بشدة من الاقتصاد التونسي المتداعي، وإلغاء حملة الرئيس سعيّد ضد المعارضين، ذات الدوافع السياسية.
من جهتها، قالت مديرة مكتب تونس لهيومن رايتس ووتش، سلسبيل شلالي، "إن الرئيس سعيّد، بعد أن عيّن نفسه مسؤولاً عن النيابة العمومية وأقال القضاة يميناً ويساراً، أصبح يلاحق منتقديه بنهج إقصائي ويصفهم بالإرهابيين من دون جمع أدلة موثوقة".
كما دعا الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، في بيان صادر عنه، إلى "الإطلاق الفوري لكل المعتقلين والكفّ عن ملاحقتهم وضمان حقهم في التعبير والاحتجاج"، مندداً "بالاستعمال المفرط للقوة والتوقيفات العشوائية".
الصحافة لم تسلَم
بدورها، لم تسلم الصحافة من حملة التوقيفات، إذ اعتُقل مدير إذاعة موزاييك نور الدين بوطار، بتهم مرتبطة بالفساد، في ما يقول دفاعه إنه اعتقال سياسي للضغط عليه. وتندد وسائل إعلام عدة بالسياسات الجديدة التي تنهجها السلطات حيالها من تضييق على الحق في الوصول إلى المعلومة، إلى ملاحقات الصحافيين.
وفي تصريح لرصيف22، قال رئيس تحرير نواة، أيمن الرزقي، إن الموقع يتعرض، مع العديد من المواقع الإعلامية الأخرى، إلى حملة مضايقات يتصدرها المنع بخصوص الوصول إلى المعلومة الذي تمارسه مؤسسات رئاسة الجمهورية والحكومة، مشيراً إلى أن الحصول على المعلومة اليوم أضحى ضرباً من الخيال.
في تونس أصبح المحامي يدافع عن موكله فيُسجن بعده، والحقوقي يُعتقل على خلفية نشاطه، والسياسي يُتّهم بالتآمر لأنه مارس السياسة، وأخيراً أصبح الأمن يستهدف المتضامنين مع المعتقلين لأنهم تضامنوا معهم
وفي ما يتعلق بالاعتقالات، أكد أن العديد من الشخصيات التي تم توقيفها كانت قد علمت بأنها محل ملاحقة من بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفاً أن الناشطة السياسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، كانت قد أشارت إلى أنه سيتم توقيفها بناءً على ما ورد في صفحة المحامية وفاء الشاذلي، عادّاً أن هذا الأمر أضحى موضةً اليوم في تونس، إذ ترد الأخبار في صفحات أنصار الرئيس قيس سعيّد قبل أن يتم الإعلام بها رسمياً من طرف السلطة.
وفي السياق نفسه، دوّنت المحامية إيناس حراث، في صفحتها على فيسبوك: "هل من معنى لمواصلة تنزيل أخبار الاعتقالات في دولة قرر نظامها أن يشنّ حرباً على القوانين والمؤسسات والحقوق والحريات والمنطق والإجراءات؟".
وتابعت قائلةً: "أصبح المحامي يدافع عن موكله فيُسجن بعده، والحقوقي يُعتقل على خلفية نشاطه، والسياسي يُتّهم بالتآمر لأنه مارس السياسة، وأخيراً أصبح الأمن يستهدف المتضامنين مع المعتقلين لأنهم تضامنوا معهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...