شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
قيس سعيد يهدد التونسيين بالتصفية والتونسيون يهربون

قيس سعيد يهدد التونسيين بالتصفية والتونسيون يهربون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 10 يناير 202312:27 م

ظل أنصار الرئيس قيس سعيد يتحدّثون عن نظافة يده، ولا أحد انتبه إلى ما يهدره من مال على إرساء نظامه بالقوّة ولا عن مصاريف تنقلاته الكرنفالية وما يتطلبه ذلك من هدر للمال العام دون أدنى إنجاز، لكن تلك النظافة المزعومة لليدين الملوّثة بإسقاط آخر أجنة الديمقراطية في العالم العربي لا يمكن أن تحجب عن العالم نتانة لسان هذا الشخص الذي تحوّل إلى آلة شتم وتهديد وقذف وسباب منذ أن قام بانقلابه في 2021.

لم يتوقف منذ ذلك اليوم الذي أطلق فيه العسكر يطوّقون مبنى البرلمان عن شتم التونسيين وتهديدهم حتى أن أشهر صورة له يتناقلها أنصاره منذ الانقلاب هي صورته وهو يتوعّد بيديه مكشراً. وكلما مر يوم جديد مع حكمه ازداد لسانه سلاطة وازدحم معجمه بمفردات جديدة يحاول من خلالها لجم الألسن وتهديد الناس وقطع ألسنتهم إما عبر التوقيف أو التهجير والنفي أو عبر المحاكمات السياسية.

وهو طوال الوقت يتوجّه بكلامه إلى الغائبين مشيراً لهم بضمير "هم" ولا يعلم التونسيون من هم حقيقة، فهو يهدد الجميع وينعتهم بأبشع النعوت الخلقية والأخلاقية.

وأصبح يتفنن في نحت الشتائم والتهديدات واجتراح الوعيد. آخر اجتراحاته كان أثناء تدشينه لمركز الطب الجراحي والاستعجالي في محافظة جندوبة وهو وحدة صحية متنقلة مهداة من الإمارات العربية المتحدة. وهو زيادة على أنه لم يخجل من تدشين منجز وهمي فإنه استند على اختصاص المستشفى ليجترح خطابه الشوفيني الاستئصالي يقول فيه:

يتوجه الرئيس قيس سعيد طوال الوقت بكلامه إلى الغائبين مشيراً لهم بضمير "هم" ولا يعلم التونسيون من هم حقيقة، فهو يهدد الجميع وأصبح يتفنن في نحت الشتائم والتهديدات واجتراح الوعيد

''منذ قليل توجهت إلى بيت تصفية الدم، بالنسبة إلى مرضى الكلى والآلات موجودة وكلّ الأسرة موجودة، وليس هناك على الإطلاق أزمة كما يُشاع في عدد من وسائل الإعلام أو من وسائل التواصل الاجتماعي، ربما تونس في حاجة إلى تصفية من نوعٍ آخر، إلى تصفية تخلصها من الأدران التي علقت بها وتسعى بكلّ جهدها لأنّ في قلوبهم مرض والذين لن يُشفيهم مستشفى أو طبيب أو ممرض، ستُشفى تونس من هذه الأمراض السياسية كما سيُشفى المرضى من هذه الأمراض بمثل هذه المستشفيات''.

بهذا الاعتراف يقولها صراحة إنه ينوي تصفية تونس من كل معارضيه، وهو خطاب لم يسبقه إليه حاكم تونسي أو سياسي تونسي، بل كان السياسيون وخاصة أثر انتفاضة 2011 يتريثون كثيراً في نحت خطابه الموجه للشعب خاصة ولزملائهم لأنهم كانوا مؤمنين بأنهم يخاطبون شعباً حراً ضحى بالكثير من أجل أن يمسك بطرف الحرية ويسعى إلى الظفر بمواطنته كاملة التي من شأنها أن تضمن له كرامته.

أصل الخطاب ولع صبياني

أصل خطاب سعيد السياسي ولع صبياني بالسجع والجناس، فالرئيس يعتقد وحده أن خطه جميل بعد أن زوّر خط خطاط تونسي كان يكتب له مراسلاته الشهيرة التي كانت مسخرة تعيد العالم إلى الجاهلية متأثراً بفيلم الرسالة للعقاد. ولكنه أيضاً وحده يعتقد أنه يتحدّث لغة عربية سليمة وفصيحة والحال أنه يرطن بما يسميه النحويون بالمهمل والحوشي في المعاجم إلى جانب فداحة الأخطاء التي اكتشفها الشعب في دستوره الذي كتبه بنفسه. كما أنه يعتقد أنه مثقف ومتوغل في الآداب والثقافة العربية وهو راسب في العشيرينات عند محمود بيرم التونسي الذي يقلّب مقالاته الهزلية كل يوم ليستشهد بها في خطاباته واستقبال وزرائه الصامتين أبد الدهر.

ويظهر قيس سعيد عداء للثقافة التونسية الحديثة والمعاصرة فلم يستقبل في قصره كاتباً منذ توليه الحكم إلا توفيق بن بريك بعيد انتصاره على منافسه نبيل القروي، وقد كان الاستقبال بطلب من توفيق بن بريك نفسه. اكتشف التونسيون أن رئيسهم الذي لم يؤلف كتاباً ولا كتب مقالاً ثقافياً بحياته مغرم كالمراهقين في المدارس بالسجع والتنقيب عن الكلمات التي تناسب القافية في قصائد الرديئين من الشعراء وأنه خاصة مغرم بالمقامة ويبحث طوال الوقت عن تدبيج خطاباته المرتجلة بجناسات لغوية وترديده للكلمات مرات يدل أنه قضى وقتاً طويلاً ليجترح تلك الجناسات الرديئة أو الإحالات عليها. ومنها ما بدر منه يوم تدشين المستشفى المتنقل لتصفية الدم والذي أحاله على ضرورة تصفية التونسيين والمعارضين السياسيين.

تجرأ قيس سعيد على الشعب التونسي تدريجياً وأخذ خطابه يزداد حدة يوماً بعد يوم ولم تخجله حتى نتائج الانتخابات الهزيلة ونسبة المشاركة المعدومة، بل خرج على التونسيين يقول إن معارضيه لم يجدوا هذه المرة سبباً لنقده إلا نسب المشاركة في الانتخابات. وكأنه هناك أبشع وأخطر من هكذا دليل أنه فقد شرعيته ومشروعيته وأن الشعب لفظه واكتشفه زيف خطاباته ووعوده.

هذا الشغف بالجناس المتأتي من أجناس غنائية ذات الصوت الواحد يورطه كل يوم في خطاب كراهية وخطاب استئصالي يعكس توجهاته السياسية وانسداد أفقه ومحدودية خياله. كل همه أن يردد مناصروه أنصاف الأميين والمتعصبين تلك العبارات التهكمية الساذجة التي يطلقها محمّلين إياها على صفحاتهم الفيسبوكية مع صورته الشهيرة وهو يتوعد التونسيين.

الدياسبورا التونسية في العالم

في آخر تدوينة كتبها الروائي والكاتب التونسي حسونة المصباحي يعري واقعاً آخر، وهو واقع الشتات الذي يعيشه التونسيون حيث أصبحت الدياسبورا التونسية واحدة من أهم دياسبورات العالم.

يكتب حسونة المصباحي يوم 26 كانون الأول/ديسمبر على صفحته بالفيسبوك:"في الطائرة من ميونيخ إلى تونس، قال لي أستاذ جامعي في التكنولوجيا عمل في هونكونغ وفي الخليج والآن في برلين أن الديايسبورا التونسية بعد (ثورة الحرية والكرامة) أصبحت شبيهة بالدياسبورا اليهودية قديماً. والآن تجد التونسين في القارات الخمس... ومع تزايد هجرة الكفاءات من جميع الأصناف، أصبحت تونس مرتعاً للجهلة والمهربين والفاسدين ومنعدمي الكفاءة في كل شيء... والدليل على ذلك نواب قيس سعيد الذين سيكونون في البرلمان المقبل... جميعهم مثله لا يحسنون الكلام بلغتهم الأم ولا دراية لهم بشؤون الدولة لا من قريب ولا من بعيد... وهكذا بعد أن كانت تونس تمثل أملاً في العالم العربي، أصبحت رمزاً للتخلف والهمجية والعنف والفوضى المدمرة....".

أصبحت الدياسبورا التونسية شبيهة بالدياسبورا اليهودية قديماً، والآن تجد التونسين في القارات الخمس. ومع تزايد هجرة الكفاءات من جميع الأصناف، أصبحت تونس مرتعاً للجهلة والمهربين والفاسدين ومنعدمي الكفاءة في كل شيء

يبدو الأمر غريباً فتونس إلى اليوم لم تعش حرباً أهلية ولا اجتياحاً أجنبياً، ونجت حتى من سنوات الإرهاب التي عاشتها الجزائر. وهذا ما يطرح السؤال لماذا يهاجر التونسيون؟ لما يترك التونسيون بلدهم الجميل ويرمون أنفسهم في البحر أو في الجو أو في البر؟ ولماذا يتشبثون بالقوارب والطائرات والشاحنات ويلوّحون بأنفسهم خارج ذلك البلد الجميل؟ ولماذا أصبح حتى الموظفون السامون يهاجرون وبطرق غير قانونية أيضا مضحين بكل شيء من أجل النجاة بأنفسهم؟

لقد عاش الشعب التونسي منذ سنوات ما قبل الانتفاضة حرباً طاحنة استهدفت أحلام الطبقة الوسطى خاصة، والتي تآكلت حتى اختفت لنعثر على أهلها عند طبقة الفقراء. وقع تدمير المنظومة التعليمية تدريجياً حتى فقدت المؤسسات الجامعية التونسية مكانتها في ترتيب الجامعات وبذلك فقدت شهاداتها ذلك الألق القديم، وفي المقابل لم تعد الشهادة العلمية جواز عبور للعائلات من طبقة الفقراء إلى الطبقة الوسطى فلا عادت هناك طبقة وسطى ولا الطبقة التي تليها تعرف بالشهادات العلمية من المؤسسات الوطنية العمومية.

وغرق الشعب كله في الفقر والخصاصة إلى جانب التوزيع غير العادل للوظائف عبر الوساطات والعلاقات قبل أن تغلق الوظيفة العمومية أبوابها في وجه التونسيين جميعاً. أما الموظفون فقد أنهكتهم الضرائب والقروض والديون وأصبحوا يرون أبناءهم أمامهم يكبرون نحو المجهول في بلد تتزايد فيه الأسعار كسعرات الغضب والشطط التي تتسارع في شخصية رئيسهم المستبد بالرأي والحكم وغير القادر على الحلم. كل ذلك جعلهم أميين ونخبة علمية شيوخ وشباباً ونساء ورجالاً حاملين أطفالهم جنباً إلى جنب في المراكب "حارقين" أو في الطائرات قاطعين تذكرة واحدة بلا رجعة مودعين بلدهم الجميل بعد أن جردهم النظام والفاسدون من آخر طاقة للتحمل وأخر لحظة من حلم يجعل العيش به ممكنا.

كذلك غادر رجال أعمال من الملاحقات الاعتباطية وتعطيل أعمالهم وهاجر الإعلاميون والكتاب والأساتذة الجامعين والأطباء والفنانين والمهندسين وصار نصف الشعب التونسي يركض وراء مكاتب الهجرة ومعاهد تعليم الإنجليزية لمغادرة البلاد فقط.

وهكذا انتشر التونسيون مثلهم مثل السوريين والعراقيين والأكراد والفلسطينيين في العالم مشردين باحثين عن حياة شبه ممكنة لهم ولأولادهم.

فليس بالحروب فقط تتشكل الدياياسبورا. وكان حسونة الصباحي ذكياً في التأكيد على صفة الشخص الذي روى له فكرة الشتات التونسي عندما أكد أنه أستاذ جامعي في التكنولوجيا في هونكونغ. ألم يكن الأجدر أن تنتفع به بلاده؟ لكن التميز في بلد مثل تونس في ظل هذه الثقافة الشعبوية والنظام الانقلابي هو جناية ولا يمكن أن يتركوك إذا ما لم توالِهم وتلوث نفسك بهم وتصبح ذيلاً مطيعاً لهم إلا بتصفيتك. تماماً كما هدد رئيسهم.

عبد الباري عطوان مفتٍ سعيد ومبيض الدكتاتورية الناشئة

في ظل كل ذلك البؤس الذي ألحق بالتونسيين يدعو قيس سعيد ومن والاه من صحافيين ومرتزقة عرفوا بتبييض الأنظمة الديكتاتورية والدفاع عنها كما كان يفعل بن علي عندما يتوافد الصحافيون من العالم العربي ومن الغرب لتحبير كتب رديئة حول نتاجاته مقابل الأموال، ولأن قيس سعيد كائن شفوي لا يؤمن بالتدوين لذلك لم يؤلف كتاباً في حياته ووجد قيس سعيد في عبد الباري عطوان ضالته فأخذ يدعوه كلما اهتز عرشه.

أكثر جملة مضحكة قالها عبد الباري عطوان في الدفاع عن قيس سعيد بعدما فعله بالانقلاب والقضاء على كل المؤسسات الحقوقية والسياسية هي: "قيس سعيد لا يحكم وحده وليس له جيش ولا ميليشيا". انتهت النكتة

يهب عطوان على تونس كلما اشتدت أزمة النظام ليحاول انقاذ ماء وجهه وتبييض هزيمته وتلميع بشاعته، يفعل ذلك في ظل مقاطعة قيس سعيد للإعلام التونسي الموالي له والمعارض في نسق عام لاحتقاره لكل ما هو تونسي.

يصل عبد الباري عطوان بخطابه الشعبوي ليزيف الحقائق فيزين لهم الانقلاب مرة ويطلب منهم الصبر على التفقير والديكتاتورية ويفتي لهم بعدم الخروج على الحاكم مرة أخرى مردداً عليهم تلك الجملة الرديئة التي يشتري بها النفوس الضعيفة "والله والله والله التونسيون يحبون فلسطين أكثر منه". ليختم بقوله "والله مات القذافي وهو لا يملك بيتاً ومات صدام وهو لا يملك بيتاً وقيس سعيد عليه مؤامرة"، "تريدون أن يذهب قيس سعيد؟ ماذا تريدون أن تصبح تونس كما ليبيا؟" وأكثر جملة مضحكة قالها عبد الباري في الدفاع عن قيس سعيد بعدما فعله بالانقلاب والقضاء على كل المؤسسات الحقوقية والسياسية " قيس سعيد لا يحكم وحده وليس له جيش ولا ميليشيا".

انتهت النكتة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image