في الفيلم الكوميدي الشهير When Harry Met Sally، الصادر في العام 1989، تجادل هاري (بيلي كريستال) وسالي (ميغ رايان)، أثناء تناولهما طعام الغداء في أحد المطاعم في مانهاتن، حول مدى قدرة الرجل على معرفة ما إذا كانت شريكته تقوم بتزييف النشوة الجنسية أم لا.
وأمام إصرار هاري بأنه شخصياً قادر على التمييز بين النشوة الجنسية الحقيقية والنشوة المزيّفة، قدمت سالي أداء مذهلاً في افتعال النشوة وإصدار تأوهات جنسية أمام كل زبائن المطعم، لإثبات مدى واقعية النشوة المزيّفة، وأكملت بعدها وجبتها وكأن شيئاً لم يكن.
وبالرغم من أن سالي كانت ترتدي ملابسها في الكامل أثناء التظاهر بالنشوة، لكن حتى في أكثر الوضعيات حميمية، لا ترتبط هزات الجماع عند النساء عادةً مع علامات خارجية لا يمكن التظاهر بها، بخاصة وأن أغلب النساء لا يقذفن أثناء الرعشة، مع العلم بأنه حتى العلامات الداخلية للنشوة عند الإناث يمكن السيطرة عليها أيضاً، إذ يمكن أن تتحكم المرأة المعنية في عضلات المهبل وإلى حدّ ما في عضلات المستقيم، الأمر الذي يسمح لها بمحاكاة نشوة الجماع داخلياً وخارجياً، وفق ما ذكره موقع سيكولوجي توداي.
النشوة عند الرجال
إن الأسباب التي تدفع بعض النساء لتزييف النشوة الجنسية، عديدة ومتنوعة: في حين أن بعض الإناث يتمكنّ من الوصول بسهولة إلى النشوة، من خلال تحفيز بسيط أو إثارة خفيفة، فإن بعض النساء الأخريات يواجهن صعوبة في بلوغ هزة الجماع، الأمر الذي قد يدفعهنّ للتظاهر بالنشوة لعدم جرح الشريك، في الوقت الذي تريد فيه أخريات الانتهاء سريعاً من العملية الجنسية.
ولكن ماذا عن الرجل؟ لماذا يتظاهر بعض الرجال بالوصول إلى النشوة الجنسية؟ وهل ينجحون فعلاً في تزييف هزة الجماع؟
قدرة المرأة على التظاهر بهزات الجماع هي مسألة شائعة إلى حدّ ما، أما قدرة الرجال على القيام بذلك فتبقى ظاهرة أقل شيوعاً، بخاصة وأن النشوة عند الرجل واضحة، ويعدّ القذف من العلامات الشائعة التي لا يمكن تزييفها
إن قدرة المرأة على التظاهر بهزات الجماع هي مسألة شائعة إلى حدّ ما، أما قدرة الرجال على القيام بذلك فتبقى ظاهرة أقل شيوعاً، بخاصة وأن النشوة عند الرجل واضحة، ويعدّ القذف من العلامات الشائعة التي لا يمكن تزييفها.
في مستهلّ حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت المعالجة النفسية المتخصصة في العلاقات الزوجية والجنسية، دانا سرحان، أن النساء في العادة يستغرقن وقتاً أطول من الرجال للوصول إلى النشوة الجنسية.
وكشفت سرحان أن هناك العديد من الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تجعل بعض الرجال يقومون بتزييف هزات الجماع، وعلى رأسها التركيز المفرط على الأداء الجنسي: "هناك أسباب كثيرة لتزييف النشوة الجنسية، وأهمها الضغوطات النفسية والقلق حول مستوى الأداء الجنسي المرتبط بشكل خاص بمشاعر الذكورة، سواء كان ذلك في العلاقات الجنسية التي تحدث بين شريكين من نفس الجنس أو لا، بالإضافة إلى السعي لإرضاء الشريك"، مشيرة إلى أنه "كلما زاد الضغط الذي يمارسه المرء على نفسه، كلما واجه صعوبة أكبر في الأداء الجنسي".
واعتبرت دانا أن هذه الأسباب تتقاطع بشكل كبير مع العوامل التي قد تدفع بعض النساء لتزييف الرعشة الجنسية.
وعمّا إذا كان هناك علاقة بين ضعف الانتصاب Erectile dysfunction وهزات الجماع المزيّفة، أكدت سرحان أنه لا توجد قاعدة واحدة، إذ إن المسألة مرتبطة بكل شخص، وبالتالي شددت على ضرورة التعامل مع كل حالة على حدة.
هذا وتحدثت دانا سرحان عن غياب التثقيف الجنسي الإيجابي، الأمر الذي يمنع كلا الطرفين من مناقشة المسائل الجنسية والتفضيلات الجنسية بشكل شفاف.
ماذا كشفت الدراسات عن النشوة المزيّفة لدى الرجال؟
كما هو ملاحظ، فإن الدراسات التي تبحث في موضوع تظاهر الرجال بنشوة الجماع قليلة، مع بعض الاستثناءات التي سنتوقف عندها.
ففي دراسة أُجريت في العام 2009، طلب عالما النفس، شارلين إل موهلينهارد وشينا كي شيبي، من 180 ذكراً و101 أنثى من الطلاب الجامعيين، الإجابة على استبيان عن عدد المرات التي يزيّفون فيها النشوة، دون الكشف عن هويتهم.
النتيجة: من بين المشتركين الذكور الذين مارسوا الجنس، كشف حوالي 30% منهم أنهم تظاهروا بالوصول إلى النشوة الجنسية، مقارنةً بـ 67% من المشتركات الإناث.
"كلما زاد الضغط الذي يمارسه المرء على نفسه، كلما واجه صعوبة أكبر في الأداء الجنسي"
وفي حين أن معظم الأفراد أبلغوا عن تزييف النشوة أثناء الجماع القضيبي-المهبلي، فإن البعض الآخر كشف عن التظاهر بالرعشة أثناء الجنس الفموي أو عند التحفيز اليدوي، أو حتى لدى إجراء المكالمات عبر تطبيق زوم.
وقد سُئل المشتركون أيضاً عن سبب قيامهم بتزييف هزة الجماع، فكانت الإجابات الأكثر شيوعاً بالنسبة لكلا الجنسين، تدور حول الرغبة في الانتهاء من العملية الجنسية، أو تجنب جرح مشاعر شركائهم، أو خلق الانطباع بأن شريكهم قادر على إشباع رغبتهم الجنسية.
في السياق نفسه، انكبت عالمتا النفس، ليا جي سيغان وروبين أر ميلهاوزين، في العام 2016، على تحليل مدى قيام الرجال بتزييف النشوة أثناء الجماع، وذلك من خلال إجراء دراسة شارك بها 230 رجلاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، أفادوا بأنهم قد تظاهروا بالوصول للنشوة الجنسية، مرة على الأقل مع شريكهم الحالي، ومن ثم طُلب منهم ملء استبيان عن هزات الجماع المزيّفة، فأبلغ المشتركون أنهم اختلقوا النشوة في 1 من أصل 4 لقاءات جنسية مع شركائهم الحاليين، وكان ذلك غالباً أثناء الجنس المهبلي أو الشرجي.
وقد تبيّن أنه كان لدى هؤلاء الرجال دوافع مختلفة للتظاهر بالنشوة الجنسية: رفع ثقة شريكهم بنفسه، الشعور بالجاذبية، الثمالة أو الخشية من إزعاج الطرف الآخر.
من المؤسف أن يشعر الرجال والنساء، بخاصة في مجتمعاتنا العربية، بالضغوطات الاجتماعية لدرجة تزييف النشوة، وتحويل التجارب الحميمية والممتعة في حياتهم إلى مجرد "أداء تمثيلي"، في حين أن الشفافية بشأن تفضيلاتهم وقدراتهم الجنسية يمكن أن تؤدي إلى تجارب جنسية أكثر إمتاعاً وإشباعاً للشريكين
بشكل عام، وجدت سيغان وروبين أنه كلما قام الرجل بتزييف هزات الجماع مع شريكه، كلما كانت مستويات الرضا أعلى. بمعنى آخر، يميل الرجال الذين كانوا راضين عن علاقتهم- جنسياً ورومانسياً- إلى هزات الجماع المزيّفة لإسعاد شريكهم، أو بسبب رغبتهم بالتظاهر بـ "النشوة الجنسية المتبادلة" التي تتزامن مع النشوة الجنسية للطرف الثاني.
لكن ذلك لا ينطبق على جميع المشتركين، إذ اتضح في المقابل أن بعض الرجال تظاهروا بالوصول إلى هزة الجماع، لأنهم كانوا غير راضين عن العملية الجنسية، وهو أمر علّقت عليه الباحثتان بالقول: "عندما يتم تزييف النشوة بسبب عدم الإشباع من الجنس أو عدم الرغبة في الشريك، يمكن تشجيع الرجال على استكشاف طرق لتحسين المتعة الجنسية، أو التواصل مع شركائهم حول الأنشطة التي يجدونها مثيرة".
ضعف القذف
في الحقيقة، لم تقدم أي من الدراستين نظرة ثاقبة حول كيفية قدرة الرجال على تزييف هزات الجماع، لكن من المفترض أن الأمر يتعلق بحقيقة أن كمية السائل المنوي أثناء القذف تختلف بشكل كبير بين الأفراد، ومن أبرز العوامل التي قد تؤثر على كمية السائل المنوي: البنية الجسدية للرجل، توقيت العملية الجنسية، الشريك وكمية الكحول المستهلكة (في بعض الحالات).
ونظراً لكون كمية السائل المنوي أثناء النشوة الجنسية "الحقيقية" للذكور يمكن أن تكون ضئيلة، فمن المحتمل ألا يكون الشريك الجنسي قادراً على معرفة ما إذا كان القذف قد حدث أثناء الجماع بين القضيب والمهبل أو بين القضيب والمستقيم، في حين يبدو من الصعب محاكاة القذف بشكل مقنع أثناء ممارسة الجنس الفموي أو التحفيز اليدوي.
في نهاية المطاف، من المؤسف أن يشعر الرجال والنساء، بخاصة في مجتمعاتنا العربية، بالضغوطات الاجتماعية لدرجة تزييف النشوة، وتحويل التجارب الحميمية والممتعة في حياتهم إلى مجرد "أداء تمثيلي"، في حين أن الشفافية بشأن تفضيلاتهم وقدراتهم الجنسية يمكن أن تؤدي إلى تجارب جنسية أكثر إمتاعاً وإشباعاً للشريكين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...