شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
دعماً للسوق السوداء… الجزائر لا تسمح بأكثر من 100 دولار للمسافر

دعماً للسوق السوداء… الجزائر لا تسمح بأكثر من 100 دولار للمسافر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 6 مارس 202302:05 م

"أتحصّل من البنك على منحة زهيدة لا تغطّي إطلاقاً 5 في المئة من كلفة السفر، وسأكون صريحاً معك إلى أبعد الحدود... 'أنا شخصياً لما أسافر وأنا في مطار دولة أجنبية مثلاً في قطر أو دولة الإمارات العربية المتحدة، المنحة تنتهي في المطار دون الخارج'، وهذا ما يعني أن هناك إشكالاً كبيراً يواجهنا كسيّاح"؛ هكذا استهل ماهر حمور، وهو من محبّي السفر والترحال، حديثه إلى رصيف22، ويضيف: "السياح الجزائريون المغادرون، أو السياح الوافدون إليها، يعانون من ضآلة المنحة التي تقدّمها البنوك، فهي لا تشكل سوى نسبة 10 في المئة مما تقدّمه دول مجاورة على غرار تونس ومصر (المقصود بالمنحة هنا، الأموال المسموح لك بالحصول عليها من حساباتك في البنوك، ونتحدث هنا عن مدّخرات المواطنين لا أموال الدولة).

ويؤكد ماهر حمور، أن "ذلك المبلغ الزهيد لا يلبّي رغبات السائح، ويدفعه ليلجأ إلى السوق السوداء أو السوق الموازية حيث يدفع أموالاً باهظةً للحصول على العملة الصعبة للسفر، فالفارق في أسعار الصرف بين هذا السوق والبنوك الحكومية يصل إلى النصف أحياناً".

المنحة السياحية التي تقدّمها البنوك للجزائريين المتجهين نحو الخارج، لا تتجاوز 95 يورو، بينما في المطار لا تتخطى عتبة الـ70 أورو، وهذه المنحة على سبيل المثال لا تغطّي كلفة خمسة أيام في آسيا، و3 أيام في أوروبا.

القرارات التعنتية تلك من قبل الحكومة الجزائرية بحق المسافرين إلى الخارج، تستند في الأساس إلى المادة 77 من القانون الصادر في شباط/ فبراير 2007، المتعلق بالقواعد المطبّقة على التعاملات المالية للمسافرين، وتنص على أن يتم تحديد القيمة المسموح للمواطن الحصول عليها وآليات الاستفادة منها، من خلال تعليمات بنك الجزائر.

لماذا تخشى الحكومة الجزائرية من رفع المنحة السياحية المقدّمة للجزائريين عند مغادرتهم البلاد؟

لا تغطّي حتى نصف يوم

بدورها، تقصّ السيدة زكية (في العقد الخامس من عمرها)، وتعمل كإطار سامي، حكايتها مع المنحة السياحية السنوية، وتقول إنها استفادت منها في مهمة رسمية خارج أرض الوطن، لحضور مؤتمر في رواندا، ولم تكفِها لقضاء يوم واحد حتى، ولا يقتصر هذا على هذا السفر فقط، بل على جميع التنقلات التي قامت بها خارج الوطن.

"أتذكر أن المنحة التي استفدت منها خلال رحلتي الأولى، انتهت قبل خروجي من مطار روندا، واشتريت بها بعض المأكولات لي وللمرافقين الذين كانوا معي، كالخبز وعلب الياغورت"، تقول.

وتضيف: "هذه المنحة لا تكفي لقضاء نصف يوم في أي دولة من الدول، وتدفع المواطن الجزائري إلى التعامل مع السوق السوداء للعملة الصعبة للحصول على مبلغ مالي يكفي لتغطية المدة الزمنية التي سيقضيها خارج البلاد".

وتصف زكية المنحة بـ"الزهيدة جداً، ما يطرح تساؤلات بالجملة حول مغزاها والهدف منها، لسببين رئيسيين، الأول أنها تشجع على اللجوء إلى التعاملات غير القانونية، والثاني أنها لا تغطّي سوى جزء بسيط من المبلغ الذي يصحبه معه المسافر، وقد يصل إلى حدود 7 آلاف يورو".

وتكشف الإحصائيات المتوافرة أن المواطن التونسي يستفيد من منحة تتجاوز 6،000 دينار تونسي، أي ما يعادل أكثر من ألفي يورو، وفقاً لآخر زيادة أقرّتها الحكومة التونسية سنة 2010.

أما المنحة السياحية التي يستفيد منها المواطن المغربي، فتصل إلى حدود 3،000 يورو سنوياً، بينما يستفيد المواطن المصري من منحة سياحية يمكن أن تصل إلى حدود 14،000 يورو.

مصدر لإنعاش السوق السوداء

أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة وهران، بوحوص بوشيخي، يشرح لرصيف22، أسباب عدم رفع المنحة السياحية المقدّمة للجزائريين عند مغادرتهم الوطن برغم الوعود التي أطلقتها الحكومات السابقة، قائلاً: "تعتقد الإدارة أنه إذا تم رفع المنحة فسوف يكون هناك تأثير كبير على احتياطي الصرف في البلاد، أي خروج العملة الصعبة، وهذا هو الخطأ، لأن ضآلة المنحة لم تؤثر إطلاقاً على رغبة الجزائريين في السفر، بل هم يتحصّلون عليها من السوق السوداء التي تشهد زخماً كبيراً مع حلول فصل الأسفار والرحلات، فهي تمثّل الوجهة الأولى للجزائريين".

وقدّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في تصريحات سابقة، حجم الأموال بالعملة الصعبة الموجودة في الأسواق الموازية للعملات، بـ90 مليار دولار، وهي كتلة نقدية ضخمة تتحرك خارج رقابة الدولة الجزائرية.

الدولار "في الطالع"

وفي الوقت التي تتخذ فيه الحكومة الجزائرية تلك التدابير المقيّدة رسمياً لتعامل المواطنين مع العملات الأجنبية، يشهد سعر الصرف منحى تصاعدياً، وتزداد الفجوة بين السعر المعلَن في البنوك والسعر الفعلي في السوق، حيث يصل الدولار إلى 206 دنانير، في الوقت الذي تبلغ فيه قيمته في البنك المركزي الجزائري 135.6 دنانير.

واللافت للنظر، أن مخطط عمل الحكومة المصادق عليه من طرف البرلمان الجزائري، تضمّن استقطاب الكتلة النقدية المتداولة في القطاع الموازي عن طريق استعادة ثقة المواطن بمؤسساته المالية والمصرفية ومكافحة السوق الموازية للعملة الصعبة، لكن هذه الخطوة لم تفعّل، مع العلم أنها الإجراءات نفسها التي تضمنتها المخططات السابقة.

لهذه الأسباب تحرك البرلمان الجزائري الآن، لإصلاح المنظومة البنكية

لماذا تحرك البرلمان؟

وبسبب المنظومة البنكية الحالية التي لا تتلاءم مع بعث القطاع السياحي في الجزائر، يصرّحُ بوحوص بوشيخي بأن "قيمة تحويلات المهاجرين الجزائريين إلى أرض الوطن تُقدَّر بملياري دولار، وهناك إحصائيات أخرى تتحدث عن 5 ملايين دولار، وجزء كبير من هذه الكتلة النقدية يذهب إلى السوق السوداء.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي سلامي أبو بكر، أن حلّ أزمة السوق السوداء التي تضخّمت بشكل مرعب، قد يكون عبر فتح مكاتب صرف تكون تحت رقابة البنك المركزي.

أزمة مستمرة ومعاناة لا تتوقف يتعيّن على الجزائري تكبّدها في كل مرة يقرر فيها مغادرة بلاده، تتقاطعان مع الآمال المتعلقة بمشروع القانون الذي قدّمه بعض نواب البرلمان لإعادة النظر في قيمة المنحة التي لم تتغير منذ سنوات!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard