شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
البعض يخفن من الختان وأخريات من الحجاب... عن الحيض السرّي للبنات

البعض يخفن من الختان وأخريات من الحجاب... عن الحيض السرّي للبنات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 14 مارس 202301:13 م

كثر الحديث عن مرحلة بدء الحيض لدى المراهقات. الجميع يعرفون أنها فترة عصيبة بسبب كثرة التغيّرات النفسية والجسدية التي تحدث خلالها، وتحتاج الفتاة إلى الدعم النفسي لعبورها بسلام.

غير أن هذه الفترة تُعدّ أصعب على أخريات اضطررن إلى حمل عبء الدورة الشهرية وحدهنّ، ولم يتحملن فقط الألم الجسدي والنفسي ولكن حافظن على سرهنّ خوفاً من أشياء عدّة.

الخوف من الختان

حكت رانيا رشوان، وهي طالبة جامعية تدرس علم النفس، عن تجربتها الخاصة مع الدورة الشهرية: "منذ أول دورة شهرية قمت بإخفاء الخبر عن أهلي خوفاً من الختان، ففي عائلتنا يختنون الفتيات بعد الحيض".

وتابعت: "لأشهر عدة أخفيت الأمر، وأتذكر الخوف والنزيف وأنا طفلة أحاول الاختفاء وأقاوم التعب، ولا أطلب مسكّن ألم أو فوطاً صحيةً، واضطر إلى ادّخار مصروفي الشخصي لشراء الفوط وأخفيها في ملابسي حتى أعود إلى المنزل".

وأضافت رشوان لرصيف22: "بعد 12 سنةً من هذه الأحداث، أشعر مع كل حيض بالخوف ذاته والقلق نفسه، على الرغم من كوني قد رفضت جريمة الختان ووقفت ضدها وتمسكت بجسدي وحريتي"، منوّهة إلى أنها تشعر بأنها محظوظة لكونها لم تُرغم على الختان كسائر الفتيات في عائلتها: "لم يتمكّن أهلي من إجباري على الختان حتى في المراحل اللاحقة عندما عرفوا ببلوغي، لأني هددت بالإبلاغ عنهم، ولكن كم من بنت أخرى لم تستطع الوقوف أمام أبيها أو تتحمل الضرب والحبس والتهديد؟".

"أتذكر الخوف والنزيف وأنا طفلة أحاول الاختفاء وأقاوم التعب، ولا أطلب مسكّن ألم أو فوطاً صحيةً، واضطر إلى ادّخار مصروفي الشخصي لشراء الفوط وأخفيها في ملابسي حتى أعود إلى المنزل"

خاضت رانيا تجربةً صعبةً تركت في نفسها علامةً لن تُمحى: "عشت لحظات رعب مع احتمال أن يتم إجباري على الختان ومع كل شهر كان يتجدد هذا الرعب وهذه التروما مع احتمال تعرّضي لجريمة في حقي لمجرد أن دورتي الشهرية قد بدأت".

طبقاً لحديث الطبب النفسي أحمد عزت عامر، إلى رصيف22، يمكن تعريف التروما بأنها من المصطلحات الإشكالية التي تتحول إلى متاهة من التعريفات لكن الخلاف غالباً ما يكون على تعريف الحدث الصادم Traumatic Event، ومدى الصدمة والأذى اللذين يمكن أن نحتسب عنده أن حادثاً ما صادم".

وأضاف: "في بعض الكتب التشخيصية، هناك تطرف في تحديد هذا المدى، لكن الجوهر الثابت في كل التعريفات أنه حدث غامر وصادم يهدد السلامة البدنية والنفسية للشخص، ويترك أثره على الفرد الذي تعرّض له، وغالباً ما يؤدّي إلى أحاسيس من الخوف الشديد وعجز وأرق وفقدان القدرة على التواصل مع الذات والآخرين"، مشيراً إلى أن المحللة النفسية جانيت فرينش رأت أن "الصدمة النفسية هي حدث واحد أو أكثر يكون من نتائجه إحداث تغييرات واضحة على نفسية الفرد مهددة بتمزيق تماسكه العقلي".

بمعنى آخر، إن الصدمة هي الاستجابة العاطفية الدائمة التي تنتج غالباً من العيش في حدث مؤلم، ويمكن أن يؤدي التعرض لحدث صادم إلى الإضرار بإحساس الشخص بالأمان وإحساسه بالذات والقدرة على تنظيم العواطف، حتى بعد فترة طويلة من وقوعه، إذ يشعر الأشخاص المصابون بالصدمة في كثير من الأحيان بالخزي والعجز والخوف الشديد.

خجل وخوف من الحجاب

الخوف والقلق والألم والوحدة التي صاحبت الدورات الشهرية الأولى لرانيا رشوان، شكلت بالتأكيد صدمةً نفسيةً لها، ولكن التجربة نفسها تطال أخريات اكتسبن الخبرة ذاتها ولأسباب مختلفة.

في هذا السياق، قالت شذى رأفت (28 عاماً)، لرصيف22: "ما رحمني من الختان أن الدورة الشهرية تأخرت بالنسبة لي، وكانوا قد ختنوا كل بنات العيلة، ونسيوني بالمعنى الحرفي. أعتبر ما حدث رحمة من الله أنقذتني من مصير سيئ، وأتعاطف مع كل امرأة تعرضت لهذه البشاعة".

أما هدير أحمد (33 عاماً)، فقد قررت إخفاء دورتها الشهرية بسبب الخجل، وفق ما كشفت لرصيف22: "قمت بإخفاء دورتي الشهرية عن الجميع لأني شعرت بأنها شيء مخجل. أبي كان يرى أيّ شيء له علاقة بكوني بنتاً، مسبباً للقرف، وكان يقرف من إعلانات الفوط الصحية في التلفزيون".

شعرت هدير بالإثم والقلق والخوف تجاه شيء طبيعي، فقررت الاحتفاظ به لنفسها وتحمّل الألم وحيدةً.

من جهتها، حكت فرح (35 عاماً)، عن حادثة حصلت في عائلتها مع الدورة الشهرية والحجاب: "أخفت خالتي الصغيرة الدورة الشهرية عن جدتي خوفاً من الحجاب، لأننا في العائلة نحجّب الفتيات عند البلوغ، وكون خالتي لم ترغب في الحجاب احتفظت بسرّها وحاولت خالتي الكبرى مساعدتها، ولكن مع الأسف بعد شهور قليلة عرفت جدتي وحجّبتها رغماً عنها".

هؤلاء نساء قمن بإخفاء دورتهنّ الشهرية لفترات طويلة أو قصيرة، وثمة أخريات ندمن على الإفصاح عن دورتهنّ الشهرية لأمهاتهنّ، كحال الطبيبة المتخصصة في الصحة الجنسية والكاتبة أمنية سويدان، التي تحدثت عن تجربتها إلى رصيف22: "تمنيت لو لم أقل لوالدتي عن الدورة الشهرية، بسبب كلمات مثل: أنتِ كبرتِ ويجب أن تغيّري من طريقة لبسك، لا تقفزي على أشياء عالية، لا تجعلي أي شخص يضحك عليكِ، فقد كانت أمي تستخدم هذه الجملة كنايةً عن العنف الجنسي sexual abuse".

وأضافت أمنية: "الأزمة لم تكن في عائلتي بقدر ما كانت في المجتمع المحيط بها، فعلى سبيل المثال كان والدي ووالدتي هما من يحضران لي الفوط الصحية، ولكن في الوقت نفسه كانت هناك ضغوط تحيط بهما لدفعي إلى الحجاب، الذي كان يتم تأجيله من قبل بسبب عدم بلوغي، ولكن بعد البلوغ، بطُلت هذه الحجة".

"قمت بإخفاء دورتي الشهرية عن الجميع لأني شعرت بأنها شيء مخجل. أبي كان يرى أيّ شيء له علاقة بكوني بنتاً، مسبباً للقرف، وكان يقرف من إعلانات الفوط الصحية في التلفزيون"

عاشت أمنية، تجربة الرعب من شيء لم يتم توضيحه لها وقيود تم وضعها على حركتها وملابسها ارتبطت بشكل سلبي بالدورة الشهرية، الأمر الذي قد يكون في حدّ ذاته مسبباً للصدمات النفسية المرتبطة بهذا الحدث والذي من المفترض أن يكون طبيعياً في حياة كل فتاة شابة ومراهقة.

بدورها، تعرضت ندى حمدان (28 عاماً)، لتجربة مشابهة: "أخبرتني أمي عن الدورة الشهرية وكيف تحدث، وأنا بدوري أعلمتها بها عندما بدأت، لكن فجأةً منعتني من ارتداء ملابسي المعتادة، لأنه يجب أن يكون لباسي واسعاً وطويلاً، وحُرمت من الشورت والمايوه".

وأضافت: "لم تجبرني عائلتي على الحجاب، ولكن حتى اليوم هناك الكثير من المشجارات التي تحدث بيننا بسبب طريقتي في ارتداء ملابسي".

لا يجب أن تمرّ فتاة بتجربة الحيض الأولى وحيدةً، ولا يتعيّن عليها أن تتحمل تبعاتها الجسدية والنفسية وحدها، ولكن في أسرنا العربية يصبح الوضع صعباً أمام الكثير من المراهقات: إما الألم والوحدة المرعبة أو قيود تسلبهنّ أجسادهنّ بالمعنى الحرفي. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image