شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أنا لست البقايا، أنا موجودة"… ضحايا جرائم "الشرف" في الأردن في فيلم "العنقاء"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 7 مارس 202303:41 م

يبدأ فيلم "العنقاء" الذي صُوّر في الأردن من الإنتاج النمساوي والإسباني بمقولة عن الوقت لجلال الدين الرومي حيث تتخذ المخرجة عامل الوقت كأحد أعمدة الفيلم، من مشاهد طويلة وبطيئة بالإيقاع الحقيقي لها في الحياة الطبيعية.

استلهمت هيلين جيليك عنوان الفيلم "العنقاء" من أسطورة العنقاء في الثقافة العربية والشرقية القديمة٫ وهو طائر خيالي ورد ذكره في الأساطير العربية القديمة يمتاز بالجمال والقوة٫ وفي معظم القصص يموت يحترق ويصبح رماداً ثم يخرج من الرماد طائر عنقاء جديد، وهو يظهر للروح وليس للعين، كما أنه استُخدم كرمز في الخطاب الصوفي، وهو شبيه بطائر الفينيق في الثقافة الإغريقية.

هذا ما تراه هيلين متشابهاً مع النساء المشاركات في الفيلم وآلامهن، ويشتركن معه في الاختفاء، والعودة بعد الموت، في الفيلم الذي يمتد على مدار ساعة ونصف، والذي اعتمدت فيه على البطء الشديد والصبر، وإن كانت السيدات لا يفعلن شيئاً ولا يقلن أي شيء.

 "80٪ من النساء في سجن الجويدة في عمّان هن سيدات بلا جرم اقترفنه، أغلبهن موجودات مع أطفالهن، والحجة هي أنه من الأسهل حماية سيدة واحدة بدلاً من سَجن كل رجال القبيلة الذين بإمكان أي منهم أن يقترف جريمة قتل

الفيلم يجسد حياة السيدات المحبوسات في سجن خاص بـ"جرائم الشرف" في الأردن، حيث "تحمي" الدولة السيدات اللواتي قد يتعرضن للقتل من قبل عوائلهن/عشائرهن في حال كنّ حراتً طليقات، بسبب تعرضهن للاغتصاب أو الضرب أو الإهانة وتحدثهن عنها.

تقول جيليك لرصيف22: "عملتُ على هذا الفيلم لمدة ست سنوات، فقد زرت الأردن في المرة الأولى للعمل مع السيدات السجينات باحثة حول الصدمات النفسية، كوني متخصصة في ذلك، ولكنني صُدمت أن هؤلاء السيدات لسن مذنبات أو مجرمات وإنما مسجونات لحمايتهن ممن يرغب في قتلهن من عوائلهن وعشائرهن، ومنذ ذلك الوقت وأنا أود العمل على هذا الفيلم الذي استغرق أمر الحصول على الترخيص من أجل صناعته ست سنوات، وقمنا بتصوير الفيلم خلال أسبوعين".

تعمل المخرجة الكُردية من خلال أعمالها على فكرة المكان والمساحة، وكيفية جندرة هذا المكان، كامرأة من المنطقة، تتساءل كيف تكون بعض الأماكن غير متاحة أبداً للنساء، وإن كانت فضاءات عامة٫ وهو الأمر الذي يختلف في أوروبا.

كما تقول جيليك إن "80٪ من النساء في سجن الجويدة في عمّان هن سيدات بلا جرم اقترفنه، أغلبهن موجودات مع أطفالهن، والحجة هي أنه من الأسهل حماية سيدة واحدة بدلاً من سَجن كل رجال القبيلة الذين بإمكان أي واحد منهم أن يقترف جريمة قتل!".

"قصص النساء كلها متشابهة، فلكم/ن أن تتخيلوا/ن أن قتل النساء يرتبط بالشرف لتتم تبرئة القتلة".

المشاهد في الفيلم قريبة وملموسة جداً، تعكس الملامح القريبة وتفاصيلها، والمشاعر التي تنعكس في هذه الوجوه، وتخلق إحساساً بالارتباك. كل المشاهد صُوّرت من داخل مبنى يبدو كأنه منزل أو شقة، نعرف مع الوقت أنه عبارة عن شقق داخل السجن مخصصة لهؤلاء السيدات، حيث تتقاسم النساء الثلاث تجاربَ صادمة من العنف في الأردن، من بينها العنف الشديد والاغتصاب والتعرض للأذى من رجال قريبين منهن؛ إحداهن تعرضت للاغتصاب على مدار سبع سنوات أكثر من 50 مرة من أفراد عائلتها بعنف، أنجبت إثر ذلك أربعة أطفال، يعيشون اليوم معها في السجن.

تُبين المشاهد أن السيدة الأخيرة مضطربة نفسياً، وتريد أن تموت هي وأبناؤها جميعاً، وأوضحت المخرجة أنها حاولت الانتحار مراراً٫ كما أنها حاولت قتل أطفالها وخصوصاً البنات لكيلا يتعرضن للأذى، ولكنها لم تنجح.

لم تكشف المشاهد ما تعرضت له هذه السيدات بوضوح، ولكن بإمكان المشاهدين أن يستشفوا الجرائم التي تعرضت لها النساءُ، من الاغتصاب والاعتداء والاحتجاز أثناء حديثهن، إحداهن ضريرة البصر، ونفهم أن رجلاً هجم عليها واقتلع عينيها، ولا زالت ترى هذا الكابوس كلما نامت.

لا تروي هيلين جيليك قصص هؤلاء النساء، لكنها تبين وضعهن بعد الصدمة في ردود أفعالهن لأفلام مصرية قديمة تتحدث عن العنف والاغتصاب، وخصوصاً فيلم "دعاء الكروان" الذي نسمعه في خلفية المَشاهد التي تركز على النساء ووجوههن في لقطات مقربة جداً تظهر تجاويف العين التي عاشت الأرق والأيدي المرتعشة.

تتبين صدمات هذه السيدات من خلال رغبة إحداهن في قتل أطفالها لحمايتهم، فيما تتعامل معهم بمحبة،  وأخرى تمرّ بكوابيس٫ وتخاف الثالثة أن تؤخذ منها طفلتها.

كشفت المخرجة في لقاء مع الجمهور خلال عرض الفيلم في المهرجان أنها أرادت أن يحاكي الفيلم الحواس وليس العقل، فلم ترد أن يقدم الفيلم الكثير من المعلومات، ليعمل العقل على تحليلها دون أن يشعر بها المشاهدون ويعيشوا اللحظات معها، فمن الصعب الفصل بين عامل المكان والوقت، لذلك عمدت على اختيار المشاهد البطيئة لتأخذ الأحداث الوقت الحقيقي لها.

تسأل المخرجة إحدى السيدات: يقولون إنك بقايا امرأة ومجنونة وليس لك وجود. تجيب السيدة منزعجة والدموع على خدها، ولكن بحدة وقوة: "أنا لست البقايا، أنا موجودة"

وترى جيليك أن "قصص النساء كلها متشابهة، فلكم/ن أن تتخيلوا/ن أن قتل النساء يرتبط بالشرف لتتم تبرئة القتلة، "كما أنني كنت واعية بعدم إعادة إنتاج العنف من خلال الشخصيات، وتقديمه للجمهور"٫ كما شرحت المخرجة.

وعن علاقتها ببطلات الفيلم قالت هيلين: "طوال الوقت الذي كنت فيه معهن كمعالجة، بنيتُ هذه العلاقة من الثقة. وافقت الكثير من السيدات على التصوير، ولكننا اخترنا هؤلاء الثلاث، كما أن غالبية فريق العمل تكون من النساء لإعطائهن الراحة والأمان".

تسأل المخرجة إحدى السيدات في الفيلم: يقولون إنك بقايا امرأة٫ وإنك مجنونة٫ وليس لك وجود. فتجيب السيدة منزعجة والدموع على خدها، ولكن بحدة وقوة: "أنا لست البقايا، أنا موجودة".

تعيش هيلين جيليك حالياً في فيينا٫ هي التي وُلدت في ديار بكر الكردية في تركيا، ودرست العلاج بالفن والأدب المقارن والمسرح والوسائط الرقمية، وتعمل اليوم كفنانة ومعالجة بالفن٫ ولها فيلم طويل آخر أخرجته قبل فيلم "العنقاء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image