لم تتوقع المخرجة الألمانية شتيفي نيدنزول، أن زيارةً لها إلى إسطنبول، ولقاءها مع أحد الإيرانيين هناك، سيُحمّلانها مسؤولية حمل قصة ثقيلة من ليالي شتاء طهران الباردة، إلى أحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم؛ قصة لم تكن غائبةً عن الإعلام والصحافة، ولكن غابت عنها الحيثيات اليومية، وكيف عاشت ريحانة جباري آخر أيام حياتها؟ وكيف عاشت أسرتها تلك الأيام؟
قالت نيدنزول، خلال العرض الافتتاحي للفيلم في مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله) في نسخته الثالثة والسبعين، إن هذه قصة من آلاف القصص التي يعيشها المحكومون/ات بالإعدام مع أهاليهم/ن، بالإضافة إلى كونها قصة النساء وتعرّضهن للاغتصاب والتحرش الجنسي وعدم قدرتهن على الوصول إلى العدالة المرجوة.
فيلم سبع شتاءات في طهران
عُرض فيلم "سبع شتاءات في طهران"، للمرة الأولى، في صالة سينما إنترناشيونال، بحضور متنوع بين صحافة ومهتمين/ات، بالإضافة إلى عدد من أبناء الجالية الإيرانية الذين يعيشون في ألمانيا، وطاقم العمل، ومتابعي السينما، وكذلك عائلة ريحانة التي كانت بطلة هذا الفيلم.
يحكي الفيلم الوثائقي قصة الشابة الإيرانية ريحانة جباري، التي أُعدمت في العام 2014، من قِبل السلطات الإيرانية، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فيما أصرّت جباري حتى آخر يوم في حياتها، على أن الحادثة هي حادثة دفاع عن النفس عندما شرع القتيل في الاعتداء عليها جنسياً.
لم تغِب قصة جباري عن الصحافة التي تابعتها من مختلف أنحاء العالم، إلا أن أحداً لا يعرف كيف تشعر والدتها طوال سبع سنوات كانت فيها ريحانة مسجونةً على ذمة القضية، ومصيرها الموت في النهاية، ولا كيف تشعر أخواتها الشقيقات، ولا والدها الذي كان عليه تسلّم جثتها بعد الإعدام. هذه كلها تفاصيل سردها الفيلم بثقل اللحظات وألمها.
لم تتوقع المخرجة الألمانية شتيفي نيدنزول، أن زيارةً لها إلى أسطنبول، ولقاءها مع أحد الإيرانيين هناك، سيُحمّلانها مسؤولية حمل قصة ثقيلة من ليالي شتاء طهران الباردة، إلى أحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم: قصة الشابة الإيرانية ريحانة جباري
دعا القتيل ريحانة التي كانت مصممة ديكور، لتصميم عيادة له، فهو دكتور تجميل مشهور في طهران، إلا أنها وبعد وصولها إلى المكان، اكتشفت أنه ليس عيادةً بل شقة سكنية، وأن الرجل أقفل الباب بالمفتاح عندما كانت ريحانة تستكشف المكان من أجل الغرض الذي جاءت من أجله، وهو تصميم الديكور الداخلي للعيادة. عندها، بدأ بالاقتراب منها والتحرش بها، وقال لها لا جيران هنا ليسمعوا صراخها، لذا عليها الإذعان له، عندها استعانت جباري بسكين للدفاع عن نفسها وقتلت الرجل.
جباري واجهت حكم الإعدام بعد تحوير حيثيات القضية بحيث صارت ريحانة تستهدف الرجل وسمعته ولذا توجهت إلى شقته بغرض قتله، وليس بسبب دعوة وجهها إليها لتصميم ديكور عيادته. وهكذا كانت تنتظر تنفيذ الحكم لسنوات في أحد سجون طهران، على أمل أن تعفو عنها عائلة القتيل، التي لم تألُ عائلتها جهداً في التواصل معها للحصول على هذا العفو، من دون جدوى.
يأتي عرض فيلم "سبع شتاءات في طهران" في مهرجان "برليناله"، من ضمن خطة المهرجان الألماني هذا العام بالتركيز على النضال من أجل الحرية في إيران. وقد تم تخصيص مساحة لأفلام المعارضين/ ات الإيرانيين/ ات من أجل إيصال صوت الشعب في إيران
اللحظات بين المرافعة والحكم، بين اتصال ريحانة وحديثها مع والدتها وغيابها في الزنزانة، بين شكوى ريحانة من تحوير قضيتها وسعي والدتها إلى تحشيد المناصرة للقضية، بين حديث العائلة مع ابن القتيل وطلبها العفو منه وردّه بـ: "هل ترجعون لي والدي"، بين الطلب من ريحانة الاعتراف بأنها قتلته من دون أن يعتدي عليها ورفضها ذلك، وبين سماع صوت ريحانة للمرة الأخيرة واستلام خبر الإعدام الفعلي... كل تلك اللحظات وثقها الفيلم الذي كان الكثير من مادته مصوّراً بكاميرا الهاتف السيئة من داخل السجن، من داخل مكان الزيارة في السجن، من خارج السجن، من داخل المحكمة، ومن شوارع طهران، بالإضافة إلى تسجيلات صوتية لمكالمات ريحانة من السجن التي تستنجد فيها بعائلتها تارةً، وتحكي لهم/ ن القصص من داخل السجن تارةً أخرى.
النضال من أجل الحرية في إيران
يأتي عرض الفيلم في مهرجان "برليناله"، من ضمن خطة المهرجان هذا العام بالتركيز على النضال من أجل الحرية في إيران، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية. وقد تم تخصيص مساحة لأفلام المعارضين/ ات الإيرانيين/ ات هذا العام، من أجل إيصال صوت الشعب في إيران.
قصة الشابة الإيرانية ريحانة جباري قصة من آلاف القصص التي يعيشها المحكومون/ات بالإعدام مع أهاليهم/ن.
قالت شوله باكراڤان، والدة ريحانة خلال حفل الافتتاح: "لن تعود ابنتي إلى هذا العالم مرةً أخرى، ولكن هناك الكثيرين/ ات في إيران اللذين/ اللواتي ينتظرون/ ن حكم الإعدام. اعملوا شيئاً لأجلهم". وتنشط باكراڤان اليوم من المنفى في لفت الانتباه إلى قضايا النساء في إيران والعمل على إلغاء أحكام الإعدام.
أما الممثلة الإيرانية زار أمير إبراهيمي، التي سجلت صوت ريحانة طوال الفيلم، فقالت: "ليست ريحانة، ليست فقط هذه القصة التي رأيناها معاً. أتمنى يوماً أن نصل إلى نهاية هذا النظام، نظام القتل والاستهداف الذي يستهدفنا جميعاً وخاصةً النساء".
وأوضحت المخرجة نيدنزول، أن العمل على هذا الفيلم استغرق 6 سنوات، من جمع للمواد وتصوير للمقابلات ثم وضع الحبكة السينمائية وتصوير القصة من وجهة نظر العائلة، مع عدم إغفال كونها قصة رأي عام، وقالت: "لم يكن الأمر سهلاً، فهي قصة حزينة، تختزل العديد من القصص التي لا نعلم عنها شيئاً أو عن حيثياتها، ولكن المحكومين/ ات وأهاليهم/ ن يعانون كما في قصة عائلة جباري".
تم إطلاق الفيلم في الوقت الذي تشهد فيه إيران العديد من التظاهرات التي طالبت بإلغاء بعض القوانين المحددة لتحركات النساء ولباسهن، بالإضافة إلى إيقاف العنف المستخدم ضدهن، بعد مقتل الشابة مهسا أميني. عن ذلك قالت شقيقة ريحانة، شهرزاد جباري، في رد على سؤال لرصيف22: "من الصعب أن نكون في الغربة، بينما يشهد بلدنا تظاهرات كنا نتمنى أن ننضم إليها لو كنا هناك. كنا ننشر كل ما يصلنا عن المظاهرات. امتزج إحساس الفرح بالرغبة في التغيير بإحساس الحزن لبعدنا عن البلد، وأيضاً للعنف الذي وُوجهت به هذه التظاهرات".
اجتمعت العائلة على المسرح لإيصال قصة ريحانة، فيما غاب والدها الذي ترفض السلطات الإيرانية إعطاءه جواز سفر لينضم إلى عائلته في ألمانيا، ولكن صوت ريحانة كان عالياً في القاعة، وقالت والدتها: "أحسّها اليوم هنا معنا تحلّق فوقنا. سعيدة أنا بأن صوتها لم يغِب وإن غاب جسدها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...