في محاولة لنقل صورة مختلفة عن سوريا اليوم، وجانب آخر من الحياة داخلها، وهو ليس بالضرورة جانباً جميلاً أو مليئاً بالأمل، ولكنه جانب آخر غير الدمار والحرب والاقتتال، والهجرة ووجعها، وكل ما يأتي معها من وصمة وألم وحنين وثقافة منقولة وصور نمطية وغيرها، عُرض فيلم "تحت سماء دمشق"، في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين في قسم البانوراما، ليقدّم قصص النساء المُعنّفات والمضطهدات في المجتمع.
تتسم المجتمعات التي تغلب فيها الرؤية الذكورية، والمجتمع السوري منها، بالضغط على النساء وتحمليهن حملاً كبيراً، مجتمعياً واقتصادياً وسياسياً أيضاً، فيما يزيد هذا الحِمل ويتضخم في زمن الحرب والنزاع وعدم الاستقرار، فيصبح على المرأة تحمّل مسؤوليات مضاعفة، وتتراجع حقوقها إلى مراتب متأخرة على أولوية تسيير الحياة اليومية ومحاربة الإرهاب وتحرير الأرض وغيرها.
هذا ما عكسه الفيلم في نقاشاته التي امتدت على مدار ساعة ونصف، من خلالها تحول سير القصة أكثر من مرة بسبب مستجدات تحدث على أرض الواقع. حاول مخرجا الفيلم هبة خالد، طلال ديركي، اللذان أخرجاه من غربتهما، وشاركهما علي وجيه على الأرض، أن ينقلوا في هذا الفيلم كيف أن كراهية النساء والعنف ضد المرأة داخل الأسرة وفي مكان العمل متأصلان في المجتمع، إذ تتعرض نساء عديدات للمرض ويتم إدخالهن إلى أجنحة الطب النفسي، فيما نادراً ما يتم الإبلاغ عن سوء المعاملة الشديد. ما
قصص النساء
قالت مخرجة الفيلم هبة خالد: "لم تكن الخطة أن أضمّن الفيلم قصتي الشخصية، ولكن الفيلم تغيّر مساره مرات عدة، ورأيت في نهاية المطاف أن قصتي هي جزء من واقع النساء السوريات، بالإضافة إلى قصص كل السيدات اللواتي عرضناها في الفيلم".
يسرد الفيلم قصة مجموعة من الممثلات الشابات، هن إليانا وإينانا وفرح وغريس وسهير، اللواتي اجتمعن في دمشق للقيام بعرض مسرحي عن قصص سيدات تعرّضن للعنف بعد اللقاء معهن والحديث معهن عن قصصهن. تهدف المسرحية إلى كسر المحرمات، إلا أنهن يواجهن مقاومة العائلة والمقربين، كما سيختلفن داخل المجموعة ذاتها، ثم سيحدث ما لم يكن في الحسبان.
في محاولة لنقل صورة مختلفة عن سوريا اليوم، وجانب آخر غير الدمار والحرب والاقتتال، عُرض فيلم "تحت سماء دمشق"، في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين في قسم البانوراما، ليقدّم قصص النساء المُعنّفات والمضطهدات في المجتمع
تشارك في الفيلم الممثلة السورية صباح السالم، التي تحدثت عن عنف جنسي تعرضت له، وعن محاكمة غير عادلة ظُلمت فيها وأدت إلى سجنها وتدمير حياتها الفنية والشخصية حتى أصبحت بلا مأوى أو مصدر دخل، قائلةً في أحد مشاهد الفيلم: "أكبر عمليات الاستغلال التي نواجهها، ذات طبيعة جنسية."
كما شاركت بعض السيدات قصصهن متحدثات إلى الكاميرا، وإحداهن تحدثت عن عنف والدها تجاههم، من دون مبرر في الكثير من الأحيان، إذ كان يضرب بقسوة حتى يضطروا إلى دخول المستشفى في بعض الأحيان، فيما شاركت سيدة أخرى قصتها، وقالت إن زوجها تزوّج بسيدتين أخريين، وأخبرها بأنها وبناتها "خادمات" لزوجتيه الجديدتين، وكان أحياناً يدوس على رؤوس بناته بحذائه العسكري".
كانت القصص بشعةً وصادمةً للجمهور، نقلتها الكاميرا من مصنع للملابس، تحدثت عاملاته إلى طاقم المسرحية عن قصصهن العنيفة والمحزنة، وبعضهن كشفن هويتهن، والبعض الآخر أخفاها.
ثم ينتقل الفيلم في مشاهد إشكالية تتواصل لأكثر من 10 دقائق داخل مستشفى للأمراض النفسية، حيث يتم تصوير المريضات، بموافقة الطاقم الطبي، كما أخبرت المخرجة خالد رصيف22، وبررت ذلك قائلةً: "في المستشفى قسمان، قسم الأمراض العقلية التي لا تستطيع فيه المريضات اتخاذ القرار، وهي حالات متأخرة، والقسم الآخر لذوات الأمراض النفسية، ولكنهن بكامل وعيهن، وبعضهن موجودات في المستشفى لخلافات عائلية".
وتضيف: "اخترنا الشخصيات الواعية، كحالات الاكتئاب، كما أن جميعهن وافقن على مشاركة قصصهن أمام الكاميرا".
حاول فيلم "تحت سماء دمشق" إظهار كيف أن كراهية النساء والعنف ضد المرأة داخل الأسرة وفي مكان العمل متأصلان في المجتمع السوري، إذ تتعرض نساء عديدات للمرض ويتم إدخالهن إلى أجنحة الطب النفسي، فيما نادراً ما يتم الإبلاغ عن سوء المعاملة الشديد
وشاركت المخرجة خالد قصتها قائلةً: "اضطررت إلى أن أعيش حياتَين، عندما كنت في سوريا: حياة المرأة الملتزمة أمام أهلها، وحياة المرأة المتحررة المنفتحة في المجتمع، وكنت الشخص نفسه ولكن لدي حياتين منفصلتين ومنفصمتين، وكنت طوال الوقت أخاف من أن يتحول هذا الانفصام إلى جزء من شخصيتي، وأن أضطر إلى دخول مستشفى الأمراض النفسية، وهي فكرة مرعبة بالنسبة لي".
صدمة طاقم العمل
كان من المفترض أن يكون الفيلم متمحوراً حول المسرحية التي تعدّ لها الفنانات، وحول قصص السيدات اللواتي تحدثن إليهن، إلا أن تطوراً درامياً أفرزه واقع صناعة الفيلم، حيث تعرضت ممثلتان من المجموعة للتحرش من قبل أحد أفراد طاقم العمل، عادل، الذي تحرش بإليانا وكان يحاول الضغط عليها لممارسة الجنس معه وكذلك مع إنانا، فتحول الفيلم والمسرحية اللذان يجب أن يعكسا واقع التحرش الجنسي والسيطرة الأبوية إلى مسرح لها، وبالطبع شكّل ذلك صدمةً لطاقم العمل الذي وثق بعادل، وتوقف العمل على الفيلم.
إلا أن طاقم العمل، وبعد أن استبعد المتحرش (عادل)، استكمل العمل على تصوير بقية الفيلم من بيروت، بعد أن جاءت الفنانات للقاء المخرجين خالد وديركي والحديث عما واجهنه مع عادل، كما قررت الفنانتان أن ترفعا قضيةً في دمشق ضده لضمان بقائه بعيداً عنهما، ولكيلا يحس بالانتصار من خلال تهديداته لهن، كما قالت إليانا خلال حفل افتتاح الفيلم.
عن ذلك قالت المخرجة خالد: "كانت أمامنا ثلاثة خيارات، أحدها أن نوقف الفيلم، والآخر أن ننهزم أمامه ونكذب، ونخفي القصة، ولكننا اتّخذنا القرار الأسلم وهو الصدق والحقيقة".
"كل ما نرغب فيه هو العيش في أمان، واتخاذ قراراتنا بحرية، والتعبير عن مواهبنا الفنية من دون أن نتعرض لاستغلال جنسي أو تهديد من صاحب سلطة سياسية أو فنية".
وعلى صعيد المسرحية، فقد استكملت فرح الضبيات، مخرجتها، العمل عليها بعد انسحاب بقية الفنانات، إثر تسليمها مهمة كتابة المسرحية إلى رجل، بحجة أنه كاتب وحساس وسيقدّم القصص كما ينبغي، وهو ما عدّته الفنانات وصايةً ذكوريةً على العمل، إذ إن فكرة العمل الأساسية كانت في أنه نسائي بحت، وتم استبدال طاقم العمل في المسرحية التي تم عرضها وتقديم قصص السيدات من خلالها.
تحدثت الفنانات خلال حفل الافتتاح عن أن طاقم العمل وضع أمن العاملين/ ات في الفيلم كأولوية، وأنهن استطعن استكمال الفيلم من دون أن يشعرن بالخطر. تقول إليانا: "كل ما نرغب فيه هو العيش في أمان، واتخاذ قراراتنا بحرية، والتعبير عن مواهبنا الفنية من دون أن نتعرض لاستغلال جنسي أو تهديد من صاحب سلطة سياسية أو فنية".
عن القدرة على التصوير في داخل سوريا، قالت خالد، لرصيف22: "استطعنا أخذ موافقة نقابة الفنانين في سوريا لفيلم يناقش قضايا المرأة، بعيداً عن الموضوعات السياسية".
وأضافت: "أمن الفنانات وطاقم العمل هو من أهم النقاط التي عملنا على تغطيتها، فكنا حذرين في إظهار الشخصيات، بحيث لا تتأثر أي منها عند عرض الفيلم، خصوصاً أنهن جميعاً يعشن في الداخل، والوحيدة التي انفعلت خلال تصوير الفيلم وأخذ حديثها منحى سياسياً بعض الشيء، هي اليوم في ألمانيا ولا تنوي العودة".
الفيلم من إنتاج دنماركي، ألماني، أمريكي وسوري.
يلخص الفيلم الذي تم تصويره في بلد يعيش عدم استقرار سياسي الواقعَ المجتمعي للمرأة متجاهلاً أي عنف تقوم به الدولة ضد النساء وهو كثير، وفي السياق السوري صعب التغاضي عنه أو عن الاشارة إليه، كما يثير الفيلم الكثير من التساؤلات حول أمن طاقم العمل الذي لا يزال يعيش في سوريا بعد الكشف عن علاقته بالمخرجين هبة خالد وطلال ديركي المعارضين للنظام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع