لا تتوقف كثير من الأفلام الإيرانية في نقل واقع مرير من يوميات الحياة داخل إيران وتبعات ذلك، كالهروب والهجرة والحياة في الغربة القسرية أو المنفى، وفيلم "الخصم" للمخرج ميلاد عالمي، السويدي الإيراني الذي عُرض في مهرجان برلين السينمائي الدولي ضمن قسم البانوراما، أحدها، حيث يتحدث عن قصة مصارع محترف يضطر للهروب من إيران بسبب شكوى كيدية قدمها أحد خصومه للسلطات بأنه معارض وينتقدهم في السرّ.
يبدأ الفيلم بمشهد البطل، إيمان، الذي يلعب دوره بيمان معادي الذي يعمل في توصيل البيتزا لمنازل طالبيها في شمال السويد، في البرد القارس على دراجته النارية، وهو يقوم بهذا العمل قد يستطيع دعم عائلته المكونة من زوجته مريم التي تلعب دورها الممثلة مارال نصيري، وبناتهما عسل (نيكول مهربُد) وسحر (ديانا فرزامي) الذين يعيشون في بيوت اللاجئين/ات لأكثر من عامين، بانتظار قبول طلب اللجوء.
يجسد الفيلم المواجهة العاطفية والجسدية مع ما هو غير معلوم، حيث يواجه البطل ديناميكيات اجتماعية معقدة تؤثر عليه شخصياً وعلى حياته وقراراته
فرّ إيمان من وطنه خوفاً من الاضطهاد، وهو يبذل كل جهوده لجعل السلطات السويدية تصدق روايته وتمنحه اللجوء، فهو اضطر لذلك بعد أن جاء رجال المخابرات الإيرانية للبحث عنه في صالة التمرين التي كان يتدرب فيها كمصارع، وحتى عندما لم يجدوه، أراد زميله "الحسود" أن يدلهم عليه.
تتفاجأ الأسرة بحمل ثالث غير متوقع، وتصبح المحادثات مع السلطات أكثر صعوبة، فيشير جارهم في سكن اللاجئين/ات أن استئناف مسيرته كمصارع٫ قد يساعده في تخطي هذه العقبة، على الرغم من أنه وعد زوجته بالتخلي عن كل شيء وراءه، إلا أنه يأمل أن يساعده ذلك في الحصول على اللجوء كرياضي.
يستطيع إيمان أن يسترجع قدراته ولياقته بالتدريب المستمر، ولكنه يبدأ علاقة مع شاب سويدي (توماس) الذي يمثل دوره بيورن إلغيرد. يدرك توماس أن إيمان شارك في أولمبياد ريو كبطل ممثل لإيران، وتبدأ العلاقة بالصداقة، ولكنها لا تنتهي كذلك، فيستمر التوتر الجنسي بينه وبين الشاب، يرتفع أحياناً وينخفض أحياناً أخرى، ولكنه بالتأكيد يساعده في مرور التمرينات بسهولة، كما كان يرافقه للحفلات والخروج مع الأصدقاء، مما خلق فجوة بينه وبين زوجته والتي ازدادت مع الوقت حتى بدأت مريم بالتفكير في العودة إلى الوطن مع أبنائها.
لا يخلو الفيلم من مشاهد عنف من مواجهات بين الخصوم، وكذلك من مشاهد حبّ تجمع الزوجين أحياناً، والزوج وبناته أحياناً أخرى، وحتى اللطف الذي بينه وبين زميله في التدريب، كما تتعاظم المشاهد المؤلمة عندما قرر جارهم في سكن اللاجئين/ات (عباس) -يمثل دوره أردالان إسماعیلی- أن يضرم النار في نفسه إثر رفض طلب لجوئه للمرة الثانية، بعد أن باع كليته ليصل إلى السويد، برغم إنه تعلم اللغة السويدية وبات يساعد السلطات في الترجمة مع اللاجئين/ات.
لا تتوقف الأفلام الإيرانية في نقل واقع مرير من يوميات الحياة داخل إيران وتبعات ذلك، كالهروب والهجرة والحياة في الغربة القسرية أو المنفى.
لم يوضح المخرج أين بلغت العلاقة التي ربطت إيمان بتوماس، ولكن تبين من خلال المشاهد وخصوصاً تلك التي في حلبة المصارعة أن التقارب الجسدي كان قوياٌ، كذلك قدم توماس الدعم لإيمان عندما واجه فريقه الإيراني السابق، فقد تم تصوير مشاهد القتال بشكل حركي وعميق.
وعندما أحس إيمان في إحدى المراحل أن طلب اللجوء قد يكون في خطر، استخدم قصة أنه على علاقة عاطفية أو جنسية مع زميله كعنصر داعم للجوئه، حيث أن ميوله الجنسية قد تتسبب بالخطر عليه إذا عاد إلى بلده الأم، وهو ما أزعج الزوجة جداً، وعزز من قرار عودتها للوطن، بالرغم من أنه برر لها أنها كذبة لدعم طلب اللجوء فقط.
اللجوء غير المستقر، حيث السلطات السويدية نقلتهم لأكثر من عشرة مخيمات للاجئين خلال عامين، وعلاقة إيمان مع زميله المصارع من جهة، حملُ زوجته من جهة أخرى وتباعده معها، مواجهته لماضيه الذي يلاحقه، بلد جديد وثقافة جديدة، كل ذلك كان يقف حجر عثرة في وجه إيمان ليستطيع الاستقرار في المنفى.
يجسد الفيلم المواجهة العاطفية والجسدية مع ما هو غير معلوم، حيث يواجه البطل ديناميكيات اجتماعية معقدة تؤثر عليه شخصياً وعلى حياته وقراراته.
ويلعب بيمان معادي، دور إيمان، الرجل المتوتر دائماٌ، الحائر، المترقب لمختلف التهديدات، ويحمل العديد من القضايا الداخلية العالقة.
لعب المخرج بالأجواء في إظهار قساوة التجربة، فركز على البياض الذي يغطي المنطقة التي يعيشون فيها، والظلام الذي يلف سكن اللاجئين/ات، بالإضافة لانقطاع الكهرباء المتكرر هناك
لا تتوقف التحديات التي تواجه إيمان عند هذا الحد، ولكنه يضطر في مرحلة معينة أن يواجه أسباب فراره، حيث يلتقي بالفريق الوطني الإيراني للمصارعين في مخيم أقيم في السويد، وشارك فيه هو مع فريقه الذي انضم إليه، فتعرض هناك للتنمر والاتهام بالخيانة٫ بالإضافة إلى تعرضه للضرب من قبل زميله السابق الذي اشتكاه كيدياً.
لعب المخرج بالأجواء في إظهار قساوة التجربة، فركز على البياض الذي يغطي المنطقة التي يعيشون فيها، والظلام الذي يلف سكن اللاجئين/ات، بالإضافة لانقطاع الكهرباء المتكرر هناك، ومشاهد الهدوء الدامس في العراء الذي يقطعه عواء الذئاب من بعيد، وهو انعكاس على التوتر الذي يعيشه بطل القصة في الداخل والخارج.
الفيلم للمخرج ميلاد عالمي الذي وُلد في إيران وتخرج من المدرسة الوطنية للسينما في الدنمارك في عام 2011. ومنذ ذلك الحين، قدم العديد من الأفلام القصيرة منها "فويد" الذي عرض لأول مرة في مهرجان كان في عام 2014. وعرض فيلمه الطويل الأول لأول مرة في سان سيباستيان في 2017 وحصل على جوائز في المهرجانات حول العالم٫ و"الخصم" هو فيلمه الطويل الثاني، وهو من إنتاج مشترك بين "تانغي" و"فيلم بول نورد" السويدية و"أيب وبيورن" النرويجية، وسيعرض الفيلم في السويد ابتداءً من آخر شهر آذار/مارس 2023.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...