شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مرآة منى زكي ونكتة الترزي القديمة

مرآة منى زكي ونكتة الترزي القديمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تقول النكتة القديمة إن رجلاً شديد العصبية، دائم الغضب، توجه إلى "الترزي" كي يصلح قميصاً. طلب الرجل من الترزي أن ينتبه وهو يصلح القميص، وحذره من أن يفقد أحد أزراره، وزاد انفعال الرجل وهو يعدّد الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الترزي، حتى فقد أعصابه تماماً في النهاية، وقال للترزي إنه لاشك سوف يفسد القميص، وأخذ قميصه وغادر من دون أن يصلحه، وقبل أن يسمح للترزي بقول أي كلمة.

على غرار النكتة نفسها، وما إن صدرت الصورة الترويجية لمسلسل النجمة منى زكي الرمضاني الجديد "تحت الوصاية"، وقبل أن يعرف أي متفرج، ولا معظم الصحافيين، موضوع المسلسل، حتى تداول مستخدمو السوشال ميديا منشوراً على نطاق واسع، كتب صاحبه بجوار صورة "الأفيش": "دي أكيد قصة بنت محجبة أهلها بيضربوها بالنار كل يوم، وياعيني مش عارفة تخرج ولا تاكل ولا تعيش حياتها، وطبعاً في آخر المسلسل هتقلع الحجاب بقى وتتحرّر كده، وتجيب أيفون 17".

وتماماً كما اختتم الرجل الغاضب حديثه للترزي قائلاً: "إنك لاشك ستفسد القميص"، اختتم المنشور الغاضب عن المسلسل كلامه قائلاً: "أسلوب رخيص وبشع"!

نجمات لم يكسرهن الضغط الديني والمحافظ الذي خضعت له نجمات أخريات، فاعتزلن (رسمياً أو بدون إعلان) أو تحجبن وقلّلن أدوارهن، أو حُصرن في أدوار أليفة لا تخدش ولا تزعج "المجتمع"

لكن ما هو "الرخيص والبشع"؟ إنها الفرضية الخيالية التي وضعها بنفسه صاحب المنشور، لا المسلسل نفسه الذي كتبه الأخوان خالد وشيرين دياب (إخراج محمد شاكر خضير)، والذي يدور، كما اتضح فيما بعد، حول "امرأة تقوم بإعالة أسرتها من خلال امتلاكها مركب صيد، وتعمل في توريد السمك والجمبري، ثم تواجه عدة مشاكل وخلافات في محيطها الأسري والعملي فتسعى للتصدي لها".

بدا واضحاً إذن أن منى زكي بدأت شخصية فنية جديدة، ولم تعد ذات الفنانة التي يمكن أن تقدم أدواراً صارخة الرجعية مثل فيلمها "تيمور وشفيقة – 2007" مع أحمد السقا.

لكن إعلان قصة المسلسل، بالطبع، لم يغير من الجدل الصاخب، والهجوم والدفاع عن النجمة التي صارت محل تربّص – كما لاحظ كثيرون – في السنوات الأخيرة، وهو تربّص يلاحق في الحاضر والماضي نجمات تلفزيونيات من جيلها (منهن منة شلبي) أو من أجيال أسبق (مثل إلهام شاهين). إنهن نجمات لم يكسرهن الضغط الديني والمحافظ الذي خضعت له نجمات أخريات، فاعتزلن (رسمياً أو بدون إعلان) أو تحجبن وقلّلن أدوارهن، أو حُصرن في أدوار أليفة لا تخدش ولا تزعج "المجتمع".

وربما لاحق التربّص منى زكي لأنها تبدو كما لو أنها تراجعت عما التزمت به في بداياتها ولسنوات، أي العمل من منطقة كلاسيكية وشبه محافظة، حيث قُدِّمت مراراً على أنها سوف تكون "فاتن حمامة المقبلة"، كما أنها تزوجت من أحد الوجوه البارزة لعصر "السينما النظيفة" وهو الكوميديان أحمد حلمي. وحتى في الفيلم الذي صار أيقونياً لجيلها "سهر الليالي – 2003" أدّت منى دور الزوجة المحجبة المخلصة لزوجها رغم خياناته المتعددة، على عكس بقية "نساء" الفيلم، الممزقات بين الحب والحرمان الجنسي والتطلع الطبقي.

هكذا كانت "صدمة" الجمهور بالغة بالدور الذي قدمته زكي في الفيلم اللبناني "أصحاب ولا أعز- 2022"، الصدمة التي لخّصت دورها في الفيلم في أنها "خلعت الكيلوت"، على الرغم من أنها، بالطبع، لم تخلعه حقاً على الشاشة. في العام نفسه قدمت مع المخرج تامر محسن مسلسل "لعبة نيوتن"، مرة أخرى تعود لتقديم شخصية منقادة و"أليفة"، لكنها لا تلبث أن تتمرّد على سيطرة زوجها وتبدأ حياة جديدة بعيدة عنه في أميركا، ويقودها تمرّدها لعدد من القرارات الخطيرة يختلط فيها الصواب بالخطأ.

بدا واضحاً إذن أن منى زكي بدأت شخصية فنية جديدة، ولم تعد ذات الفنانة التي يمكن أن تقدم أدواراً صارخة الرجعية، مثل فيلمها "تيمور وشفيقة – 2007" مع أحمد السقا، وبدوره، فإن الجمهور الذي كان "يعتزّ" بالنجمات "الملتزمات"، على غرار عبلة كامل التي طالما تكفّلت خفّة ظلها وموهبتها الطاغية بإخفاء "التزامها" حتى توقفت تماماً عن التمثيل، هذا الجمهور لم يبق مقيّد الألسن تجاه "تحولات" منى زكي، فانطلق يهاجمها بضراوة، ويتربّص لا بأدوارها فحسب، بل بعلاقتها بزوجها أحمد حلمي، إلى درجة "تحريض" حلمي عليها، و"تنبيهه" إلى أدوارها كأنه لا يدركها! وملاحقة الصور ولقطات الفيديو التي يظهر فيها الزوجان للتعليق على مدى التزامهما -التزام الزوجة بالطبع – بأكواد الأسرة المصرية!

الجمهور الذي كان "يعتزّ" بالنجمات "الملتزمات"، على غرار عبلة كامل التي طالما تكفّلت خفّة ظلها وموهبتها الطاغية بإخفاء "التزامها" حتى توقفت تماماً عن التمثيل، هذا الجمهور لم يبق مقيّد الألسن تجاه "تحولات" منى زكي

لكن الجدل الذي أحاط مسلسلها الجديد، حتى قبل بدء عرضه، والذي وصل إلى حد التحركات البرلمانية والمناظرات التلفزيونية والصحفية، لم يتوقف بالطبع عند الافتراضات حول موضوع المسلسل، بل حرّكته أساساً صورة الأفيش التي تظهر النجمة في صورة رآها الجمهور "غير جميلة"، وهي بذلك استمرار لما يسمى "تشويه المحجبات" وما ينسحب عليه من قائمة اتهامات محفوظة، وتساؤلات راحت تبحث بمرارة عن سبب "الإصرار على تقديم المحجبات في صورة نمطية" و"مبهدلة"، إلى آخر خطاب مظلومية لا يمكن – كأي مظلومية أخرى – الإجابة على أسئلته لأن دوافعه نفسية أكثر منها معرفية.

التناقض قديم بين الخطاب الأصولي/ السلفي ومسألة الجمال بتجسداتها، سواء جمال الشكل/ الهيئة أو الفنون بأنواعها. حتى على مستوى ما يخص الخطاب الديني نفسه، تحارب الأصولية مدارس التجويد القرآني التي تعتمد المقامات الموسيقية في التلاوة، بل تتشدد حتى في تزيين المساجد نفسها "كيلا تشغل النفس عن ذكر الله". وفي مسألة المرأة، وهي دائما مسألة المسائل في الأصولية الدينية، يدور التناقض حول نفسه في حركة لا نهائية، فالدعاية الدينية تخبر المرأة بصور مختلفة أنها "أجمل بالحجاب"، ولكن هذا يتناقض مع دور الحجاب نفسه، الذي يفترض به أن يخفي الجمال "منعاً للفتنة"، وكذا التحذير من استعمال العطور، ومن "النمص" (نزع شعر الوجه) وتزيين الحواجب، وغيرها من أبسط وسائل وأدوات التجميل، لكن الالتزام بكل ذلك يقود في النهاية إلى صورة منى زكي في إعلان المسلسل، بالحاجبين الثقيلين غير المزينين، والوجه الكئيب، الذي يغضب المتدينين/ المتدينات، ويشعرهم/ن أن في هذا "تقبيح" للمحجبة، أما النجمات اللواتي ارتدين الحجاب – في أعمال سابقة – بكامل زينتهن، مثل هنا الزاهد في "حلوة الدنيا سكر"، فقد أغضبن الجمهور نفسه، لأن ما يرتدينه "ليس الحجاب الصحيح".

 حتى على مستوى ما يخص الخطاب الديني نفسه، تحارب الأصولية مدارس التجويد القرآني التي تعتمد المقامات الموسيقية في التلاوة، بل تتشدد حتى في تزيين المساجد نفسها "كيلا تشغل النفس عن ذكر الله"

لكن، بعيداً عن منى وهنا وعبلة، وبعيداً عن المسلسلات والأفلام والفن، يعرف الجمهور أن "الحجاب الصحيح" ينقص من جمال صاحبته، ولا مشكلة في ذلك إن كان هذا قرارها وكانت تتقبله، لم تفعل منى زكي سوى أن وضعت مرآة أمام المشاهد/ة، والأمر أن البعض، خاصة إذا نشأ على معاداة الجمال، لا يحب المرايا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image