شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الطريق إلى غرفة النوم... بين اللذة والندم

الطريق إلى غرفة النوم... بين اللذة والندم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 16 سبتمبر 202203:00 م

"دعوته إلى الشاطئ النائي في مدينة اللاذقية. مشيتُ إلى السيارة، قال: إلى أين؟ أجبته: سأجلب منديلاً، ثم بدأ صوت محرك السيارة يعلو في المكان، نظرتُ إليه من خلال الضوء الأصفر، رأيته يركض صارخاً بأعلى صوته: ميري، ميري... بدأت العجلات بالحركة، تمسكّتُ بالمقود بيدي اليسری، ثم رميتُ أوراقه من النافذة بيدي اليمنى. زدتُ السرعة حتى اختفيتُ تماماً في الظلام، رأيته من المرآة يركض خلف الأوراق المتناثرة على الشاطئ، كان ذلك المشهد الأخير الذي ختمتُ به علاقة عاطفية استمرت خمس سنوات، أردت أن آخذ حقي من الحياة عنوةً". هذا ما روته الشابة السورية ميري (32 عاماً)، عن نهاية علاقة عاطفية، عاشت خلالها مستويات عالية من الألم ولوم النفس والشعور بالخذلان، نجحت بإنهائها بعد عدة محاولات فاشلة.

تجاربي مع غاندي

تروي ميري قصتها لرصيف22: "خلال خمس سنوات، ذكرني ذلك الشاب مراراً أنني لست شريكة حياته. كنت مساءً أسارع إلى غرفتي، أقف عاريةً أمام المرآة، أحدّق في جسدي، أبدأ بصدري المترهل قليلاً، نزولاً إلى بطني المنفوخ، ثم مهبلي، أدقق في لونه، أبيض أم أسود أم بني؟". رحلة اتخاذ القرار الصحيح، والابتعاد عن هذه العلاقة المؤذية، استغرقت عاماً ونصف، كانت خلالها ميري تقرأ كتاب "تجاربي مع الحقيقة"، للزعيم الروحي للهند، المهاتما غاندي.

تقول ميري: "عندما قرأتُ تجارب غاندي مع الامتناع عن تناول اللحوم والتوقّف عن ممارسة الجنس، بدأ شيء ما يتكوّن في أعماقي، فكرة متعلقة بكيفية السيطرة على مشاعرنا وغرائزنا ثم ترويضها، حين أرجع بذاكراتي إلى تجاربي مع ذلك الشاب، أفهم كلمات غاندي بوضوح".

"خلال خمس سنوات، ذكرني ذلك الشاب مراراً أنني لست شريكة حياته. كنت مساءً أسارع إلى غرفتي، أقف عاريةً أمام المرآة، أحدّق في جسدي، أبدأ بصدري المترهل قليلاً، نزولاً إلى بطني المنفوخ، ثم مهبلي، أدقق في لونه، أبيض أم أسود أم بني؟"

كان غاندي مهتماً بإصلاح نفسه، يقدم توبة بعد كل فعل مارسه في الرذيلة. عندما كان والده على فراش الموت، غادر غاندي لممارسة الجنس مع زوجته، وغاب عن لحظة وفاة والده.

كتب غاندي في سيرته الذاتية عن مدى شعوره بالذنب بسبب هذا التصرف: "شعرت بالخجل الشديد، ركضت إلى غرفة والدي، لولا الشهوة الحيوانية التي أعمتني لكان والدي قد مات بين ذراعي".

تقول ميري: "قرأتُ الكتاب بالكامل، لكن تلك التجربة المثيرة التي أقدم عليها غاندي، لامست هتافاً ضعيفاً في أعماق روحي، ذلك الهتاف الذي يعلو صوته ليلاً مطالباً بالتوقف، فيتحوّل بعدها إلى دموع تسيل من مقلتيّ".

ماهي تلك التجربة؟

طلب غاندي من عدة نساء الانضمام إليه في السرير وهو ينام عارياً لاختبار انتصاره على الرغبة الجنسية، ونجح في ذلك. تقول ميري: "بعد أن أنهيت قراءة الكتاب، في ليلة تألقت فيها ملايين النجوم في السماء، دعوته إلى الشاطئ النائي، أنهيتُ تلك العلاقة وأحرقتُ كل سفن الرغبة خلفي".

الطريق إلى غرفة النوم

مع بداية الشتاء الماضي، عندما حلّ أيلول/ سبتمر ضيفاً لطيفاً على مدينة دمشق، بدأت مايا علاقة عاطفية مع علاء، سرعان ما تطورت إلى علاقة جنسية، خاصة أنه امتلك شقة لوحده، يقول علاء لرصيف22: "جلسنا بداية في أحد مقاهي دمشق، نظرتُ إلى جمال وسطها، حدّقت مطولاً، كأنما سرت أفكاري إلى ذهنها، فاعتدلت في جلستها وقالت: بماذا تفكر؟".

سارت مايا مع علاء إلى غرفة نومه، كان ذلك الطريق بالنسبة لها طريقاً مضيئاً، يعبق بعبير التسامح والمحبة، وكان بالنسبة له الخطوة الأخيرة قبل الوصول إلى قمة الأنانية، يشرح علاء شعوره: "لم أحب مايا إنما اشتهيتها، كنت أريد علاقة إنسانية وجنسية، لكن لم أفكر يوماً بالزواج، أخبرتها بذلك منذ البداية".

ترى مايا الأمور من منظور مختلف، تقول لرصيف22: "ظننت أنه سيحبني مع مرور الوقت، لكنه لم يفعل. أردت التحرر من هذه الرغبة، أضحت العلاقة الحميمة خرقاً بحق جسدي، شعوراً بالدونية".

وتتابع بالقول: "قادتني علاقتي الخاطئة بعلاء إلى التفكير في ذاتي، اكتشفت بعدها أنني أمارس عادات سلبية دون أن أدري. رغبت بالتخلص من سيطرة غرائزي على سلوكي، حلمت أن أصيح في وجهه جملة (لا تلمسني)، لكن كيف؟ وجميع محاولاتي فشلت".

"ظننت أنه سيحبني مع مرور الوقت، لكنه لم يفعل. أردت التحرر من هذه الرغبة، أضحت العلاقة الحميمة خرقاً بحق جسدي، شعوراً بالدونية"

بدأت مايا القراءة، ظهرت أمامها عدة كتب تتحدث عن فوائد الرياضة، إذن التمارين هي الحل الأنسب للتخلص من الطاقة السلبية، لكن كيف ستبدأ؟

"أنتِ أكثر من رائعة"، "يمين يسار"، "فوق تحت"، كان صوت المدرّبة يعلو من هاتف مايا المحمول، بينما تشدّ يديها فوق الغطاء وتقوّس قدميها تحته، لتمنع أي نسمة هواء باردة من الدخول، وتعكّر دفء سريرها.

ربما تكون هذه محاولة مايا العاشرة بعد المئة، دفعت مبالغ طائلة ثمن الاشتراك بالنوادي الرياضية، اشترت آلات رياضية وضعتها داخل المنزل، لكن جميع محاولاتها فشلت.

تشرح مايا ما جرى: "شاهدت وثائقياً عن طريقة زرع الأفكار الجديدة في العقل الباطن، فكرته أنك عندما ترغب ببناء عادة إيجابية جديدة، عليك قبل ممارستها الاقتناع بها، عن طريق تكرار القراءة عن فوائدها على صحتك النفسية والجسدية".

وصلت مايا إلى الحل: "قبل البدء بممارسة الرياضة، شاهدتُ يومياً، وأنا في فراشي، أو في المطبخ، أو حتى في الباص، لمدة تزيد عن الشهرين، مقاطع فيديو تتحدث عن فوائد الرياضة، قرأت و كررت القراءات ذاتها، حتى شعرت أنني جاهزة للبداية".

بعد نحو 25 يوم من ممارسة الرياضة يومياً، غابت الأفكار السلبية عن ذهن مايا، سمعت صوت رسالة تصل عبر واتساب، أدركت أنها من علاء، لكن دقات قلبها ارتفعت مع الجهد الذي تبذله في التمارين، ليس مع وصول رسالته أو سماع صوته.

يقول جرّاح التجميل الأميركي، ماكسويل مالتز، في كتابه "علم التحكم النفسي"، إن الوقت الذي تستغرقه لاكتساب عادة جديدة هو 21 يوماً بلا انقطاع، حيث لاحظ أن مرضاه استغرقوا 21 يوماً للتعوّد على وجوههم الجديدة، بعد إجراء عمليات التجميل.

العلاقة بين الجنس والطعام

"ذهبتُ إلى فراشه، رغم علمي أنني أرتكب خطأً، كررت ذلك مراراً دون أن أقوى على التوقف. كان رجلاً متزوجاً، وكنت وحيدة في دمشق"، إنها قصة كارمن، الشابة السورية التي عانت تجربة جنسية قاسية دفعتها للبحث أكثر عن ذاتها الداخلية.

تمتلئ شقة كارمن بقطع الشوكولاته، تتربع صناديق البسكويت على طاولة المطبخ، أما داخل الثلاجة، فرتبت جميع أنواع السكاكر والآيس كريم.

تقول لرصيف22 بطريقة تهكمية: "كان فمي عبارة عن محراث، يأخذ كل ما يجد في طريقه، زاد وزني خلال العام الماضي نحو سبع كيلوغرامات، أضحى 88 كيلو غراماً، سرت الكآبة في نفسي، أهرب من حزني إلى الثلاجة، أبحث عن الحلويات، خاصة عندما يطلب ألا أتصل به خلال فترات وجوده مع زوجته".

بدأت كارمن بالحط من شأن نفسها، ازدادت مشاعر اللوم وتأنيب الضمير وامتهان الذات: "نظرت إلى نفسي: أنا شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، يقارب وزنها التسعين كيلو غرام، تتموضع الدهون حول بطنها وفخذيها، تهتز مع أي حركة، تعاشر شاباً متزوجاً، يستغل جسدها لمتعته، بينما يبني عائلة ومستقبلاً مع امرأة أخرى".

يرى عالم النفس الألماني سيغموند فرويد في كتابه "الغريزة والثقافة"، أنه أثناء الحزن يكون العالم فقيراً وخاوياً، بينما تكون الأنا الأعلى غير جديرة بالاحترام، ويكيل الشخص الكئيب التهم لنفسه، وعندما يصف نفسه، وهو في حالة النقد الذاتي المتصاعد، بأنه إنسان صغير، يسعى لإخفاء عيوبه، فإنه يكون قد اقترب من معرفة ذاته بشكل كبير، هنا ندرك أن التجارب المحزنة تقودنا دائماً إلى الحقيقة.

اكتشفت كارمن أن علاقتها الجنسية لم تكن الخطأ الوحيد، فهي عاجزة عن ضبط رغباتها سواء نحو الجنس أو الطعام. تقول: "قرأت مقالة ألمانية مترجمة تشرح أن غريزة الإنسان نحو الطعام أقوى من غريزته نحو الجنس، قررت أن تكون البداية بالامتناع عن الحلويات، أردت خوض التحدي مع ذاتي".

استغرقت محاولات الامتناع عن السكر نحو شهرين، تابعت خلالها كارمن القراءة عن أضرار الحلويات، إلى أن نجحت أخيراً: "منذ أكتر من خمسة أشهر لم أتذوق طعم السكر الصناعي"، وفق ما تصرّح.

بعد انتصارها على شهوتها تجاه الحلويات، هدأت أفكار كارمن، نظّمت طعامها ونومها، خسرت خمسة كيلو غرامات من وزنها، ظهر جليّاً على جسدها.

هل نجحتِ بالابتعاد عنه؟ تجيب: "ذات يوم طلب لقائي عند الساعة العاشرة ليلاً، لكن موعده تضارب مع موعد نومي الجديد، فرفضت. قلت: لا، بعدها تتالت كلمة لا إلى أن خرجت من تلك العلاقة، فتاة جديدة واعية قادرة على التمييز بين الحب والاستغلال".

هذه التجارب الثلاثة، هي جزء من عملية معقدة تخوضها بعض النساء في المجتمعات الشرقية، يتهن خلالها بين مشاعرهنّ المكبوحة ورغبتهنّ ببناء علاقة عاطفية سليمة يسودها الحب والإحترام، غير أنهنّ قد يقعن للأسف في فخ بعض الرجال الذين لا يبحثون سوى عن علاقات جنسية عابرة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard