شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا أحب الناس مسلسل

لماذا أحب الناس مسلسل "بالطو"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الأربعاء 1 مارس 202311:03 ص

مسلسل "بالطو" ربما يكون أول مسلسل كوميدي في السنوات الأخيرة لا يُستعان فيه بممثلي مسرح مصر الذين سطّحوا الكوميديا المصرية إلى كوميديا مناقشة اللاشيء، وهو الشيء الوحيد الذي ظل مسموحاً الحديث عنه في الدراما بأنواعها، لفترة طويلة، كما أن المسلسل لا يستعين بممثلين قادمين من عالم التيك توك، كل رصيدهم هو "انتشار فيروسي" لفيديو أو اثنين، سعياً وراء فوللورز يضمنون نجاح المسلسل سابقاً.

أما الخبر الأعظم من كل هذا، أن المسلسل المنتج عبر منصة "واتش إت" التابعة لجهة سيادية، يناقش مشكلة حقيقية، فيكون موضوعها عن الأطباء الذين يتلقون تكليفهم في مستشفيات بعيدة بأجور زهيدة وبأقل الإمكانيات، مع الوضع في الاعتبار أن المشكلة لم تعرض كاملة وبعمق، بل من خلال صورة ملطفة، كشكل الوحدة الصحية النظيف الذي يلمع ولا يوجد به خطأ واحد من جانب وزارة الصحة التي تراقب وتتابع وتعاقب، رغم أننا كمواطنين مصريين نعلم عن يقين أن حال المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية، يرثى له.

لكن لا يهم، دعنا نحتفل بما يمكن أن نعتبره فك أسر للكوميديا والدراما في مصر، فتلك أخبار لو تعلمون عظيمة.

مسلسل "بالطو" ربما يكون أول مسلسل كوميدي في السنوات الأخيرة لا يُستعان فيه بممثلي مسرح مصر الذين سطّحوا الكوميديا المصرية إلى كوميديا مناقشة اللاشيء، وهو الشيء الوحيد الذي ظلّ مسموحاً الحديث عنه في مصر

بشكل عام، يبدو أن ثمة إدراكاً في "واتش إت" كمنصة تنتج أعمالاً درامية على الإنترنت، ينقص مثيلها في الأعمال التي تنتج مباشرة للتليفزيون، أنها لن تنجح دون أن تتحرّر العقلية وتقلّ الوصاية على صناع الدراما، من كتاب ومخرجين وممثلين.

هكذا أفلت مسلسلا "ريفو" و"تحقيق"، اللذان كتبهما وأخرجهما ولعب أدوار البطولة فيهما ممثلون من جيل الشباب، وحققا نجاحاً لافتاً، في ظل وجود منصات كنيتلفيكس وأمازون برايم، والأهم، منصة عربية ناجحة كمنصة "شاهد" التي أنتجت أعمالاً مثل "بيبمبو" و"وش وضهر"، والتي تتجاوز مفاهيم "العائلة المصرية المحافظة"، وهي الرؤية التي سعت مسلسلات "سينرجي" و"واتش إت" إلى دفعها للواجهة لتكون بديلاً عن مناقشة أي مشكلة حقيقية، بل إن إشارة تلك الأعمال المتضمنة داخلها أننا، كمواطنين، نمثل المشكلة، وكل ما علينا أن نفعله هو العودة لقيم العائلة كي يتوقف الفساد والغلاء.

اللافت أن مسلسل "بالطو"، على نجاحه الكبير، لم يكن أفضل مسلسل كوميدي ممكن، ثمة شيء أفضل على جميع المستويات، نعلم جميعاً أنه ينقص المسلسل، رغم ذلك أحبه الناس وأحبوا صنّاعه، لأنهم استشعروا صدق المحاولة، وبالإضافة لكل ما سبق، وأن المسلسل تنبع فيه الكوميديا من مشكلة حقيقية، فهناك تعاطف واضح مع بطل المسلسل عصام عمر وانحياز لقصة صعوده المؤجلة.

عصام عمر ليس ممثلاً كوميدياً بل ممثل جيد موهوب، لذا لم يبالغ لا هو ولا المخرج ولا المؤلف في إضحاكنا، بل عبّر بصدق عما قد يتعرض له أي شاب مصري في أي مهنة في بداية حياته.

وعصام يمثل من 15 عاماً، حقق نجاحه الأول عبر العمل في حملة إعلانات ناجحة لشركة بيبسي، كان ينتظر منها أن تعزز مشواره في عالم التمثيل، لكن ذلك لم يحدث، وبدلاً من أن يستكمل مسيرته كممثل إعلانات ناجح، فضل أن يوقف هذا النجاح المؤقت؛ لأنه استشعر أن ذلك سيحصره، كعادة المنتجين، في خانة ممثل الإعلانات، بدا أيضاً من حديثه في برنامج منى الشاذلي، تواضعه وبساطته، وأنه يحب الفن حقاً.

يقول عصام في البرنامج عندما تسأله منى عما يريد من الفن، فلوس أم شهرة، فيستشهد بيوسف شاهين الذي قال: "بنشتغل مش عشان نجيب أحسن عربيات، لكن عشان إحنا بنحب السينما، وأنا مش عايز أعمل غير كده، عايز أفضل أعمل أفلام، وشغل عشان أنا بحب ده والناس يوصلها فكرة تنور في عقولهم".

لم يكن "بالطو" أفضل مسلسل كوميدي ممكن، ثمة شيء أفضل على جميع المستويات نعلم جميعاً أنه ينقص المسلسل، رغم ذلك أحبه الناس وأحبوا صنّاعه، لأنهم استشعروا صدق المحاولة

لا يشبه عصام عمر نجوم الأفلام والمسلسلات في هذا العصر اللذين لا يهتمون بالحديث عن الفن أو فهمه أو تأمل تراثه، بل يقضون أغلب الوقت في صالات الجيم وتنمية العضلات وتقديم صورة "ابن البلد" الذي لا يعثر عليه أحد سواهم، وإطلاق مقولات عن " الجدعنة" و"الشقاء" الذي في مفهومهم لا يختلف عن نظرتهم إلى عضلات الجيم، الشقاء هنا ينحط إلى مجرد لمحة "سكسي".

أعتقد أن الناس التقطوا أن عصام والمخرج عمر المهندس، وكذلك المؤلف أحمد فياض، يمثلونهم، وقرّروا تشجيع موهبتهم الطازجة لصدقها وعدم الالتفات لنواقصها، وكذلك التقطوا حالة الصداقة الحقيقية التي تجمعهم، لقد أتوا إلينا على أكتاف موهبتهم فقط، لذا حملهم الناس على الأكتاف منذ العمل الأول، على أمل أن تكون الأعمال التالية أكثر قوة وإتقانا.

رغم كل محاولات تلطيف مشكلة الأطباء في عمل درامي من إنتاج سيادي، إلا أن ذلك لم يمنع أن يستدعي الناس في المقابل ذكريات وشهادات الأطباء عن المواقف التي تعرضوا لها أثناء تكليفهم، وهي مواقف أكثر صعوبة مما استدعاه المسلسل، كأنه استكمال تلقائي لدور الفن الحقيقي حتى وهو ومحاصر بمحاذير أكبر منه.

ورغم ذلك لم يسلم المسلسل من استهجان من بعض الأطباء وأطباء الأسنان، بل وحتى أهالي مطوبس بكفر الشيخ (مكان أحداث المسلسل) إذ هدد بعضهم برفع قضايا؛ لأنه لا يعرضهم بصورة مثالية، كأن كل فئة في المجتمع تريد أن تظهر كملائكة بلا نقيصة، وهي عقلية تعلموها في رأيي من السلطة التي تخشى الحقيقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image