شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من حميدو إلى رابح... نجوم الفوتبول الذين حققوا لنا الانتصارات

من حميدو إلى رابح... نجوم الفوتبول الذين حققوا لنا الانتصارات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 6 أبريل 202302:00 م

تندرج هذه المادة ضمن ملف الرسوم المتحركة (استراحة في عالم الألوان والأمل)، في قسم ثقافة، رصيف22.


ثمة في هذه الحياة فرص نادرة عليك أن تعض عليها بالنواجذ. ولشخص بائس الحظ عموماً، مثلي أنا، فإن إتاحة المجال لي للغناء بصوت عال وبوجود جمهورٍ ما، مثّلت حدثاً استثنائياً، ما كان لي إلا أن أنقض عليه بكل ما أوتيت من قوة، وأنا لم أؤت منها إلا قليلاً.

هكذا، وعندما قرأت في تعليمات خدمة الصحة الوطنية البريطانية، نصيحة تربوية توصي بضرورة الغناء للرضيع، لما في ذلك من فوائد لغوية ونفسية جمة للأخير، مع ملاحظة جانبية، أعتقد أنها كانت لطمأنتي شخصياً، ومفادها أن الرضّع لا يميزون الأصوات الرديئة من الرخيمة، سارعتُ لاعتلاء الكنبة، واضعاً طفلي آدم، الذي لم يكن يتجاوز بضعة أسابيع من العمر، في مقعد الجمهور، وانطلقت بدون سابق تفكير، مردداً كلمات أغنية شارة البداية لمسلسل التحريك "أبطال الملاعب"، والذي شاهدته طفلاً أواخر ثمانينيات القرن الماضي: "هيا بنا يا شبابنا... هذه لعبة الأبطال... بالعزم، بالحب، بالتعاون ما بيننا، يكون الانتصار والبطولة مِلكنا... نلعب... لا نتعب... لا نحزن أو نغضب… بروح رياضية حلوة... فوزنا في حب لعبنا... واحد تنين تلاتة... سجّل".

كان "أبطال الملاعب"، واسمه الأصلي Red-Blooded Eleven أي ما قد تمكن ترجمته بـ"الشجعان الأحد عشر"، أوّل المسلسلات الكرتونية القائمة على كرة القدم، وقد بثتها قنوات تلفزيونية عربية وأعادت بثها مراراً. ستسهم هذه المسلسلات اليابانية وبشكل هائل، بعد دبلجتها طبعاً، في تشكيل ذكريات ولغة وخيال وأهواء وذائقة أجيال عربية متتابعة.

نبوءات وتوقعات كرتونية

بعد جيل حميدو ورياض ودبوس في "أبطال الملاعب"، سيتاح لي وأنا في الخامسة من عمري، وفي السعودية حيث كانت الأسرة تقيم، مشاهدة سلسلة تحريكية أخرى، حملت اسم "الهدّاف"، وهي، كسابقتها، أُنتجت نسختها العربية في الأردن، وبأصوات فنانين أردنيين بشكل أساسي، في مقدمتهم إيمان هايل ونصر عناني.

سأحمل معي خبرة مشاهدة كارتون "الهدّاف" التي أتاحتها لي الإقامة في السعودية، البلد "الرجعي" القائم على "الاقتصاد الريعي"، إلى سوريا البلد "التقدمي" ذي الاقتصاد "الاشتراكي المنتج"، والذي لم يكن طلائعه البعثيون قد شاهدوا المسلسل على شاشاتهم المحلية بعد 

كان الهدّاف أول شخصية في أعمال الأطفال أتماهى معها في تلك الطفولة الغابرة، وسيكون رامي، بالنسبة لي، بمثابة "دييغو أرماندو مارادونا كرتوني"، رغم إيماني بأن النجم الأرجنتيني هو الأول بلا منازع ولا تمكن هزيمته، بخلاف رامي، الذي خسر فريقه "الكمال" المباراة النهائية أمام فريق النمور بقيادة علاء (أدى صوته الفنان السعودي خالد سامي)، عدا عن أن شارة الكابتن في فريق الكمال لم تكن تزّين عضد رامي، وإنما عضد الحارس أمين (محمد حلمي).

ورغم أن رامي تعرض للهزيمة في الحلقة الأخيرة، على عكس بطل الملاعب الأول حميدو الذي تغلب على منافسه البرازيلي كين سانتوس، إلا أن تقاطعاتٍ بين العملين وأعمال أخرى مشابهة، من الممكن استذكارها اليوم، ومنها وجود لاعبين من التوائم، واللاعب الذي يضفي نكهة كوميدية على بعض الحلقات (غالباً من أصحاب الوزن الزائد كدبوس في أبطال الملاعب وزرزور في الهداف)، والقدرات الخارقة لبعض اللاعبين، والتي لا تلقي بالاً للجاذبية أو أي من قوانين الفيزياء والبيولوجيا، كتسديدات رياض التي تأخذ الكرة فيها عدة وجهات وضربة الصقر لحميدو والتسديدة الثلاثية لمهاجمي فريق النسور، وعزيمة البطل، والنجم الأوحد، إلى جانب التذكير الدائم بأهمية الفريق واللعب الجماعي، والمكابرة على الإصابات المزمنة، والقصص الحزينة المرتبطة بعلاقات شائكة مع أحد الأبوين، وغيرها.

سأحمل معي خبرة مشاهدة "الهدّاف" التي أتاحتها لي الإقامة في بلد "رجعي" قائم على "الاقتصاد الريعي"، إلى سوريا البلد "التقدمي" ذي الاقتصاد "الاشتراكي المنتج"، والذي لم يكن طلائعه البعثيون قد شاهدوا المسلسل على شاشاتهم المحلية بعد، حين عادت أسرتي مطلع التسعينيات من الخليج. وسأستعين بهذه الخبرة النادرة لأقدم تحليلاتي المبنية على أسس علمية تذكّر بالتحليلات الفايسبوكية التي تنتشر مع كل بطولة كروية كبرى، ولإعطاء الدروس للأقران في المدرسة أو في الحي بشأن الوجهة المتوقعة لسير مسلسل جديد في ذاك الوقت، كنّا نشاهده في درعا على شاشة تلفزيون البلد "الرجعي" الآخر، الأردن.

كان المسلسل الجديد الأشهر والأكثر انتشاراً من بين كل مسلسلات التحريك الكروية هو "الكابتن ماجد"، أو كابتن تسوباسا في النسخة اليابانية الأصلية، والتي دُبلجت أردنياً كذلك وبأصوات عدد من الممثلين والممثلات، من أبرزهم سهير فهد وقمر الصفدي ووفاء القسوس وماهر خماش ورفعت النجار.

وبينما دأبت، بثقة، على التأكيد بأن خسارة الكابتن ماجد في المباراة النهائية محسومة، بناء على شهادتي التي حزتها في "علم الأنيميشن المقارن" بعد متابعتي للهداف، وخسارته الحزينة للمباراة النهائية، فإن امتداد بث المباراة النهائية بين فريق المجد بنجومه ماجد ووليد وياسين، وفريق الحرية بمواهبه بسام ورعد وإحسان، على مدار سبع عشرة حلقة كاملة، منحني أكثر من أسبوعين إضافيين لـ "أبيض" بخبراتي ومعارفي على الأصحاب الجاهلين الذين كانوا يستسلمون أمام عِلْمي الغزير، قبل أن تنتهي الحلقة الأخيرة بهزيمة تحليلاتي وبفوز واضح لماجد ورفاقه وبأربعة أهداف لهدفين، ما جعلني "أكف مغيَب" عن الحارة لـ "يومين زمان".

كرتون سوريا وفوتبولها المتأخرَين

مثل الإنتاج الياباني المتتابع لمسلسلات تحريك خاصة بكرة القدم سعياً للترويج لهذه الرياضة في بلاد لم يكن الفوتبول هو اللعبة الشعبية الأولى فيها، على غرار غالبية دول العالم، وبالفعل، شهدت اليابان منذ الثمانينيات، نهضة كروية متسارعة توجَتها بإحراز لقب كأس آسيا للمرة الأولى عام ١٩٩٢، قبل أن تتأهل لكأس العالم للمرة الأولى عام ١٩٩٨، ولتشارك في جميع نسخ كأس العالم منذ ذلك التاريخ، محققة بعض الانتصارات اللافتة على قوى كروية تقليدية مثل ألمانيا وإسبانيا، ومسجلة حضورها في الدور الثاني في أربع مناسبات، عدا عن مشاركتها لجارتها كوريا الجنوبية في استضافة الحدث العالمي عام ٢٠٠٢.

لا يمكن إلا لعقلٍ طفليّ النمو أن يصدق إنجاز ذهبية دورة ألعاب المتوسط التي نالها المنتخب السوري بفوزه على منتخبات أوروبية من الصف الثالث أو الرابع

في المقابل، كان المنتخب السوري خلال سنوات بث هذه المسلسلات الكرتونية يراوح مكانه، فلا هو تأهل لمونديال، ولا حتى بلغ الدور الثاني في أي من مشاركاته الآسيوية المتفرقة. هكذا اكتفينا بتحويل منتخب أواخر الثمانينيات وأول التسعينيات ذاك إلى أسطورة، ولا يمكن إلا لعقل طفليّ النمو أن يصدق إنجاز ذهبية دورة ألعاب المتوسط التي نالها المنتخب السوري بفوزه على منتخبات أوروبية من الصف الثالث أو الرابع. وإذا كانت براعة ماجد وبسام ورعد ووليد مفهومة في عالم تخييلي يخاطب الأطفال، فإن "موهبة" مالك شكوحي أو "عظمة" عبد القادر كردغلي أو "استثنائية" وليد أبو السل لم يكن يقابلها أي منجز حقيقي في الميدان. لقد عوضتنا بطولات ماجد وياسين عن خيبات مناف رمضان ووليد الناصر.

ستدخل سوريا بقوة عالم دبلجة مسلسلات التحريك إلى العربية في تسعينيات القرن الماضي، بعيد إقرار قانون الاستثمار رقم ١٠ الهادف لتحفيز الاستثمار، وشكل "مركز الزهرة للإنتاج والتوزيع الفني" حجر الأساس في تصدر دمشق لهذا المشهد الذي لطالما تقاسمته عمّان وبيروت وبغداد (قبل غزو الكويت).

وبرزت مجموعة من الأسماء التي عملت في مجال برامج الأطفال، كطارق العربي طرقان الذي لحن مجموعة من الشارات، والمغنية رشا رزق، والممثلين والممثلات إنجي اليوسف ومازن الناطور ومأمون الفرخ، والفنانة الأبرز أمل حويجة، وهي التي عهد إليها الأداء الصوتي لشخصية ماجد في الجزء الثاني من المسلسل، وقد أُنتج ودُبلج سوريّاً هذه المرة.

أغني لابني آدم اليوم عن "الهداف الذي يلمع كالنجم الساطع وفريقه كالأمل الطالع" أو عن رابح الذي "يبقى دوماً في الأوصاف مثال الشاب الناجح"، بينما أستعير له من مخزون صرخات ماجد لياسين ونداءات رعد لبسام حين ألاعبه بكرةٍ ما زال لا يجيد ركلها 

خلَف رابح كلاً من ماجد ورامي وحميدو، كآخر نجوم جيلي من أبطال التحريك الكرويين، ورغم أن الأحداث دارت في مدينة جنوا الإيطالية، إلا أنها تمحورت، في نسختها اليابانية الأصلية المنتجة عام ١٩٩١، حول شخصية يافع ياباني هو مويرو (الذي تحول إلى رابح عربياً)، يسعى لاحتراف كرة القدم في إيطاليا التي كان دوريها في ذلك الوقت هو الأقوى عالمياً.

وبالفعل، وما هي إلا سنوات، حتى بدأ لاعبو كرة قدم يابانيون يجدون طريق الاحتراف إلى بعض أقوى الأندية العالمية، كان من أشهرهم هيدوتشي ناكاتا الذي لعب لخمسة أندية إيطالية، والذي، يا للمفارقة، قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية إنه مارس كرة القدم بدلاً من البيسبول (إحدى أكثر الرياضات شعبية في اليابان) في طفولته متأثراً بشخصية الكابتن تسوباسا، أي الكابتن ماجد (ما غيره). أنتجت شركة إماراتية دبلجة "مويرو النجم الهداف" أو "الكابتن رابح" بالاعتماد على أصوات فنانين لبنانيين أساساً، منهم سناء حامد وعفيفة فاعور وعمار شلق.

في مقال لمّاح عقب وفاة الفنان اللبناني سامي كلارك، الذي غنى بعض أشهر شارات مسلسلات الأطفال المدبلجة في الثمانينيات، كتبت رشا الأطرش: "ما زال رجال، كهول اليوم، حين ينخرطون مع أطفالهم في اختراع المغامرات، يفعلون ذلك بالفصحى، من دون تفكير وبتلقائية تبعث على الابتسام. هؤلاء الرجال، والنساء، الأربعينيون اليوم، أبناء عولمة مبكرة. عولمة العالم العربي القائمة، أيام غرندايزر سامي كلارك وجهاد الأطرش، وشخصيات وحيد جلال ووفاء طربيه".

كأحد هؤلاء الكهول الذين تشير إليهم الأطرش، أغني لآدم اليوم عن "الهداف الذي يلمع كالنجم الساطع وفريقه كالأمل الطالع" أو عن رابح الذي "يبقى دوماً في الأوصاف مثال الشاب الناجح"، بينما أستعير له من مخزون صرخات ماجد لياسين ونداءات رعد لبسام حين ألاعبه بكرةٍ ما زال لا يجيد ركلها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image